السودان: حرب مدمرة تسطر مأساة جديدة في إقليم دارفور المنكوب

 

في الخامس من نوفمبر الجاري، أعلنت قوات الدعم السريع، استيلائها على معسكر الفرقة 15 مشاة بمدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، لتبسط بذلك سيطرتها على المعقل الثالث للجيش من أصل خمسة في الإقليم المحترق منذ 20 عامًا. 

 

وسيطرت الدعم السريع أولًا على الفرقة 16 نيالا في صباح 26 أكتوبر، ثم الفرقة 21 زالنجي في 31 من الشهر نفسه، لتضم بذلك رقعًا أوسع في أرض دارفور، بالتزامن مع ارتكابها انتهاكات لم تتوقف منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي في السودان. 

 

وبينما ينقل إعلام الدعم السريع ما يصفها بالانتصارات بتفانٍ تام، تصمت في المقابل بيانات الجيش لتثير تساؤلات عديدة حول مدى رغبة المؤسسة العسكرية في القتال من أجل دارفور، خاصة وأنه من المرجح أن سقوط الحاميتين 16 نيالا و15 الجنينة قد تم بانسحاب القوات الموجودة، وهذا ما أشار إليه قائد الدعم السريع في آخر تسجيل مصور منسوب إليه قال إنه بمناسبة تخريج دفعة جديدة من القوات.

 

في بداية اندلاع الحرب، صرح والي ولاية غرب دارفور السابق، خميس أبكر، في آخر ظهور له قبيل اغتياله بواسطة الدعم السريع، أن مدينة الجنينة تشهد هجومًا شرسًا، مشيرًا إلى أن الفرقة 15 مشاة لم تخرج حتى من ثكناتها لحماية المواطنين، أو لفرض هيبة الدولة.  

 

وبين توسع الدعم السريع وخطط الجيش غير المعلن عنها، يرزح مواطنو دارفور تحت وطأة حرب طاحنة، دفعت بمئات الآلاف لترك منازلهم والهروب إلى داخل وخارج البلاد، ولاحقت البعض في الأماكن التي نزحوا إليها.

ظروف إنسانية قاسية

ومنذ اندلاعها؛ حكمت الحرب على السودانيين بظروف قاسية ورحلة مريرة لا يبدو أنها ستنتهي قريبًا، حيث نزح ولجأ الملايين من ولايات السودان المختلفة إما خارج البلاد، أو نحو مدن لم تسلم من وعيد وصول الحرب إليها. 

 

وبالرغم من أن جميع السودانيين قد أخذوا نصيبهم من ويلات الحرب، إلا أن الأمر اختلف عندما انتقلت الحرب إلى الإقليم المضطرب سلفًا، إذ لم تكن هي الأولى بالنسبة لدارفور التي تشهد حروبًا أهلية ونزاعات امتدت لعقدين من الزمن.  

 

وفور انتقالها إلى دارفور، بدأت الحرب في اتخاذ وتيرة أعنف بالنسبة لبقية الولايات وتفرعت لتخرج من حيز صراع الجيش والدعم السريع إلى مليشيات متعددة لتتخذ طابعًا ينذر بحرب أهلية جديدة في دارفور. 

 

وفي ظل هذه الظروف واجه المدنيون في دارفور، المأساة مجددًا بين موجات نزوح وتنقل بين معسكرات النزوح التي تقبع كذلك في سجل أهداف الدعم السريع.

 

منظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة يونيسيف، ذكرت في تقرير  أن الوضع في دارفور يشكل مصدر قلق خاص، مشيرة إلى أكثر من خمسة ملايين طفل في الإقليم يعيشون في خطر شديد، بينما قدرت عدد الأطفال الذين نزحوا بنحو 270 ألف بسبب القتال الدائر.   

غرب دارفور

«نؤكد بأن ما يجمعنا بدولة السودان هي أرض دار مساليت، التي أصبحت جزءًا منه بموجب اتفاقية قلانى والتي نحن بصدد مراجعتها» اختتم بهذه العبارة سلطان دار مساليت سعد بحر الدين بيانه عقب خروجه من مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، منوهًا بأنه خرج بعد دخول الحرب في الجنينة يومها الخمسين، مشيرًا إلى أحداث دامية شهدتها المدينة وصفها بالمخطط المدروس.  

 

وبحلول الرابع والعشرين من أبريل الماضي كانت شرارة الحرب في الخرطوم قد انتقلت إلى منطقة غرب دارفور التي تعد في الأصل منطقة هشة بالأساس وشهدت نزاعات دامية في السنوات الأربع الأخيرة. 

 

تواصلت الاشتباكات في الجنينة لأيام وفي 27 أبريل هاجمت الدعم السريع الأحياء أسفر عن مقتل المئات وحرق مراكز إيواء للنازحين. 

 

واستهدفت المليشيات الموالية للدعم السريع رؤوس وأعيان مجتمع المساليت في مدينة الجنينة، حيث قتل أولًا طارق عبد الرحمن بحر الدين، شقيق السلطان برفقة آخرين من الأعيان. 

 

وفي يونيو تعرض والي غرب دارفور، خميس أبكر، للقتل والتمثيل بجثته  وانتشر مقطع على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر أبكر غارقًا في دمائه وسط مسلحين بعد اقتياده من داخل مكتبه بواسطة مسلحين الى مكان غير معروف. 

 

فيما تشير أصابع الاتهام إلى تورط الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها في الجريمة، حيث أظهر مقطع فيديو وهو يتم اقتياده إلى مكتب في وجود قائد الدعم السريع بغرب دارفور وعناصر من قواته. بالمقابل، أعلن الجيش في بيان اختطاف الوالي، متهمًا الدعم السريع باختطافه، مشيرًا إلى أن الوالي ليس جزءًا من الصراع. 

 

وجاء مقتل الوالي بعدما أدلى بتصريح على إحدى القنوات الإعلامية، مستعرضًا الانتهاكات التي تعرضت لها الجنينة منذ 23 أبريل، وقال إن الوضع سيئ للغاية، مشيرًا لتوقف المستشفيات والانتهاكات التي طالت المدنيين وعمليات النهب والتدمير الواسعة التي تتعرض لها الجنينة، موضحًا أن الجيش لم يتدخل طوال الأحداث الدامية التي شهدتها المدينة.

 

وضاق الحصار أكثر على الجنينة في الأيام التي أعقبت مقتل الوالي، حيث شهدت أعمال عنف وانتهاكات جسيمة للحد الذي دعا المنظمة العالمية أطباء بلا حدود الى وصفها «بالمكان الأسوأ على الاطلاق في العالم»، ودفعت أعمال العنف منذها إلى فرار أكثر من 500 ألف شحص إلى الجارة تشاد. فيما 

تواردت شهادات مرعبة من الناجين حول الأحداث التي شهدتها الجنينة والتي تعرض لها المدنيون طوال الطريق إلى الحدود التشادية – السودانية. 

موجة جديدة من الانتهاكات

في الرابع من نوفمبر الجاري، أعلنت الدعم السريع سيطرتها على قيادة الفرقة 15 مشاة الواقعة ببلدة أردمتا شرقي شمال الجنينة بعد انسحاب الجيش من قيادته نحو منطقة «كلبس». 

 

عادت الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها لترتكب مزيدًا من الانتهاكات في المنطقة التي أصبحت تحت سيطرتها وعادت لاستهداف الأعيان الاهلية واغتالت «الفرشة» محمد أرباب وهو بمثابة نائب سلطان دار مساليت في منطقته، وقتل ابنه وثمانية من أحفاده ببلدة أردمتا. 

 

وتم تداول عدد من مقاطع الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر مجازر مروعة ارتكبت بحق المدنيين ببلدة أردمتا بواسطة الدعم السريع. وقال نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنساني بدارفور، طوبي هاورد، في منشور على حسابه بموقع إكس أنه تلقى صورًا تظهر اغتيالات وانتهاكات جسيمة بحق المدنيين داعيًا «أولئك الذين يتمتعون بالسلطة» لاحترام القانون الإنساني الدولي، وحماية المدنيين، وضمان سيادة القانون. 




وسط دارفور

 

منذ سبتمبر الماضي تحاصر الدعم السريع معسكر الحصاحيصا للنازحين في مدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، وشهدت المنطقة هجومًا واشتباكات متقطعة أودت بحياة 150 من المدنيين.

وفي أواخر أكتوبر هاجمت الدعم السريع بجانب مليشيات موالية لها حامية زالنجي أعلنت في أعقابه استيلائها على الفرقة 21 التابعة للجيش بمدينة زالنجي. وتسبب الهجوم على زالنجي في فرار الآلاف من المدينة.

شمال دارفور

شهدت مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال اشتباكات متقطعة طوال السبعة أشهر الماضية، إلا أن المعارك اشتدت في أواخر أكتوبر الماضي، حيث شهدت اشتباكات عسكرية عنيفة بين الجيش والدعم السريع بعد إعلان الأخيرة سيطرتها على حاميتي نيالا وزالنجي، في وقت تحتضن فيه الولاية آلاف النازحين، بحسب مفوضية العون الإنساني في آخر حصر لها في 22 أكتوبر الماضي.

 

في الثامن من نوفمبر عادت الدعم السريع لتعلن في منشور على منصة «إكس» استيلائها الكامل على اللواء 24 مشاة بمنطقة أم كدادة فيما أطلقت تحذيرها الأخير للفرقة السادسة بالفاشر، ونشرت قواتها في المنطقة. وقال شهود على إن البلدة التي نزح اليها مواطنو المدن المجاورة شهدت أعمال عنف أدت إلى مقتل مدني ونهب منازل المواطنين، وممتلكاتهم فضلًا عن نهب السوق الكبير. 

 

دفعت الاشتباكات العنيفة بالفاشر والي ولاية شمال دارفور نمر عبد الرحمن إلى حث مواطني المدينة على مغادرة المناطق الواقعة في دائرة اشتباكات طرفي الصراع. 

 

وخلال الأشهر الماضية، نزح عشرات الآلاف من ولايات وسط وجنوب وغرب دارفور إلى الفاشر. وفي تصريح  لـ«بيم ريبورتس» قال المنسق العام بغرفة طوارئ نيالا، إدريس مناوي