
محمد النعسان - Freelancer
«وهنا في هذا المخيم، تواجهنا الكثير من التحديات والصعوبات، فمعوقات الحياة التي واجهتنا هنا تختلف تمامًا عن تلك التي تركناها خلفنا في السودان، وفي حين أن أغلب الناس الذين قدموا من السودان هم مهرة وذوو خبرة، إلا أنه لا توجد فرص عمل هنا».
هذا ما سرده أبو بكر محمد، حول الصعوبات التي تواجههم في معسكر كرياندنقو للاجئين غرب أوغندا، والذي وصل إليه، في 8 مايو 2024، من مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، نسبة للإضرابات الأمنية والمعارك العسكرية الضارية التي شهدتها المدينة.
لا يزال محمد يتذكر ذلك اليوم جيداً، يوم فراره من نيالا حيث كان مليئًا بالقصف العشوائي ومختلف أنواع القذائف.
كانت رحلةٍ طويلة مليئة بالأهوال خاضها أبو بكر وعائلته، استهلوها إلى مدينة الضعين بشرق دارفور ومكثوا فيها ثلاثة أيام، قبل أن يعبروا الحدود البرية مع جنوب السودان، وهو ما لم يكن سهلاً مع تقييد الحركة والارتكازات العسكرية والأكثر مرارة كان التهديد بالاغتصاب والتنكيل.
“لكن الحمد لله، وصلنا إلى جنوب السودان سالمين، استرحنا في مدينة واو لثلاثة أيام وبعدها سافرنا إلى مدينة جوبا، وفي 20 سبتمبر وصلنا الأراضي الأوغندية، وأقمنا في نيومانزي لمدة ستة أشهر حتى تم نقلنا لمعسكر كرياندنقو” – يضيف أبو بكر.
معسكر كرياندنقو للاجئين
يقع المعسكر الواقع في مدينة بويالي في مقاطعة كرياندونقو غربي أوغندا، ويتكون من ثماني قطع سكنية (كلاسترات) يسكن السودانيون بشكل جماعي وبأعداد كبيرة في كل من كلاستر GوLوC وتقدر أعداد اللاجئين السودانيين بدولة أوغندا بحسب آخر إحصائية للـ UN بـ50 ألف لاجئ ولاجئة، كما يقوم بعضهم باستئجار بيوت مكونة من غرف إما داخل بيوت اللاجئين من الجنسيات الأخرى مثل الإثيوبيين والجنوب سودانيين، أو من المواطنين اليوغنديين وأيضا السودانيين من أصحاب الاستثمار في السكن.

تقع أجزاء من هذه القطع السكنية قرب بعضها البعض، والأخرى تبعد من كلاستر G (السكن المركزي للسودانيين/يات) قرابة الساعتين مشيًا على الأقدام، ويشكو الناس من بعد المسافات وغلاء أسعار المواصلات (البودا)-وهي عبارة عن دراجة نارية- وسيلة النقل الوحيدة في المنطقة؛ خصوصا مع الندرة الشديدة في الأعمال والوظائف مما سبب بطالة واسعة لم يعتادوا عليها، بوصفهم الغالب عليه انحدارهم من المدن السودانية، علاوةً على صعوبة اللحظة التأسيسية لمجتمع جديد يضم العشرات بل المئات من الأسر، تجدهم في حركة دؤوبة لا تنقطع إلا في بعض لحظات السمر في محلات القهاوي، أو محاولة أخذ قيلولة بصعوبة ربما تحت شجرة ما أو أي مكان مفتوح وظليل.
ومع سخونة الجو وحرارة الخيام المصروفة بواسطة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فإن معاناة مرضى الصدرية تصبح مضاعفة بسبب سخونة وحرارة الخيم، أيضا يشكون من عدم وملاءمتها للطبيعة من حولهم سواء في ساعات النهار أو الليل بسبب الرطوبة العالية وأيضا البرودة الشديدة، ما يضاعف من معاناتهم وفي بعض الأحيان قد يسبب خطورة مباشرة في وقت العواصف الرعدية، وذلك لكون المفوضية تعطي الأفراد والأسر بعض مواد البناء التي لا تصلح لتشييد سكنى ثابتة تقي من الحر والبرد والمطر في أراضي مفتوحة على شسوع المكان وقساوة بيئته.
جهود جماعية واجتماعية
«وصلنا كلاستر G ليلا وبعد اكرامنا وتجهيز مكان للمبيت»، تفضل عثمان بالحكي، وهو من قيادات مجتمع اللاجئين الشباب، وكان واضحًا من حديثه المسؤولية واستشعار الصعوبات الكبيرة التي يواجهونها، بما فيها العمل في تنسيق وقيادة مجتمع جديد في وضع إنساني استثنائي وقد يكون جديد كليا للكثير من السودانيين والسودانيات في المعسكر.
اعتذر عثمان عن مواصلة الحديث معللا ذلك بالإرهاق وأيضا نيته بالصحو باكرًا لاستكمال ما انقطع من عمله مع زملائه في مكتب القيادات، ورفاقه في السكن والهموم المشتركة، برغم ذلك، شرع مباشرة في ترتيب الوصول للناس في بيوتهم، مظهرًا همة عالية في الاستجابة السريعة لأي استفسار أو مشورة للتعريف بأوضاع الناس ومعيشتهم هناك، وعن كيف يكافحون من أجل تحسين الأحوال وحل مشكلات اليومي والمعتاد.
في صباح اليوم التالي، صحونا على صوت (توكتوك) اكتشفنا لاحقا، أن صاحبه يستأجره لنقل الكراسي وغيرها مما يحتاجه الشابات والشبان في مركز الشباب في كلاستر G، وقد فكروا في بناء مكان يقيمون فيه أنشطتهم الثقافية والاجتماعية، حيث تتكفل أمكنة القهوة بقعدات الونس وتبادل الحديث سواء في الصباح أو منتصف النهار أو نهاية اليوم ليلا.

صعوبات ومحاولات مستمرة
التقينا مع العم أبو بكر محمد في بيته بالمعسكر، وجدناه منهمكًا في زراعته المنزلية وعلى يده تراب الزرع، وعندما سألناه عن الحياة في المعسكر، وافق على الإجابة عن الأسئلة بحماس تحت شمس صباح منعشة وحارة، وبعدها دلفنا إلى الحديث معه، فأخبرنا عن اختلاف التحديات والصعوبات، والتباين الكبير في الثقافات والعادات والتقاليد، الأديان والحريات المفتوحة عما ألفه في مدينته بالسودان.
أما بالنسبة للشباب، يشرح أبو بكر «كانوا يأملون أن يعيشوا في بيئة تليق بهم، بيئة أفضل من السودان فوجدوا بيئة لا تلبي تطلعاتهم، ومنهم من قرر الرجوع إلى السودان ومنهم من قرر الذهاب إلى ليبيا، والآن الشباب يعانون معاناة شديدة جدا لعدم توفر الأعمال».
ذعر في المعسكر
وفي الشهور الماضية، شهد المعسكر حالة من الذعر الذي استشرى وسط اللاجئين السودانيين، وذلك على خلفية انتشار معلومات حول أشكال من الطقوس الاجتماعية التي تمارسها المجتمعات المستضيفة حول المعسكر.
وتداول الناس أن هذه الطقوس تشمل الكجور وقتل وخطف الأطفال، وبمجرد انتشار هذه المعلومات غير معلومة المصدر، حدث اضطراب شديد خاصة وسط الأطفال في المدارس.
ويصف أبو بكر الأمر «حصل هلع شديد وسط الطلبة مما أدى لإغلاق المدارس، وتم صرف الطلاب لمنازلهم، ونحن كآباء لم نجد طفل مقتول أو مذبوح، فقط نسمع الإشاعات والإشاعة كانت قوية ومؤثرة بالنسبة للسودانيين».
خاتمة
تبين التحديات اليومية التي يواجهها اللاجئون/اللاجئات في معسكر كرياندنقو، من بين ماتبين (لحظة الصفر) في تكون مجتمع جديد في وضع إستثنائي لو جاز التعبير، بمعنى البداية الجديدة في سياق مختلف وجديد كلياً بالنسبة إليهم، نقرأ في وجوه الناس هناك وفي حركتهم الدؤوبة والنشيطة أدبيات جديدة في المقاومة والكفاح والصمود لمواصلة الحياة، تعمل النساء من داخل مطابخهن في القطع السكنية الخاصة بهن أو في المطابخ العامة التي تم إنشاؤها لمجابهة الجوع، تجدهن يفكرن في ملماتهن في تحسين شروط الحياة القاسية بشكل جماعي، أيضا فكرة الانتظام في أجسام منفصلة تخصهنْ يقمن فيها بحصر أعداد النساء والأطفال والتصدي لمطالبهنْ وقضاياهن نيابة عن أنفسهن، تحكي قصص الناس هناك نموذج للأمل والتكافل والتعاون يستلهم مستقبل أفضل على الأقل للأجيال القادمة، تلك التي ولدت أو شبت في سياقات اللجوء بعد النجاة من أهوال الحرب.