Tag: سياسي

كيف غيّرت ستة أشهر من الحرب السودان

كان السودانيون، رغم التوترات العسكرية التي بلغت ذروتها، منهمكون في قضايا حياتهم اليومية، وعشرات الملايين بينهم يستعدون لاستقبال العيد، عندما عادوا إلى دورة الحروب ثانيةً، لكن من قلب العاصمة الخرطوم، هذه المرة.

منذها؛ أي في أعقاب انطلاق الرصاصة الأولى، في صباح الخامس عشر من أبريل الماضي بالخرطوم، لم يعد السودان البلاد التي عرفوها، وانحدرت حياتهم، تحت أزيز الطائرات ودوي المدافع وغيرها من الأسلحة، في متتالية هندسية من القتل والدمار والموت والنزوح واللجوء والمرض والتهجير القسري، وفقدان كل ما لم يختاروا فقدانه.

اليوم؛ تُكمل حرب المدن التي اندلعت فوق رؤوس الملايين، بين الجيش السوداني، ووحدته السابقة قوات الدعم السريع، ستة أشهر منذ بدايتها، راسمةً خريطة واسعة من الفوضى الدامية والمدمرة.

كما أن الحرب لم تعد محصورة بين الجيش والدعم السريع، وعبر فوهة البندقية فقط، إذ تتوسع خارطتها الجغرافية يومًا بعد يوم، وتتنوع أدواتها المدمرة في وضع حد لحياة السودانيين وآمالهم بالسلام.

اتساع رقعة الحرب

كان مبلغ الآمال ألا تتمدد الحرب، وأن تحصر في مكمنها وتحل، لكن الحريق امتد شمالًا بشكل نسبي، ثم انتقلت غربًا على مدى رقعة جغرافية واسعة النطاق، قبل أن تتوطن جنوبًا، فيما لا يزال مركزها الخرطومي نازفًا ومشتعلًا.

 حوالي 10 آلاف شخص فقدوا حياتهم، ويعتقد أن العدد أكبر من ذلك بكثير، وأضعافهم من المصابين، ونحو 6 ملايين نازح داخلي ولاجئ في دول جوار السودان، بالإضافة للأعداد غير المعروفة للعسكريين الذين قتلوا وأصيبوا في الحرب من كل الأطراف. 

قائمة طويلة من الفقد والخسارة بأشكالهما المختلفة، يتشاركها أكثر من 40 مليون سوداني، على وقع الاختلاف عبر السلاح، الذي وسم تاريخ ثالث أكبر بلد أفريقي منذ استقلاله في 1956، غير أنها خسارة محملة بمخاطر الانقسام مجددًا، كما المرات السابقة، مع فرق أنها تأتي على أسس ما قبل الدولة.

تفاقم الأزمات

لم يكن السودان قبل الحرب، بعيدًا عن الأزمات الخانقة في شتى المجالات، والصراع السياسي والعسكري، ومع ذلك لا يبدو في مخيلة بناته وأبنائه بعد ستة أشهر منها، أقل من جنة دمرتها الأخطاء الاستراتيجية المتراكمة والشقاق السياسي.    

إنسانيًا، وسياسيًا، وأمنيًا، وعسكريًا، وصحيًا، واقتصاديًا وكل مقومات الحياة، أصبحت حلمًا بعيد المنال، بعد ستة أشهر من حرب المدن الدامية، رسمت كثيرًا من الظلمة العاتية والقليل جدًا من الأمل بالنجاة بالنسبة للسودانيين.

وبلغ عدد الفارين من الحرب في السودان، منذ اندلاعها وحتى 11 أكتوبر الجاري، ما يزيد عن 5.8 مليون شخص. حيث شهدت الأشهر الماضية عدداً من موجات النزوح، وجاء بعضها داخليًا إلى الولايات التي لم ينتقل إليها الصراع، حيث تجاوز عدد النازحين في الداخل الـ 4.5 مليون شخص، يتوزعون على نهر النيل، جنوب دارفور، شرق دارفور، ولاية الجزيرة، الولاية الشمالية، شمال دارفور. بينما لجأ ما يزيد عن الـ 1.2 مليون شخص إلى دول الجوار «مصر، جنوب السودان، إثيوبيا، تشاد، ليبيا وأفريقيا الوسطى» ودولٍ أخرى. فيما لا يزال آلاف المواطنين محاصرين في المدن الكبرى.

وما تزال موجات النزوح مستمرة إلى اليوم، والتي كان آخرها الخميس الماضي، عندما نزح عدد من سكان مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، من الأحياء الغربية، التي تشهد اشتباكاتٍ مستمرة، إلى الأحياء الشرقية الأقل عنفاً.

أزمة إنسانية متفاقمة

تسببت الحرب في أزمة إنسانية مريعة تضاعفت مع استمرار الحرب. قتل ما يزيد عن تسعة آلاف شخص وفق منظمة أكليد المتخصصة في جمع بيانات النزاع وأحداثها مع إكمال الحرب شهرها السادس.

ويعيش ملايين السودانين في ظروف عصيبة، ويستحيل على الكثيرين توفير متطلبات الحياة اليومية من طعام ودواء، بالإضافة للحصول على الخدمات والعلاج والدواء. وكانت الأمم المتحدة قد أشارت في سبتمبر الماضي إلى أن أكثر من ستة ملايين شخص في السودان على بعد خطوة واحدة من المجاعة، وأن هذه الأعداد ستزداد مع استمرار الحرب. ولفت تقرير لمنظمة الغذاء العالمي الفاو، في أغسطس الماضي، إلى أن أكثر من 6.2 مليون شخص في السودان يصنفون ضمن مستوى الطوارئ، فيما يحتاج 24.7 مليون شخص للمساعدات الإنسانية.

الصحة والتعليم

بلغت نسبة المرافق الصحية المتوقفة عن العمل في المناطق التي تشهد اشتباكات مسلحة 70% ، خلال أكتوبر الجاري، فيما تعاني المناطق الأخرى من ضغط كبير بسبب نزوح السكان، يأتي ذلك بالتزامن مع تفشي الوبائيات التي تتمثل في الكوليرا وحمى الضنك والملاريا.

وتفاقم سوء الأوضاع الإنسانية بمجئ الخريف، مع بداية يوليو الماضي، إذ تأثر 72 ألف شخص في 17 محلية بسبع ولايات جراء الفيضانات والأمطار وفقًا للوحة بيانات فيضانات السودان لعام 2023. حيث تضرر نحو 12 ألف منزل، مما تسبب في تأثر وتضرر 80 ألف شخص،  كما لقي أكثر من 10 أشخاص مصرعهم في مناطق عدة بولاية نهر النيل، شمالي البلاد.

أثرت الحرب أيضًا على التعليم في مراحله المختلفة، وكان للأطفال النصيب الأكبر، حيث أن 19 مليون طفل لا يتلقون تعليمهم، ما يعني أن واحد من بين  كل ثلاثة أطفال خارج  أسوار المدارس، كما يصعب استعادة مسار التعليم بكل مراحله بسبب الدمار الذي طال مؤسسات التعليم. بالإضافة إلى اتخاذ المدارس كمراكز لإيواء النازحين.

العمل في ظروف صعبة

منذ اندلاع الصراع، تعمل المنظمات الإنسانية في السودان في ظروف غير آمنة، الأمر الذي تسبب في مقتل 19 من العاملين في الحقل الإنساني، علاوة على ظروف  شح الوقود ومحدودية شركات النقل التجارية وتضخمًا في تكاليف النقل، مما يخلق تحديًا أمام إتاحة الوصول إلى المحتاجين، لا سيما في المناطق التي يصعب الوصول إليها في الخرطوم وولايات دارفور.

وهناك عقبات أخرى تتمثل في تعليق 221 تأشيرة مقدمة من المنظمات غير الحكومية الدولية، ولم يجر تجهيز سوى 22 % فقط من طلبات التأشيرات المقدمة من المنظمات غير الحكومية الدولية وذلك حتى 4 أكتوبر ولم يبت في أمر بعض طلبات التأشيرات لأكثر من أربعة أشهر ولم تجهز سوى 23 % من الطلبات المقدمة إلى الأمم المتحدة منذ 20 أغسطس.

ومع استمرار الصراع وتصاعد وتيرة العنف وغياب الدور الحكومي، ما يزال المواطن السوداني يعيش ظروفًا معيشية وصحية صعبة في ظل ترد أمني مستمر.

اقتصاد يتداعى

يبدو الحديث عن الاقتصاد السوداني، بعد ستة أشهر من الحرب، ضربًا من ترف الخيال وخيطًا رفيعًا من الأمل. خدميًا، تآكلت البنية التحتية بوتيرة متسارعة تحت نيران الحرب، فيما يعجز القطاع الحكومي عن الإيفاء بمستحقات عامليه للشهر السادس على التوالي، في وقت تتعقد الأزمة المعيشية والإنسانية تحت وطأة الدمار الهائل وفقدان مصادر الدخل والأعباء التي ألقت بها الحرب على كاهل المواطنين.

في المقابل، تصرف حكومة الأمر الواقع، أنظارها عن الثمن الباهظ الذي يدفعه المواطنون في الحرب، بدايةً بتوفير السلع الأساسية في ظل غلاء طاحن وانعدام للسيولة وارتفاع في تكاليف التنقل وتذاكر السفر، وهو العامل الأول الذي اصطدم به السودانيون عند اندلاع الحرب في محاولتهم للهروب من مناطقهم التي أصبحت ساحات للقتال بين الجيش والدعم السريع.

وفي وقت تغيب فيه مظاهر الحكومة في المناطق التي تشهد صراعًا مسلحًا، تتعمق الأزمة الاقتصادية في ظل انهيار للبنى التحتية ودمار هائل يطال جميع مؤسسات الدولة المركزية والمباني الحيوية، التي إما تعرضت للتدمير، أو تحولت لثكنات عسكرية.

وتسبب انعدام الأمن والمواجهات المسلحة المستمرة لستة أشهر في خروج مئات المنشآت العاملة في القطاع الصناعي والتجاري عن الإنتاج تمامًا، ليزيد ذلك من أعباء المواطنين بارتفاع تكاليف السلع، بسبب توقف سلاسل الإمداد.

صورة توضح احتراق شركة النيل للبترول

عاد الاقتصاد السوداني، الذي تنفس الصعداء، على الأقل في مستوى الآمال، في أعقاب تولي الحكومة الانتقالية السلطة في 2019، إلى الانتكاس بسبب تداعيات انعدام الاستقرار السياسي، بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021.

ومنذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي، لم تتمكن الحكومة من حساب أو الإعلان عن مستويات التضخم، في وقت يُلاحظ فيه ارتفاع هائل في أسعار السلع الاستهلاكية، إلى جانب غلاء في جميع مستويات المعيشة، فضلًا عن انخفاض متسارع لقيمة الجنيه السوداني، حيث يتم تداوله بأكثر من 800 مقابل الدولار الأمريكي. 

وقدر وزير المالية السابق، إبراهيم البدوي، حجم الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية بنحو 60 مليار دولار، منوهًا بأن الوضع سيزداد سوءًا في حال استمرار الحرب في السودان.

وقبيل نشوب الحرب بشهر واحد، أعلن وزير المالية بحكومة الأمر الواقع، جبريل إبراهيم، أن الوزارة رصدت مبلغًا يصل لخمسة تريليونات جنيه لموازنة العام 2023، والتي تواجه في الأصل عجزًا يقدر بنسبة 15%.

أجيزت الموازنة في ظل وضع سياسي محتقن و ضائقة معيشية خانقة، قالت الوزارة وقتها إنها ستعتمد على سد عجز الموازنة من خلال الاستدانة من بنك السودان المركزي، الى جانب اعتمادها بشكل كبير على الجبايات والضرائب.

فضلا عن جميع العوامل التي تشير الى هشاشة موازنة هذا العام، اصطدمت بعوامل أخرى أفرزتها الحرب المستمرة والمواجهات العسكرية التي أخرجت القاعدة الصناعية بالبلاد عن الخدمة، وألحقت أضرارًا جسيمة بالمصرف المركزي والمصارف الأخرى، كما توقفت حركة التجارة والبيع وانقطعت الخدمات المالية وخدمات الاتصالات والتكنولوجيا والمعلومات، وتضررت المرافق الصحية والتعليمية بشكل كبير.

وبحسب صندوق النقد الدولي من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد السوداني بنسبة 18٪، أما البنك الدولي فيتوقع انكماشه بنسبة 12% في عام 2023، على أن يتباطأ الإنكماش إلى ما يقرب من 0.2 % في المتوسط بين عامي 2024 و 2025 في حال تمكنت الأسر والشركات من التكيف مع الأزمة.

ويضيف في تقرير، بأنه من الممكن أن يؤدي الصراع الذي اندلع في أبريل 2023 إلى إرجاع تنمية السودان عدة عقود إلى الوراء وأن تتأخر مجهودات إعادة الإعمار حتى بعد انتهاء الحرب بسبب الوضع الهش للدولة التي ستخلفه الحرب والعجز عن توفير الخدمات الأساسية .

يتضافر مع جميع ما سبق، فشل الموسم الزراعي في السودان الى حد كبير لهذا العام، ومن المتوقع أن تزداد حدة أضرار الحرب على الموسم القادم بسبب محدودية الوصول إلى المواد الأساسية من أسمدة وبذور وتمويل، فضلًا عن نزوح العمالة و المزارعين و تركهم مناطق زراعتهم. بالإضافة إلى احتمالية انحسار في العرض الزراعي في الأسواق المحلية، والصادرات الرئيسية «الذهب والسمسم الصمغ العربي، والثروة الحيوانية»، الأمر الذي سينعكس مباشرة على الأسر الزراعية، و التي تمثل 44% من القوى العاملة السودانية، حيث سيتدمر دخلهم السنوي في حال انحسر الاستهلاك. 

في ظل هذه كل الظروف، تثور التساؤلات حول الخطط الإسعافية لوزارة المالية لمعالجة الأزمة الحالية، في وقت لم تتمكن المالية بإيفاء أي من مستحقات الموظفين الحكوميين، إلا بشكل محدود، ولم تتمكن من نشر أرقام حقيقية حول نسب التضخم الذي أصبح ارتفاعه واضحًا يتمظهر في جميع جوانب الحياة.

صورة توضح احتراق مصنع سيقا للغلال

إرهاصات الحرب

بعد أربع سنوات تمامًا، من استيلائهما على السلطة في أعقاب الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع، عمر البشير في أبريل 2019، ومرورًا بالفترة الانتقالية وانقلاب 25 أكتوبر 2021، انهارت ثنائية قائدي الجيش والدعم السريع عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو «حميدتي»، عبر الحرب، كتتويج لخلافات سياسية وعسكرية ظلت تعتمل، واستحالة استمرار إدارة الجيش عبر قائدين.

كان العديد من المراقبين، يعتقدون أن المواجهة بين الجنرالين محتومة وأنها مسألة وقت، باعتبار أن تضارب المصالح بينهما سيؤدي في نهاية المطاف إلى محاولة كل طرف الانقضاض على الآخر وسحقه.

 إلا أن تطور العملية السياسية لاحقًا، بتوقيع الاتفاق الإطاري في ديسمبر 2022، أنعش الآمال باحتمالية التوصل إلى حل سلمي للأزمة والذي كان من المفترض أن يمهد لعملية إصلاح أمني وعسكري، يمكنها أن تحول دون المواجهة العسكرية.

البرهان وحميدتي

بداية الحرب والموقف العسكري قبيل اندلاعها

يبلغ عدد جنود «الجيش السوداني» حوالي «250» ألف بينهم «100» ألف قيد الخدمة، في ما يصل عدد مقاتلي قوات الدعم السريع حوالي «100» ألف جندي أيضًا. ويتفوق الجيش السوداني – بالإضافة إلى الدبابات والمدرعات والآليات الثقيلة – بامتلاكه لسلاح الجو والذي لا يتوافر لدى قوات الدعم السريع.

عسكريًا، يسيطر «الجيش السوداني» بشكل كامل على ولايات شرق وشمالي السودان والنيل الأبيض «6» وبشكل شبه كامل على الجزيرة «1» وإقليم النيل الأزرق «2» وغالبية ولايات كردفان «3». 

في وقت لم تحسم السيطرة بشكل مطلق على ولايات إقليم دارفور الخمس والعاصمة السودانية الخرطوم. في غرب دارفور تسيطر الدعم السريع على معظم مدينة الجنينة عاصمة الولاية، بينما لا يزال الجيش متحصنًا بحاميته العسكرية القوية بكامل عتاده الحربي، فيما لم يندلع قتال في شرق دارفور في الأساس.

خارطة السيطرة في الخرطوم

العاصمة السودانية الخرطوم، وهي مهد الحرب، تعد من أكثر المدن التي تشهد نشاطًا للعمليات العسكرية بشكل يومي، في محاولات مستميتة من قبل طرفي القتال للسيطرة عليها نسبة لثقلها السياسي ورمزيتها.

وتتكون ولاية الخرطوم من ثلاث مدن كبرى، هي الخرطوم، أم درمان وبحري. في مدينة الخرطوم، تنتشر «الدعم السريع» في معظم أنحائها، لكنها فعليًا تسيطر على القصر الرئاسي، بالإضافة إلى مصنع «اليرموك» العسكري ومقر قيادة «الاحتياطي المركزي» ومعسكر طيبة وبعض الوحدات الصغيرة الأخرى. فيما يحتفظ الجيش بمنطقة الشجرة العسكرية أحد معاقله الاستراتيجية والقيادة العامة. في وقت يتقاسم الطرفان السيطرة على مطار الخرطوم الدولي، لكن ليس واضحًا مدى سيطرة كل طرف.

بالنسبة للجسور النيلية التي تربط مدن العاصمة الثلاث تتفاوت السيطرة بين الطرفين، حيث يسيطر الجيش على جسر النيل الأزرق الذي يربط الخرطوم ببحري بشكل كامل، كما يسيطر على جسر النيل الأبيض بشكل كامل، وجزئيًا من جهة أم درمان على كبري الفتيحاب، أيضًا يسيطر على جسر الحلفايا الذي يربط أم درمان ببحري من جهة أم درمان.

في المقابل، تسيطر الدعم السريع بشكل كامل على جسر شمبات أحد خطوط إمدادها الاستراتيجية الذي يربط أم درمان ببحري، وأيضًا جسر سوبا بين الخرطوم وبحري والمنشية الذي يربط الخرطوم بمنطقة شرق النيل، فيما يتقاسم الجانبان السيطرة على جسري المك نمر وكوبر.

 وتنتشر عناصر الدعم السريع بشكل مكثف داخل الأحياء حيث تحتل المنازل والمؤسسات المدنية، الأمر الذي ساهم في تحويل الحرب إلى حرب عصابات ومدن، ليصبح طول أمد المعارك وصعوبة حسمها هي الصفة السائدة.

مدينة أم درمان:

تعد مدينة أم درمان من أكبر مناطق العاصمة الخرطوم التي يفرض فيها الجيش نفوذه، إذ يسيطر على شمال المدينة بالكامل وأجزاء من جنوبها القريب وجنوبها الأقصى في جبل أولياء، بينما تسيطر الدعم السريع على أحياء الصالحة وجزء من منطقة الفتيحاب جنوبًا، فيما توجد بشكل كبير في منطقة أم بدة غربي أم درمان. 

ويستفيد الجيش في أم درمان من معاقله الاستراتيجية؛ مثل منطقة وادي سيدنا العسكرية شمالًا وسلاح المهندسين جنوبًا والذي يستخدم بشكل مكثف الطائرات المسيّرة والتي تعد عاملًا مؤثرًا في تحجيم قدرات قوات الدعم السريع، لاتصاف هذا الأسلوب الجديد من الحرب بقلة التكلفة والكفاءة العالية في إصابة الأهداف العسكرية.

مدينة بحري:

تغلب عليها سيطرة قوات الدعم السريع في معظم مناطقها، بالإضافة إلى منطقة شرق النيل، حيث تتوسع فيها داخل الأحياء، كما تنتشر جنوبًا حتى مناطق «العيلفون» والتي سيطرت عليها مطلع أكتوبر الجاري، لكن أكبر المنشآت المدنية التي تسيطر عليها هي مصفاة الجيلي لتكرير البترول، وتعد المنطقة الأكثر هدوءًا من حيث العمليات العسكرية في الخرطوم.

شمال كردفان

تعتبر مدينة الأبيض منطقة تماس بين مناطق سيطرة الدعم السريع غرب السودان، ومناطق سيطرة الجيش شرقًا.

ظلت عاصمة ولاية شمال كردفان – والتي تضم أحد أكبر المطارات الإقليمية المهمة –  تشهد من اشتباكات متفرقة منذ بداية الحرب من حين لآخر، كانت أكثرها كثافة خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة.

يمتلك الجيش السوداني فيها الفرقة الخامسة مشاة والتي تعرف بـ«الهجانة». ومازالت محاولات الدعم السريع متواصلة لإخضاع المدينة لسيطرتها، لكن حتى الآن باءت كلها بالفشل، حيث يفرض الجيش سيطرته على معظمها.

إقليم دارفور

يعتبر إقليم دارفور غربي البلاد، بالإضافة إلى الخرطوم، أكثر مناطق السودان تأثرًا بالحرب الدائرة، لأهميته الاستراتيجية من حيث اتساع رقعته الجغرافية وثرائه بالموارد، واعتباره المنفذ الأساسي لقوات الدعم السريع لاستقطاب الدعم العسكري من خارج البلاد وفق ما أشارت تقارير صحفية عديدة، لذا يعتبر الإقليم ثقلًا استراتيجيًا مهمًا لقوات الدعم السريع.

وتسيطر الدعم السريع في الإقليم بشكل شبه كامل على مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور الحدودية مع دولة تشاد، بينما تدور اشتباكات متواصلة من حين لآخر في مدينة «الفاشر» عاصمة شمال دارفور و«زالنجي» في وسطها. بينما تعتبر الاشتباكات في «نيالا» جنوبي دارفور هي الأعنف في الفترة الأخيرة. 

الجنوب

عنوان النزاع الأبرز في جنوب السودان – مع وجود مناوشات مسلحة في ولاية النيل الأزرق- هو ولاية جنوب كردفان حيث الوجود الكثيف للحركة الشعبية – شمال بزعامة عبد العزيز الحلو والذي تسيطر قواته على مناطق واسعة داخل الولاية قبيل اندلاع الحرب، لكنه بعدها، تمدد وسيطر على بعض حاميات الجيش الصغيرة بداية من يونيو الماضي.

 ومع ذلك، تدور الاشتباكات بشكل متقطع بين الجيش السوداني والحركة الشعبية في مدينتي «كادوقلي» عاصمة الولاية، ومدينة «الدلنج» ثاني أكبر مدنها والتي كانت محط الصراع خلال الأيام الماضية.

وتسبب الصراع بين الجيش والحركة الشعبية في نزوح عشرات الآلاف داخليًا، خاصة من مدينة كادقلي عاصمة الولاية.

سياسيًا؛ لم يحدث أي اختراق قد يساهم في إيقاف الحرب في ظل انقسام داخلي كبير. ومع حديث جميع الأطراف تقريبًا، عن ضرورة التوصل لوقف إطلاق نار دائم، إلا أنه لم تتم بلورة أي مبادرة مشتركة تمهد الطريق إلى ذلك.

أما على المستوى الإقليمي والدولي، طرحت العديد من المبادرات الساعية إلى إيقاف الحرب في البلاد، أبرزها منبر جدة الذي تتوسط فيه السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى الرغم من توقيع طرفي القتال في 12 مايو الماضي إعلان جدة، والذي بدأ بإعلان هدن قصيرة، كان من المنتظر أن تتحول إلى وقف طويل الأمد لإطلاق النار، إلا أنه فشل في تحقيق هذا الأمر، لكنه مع ذلك ما يزال النافذة السياسية الأكثر حظوظًا لوضع حد للحرب التي تعصف بالبلاد منذ ستة أشهر.

بالنسبة للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا أعلنت التزامها بالحياد تجاه القتال بين الجيش والدعم السريع، كما تتشارك الموقف نفسه حول ضرورة إيقاف الحرب، لكنها مع ذلك تختلف حول تصوراتها لحل الأزمة.

فيما يتعلق بالحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاق سلام جوبا، بينما تقاتل الحركة الشعبية – شمال الجيش السوداني في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق «المنطقتين»، تمددت حركة جيش تحرير السودان بزعامة عبد الواحد النور خارج مناطق سيطرتها في إقليم دارفور، لكن من دون قتال مع الجيش حتى الآن.

مع انغلاق أفق الحل السياسي بعد ستة أشهر من عمر الحرب والتي عاشها السودانيون، ويعيشونها عبر اجتراح طرق للنجاة من آثار الحرب المدمرة، ليستيقظ السودانيون وهم، بدلاً من مواجهة معارك الحياة اليومية، يجدون أنفسهم في مواجهة الموت والاغتصاب، والتهجير والشتات. مواجهة تزداد عنفاً يوم بعد آخر، مستدعين تاريخ الأسلاف المليء بالحروب والمعاناة، وكأنهم يقولون إن آلاف السنين من الحياة والوجود على هذه الأرض لن تهزمها الحرب.

ما حقيقة تصريح صحفي منسوب إلى (خالد عمر) عن صدق (حميدتي) في حماية الانتقال الديمقراطي؟

ما حقيقة تصريح صحفي منسوب إلى (خالد عمر) عن صدق (حميدتي) في حماية الانتقال الديمقراطي؟

نشرت صفحة باسم (الحرية) في موقع (فيسبوك) تصريحاً صحفياً نسبته إلى القيادي بقوى الحرية والتغيير خالد عمر يوسف، يَعتَبرُ فيه أن الحملة التي يقودها أنصار النظام البائد على قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) دليلاً على صدقه وإخلاصه في حماية الانتقال الديمقراطي.

وتضمن التصريح الذي قيل أن يوسف أدلى به إلى صحيفة (باج نيوز)، تأكيداً على ما لمسه من صدق وإخلاص دقلو، وروحه الوطنية من أجل رفعة السودان، خلال فترة عملهما سوياً في الحكومة الثانية لرئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك. 

 

وجاء التصريح المنسوب إلى خالد عمر يوسف بالنص الآتي:

“OOO عاااجل، خالد سلك لباج نيوز: الحملة الشرسة  من انصار النظام البائد علي  قائد قوات الدعم السريع هي اكثر دليل علي صدق حميدتي في حماية الانتقال الديمقراطي  حتي نهاية الفتره الانتقالية.

لقد عملنا سوياً من قبل في حكومة حمدوك الثانية وقد لمست صدق واخلاص الفريق حميدتي وروحه الوطنية من اجل رفعة السودان”.

للتأكد من صحة الادعاء، بحث فريق (مرصد بيم) في موقع (باج نيوز) عبر استخدام الكلمة المفتاحية: (خالد سلك)، ووجد أن آخر خبر أورده الموقع تضمن اسم (خالد سلك) كان بتاريخ 18 يوليو الماضي.

وبحث الفريق أيضاً باستخدام الكلمة المفتاحية: (خالد عمر)، ووجد أن آخر خبر أوردته (باج نيوز) تضمن اسم (خالد عمر) كان بتاريخ 17 فبراير الجاري، ولم يكن له علاقة بالتصريح المذكور.

ولمزيد من التأكد، بحث فريق (مرصد بيم) في الصفحة الرسمية لـ (خالد عمر يوسف) في موقع (فيسبوك) ولم يجد أي تصريح بهذا الشأن.

الصفحات و الحسابات التي نشرت الخبر:

الخلاصة

ما حقيقة تصريح صحفي منسوب إلى (خالد عمر) عن صدق (حميدتي) في حماية الانتقال الديمقراطي؟

مفبرك

الخرطوم تتحول لمحطة دبلوماسية ساخنة على مقياس الأزمات الداخلية و(الجيوسياسية) 

في محيط محدود بالعاصمة السودانية الخرطوم، لا يتجاوز عدة كيلومترات، بدايةً من المطار، ومروراً ببيت الضيافة وصولاً إلى القصر الرئاسي شمالاً ووزارة الخارجية وقاعة الصداقة غرباً. تغص العاصمة السودانية، بضيوفها الدبلوماسيين رفيعي المستوى، القادمين من عواصم صناعة القرار العالمية، حاملين أجندتهم المتصارعة، في بلد غارق في الأزمات الداخلية والجيوسياسية. 

 

يبحث هؤلاء الضيوف، المنتمين إلى معسكرين نقيضين، والذين بدأوا في التوافد إلى الخرطوم منذ أمس الأول الثلاثاء. بالنسبة للمبعوثين الغربيين، النقاش مع الأطراف السودانية، حول العملية السياسية والاتفاق الإطاري، واللجان الوزارية المشتركة والتجارة وقضايا إقليمية بالنسبة لموسكو، حسب ما أعلن رسمياً.

 

ورغم البرودة النسبية التي تتمتع بها مدينة الخرطوم منذ عدة أيام، إلا أنها لا تعكس مدى اشتعال الحالة السياسية واختناقها بالانغلاق ومخاوف الصدامات، وتارة بعبوات الغاز المسيل للدموع. 

 

تطورات ما بعد 25 أكتوبر

لا تعيش الخرطوم، التي تجري فيها مباحثات، مبعوثو كل من: الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، النرويج، فرنسا، ألمانيا والاتحاد الأوروبي من جهة. ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف من جهة أخرى، صراعاتها التقليدية منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021م، فحسب. 

إنما هي اليوم، تحت وطأة أزمات داخلية مركبة مدنية – مدنية وبين القوى العسكرية. بجانب صراعات جيوسياسية تمتد غرباً إلى تشاد وأفريقيا الوسطى، ومنها إلى عمق الساحل الأفريقي. بينما تمتد في الجنوب الشرقي إلى إثيوبيا وفي الشمال الشرقي إلى مصر، والمملكة العربية السعودية. ومن البحر الأحمر يتفرع صراعها إلى دولتي إسرائيل والإمارات.

إذ سبقت زيارة مبعوثي الغرب وموسكو، وصول رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد إلى الخرطوم، بالتزامن مع تنظيم القاهرة ورشة لبعض الأطراف السودانية. فضلاً عن استقبال الخرطوم لوزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين. بالاضافة إلى توترات أمنية في الحدود، بين السودان، تشاد وأفريقيا الوسطى. 

بالنسبة للأزمة الداخلية المركبة، فهي قد وصلت إلى مرحلة الدمج. دمج الأزمة كلها في أزمة أكبر، يأمل المسؤولون الغربيون الموجودون في الخرطوم، في أن يمنعوا انفجارها، أو على الأقل إبطال مفعولها، وإن كان لأشهر معدودات، ضمن أجندة أخرى مقلقة يحملونها في ملفاتهم، تتعلق بالضيف الآخر القادم من موسكو، حسب ما علمت (بيم ريبورتس) من مصادر رسمية وسياسية مطلعة. 

مخاوف من الوجود الروسي

يتعمق الوجود الروسي في الحدود بين السودان، أفريقيا الوسطى وتشاد، وهي مخاوف أساسية يطرحها المسؤولون الأوروبيون على القادة العسكريين المنقسمين على الموقف، حتى لو كان ذلك بشكل تاكتيكي. 

الأوروبيون والأمريكيون، يطلبون بشكل واضح طرد شركة فاغنر العسكرية الروسية من البلاد وتحجيم نفوذ موسكو إلى أبعد حد، نقلوا هذا الأمر إلى العسكريين بشكل واضح، حسب ما أكدت مصادر سياسية مطلعة لـ(بيم ريبورتس).

في المقابل، وبالرغم من أن وزير الخارجية الروسي الذي وصل فجر الخميس، أجرى مباحثات مع نظيره السوداني، علي الصادق ولاحقاً قادة حكومة الأمر الواقع، إلا أن مصدراً مسؤولاً بوزارة الخارجية أبلغ (بيم ريبورتس)، أن ملف الزيارة وترتيباتها بحوزة القصر الجمهوري.

زيارة متزامنة

لماذا يتزامن وجود المسؤولين الغربيين في الخرطوم مع وزير الخارجية الروسي، وما علاقة ذلك بزيارة وزير الخارجية الإسرائيلي للبلاد الأسبوع الماضي؟.

يعتقد المحلل السياسي، الحاج حمد، أن “التناقض الثانوي” بين إسرائيل والولايات المتحدة قد انفجر بسبب الاتفاق الإطاري. ويقول “واشنطن صممت ودعمت الاتفاق الإطاري واصطفت كل القوى الدولية خلفه”، مضيفاً “رغم أنه لا يبعد العسكريين من السياسة لكنه يخفض من دورهم”.

 

ويرى حمد، أن إسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة، حركت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وسرعان ما زار وزير الخارجية الأمريكي القاهرة وألجم تحرك مصر. ويتابع “بالطبع لا يمكن أن تلغي الزيارة، لذا نفضت يدها من مجموعة دعم الانقلاب واضطر وزير خارجية إسرائيل لمقابلة البرهان ليؤكد أن مجموعة التطبيع ستستمر”. 

 

“حضور المبعوثين لمنع العسكر من الارتداد عن الاتفاق الإطاري”، كان هو رد واشنطن، يوضح حمد.

 

ورأى حمد، أن تأثير زيارة المبعوثين الغربيين، يتمثل في تأكيد الموقف الأمريكي تجاه الاتفاق الإطاري وإبعاد التأثير السالب لإسرائيل. وبالتالي تضييق فرص مناصري العسكر في الإشتراك، ولذا لعب البرهان ورقة التطبيع مرة أخرى، بالإضافة إلى تصريح زميله شمس الدين الكباشي.

 

“في ظل هذه المعمعة لم يتردد الروس في الوجود في الخرطوم ليقولوا إن لديهم مصالح اقتصادية وجيوسياسية في السودان، وعبره في المنطقة”، يوضح المحلل السياسي.

أجندة الزيارة الروسية

بعد منتصف ليل الخميس بدقائق حطت طائرة وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف بمطار الخرطوم في زيارته الأولى للبلاد منذ عام 2014م، حيث كان في استقباله نظيره بحكومة الأمر الواقع علي الصادق.

 

“في إطار جولة يقوم بها في عدد من الدول الأفريقية والعربية لبحث علاقات روسيا مع هذه البلدان، إضافة إلى مناقشة القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك”. هكذا، حرصت وكالة السودان للأنباء ـ سونا، باهتمام بالغ، على تأكيد أن زيارة المسؤول الروسي الرفيع بجانب السودان تشمل دولاً أخرى وبنفس الأجندة.

 

في تصريح لـ(سونا)، سبق الزيارة، أعرب وزير الخارجية بحكومة الأمر الواقع، عن سعادته باستقبال نظيره الروسي، قبل أن يقول بلغة دبلوماسية منمقة “إن روسيا دولة صديقة تقليدية للسودان”.

 وأشار إلى أن الخرطوم وموسكو تربطهما علاقات قوية وراسخة ومتطورة، تقوم على الاحترام المتبادل والمساواة، كما تجمعهما الرغبة في تطوير هذه العلاقات. وتدعم هذه العلاقات، حسب الصادق، آليات قائمة متفق عليها بين الطرفين تتمثل في اللجنة الوزارية المشتركة ولجنة التشاور السياسي بين البلدين واللقاءات الثنائية على مستوى الرؤساء والوزراء وكبار المسؤولين والخبراء. إضافة إلى منبر المنتدى الروسي العربي الذي يهتم بتطوير علاقات روسيا مع الدول العربية.

 

لكن الصادق يفتح أجندة الزيارة الحساسة بدبلوماسية غاية في الحذر، عندما قال “إننا قدمنا للجانب الروسي شرحاً حول سير العملية السياسية في البلاد والجهود المبذولة لتحقيق التقارب الوطني وصولاً إلى تكوين حكومة مدنية تواصل مسيرة الانتقال وتقود البلاد إلى الانتخابات”.

 

لا شيء حساس آخر إذاً، يمضي الوزير إلى القضايا الروتينية، مضيفاً “الجانبان ناقشا العلاقات الثنائية، خاصة مخرجات اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة التي انعقدت في النصف الثاني من العام الماضي. إضافة الى مجالات التعاون المشترك بين البلدين متمثلة في توليد الطاقة من مياه الخزانات والأبحاث الجيولوجية والتعدين والنفط، إلى جانب القضايا الدولية التي تهم البلدين”.

 

في المقابل، ذكرت وزارة الخارجية الروسية، أن لافروف وصل إلى السودان في زيارة عمل، لإجراء مباحثات مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان. بالإضافة إلى قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي) ونظيره علي الصادق. 

 

وتتركز المباحثات بين الخرطوم وموسكو، حسب الخارجية الروسية، حول ما وصفتها بالجوانب الرئيسية من التعاون السوداني – الروسي المتعدد الأوجه. بالإضافة إلى القضايا الدولية والإقليمية الملحة، مع التركيز على ضرورة إيجاد حلول سياسية ودبلوماسية للأزمات في الشرق الأوسط والقارة الأفريقية”.

 

وتشمل أجندة الزيارة كذلك، حسب الخارجية الروسية، تركيز الاهتمام بشكل خاص على التحضير للقمة الروسية الأفريقية الثانية، التي من المقرر أن تعقد في مدينة سان بطرسبورغ في يوليو المقبل.

 

غير أن الخارجية السودانية ذكرت، أن وزير الخارجية الروسي سيجري مباحثات مع نظيره علي الصادق تتناول القضايا الثنائية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، كما سيلتقي ضمن برنامج الزيارة عددا من المسؤولين بالدولة، دون أن تسميهم.

اتفاقيات معلقة

خلال لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمدينة سوتشي في نوفمبر 2017م، أبلغ الرئيس المخلوع، عمر البشير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن بلاده بحاجة إلى حماية من العدوان الأميركي.

 وقال موجهاً حديثه إليه: “الأميركان نجحوا في تقسيم السودان لدولتين وساعين لمزيد من التقسيم”، مضيفاً “ونحن نحتاج كسودان لحماية من العدوان الأميركي علينا”. 

هكذا دشن البشير، حقبة جديدة معقدة من العلاقات بين الخرطوم وموسكو، واصل قادة المجلس العسكري بعده الانخراط فيها، وما تزال عواقب هذه العلاقة تلقي بظلالها على بوابة البلاد الساحلية شرقاً، وأقصى غربها على الحدود مع تشاد وأفريقيا الوسطى. 

في ديسمبر 2019م، نشرت الجريدة الرسمية الروسية نص اتفاقية بين السودان وروسيا حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر، بهدف ما وصف بتعزيز السلام والأمن في المنطقة. كما نص الاتفاق على أن القاعدة لا تستهدف أطرافاً أخرى حسب ما ورد في مقدمتها، على أن يحصل السودان مقابل ذلك على أسلحة ومعدات عسكرية من روسيا، حسب الاتفاقية التي وقعها بوتين في نوفمبر من العام 2020م.

من طلب إلى قرارات

سرعان ما استطاع الروس، تحويل طلب الحماية ذلك، إلى قرارات فاعلة، فبدأ الحديث عن اتفاق لإنشاء قاعدة عسكرية لموسكو على البحر الأحمر. أيضاً تمكنوا من تحويل السودان، إلى بوابة نحو جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة، ومنها إلى غرب ووسط أفريقيا. 

وفي هذا السياق، رعت الخرطوم، بإيعاز من موسكو محادثات سلام بين أطراف أفريقيا الوسطى، مكّنها هذا الأمر رويداً رويداً من أن تكون لاعباً أساسياً في ذلك البلد الفقير و الغني بالمعادن والثروات الطبيعية في الوقت نفسه. 

لم يمر وقت طويل، بين بدء تعاون موسكو مع نظام البشير، حتى واجه الأخير ثورة شعبية أطاحت بنظام حكمه في أبريل 2019م، رغم محاولات موسكو الحثيثة وقتها لإنقاذ حليفها من السقوط. 

ما بعد البشير

عندما أيقنت موسكو أن نظام البشير ساقط لا محالة، سرعان ما عقدت اتفاقاً مع المجلس العسكري الانتقالي الذي خلفه، يتعلق أيضاً بالقاعدة البحرية. لتأتي، تحت وقع الضغوط الروسية، استجابة المجلس العسكري الانتقالي الحتمية، مرةً بسبب هشاشته السياسية، ومرة أخرى بسبب ضعف خبرته السياسية. 

 

نجحت روسيا في مايو 2019 م في التوقيع على اتفاقية المركز اللوجيستي على البحر الأحمر، مع المجلس العسكري الانتقالي والذي صادق عليه في يوليو من العام نفسه. بالمقابل، دعمت روسيا المجلس العسكري الانتقالي، في تعطيل إقرار مشروع قرار بمجلس الأمن الدولي، يُدين قتل الحكومة العسكرية السودانية للمدنيين في يونيو 2019م، بالتزامن مع أحداث فض اعتصام القيادة العامة.

 

ويعتقد أن موسكو وظفت رغبة الجيش السوداني في تعزيز قدراته الدفاعية، ورغبته في الحصول على أسلحة ومعدات عسكرية مجانية من موسكو، بجانب تعزيز أسطوله البحري، وتوفير الدعم والحماية في المنصات الأممية في تحقيق مكاسب استراتيجية لروسيا متعلقة باستخدام السودان كبوابة للتوسع الروسي في القارة وفي استغلال الموارد والسيطرة عليها.

أجندة الزيارة الغربية

  • التمدد الروسي في أفريقيا عبر بوابة السودان، أثار مخاوف الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، حيث استمرت في محاولاتها الحثيثة طيلة الفترة الانتقالية، وما بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021م، لإبعاد شبح الوجود الروسي عن الخرطوم.

فاقم الغزو الروسي لأوكرانيا، في فبراير الماضي، الصراع بين موسكو والعواصم الغربية، وأصبحت أفريقيا عامةً ساحة له وبشكل خاص السودان، وهي من الدواعي الرئيسية لخوض معركة دبلوماسية ساخنة في الخرطوم على مقياس الأزمات الداخلية والجيوسياسية.

“من الرائع أن أكون مع الاتحاد الأوروبي، ألمانيا، فرنسا، النرويج والولايات المتحدة الأمريكية في هذه الزيارة إلى السودان”، كتب المبعوث البريطاني الخاص للسودان وجنوب السودان، روبرت فيرويدز، في تغريدة على حسابه بموقع تويتر صباح الأربعاء من العاصمة الخرطوم.
يوضح المسؤول الغربي الرفيع الغرض من زيارة الخرطوم بقوله “نحن مُتحدون خلف الاتفاق الإطاري. بالإضافة إلى الجهود الجارية لتوسيع المُشاركة وتأمين اتفاق نهائي سريعاً لتشكيل حكومة بقيادة مدنية”.


في صباح الخرطوم الشتوي الملتهب، على عدة جوانب، مليونية بوسط الخرطوم ومنطقة الديم، وصدى ملاسنات جنرالات المجلس العسكري، وترقب وصول ضيف موسكو، انعقد بقاعة الصداقة، اجتماع رؤساء وممثلي القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري مع المبعوثين الدوليين الزائرين للبلاد.

وشملت أجندة الاجتماع، حسب بيان، الاطلاع على مجريات العملية السياسية في مرحلتها النهائية، حيث عرضت القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري تصورها للخطوات القادمة وأهم التحديات وكيفية تلافيها لضمان الوصول لاتفاق سياسي نهائي في أسرع فرصة ممكنة.

في المقابل، جدد المبعوثون الغربيون تشديدهم و دعمهم للاتفاق الإطاري الموقع في الخامس من ديسمبر الماضي، باعتباره الأساس الوحيد للوصول إلى توقيع اتفاق نهائي تتشكل بموجبه حكومة مدنية ذات مصداقية تضطلع بمهام إدارة الفترة الانتقالية.

أيضاً، أكد المبعوثون على تقديم الدعم للشعب السوداني لتحقيق أهدافه وتطلعاته في الانتقال الديمقراطي والتحول المدني، واستئناف برامج التعاون الاقتصادي عقب تشكيل الحكومة المدنية على أساس العملية السياسية الجارية.

في المقابل، لم يتم إثارة الأجندة المقلقة المتعلقة بالضيف الروسي في البيان، لكنها كانت حاضرة في النقاشات، حسب ما أوضحت المصادر السياسية لـ(بيم ريبورتس).

بدوره، حاول وزير الخارجية بحكومة الأمر الواقع، علي الصادق، توضيح أجندة زيارة المبعوثين الغربيين التي تستغرق عدة أيام وجدول لقاءاتهم الذي يتضمن الاجتماع معه هو نفسه، بجانب قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي). بالإضافة إلى لقاء الأحزاب المنضوية في “الحوار الجاري” الآن في البلاد.

بالنسبة للبرهان، فقد أكد للمسؤولين الغربيين الذين استقبلهم ببيت الضيافة بحضور (حميدتي)، التزامه بالاتفاق الإطاري والعمل مع جميع الأطراف وإقناع الممانعين للتوصل لاتفاق نهائي شامل، يمهد الطريق لحكومة انتقالية بقيادة مدنية تقود البلاد لانتخابات حرة ونزيهة، مجدداً التزام المؤسسة العسكرية بالخروج من العملية السياسية وإجراء الإصلاحات المطلوبة بالأجهزة الأمنية.

من جهتها، ذكرت وزارة الخارجية، أن المبعوثين الغربيين تحدثوا عن أهمية السودان في المنطقة وضرورة استعادة النظام الديمقراطي والحكم المدني والآمال التي تعقدها هذه الدول على السودان في محاربة الإرهاب وتحقيق الاستقرار في الساحل والصحراء والقرن الأفريقي. فيما قال الوزير، خلال استقباله الوفد الغربي، يوم الأربعاء، إن الزيارة تأتي فى إطار دعم الجهود الجارية للتوصل إلى اتفاق نهائي بين الفرقاء السياسيين وتشكيل حكومة مدنية واستعادة الانتقال الديمقراطي.

لا يبدو حديث الوزير بعيداً عن ما تتوقعه القوى السياسية الموقعة على الاتفاق الإطاري.
يقول القيادي بقوى الحرية والتغيير، خالد عمر، في أعقاب لقاء وفد الدبلوماسيين الغربيين إن “الزيارة سيكون لها أثر إيجابي على الإسراع بمعالجة التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية التي تواجهها البلاد”.
وأكد عمر، على دعم الوفد للمسار الذي خطه الاتفاق الإطاري والحكومة المدنية التي تتأسس بناءً عليه، ومع ذلك خلت كلماته من التطرق والتعليق على زيارة وزير الخارجية الروسي.

مراقبون ومحللون للاشتباك الدبلوماسي في الخرطوم بين القوى الغربية وموسكو يتحدثون عن ملفات ساخنة ينتظر أن تكون على الطاولة مع الأطراف السودانية.

“قد تعكس زيارة لافروف، أحد أبرز مساعدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأهمية الاستثنائية والمكانة المميزة، التي أصبح يتمتع بها السودان، بما في ذلك وقوعه بين قطبي الرحى”، يقول المحلل السياسييقول المحلل السياسي، عبد الله رزق.

ويشير رزق إلى أن الزيارة تأتي والسودان في أسوأ حالاته بسبب افتقاره للإدارة الحكومية الفاعلة. ورأى أن هذا الأمر” ربما كان حافزاً للتكالب الدولي الجاري من أجل التأثير على تطور الوضع الداخلي للبلاد، وإعادة تشكيله”.

ويعتقد رزق أنه بالنسبة لملف القضايا الإقليمية، فتتصدره الأوضاع المأزومة في تشاد وأفريقيا الوسطى، وعلاقة السودان بأزمات البلدين الجارين. وأيضاً، قد يكون في جدول الأعمال موقف السودان الرسمي من الحرب في أوكرانيا ضمن ملف القضايا الدولية.
بينما قد يشمل الجدول، في ملف القضايا الثنائية الإشارة لقضية علاقة السودان بشركة فاغنر الأمنية وقضية تصدير وتهريب الذهب لروسيا، والتوسط لإطلاق سراح الروس الثلاث الذين تم القبض عليهم مؤخرا في عطبرة بتهمة الشروع في تهريب ذهب. بجانب قضية القاعدة العسكرية على البحر الأحمر في إطار مشروع اتفاق أمني أوسع.

وحسب رزق، فإن جولة لافروف يمكن النظر لها كرد على جولة بلينكن، في سياق التنافس على كسب التأييد واشتداد حدة الاستقطاب والاستقطاب المضاد حول الموقف من الحرب في أوكرانيا.

كما يمكن بالمثل، والحديث لرزق، التقرير بأن زيارة ستة من المبعوثين الغربيين للخرطوم، والتي تم الإعلان عنها على مفاجئ جاء تزامنها مع زيارة لافروف في السودان عن قصد.

وفي خضم هذه الزيارات والأقدام الدبلوماسية المتتابعة في الخرطوم، والتي تتزامن مع التطورات السياسية الراهنة في البلاد، تطرح اهتمامات الغرب بالعملية السياسية في السودان، وصراع المصالح الواضح، تساؤلات عن تأثير هذا الصراع على ما ستشهده البلاد الفترة المقبلة وتبعاته على الوضع الأمني والاقتصادي والسياسي. أما محلياً وفي مسار منفصل عن حكومة الأمر الواقع وقادة التحول الحالي ظل الشارع رافعا راياته الرافضة لأي تغيير لا يلبي تطلعاته متحديا قوة السلاح، ومتجاوزاً لتأثير دول الإقليم وسلطة القوى العظمى.

على خطى (البشير).. كيف يحاول (حميدتي) تأمين بقائه في السلطة عبر بوابة موسكو؟

“من حق روسيا الدفاع عن شعوبها ومواطنيها وفقاً للقانون والدستور” يقول نائب رئيس مجلس السيادة في السودان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، غداة وصوله إلى العاصمة الروسية موسكو، في ليل الثالث والعشرين من فبراير الماضي، قبيل ساعات معدودة من غزو الأخيرة لأوكرانيا.

ولا يبدو أن حميدتي، في هذا السياق مضى بعيداً، عن تصورات الرئيس المخلوع، عمر البشير، مهندس التدخل الروسي في البلاد، في طلب حماية موسكو لبقائه في السلطة.

خلال لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمدينة سوتشي في نوفمبر 2017م، أبلغ البشير بوتين، إن بلاده بحاجة إلى حماية من العدوان الأميركي. وقال موجهاً حديثه إليه: “الأميركان نجحوا في تقسيم السودان لدولتين وساعين لمزيد من التقسيم”، مضيفاً “ونحن نحتاج كسودان لحماية من العدوان الأميركي علينا”.

في ديسمبر 2019م، نشرت الجريدة الرسمية الروسية نص اتفاقية بين السودان وروسيا حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر، بهدف ما وصف بتعزيز السلام والأمن في المنطقة، كما نص الاتفاق على أن القاعدة لا تستهدف أطرافاً أخرى حسب  ما ورد في مقدمتها، على أن يحصل السودان مقابل ذلك على أسلحة ومعدات عسكرية من روسيا، حسب الاتفاقية التي وقعها الرئيس الروسي بوتين في نوفمبر من العام 2020.

أتى طلب البشير الحماية ، بعد وقت بسيط من رفع الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات الاقتصادية على البلاد.

وسريعاً استطاع الروس، تحويل طلب الحماية ذلك، إلى قرارات فاعلة، فبدأ الحديث عن اتفاق لإنشاء قاعدة عسكرية لموسكو على البحر الأحمر، أيضاً تمكنوا من تحويل السودان، إلى بوابة نحو جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة، ومنها إلى أفريقيا جنوب الصحراء وغرب أفريقيا.

وفي هذا السياق، رعت الخرطوم، بإيعاز من موسكو محادثات سلام بين أطراف أفريقيا الوسطى، مكّنها هذا الأمر رويداً رويداً من أن تكون لاعباً أساسياً في ذلك البلد الفقير و الغني بالمعادن والثروات الطبيعية في الوقت نفسه. 

لم يمر وقت طويل، بين بدء تعاون موسكو مع نظام البشير، حتى واجه الأخير ثورة شعبية أطاحت بنظام حكمه في أبريل 2019م، رغم محاولات موسكو الحثيثة وقتها لإنقاذ حليفها من السقوط. عندما أيقنت موسكو أن نظام البشير ساقط لا محالة، سرعان ما عقدت اتفاقاً مع المجلس العسكري الانتقالي الذي خلفه، يتعلق أيضاً بالقاعدة البحرية.

تحت وقع الضغوط الروسية، كانت استجابة المجلس العسكري الانتقالي حتمية، مرةً بسبب هشاشته السياسية، ومرة أخرى بسبب ضعف خبرته السياسية. 

نجحت روسيا في مايو 2019م في التوقيع على اتفاقية المركز اللوجيستي على البحر الأحمر، مع المجلس العسكري الانتقالي والذي صادق عليه في يوليو من العام نفسه. بالمقابل، دعمت روسيا المجلس العسكري الانتقالي، في تعطيل إقرار مشروع قرار بمجلس الأمن الدولي، يُدين قتل الحكومة العسكرية السودانية للمدنيين في يونيو 2019م، بالتزامن مع أحداث فض اعتصام القيادة العامة.

ويعتقد أن موسكو وظفت رغبة الجيش السوداني في تعزيز قدراته الدفاعية، ورغبته في الحصول على أسلحة ومعدات عسكرية مجانية من موسكو، بجانب تعزيز أسطوله البحري، وتوفير الدعم والحماية في المنصات الأممية في تحقيق مكاسب استراتيجية لروسيا متعلقة باستخدام السودان كبوابة للتوسع الروسي في القارة وفي استغلال الموارد والسيطرة عليها.

ووفقاً لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي، فإن الأسلحة الروسية تشكل في الواقع الغالبية بالنسبة لواردات الأسلحة السودانية بنسبة 87 %، إذ أن روسيا هي المورد الرئيسي للأسلحة إلى السودان، بينما  8 %  فقط من الأسلحة السودانية، هي أسلحة صينية.

وفي الفترة بين عامي 2015 ـ 2019، استورد السودان أسلحة من روسيا بقيمة 125 مليون دولار، حسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام.

تاريخ العلاقات بين الخرطوم وموسكو

عند استقلال السودان في عام 1956، كان الاتحاد السوفيتي من أوائل الدول التي اعترفت باستقلاله، وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي، أعلن السودان في ديسمبر 1991م، اعترافه بجمهورية روسيا الاتحادية.

مرّت العلاقات بين البلدين بحالات متباينة عسكرياً، سياسياً واقتصادياً، فمع انقلاب جعفر نميري في مايو 1969م، بدأ الجيش السوداني التوجه نحو التسليح الشرقي، (السوفيتي)، لكن بعد انقلاب 19 يوليو 1971، ساءت العلاقة بين الخرطوم وموسكو، بسبب إعدام نميري بعض القادة الشيوعيين.

بالعودة إلى فترة حكم المجلس العسكري الانتقالي أبريل ـ أغسطس 2019م، وانقلاب 25 أكتوبر 2021م، مرّت الكثير من التحولات العميقة في سياسة البلاد الخارجية تجاه القوى الغربية، لكن وتحت الظل، تمكنت موسكو من تعزيز وتمتين علاقتها مع المؤسسة العسكرية المتمثلة في الجيش السوداني، بالإضافة إلى علاقة أخرى جديدة تمكنت من بنائها مع قوات الدعم السريع، فيما بدا امتداداً لسياستها مع حليفها السابق، البشير.

في غضون نحو 3 سنوات، استطاعت موسكو، ودون أن يلحظ الكثيرون ذلك، في التمدد على طول البلاد وعرضها، في التنقيب عن الذهب والمعادن الأخرى شمالاً شرقاً وغرباً، تمكنت أيضاً من إنشاء قاعدة عسكرية في منطقة أم دافوق على حدود السودان وأفريقيا الوسطى، في وقت بات هدفها الرئيسي المتمثل في إنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر قريباً على ما يبدو، تفسره تصريحات حميدتي الموافقة ضمنياً على إنشاء القاعدة.

وعقب عودته من موسكو في يوم الأربعاء 2 مارس، قال حميدتي في تصريحات صحفية، إنه لا يمانع من إنشاء قاعدة عسكرية على البحر سواء لروسيا أو غيرها.

مؤتمر صحفي لحميدتي عقب عودته من روسيا

لم يأتِ ذهاب حميدتي إلى موسكو، في خضم أزمة عالمية، جعلت العاصمة الروسية مركزاً للعنات القوى الغربية، سوى كونه مضي في التحالف القائم على مصالح ضيقة مشتركة بين الجانبين، بينما يستفيد من تدريب شركة (فاغنر) المقربة للكرملين لقواته، وأيضاً تقديم عناصرها استشارات إعلامية وسياسية له، بجانب تأمين أسلحة روسية وحماية سياسية، في مساعيه لتمديد نفوذه المالي، السياسي والعسكري. مقابل، استفادة الروس في تهريب الذهب وفتح الطريق أمامهم لزيادة تأثير موسكو على أفريقيا، بعد رعايتها عدة انقلابات هنا، بجانب الهدف الرئيسي المتمثل في إنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بورتسودان.

يقول مصدر عسكري رفيع لـ(بيم ريبورتس)، إن إنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر محل شكوك، نسبة لأن الاتفاق مجمد، والحاجة الملحة لموافقة الدول المتشاطئة، ورفض القوى الغربية المؤكد لهذا الأمر.  

لكن يوم الثلاثاء 15 فبراير، وصل حميدتي إلى مدينة بورتسودان، فيما بدا أن الزيارة لها صلة بالقاعدة البحرية وميناء بورتسودان، وهو كان قد قال في معرض تبريره لإنشاء قاعدة عسكرية، إن مثل هكذا أمر يعود بالفائدة على المجتمعات المحلية.

وبالعودة إلى تداعيات زيارته إلى موسكو، وبعد أقل من أسبوع على عودته، تم الإعلان عن وصول 20 ألف طن من القمح الروسي، إلى ميناء بورتسودان، في إطار ما سّمته وكالة الأنباء السودانية ـ سونا، المنحة الروسية للشعب السوداني. 

وكان حميدتي وصل إلى العاصمة الروسية موسكو، بالتزامن مع بدء الأخيرة حربها ضد أوكرانيا، وقال وقتها في تصريحات صحفية، إن روسيا لديها الحق في الدفاع عن شعوبها ومواطنيها وفقاً للقانون والدستور على حد تعبيره.

جدول الأعمال المعلن

التقى حميدتي خلال زيارته التي امتدت أسبوعاً، عدداً من المسؤولين الروس، بينهم وزير الخارجية، ونائب رئيس الوزراء، ونائب رئيس مجلس الأمن، ونائب وزير المالية، ونائب وزير الدفاع، بالإضافة إلى زيارته للجامعة الروسية الحكومية للعلوم الإنسانية.

أثارت الزيارة علامات استفهام عديدة داخلياً وخارجياً، بسبب توقيتها المتزامن مع الغزو الروسي لأوكرانيا، ومرةً أخرى، بسبب المخاوف والاعتراضات على الدور الذي تلعبه موسكو في البلاد، المرتبط بدعم المكون العسكري، خصوصاً مع قائد قوات الدعم السريع، ونهب الموارد المحلية، وفي هذا السياق، اتهمت قوى الحرية والتغيير، موسكو بنهب موارد البلاد ودعم الانقلاب العسكري، قبل أن تدين الغزو الروسي لأوكرانيا، بالإضافة إلى انتقادها لتوقيت الزيارة.

حميدتي ووزير الخارجية الروسي(لافروف)

ورغم أن جدول أعمال الزيارة، شهد لقاءات مع مسؤولين عسكريين وأمنيين روس، إلا أن حميدتي اكتفى فقط، باصطحاب وزراء القطاع الاقتصادي، دوناً عن مسؤولين أمنيين وعسكريين سودانيين، وهو الأمر الذي كان لافتاً وأثار العديد من التساؤلات.

رافق حميدتي في زيارته إلى موسكو التي بدأها يوم الأربعاء 23 فبراير وأنهاها يوم الأربعاء 2 مارس، كل من: وزير المالية، جبريل إبراهيم، و وزير المعادن، محمد بشير أبو نمو، ووزير الزراعة، بالإضافة إلى وكيل وزارة الخارجية. وجلهم ممثلين لأطراف اتفاق سلام جوبا. 

تفتح زيارة حميدتي إلى موسكو، والتي وصفت بالرسمية، تساؤلات حول علاقات السودان وروسيا، في ظل الوضع العالمي الراهن بعد الحرب الأوكرانية، وحول تمدد الدعم السريع على حساب القوات المسلحة، خصوصاً وأن العلاقات العسكرية بين البلدين والتي تمتد على مدى عقود، كان يسيطر عليها الجيش، ليصبح السؤال المهم؛ هل تسهم زيارة حميدتي، في قلب هذه المعادلة لصالح قوات الدعم السريع، خاصة وأنه أبدى استعداده لتحقيق رغبة موسكو في إنشاء قاعدة عسكرية بحرية على البحر الأحمر.

تأثيرات إقليمية

أيضاً تثور التساؤلات، حول تأثير الزيارة على البلاد، بالتزامن مع حرب قسّمت العالم إلى معسكرين، معسكر واشنطن والغرب، ومعسكر روسيا وحلفائها. كذلك، تمتد تأثيرات زيارة حميدتي، إلى علاقة البلاد مع دول الإقليم، وفي هذا السياق، قالت كل من القاهرة والرياض، في بيان مشترك عقب زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى المملكة العربية السعودية، يوم الثلاثاء 8 مارس الماضي، أن الجانبين، أكدا على أهمية ضمان أمن البحر الأحمر، باعتباره ركيزة أساسية في حركة التجارة الإقليمية والدولية.

وأوضح البيان، أن هذا الأمر يتطلب تضافر جهود الدول المتشاطئة، لضمان حرية وأمن الملاحة في البحر الأحمر.

تباين مواقف بين البرهان وحميدتي

بينما يمضي (حميدتي) قدماً في الاستجابة للطب الروسي بإنشاء قاعدة بحرية عسكرية على البحر الأحمر، وفقاً لتصريحاته الأخيرة، يبدو أن البرهان من جانبه، يتشارك القلق مع كل من القاهرة والرياض حول أمن البحر الأحمر.

بعد أقل من أسبوع على البيان السعودي المصري، الذي شدد على أهمية ضمان أمن البحر الأحمر وصل رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، إلى الرياض، لإجراء مباحثات مع الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان، في الوقت الذي ذكر فيه بيان لمجلس السيادة، إن مباحثات البرهان وبن سلمان، أمنت على ضرورة التنسيق والتعاون في مجال أمن البحر الأحمر والتعاون في المجال العسكري.

ولاحقاً في 28 مارس الماضي، أصدر البرهان، مرسوماً دستورياً، قضى بأيلولة إختصاصات الإشراف على المناطق البحرية و الجرف البحري إلى وزير الدفاع.

ونص المرسوم على تعيين وزير الدفاع، وزيراً مختصاً بتنفيذ قانون المناطق البحرية والجرف القاري السوداني لسنة 2018م.

كما نصّ المرسوم الدستوري على أن “تؤول جميع السلطات الخاصة بتنفيذ قانون المناطق البحرية والجرف القاري لسنة 2021م لوزير الدفاع من المفوضية القومية للحدود”.

وحسب خبراء، فإن المرسوم الدستوري، يعني أن ساحل السودان الشرقي على البحر الأحمر أصبح شأناً يهم الأمن القومي والنواحي الأمنية والعسكرية. 

ويختص قانون المناطق البحرية والجرف السوداني بالسيادة على المياه الداخلية، المياه الإقليمية، خط الأساس لقياس البحر الإقليمي. كما يختص القانون بالسلطة في اتخاذ إجراءات في البحر الإقليمي تجاه السفن الأجنبية وممارسة السلطة في فرض الرقابة في منطقة أعالي البحار، إلى جانب مسائل أخرى.

تداعيات سياسية داخلية

وكان حميدتي قال في تصريحات صحفية بمطار الخرطوم الدولي، عقب عودته من موسكو، يوم 2 مارس، إنه لا يوجد ما يمنع إنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر سواء كانت روسية أو غيرها.

ما نزال فقط ضمن تداعيات زيارة حميدتي المحلية، فعقب تصريحاته عشية وصوله إلى موسكو، التي بدا فيها داعماً لروسيا في حربها على أوكرانيا، سارعت وزارة الخارجية، لمحاولة تخفيف حدتها، قبل أن يُصدر مجلس السيادة بياناً قال فيه إنه يدعو إلى حل سياسي ودبلوماسي للأزمة. توالت ردود الأفعال المحلية، حيث وصفت الحركة الشعبية ـ شمال بزعامة عبد العزيز الحلو، زيارة حميدتي إلى موسكو، بأنها “تجسد التهريج الدبلوماسي”.

وقال نائب رئيس الحركة، جوزيف توكا، فى تصريح رسمى لموقع الحركة الشعبية على الانترنت، يوم الأحد 27 فبراير الماضي، إن “زيارة حميدتى إلى موسكو ليست مجرد سوء تقدير سياسي، وإنما خطوة جسدت الغباء السياسى والتهريج الدبلوماسي لحكومة الإنقلاب”.

جوزيف توكا نائب رئيس الحركة الشعبية

وأضاف توكا إن “زيارة حميدتي إلى العاصمة الروسية موسكو من حيث التوقيت، تزامنت مع بداية اجتياح الجيش الروسي لأوكرانيا، ويبدو أن حميدتى قد ورط حكومته بتأييد ما تقوم به روسيا، بحجة أن لروسيا الحق فى الدفاع عن حدودها وسيادة أراضيها”. 

ورأى توكا، أن هذا “الموقف المتهور غير مقبول أخلاقياً،  كما لا يتسق مع مراعاة توازن القوى على الأرض، وحميدتي غير مؤهل للقفز من لعبة المحاور التي ورط فيها البلاد للإقدام على هذه اللعبة الخطيرة في حلبة الكبار ليجلب على السودان سخط العالم ووعيد أمريكا وحلفائها”.

وحسب توكا، فإن طلب حميدتي الدعم العسكري والتعاون الاستخباراتي من روسيا للقضاء على الحركة الشعبية، يقف دليلا على أن الزيارة مدفوعة بأجندة حربية، خاصة وأن الإنقلابيين يخططون لشن الحرب ضد الجيش الشعبي في جبال النوبة والنيل الأزرق، وهو ما تؤكده التحركات والتعزيزات العسكرية على الأرض. 

وتابع “يبدو أنهم يتوهمون إمكانية إجتياح الإقليمين وسحق قوات الجيش الشعبى والقضاء على الحركة الشعبية حتى يتسنى لهم توطين الإنقلاب وفرضه كأمر واقع”. 

وأوضح توكا قائلاً، أن “زيارة حميدتي لموسكو، أكدت أن الموقف السياسي للطغمة العسكرية الحاكمة لا علاقة له بمصالح السودان، وهو لا يعدو كونه سلعة تباع وتشترى في مزاد العمالة والارتزاق السياسى لمن يدفع أكثر”. 

ودعا توكا، المجتمع الدولي إلى تصنيف قوات الدعم السريع سيئة السمعة والتاريخ كجماعة إرهابية، وليس بعيداً عن هذا، أكد رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، السيناتور غريغوري ميكس، إن إرسال السودان وفداً إلى روسيا، وهي تشن غزواً ضد أوكرانيا يبعث برسالة لا يمكن إنكارها إلى العالم مفادها؛ أن المجلس العسكري السوداني ليس لديه مصلحة في دعم الديمقراطية أو المبادئ الأساسية للسيادة. وقال في تغريدة نشرت يوم 24 فبراير الماضي “نحن نراقب”.

في يوم الجمعة 25 فبراير، انتقد رئيس (حزب الأمة)، مبارك الفاضل، وهو أحد الشخصيات السياسية المؤيدة لانقلاب 25 أكتوبر الزيارة. وقال “لا شك أن زيارة حميدتي والوفد المرافق له إلى موسكو في هذا التوقيت المتزامن مع المواجهة الغربية مع روسيا تعتبر قفزة في الظلام”. وأضاف في حسابه على موقع تويتر “مشاركة وفد وزاري له في هذه الزيارة يورط معه قيادة القوات المسلحة السودانية التي تسعى للتحالف مع الغرب.. روسيا ليست في وضع يمكنها تقديم دعم اقتصادي للسودان”.

ولأن الزيارة لم تشمل قادة عسكريين وأمنيين، تثور التساؤلات ما إذا كانت زيارة حميدتي إلى موسكو تمثل الدعم السريع، أم كل مكونات المجلس العسكري، وهل ينظر أي من الجانبين إلى علاقة السودان بروسيا والغرب بشكل مختلف، بالنظر إلى تاريخ العلاقات العسكرية بين السودان وروسيا الذي قادته القوات المسلحة منذ عقود.

على عتبة 6 أبريل.. ما أبرز المشتركات بين إعلانات ومواثيق لجان المقاومة السودانية؟

بمرور 3 سنوات، على بدء اعتصام القيادة العامة بالمقار الرئيسة للجيش بالعاصمة السودانية الخرطوم، والذي أسفرعن إسقاط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، تغير وجه السياسة في البلاد وباتت لجان المقاومة، هي القائد الأبرز لعملية التغيير. 

على عتبة الذكرى الثالثة، لبدء اعتصام القيادة العامة، تسير لجان المقاومة غداً الأربعاء مليونية 6 أبريل، وفي رصيدها 3 مواثيق وإعلانات سياسية، تحوي تصورات ولبنات الدولة المدنية الديمقراطية، في بلد عاش غالبية فترات تاريخه بعد الاستقلال في أتون الحروب الأهلية، والنظم العسكرية الشمولية، لكن أولئك الملايين المنخرطين في معركة التغيير، قرروا دفع ثمن إنهاء الانقلابات العسكرية مرة واحدة وللأبد. 

عندما اندلعت ثورة ديسمبر 2018م، كانت تكتيكات نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، لقمعها، تتراوح؛ بين القتل والاعتقال والتخويف، ظناً بأن ذلك الطريق يمكنهم كالعادة، في إخماد شرارة تلك الاحتجاجات واستعادة الأمور إلى ما قبلها.

مضى في طريق القمع، فمحاولة تثبيت أركان سلطته بالقوة، لا يبدو أمراً عصياً، بالنسبة لنظام حكم البلاد على مدى 3 عقود، ويعرف خصومه جيداً. لكنه بطبيعة الحال، اصطدم بـ(لجان المقاومة) بالأحياء والمدن السودانية، ذلك الخصم الذي لم يكن في حساباته وتخلق من رحم الاحتجاجات، إلى أن ساهم في الإطاحة بنظامه في أبريل 2019 م. 

وبدايةً من انقلاب 25 أكتوبر، تصدت لجان المقاومة لقيادة الاحتجاجات السلمية ضد السلطة العسكرية الحاكمة في البلاد. وبالتزامن مع ذلك، مضت في خطوات سياسية وتنظيمية، وصولاً إلى كتابة مواثيق وإعلانات سياسية، تقدم رؤية ليس لما بعد إسقاط الانقلاب وحسب، وإنما لإدارة البلاد مؤسسياً، أي كيف يحكم السودان، على امتداد المستقبل.

وتتشكل لجان المقاومة على المستوى القاعدي، من ائتلاف بين أبناء الحي الواحد، يتم الاتفاق فيه على حد أدنى من مبادئ مقاومة الحكم العسكري، وتركز دورها لفترات طويلة كجماعات ضغط، ضد جميع أولئك الذين يعملون عكس الإرادة الشعبية وتطلعاتها للحرية والسلام والعدالة.

لكن، مع استمرار تقلبات الحالة السياسية في البلاد، صارت لجان المقاومة، تياراً سياسياً ومن بين أكبر العاملين على ميلاد نظام مدني ديمقراطي.

مع هذا الحراك السياسي المتنامي للجان المقاومة، فضلاً عن جانب قيادة الاحتجاجات، تعرض (بيم ريبورتس) مقارنة بين إعلانات ومواثيق (لجان مقاومة مدني) و(لجان مقاومة مايرنو) و(تنسيقية لجان مقاومة ولاية الخرطوم).

مقارنة بين إعلانات ومواثيق لجان المقاومة السودانية التي طرحت خلال الفترة الماضية:

المفوضيات:

مدني:

  1. السلام.
  2. العدالة.
  3. إصلاح الخدمة المدنية.
  4. صناعة الدستور.
  5. هيكلة القوات النظامية.
  6. الانتخابات.
  7. مكافحة الفساد.
  8. تفكيك أنظمة القهر و التبعية.

الخرطوم: 

  1. السلام.
  2. العدالة.
  3. إصلاح الخدمة المدنية.
  4. صناعة الدستور.
  5. إصلاح القطاع الأمني والعسكري.
  6. الانتخابات.
  7. مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة.
  8. التنمية المستدامة.
  9. إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية.
  10. ترسيم الحدود والأراضي.
  11. المرأة و العدالة النوعية.

مايرنو

  • لم تذكر مفوضيات.

الأهداف والخطوات

الهدف\الخطوة

مدني

الخرطوم

مايرنو

اسقاط الانقلاب

نعم

نعم

لم تذكر

محاسبة المشاركين

لم تذكر

نعم

لم تذكر

الدستور

الرجوع لدستور 1956

بناء دستور انتقالي

مؤتمر دستوري لبناء دستور دائم

رئيس الوزراء

ترشيح من البرلمان

تسمية

ترشيح من البرلمان

المجلس التشريعي

انتخاب من المجالس البلدية

تكوين مجلس متوافق عليه

ممثلي الأحياء و النقابات المختارون من قبل قواعدهم

مجالس تشريعية محلية وولائية

لم يذكر

نعم

نعم

نظام الحكم

لامركزي

فدرالي

لم يذكر

الوزارات

10 وزارات

لم يذكر

لم يذكر

وزارات لجان مقاومة مدني المقترحة:

  • الصحة و البيئة.
  • التربية و التعليم العام و العالي.
  • الري و الزراعة و الثروة الحيوانية.
  • العدل.
  • الدفاع.
  • الخارجية والسيادة الوطنية.
  • الداخلية.
  • المالية والموارد.
  • الحكم المحلي.
  • الشفافية والمحاسبة ومراقبة الأداء.

السودان والجنائية الدولية: كيف وصلنا إلى هنا؟

عملاً بقرار مجلس الأمن رقم 1564، أنشأ الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور. وفي يناير 2005 أفادت اللجنة في تقرير قدمته إلى الأمم المتحدة بأنّ هناك أسباباً معقولةً للاعتقاد بأن جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب قد ارتكبت في دارفور، وأوصت بإحالة الحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

أحال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مستخدماً السلطة الممنوحة له بموجب نظام روما الأساسي، الحالة في دارفور إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بموجب القرار رقم 1593 بتاريخ 31 مارس 2005.

إثر إحالة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الحالة، تلقى المدعي العام نتائج لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور.

علاوة على ذلك، طلب المدعي العام معلومات من مصادر مختلفة مما أدّى إلى جمع آلاف الوثائق. وخلص المدعي العام إلى أن الشروط النظامية للبدء في التحقيق قد استوفيت فقرر مباشرة التحقيق، كأول تحقيق للمحكمة على أراضي دولة غير طرف في نظام روما الأساسي.

ابتدرت جنايات لاهاي، في يونيو 2005، مساءلاتها حول الإبادة الجماعية المزعومة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في السودان. ويعد الوضع في دارفور أول إحالة من قبل المجلس الأممي إلى الجنائية الدولية، مثلما كان هذا أول تحقيق للمحكمة الجنائية الدولية يتناول مزاعم جريمة الإبادة الجماعية.

بعدها بعامين، وفي 27 أبريل 2007 صدرت مذكرة توقيف ضد أحمد هارون، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يُزعم ارتكابها في دارفور.

فيما شهد تاريخ الرابع من مارس 2009 إصدار أول مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني وقتها عمر البشير، قبل أن تلحقه المحكمة بأمر قبض ثاني في 12 يوليو 2010.

قضية بندا

تتعلق القضية أيضاً بصالح محمد جربو جاموس، ولكن الإجراءات ضده انتهت في 4 أكتوبر 2013 بعد وفاته.

في 7 مارس 2011 قررت الدائرة التمهيدية الأولى بالإجماع تأكيد اتهامات جرائم الحرب التي وجهها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ضد عبد الله بندا وأرسلته إلى المحاكمة.

بعدها، في الأول من مارس 2012 صدرت مذكرة توقيف بحق عبد الرحيم محمد حسين.

وعلى الرغم من أن بندا مثل طواعية أمام المحكمة الجنائية الدولية خلال المرحلة التمهيدية لقضيته، في 11 سبتمبر 2014، أصدر قضاة الدائرة الابتدائية مذكرة توقيف لضمان حضوره للمحاكمة.

وشددت الدائرة على أنه في حالة مثول بندا طوعاً أمام المحكمة، فإن الدائرة ستأخذ المثول الطوعي في الاعتبار وستعيد النظر وفقاً  لذلك في شروط إقامته في هولندا أثناء المحاكمة.

قضية أبو قردة

أغلقت في 8 فبراير 2010 بعد قرار الدائرة التمهيدية الأولى عدم تأكيد التهم الموجهة إلى أبو قردة، ورفضت لاحقاً  طلب المدعي العام استئناف القرار. وإلى هنا ستظل القضية مغلقة، ما لم يقدم المدعي العام أدلة جديدة.

قضية كوشيب

نُقل علي محمد علي عبد الرحمن إلى حجز المحكمة الجنائية الدولية في 9 يونيو 2020، بعد أن سلم نفسه طواعية في جمهورية إفريقيا الوسطى. تم المثول الأولي لكوشيب أمام المحكمة الجنائية الدولية في 15 يونيو 2020. وفقا لتقديم الادعاء للوثيقة التي تحتوي على التهم، يُشتبه في أنّ عبد الرحمن متهم بارتكاب 31 تهمة تتصل بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية؛ يُزعم أنها ارتكبت بين أغسطس 2003 وأبريل 2004 على الأقل في دارفور.

عُقدت جلسة تأكيد التهم في الفترة من 24 إلى 26 مايو 2021. وفي 9 يوليو 2021، أكدت الدائرة التمهيدية الثانية جميع تهم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي وجهها المدعي العام ضد علي محمد عبد الرحمن وأرسلته إلى المحاكمة. ولا يمكن استئناف القرار الذي يؤكد التهم إلا بإذن من الدائرة التمهيدية الثانية.

قضية البشير

استناداً إلى مسؤوليته الجنائية الفردية بموجب المادة 25 (3) من نظام روما الاساسي؛ يتضمّن أمرا القبض على البشير عشر تهم، بوصفه مرتكبا غير مباشر، أو شريكا غير مباشر في خمس تهم متعلقة بجرائم ضد الإنسانية؛ تراوح القتل، الإبادة -وهي ليست جرم الإبادة الجماعية- النقل القسري، التعذيب، والاغتصاب.

كما تتضمن أوامر القبض تهماً ذات صلة بجرائم الحرب؛ كتعمد توجيه هجمات ضد مدنيين، والنهب. بالإضافة لثلاث تهم تتعلق بجرم الإبادة الجماعية تراوح القتل، إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم، وإخضاع الجماعات المستهدفة عمداً لأحوال معيشية يُقصَد بها إهلاكها الفعلي.

الإحالة ومباشرة التحقيق

في 14يوليو 2008 قدَّم المدعي العام طلبا لإصدار أمر بالقبض على (الرئيس السوداني) عمر البشير.

وفي 15 أكتوبر 2008 طلبت الدائرة التمهيدية الأولى مواد إضافيةً دعماً لطلب الإدعاء.

في 17 نوفمبر 2008 قدَّم المدعي العام مواد إضافيةً امتثالاً لقرار الدائرة التمهيدية المذكور آنفاً.

وفي الرابع من مارس 2009 أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى أمرا بالقبض على عمر البشير بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

أما في السادس يوليو 2009 فقد استأنف المدعي العام هذا القرار في شقه المتعلق برفض إدراج تهمة الإبادة الجماعية في أمر القبض.

بتاريخ الثالث من فبراير 2010 طلبت دائرة الاستئناف من الدائرة التمهيدية النظر مجدداً في ما إذا كان ينبغي تضمين أمر القبض تهمة الإبادة الجماعية.

أخيراً وفي 12 يوليو 2010 أصدرت الدائرة التمهيدية الاولى في المحكمة الجنائية الدولية أمراً ثانياً بالقبض على البشير حيث رأت أن هنالك أسباباً معقولة للاعتقاد بأنه مسؤول جنائياً عن ثلاث جرائم إبادة جماعية بحق جماعات إثنية.

ما التالي؟

في أغسطس الماضي صادق مجلس الوزراء على ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ما اعتبر خطوة جديدة في اتجاه محاكمة البشير أمام القضاء الدولي.

وأعلنت وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي في أغسطس نفسه أن مجلس الوزراء قرر تسليم الرئيس المعزول عمر البشير، واثنين من مساعديه المطلوبين في ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، مؤكدة حرص الخرطوم على “تحقيق العدالة للضحايا”.

وحتى مثول البشير أمام المحكمة أو نقله إلى مقرها في لاهاي، ستبقى القضية في المرحلة التمهيدية، إذ أن الجنائية الدولية لا تحاكم الأفراد إلا إذا كانوا حاضرين في قاعاتها.