لماذا يتضاءل حضور السودانيين الأولمبي؟
لم تحظ الرياضة في السودان بحصتها من الاهتمام والتطوير، يعضد الزعم ضعف المشاركات القومية في المنافسات العالمية مثل الأولمبياد الصيفية؛ التي عرفت تاريخيا كرمز للسلام الدولي والمنافسة والإلهام.
جملة من العوامل ربما كانت هي السبب وراء تراجع مشاركات الرياضيين السودانيين في المنافسات العالمية، وعدم ظهورهم في محافل التتويج ضمن قائمة الأبطال الدوليين، فما هي أبرز هذه العوامل؟
لمحة تاريخية
أول مشاركة للسودان في الأولمبياد كانت في محفل روما 1960، والتي كانت اول اولمبياد تبث على التلفاز، ومن ثم توالت مشاركات الرياضيين السودانيين في الألعاب الأولمبية الصيفية كل أربع سنوات باستثناء دورة 1964، كما قاطع السودان دورة 1976 في مونتريال مع معظم الدول الافريقية احتجاجاً على رفض اللجنة الأولمبية الدولية حظر نيوزيلندا من الدورة، بعد مشاركة فريقها الوطني للرجبي في جولة بجنوب إفريقيا اعتبرت وقتها تحدٍّ لدعوات الأمم المتحدة لفرض حظر رياضي ضد سياسات الفصل العنصري في بريتوريا. قاطع السودان أيضا دورة عام 1980 مقتفياً خطى الولايات المتحدة التي رفعت لواء الاحتجاج على الغزو السوفيتي لأفغانستان.
وشكلت اولمبياد ميونيخ 1972 علامة فارقة ضمن المشاركات السودانية، إذ شاركت فيها البلاد بأكبر تمثيل أولمبي في تاريخها بعدد 26 رياضي، تباروا في مناشط ألعاب القوى والملاكمة وكرة القدم ورفع الأثقال، وحمل علم السودان يومها لاعب الملاكمة عبد الوهاب عبد الله صالح.
أما أضعف تمثيل سوداني فقد كان ضمن أولمبياد سيدني عام 2000 حيث شارك ثلاثة لاعبين فقط ممثلين للبلاد في المحفل.
وعلى الرغم من ذلك فقد شهدت تلك الدورة أول مشاركة نسائية سودانية في شخص العداءة أميمة محمد، التي اعتزلت بعدها مباشرة بسبب “تفرغها لبيتها وتربية أطفالها” كما أوضحت في مقابلة لها مع جريدة “الصحافة” عام 2012.
وبحسب أميمة فإنها “لم تتمكن من إحراز نتيجة جيدة لعوامل كثيرة منها حداثة التجربة وصغر السن وكذلك اللغط الذي كان دائرا فى ذلك الوقت بعدم الموافقة على مشاركتي بسبب اللبس الذي يخص ألعاب القوى، ولكن اخيرا توصل المسؤولون باللجنة الأولمبية إلى أن أشارك، وفعلا شاركت وارتديت زيا طويلا عكس ما ترتديه اللاعبات من الدول الاخرى…”
وفي أولمبياد بكين عام 2008 نال العداء اسماعيل أحمد اسماعيل ميدالية فضية في سباق 800 متر، على الرغم من أن العداء ابوبكر كاكي كان المرشح الأبرز لإحراز ذهبية السباق. ذلك التتويج كان هو الأول والأخير للسودان طوال مشاركاته في الأولمبياد.
ضعف التدريب والفرص
من الواضح أن البلدان ذات الدخل المنخفض لا تملك نفس الإمكانيات وتوفير الفرص للتدريب والدعم، لكن بالرغم من ذلك فإن النظرة الفاحصة كفيلة بتنبيهنا إلى أن مستوى السودان متدنٍ حتى بالمقارنة مع نظرائه الإقليميين؛ إذ حازت إثيوبيا من قبل 58 ميدالية، فيما صعد الرياضيون من دولة كينيا زهاء 113 مرة إلى منصات التتويج طوال تاريخ بلادهم الأولمبي.
الجدير بالتنويه كذلك أن مستوى القارة ككل في الآونة الأخيرة يعتبر متدهوراً قياساً بالسنين الماضية؛ فعلى الرغم من أن أكبر عدد للدول والأقاليم المشاركة في أولمبياد طوكيو 2020 كان من نصيب قارة أفريقيا، إلا أن إجمالي الميداليات الافريقية لم يتجاوز 37 ميدالية فقط، كأقل نسبة للقارة منذ دورة برشلونة عام 1992، أي مساوٍ لعدد ميداليات دولة ألمانيا وحدها. ويمثل العدد نسبة 3.43% من جميع الميداليات التي قدمت في هذه الدورة.
أكبر عائق بالنسبة للقارة هو أن الرياضيين يتنافسون في عدد قليل جداً من البطولات بالمقارنة بأوروبا أو أمريكا او أستراليا، لكن القسط الأكبر من أسباب التدني ربما يمكن أن يُعزى إلى جائحة كورونا التي ادت الى اغلاق تام في كثير من البلدان وأزمات اقتصادية أضعفت التمويل للرياضة والتدريب، بالاضافة الى غياب او تأجيل كثير من البطولات التي كانت توفر مساحة لهؤلاء الرياضيين للمنافسة.
يمكن الاشارة ايضا الى أن كثير من الرياضيين من أصل أفريقي ينتمون لفرق من أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية، مما أدى حتماً إلى انخفاض عدد الميداليات للدول الأفريقية نفسها.
الاعتماد على رياضات محددة
من الملاحظ ان اغلب مشاركات السودان الاولمبية – مثل العديد من الدول الافريقية – منحصرة في ألعاب القوى. ويؤثر ذلك سلبا على احتمالات الفوز بميداليات في رياضات متفرقة فمثلا في اولمبياد سيدني عام 2000 أكثر من 80% من الميداليات الافريقية كانت في العاب القوى، كما أوضح عضو اللجنة الاولمبية العالمية ويليام بليك “تشارك العديد من الدول الأفريقية في ألعاب القوى، لذا فهي لا تترك مجالًا كبيرًا للفوز بميداليات في رياضات أخرى – على عكس العديد من الدول الأوروبية التي ترسل الرياضيين إلى جميع أحداث البرنامج الأولمبي تقريبًا.”
ضعف التخطيط والتنظيم
إن نقص الموارد لا يؤثر سلباً فقط على الدعم المادي للرياضيين، بل يكثف ايضاً الفساد المادي والاداري وضعف التنظيم وبعد النظر، على عكس الحال في الدول المتقدمة كما قال الصحفي الرياضي ننامدي اوكوسيمي لجريدة Premium Times النيجيرية: “أتذكر قصة أخبرنا بها أسترالي عن كيفية رعايتهم لطفلاً يبلغ من العمر – أعتقد – 11 عامًا ليصبح بطلاً للعالم في الجمباز. أستراليا ليست دولة قوية في الجمباز، ولكن مع التخطيط والتنظيم المناسبين، قاموا ببناء بطل من الصفر عن قصد. معظم البلدان الأفريقية ليست منظمة بما يكفي لتحقيق مثل هذه المآثر”.
السودان كان يشارك في الماضي في رياضات أخرى مثل الملاكمة ورفع الأثقال ولكن تضاءلت هذه المشاركات في السنين الماضية وانحصرت في ألعاب القوى والسباحة فقط.
“الثورة الشبابية، ثورة ديسمبر المجيدة موضع احترام…”
وبحسب نجلاء ينبغي أن يتم توفير دعم مادي للمؤسسات التي تدعم الرياضيين، وازالة جميع أوجه الفساد داخل اللجان والاتحادات والمؤسسات حتى يتم تدريبهم بصورة ممنهجة ومنظمة ومن ثم المشاركة في منافسات إقليمية وعالمية، وهي خطوة من وجهة نظرها تتراءى، خصوصاً في ظل بوادر التنظيم الحالية، حيث أن اللجنة الأولمبية السودانية تتأهب لجمعيتها العمومية والانتخابات المزمع قيامها منتصف سبتمبر الحالي، و”الثورة الشبابية، ثورة ديسمبر المجيدة موضع احترام، وبعد المجلس المنتخب حالياً فإن أياماً قلائل تفصلنا عن الانتخابات الأولمبية ومجلس جديد”، كما تقول نجلاء.