كيف يسعى (الدعم السريع) لتحسين صورته عبر واجهات أجنبية؟

نشرت صفحة (قوات الدعم السريع – الإعلام الإلكتروني) على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، وكذا صفحة (قوات الدعم السريع) على موقع (تويتر)، يوم السبت 5 فبراير 2022م، منشوراً ذكرت فيه أن دراسةً لـ(مركز رصد الصراعات في الساحل الأفريقي 2021 في باريس) أكدت أن “قوات الدعم السريع لعبت دوراً مهماً في تحريك المياه الراكدة في السياسة الأوروبية تجاه السودان، وأسهمت في ترسيخ التعاون بين السودان والاتحاد الأوروبي لمكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي باتت تهدد حياة الآلاف من المهاجرين”- وفقاً للمنشور.

المنشور نفسه، كان قد نُشر أولاً بموقعي (الرائد) و (أثير نيوز) الإلكترونيين، في يوم الأربعاء 2 فبراير 2022م. ونُشر لاحقاً في يوم الأحد 6 فبراير 2022م، بالموقع الإلكتروني لصحيفة (الصيحة)، تحت العنوان التالي: (قوات الدعم السريع تلعب دوراً مهماً في مكافحة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر).

ومن ثم تداولته شبكة واسعة من الحسابات والصفحات على مواقع التواصل الإجتماعي فيما بدأ وكأنه حملة ممنهجة لتلميع المليشيا شبه العسكرية.

وفي يوم الاثنين 7 فبراير 2022م، أعادت صفحة (قوات الدعم السريع- الإعلام الإلكتروني) على (فيسبوك)  النشر في ذات الموضوع، وكتبت منشوراً جديداً ضّمنته مقتطفات قالت إنها مقتبسة من كتاب بعنوان: (قوات الدعم السريع رأس الرمح في محاربة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر)، وقالت إن الكتاب من إعداد: (مركز رصد الصراعات في الساحل الأفريقي – باريس / ديسمبر 2021م). وعلى حساب قوات الدعم السريع بموقع (تويتر) نُشرت صورة تصميم غلاف لكتاب بالعنوان المذكور.

أورد المنشور، عدداً من الفقرات حول مشاركة الدعم السريع، في مهمة مكافحة الهجرة غير الشرعية ضمن (عملية الخرطوم) عام 2014م، ودور الدعم السريع في مكافحة الهجرة غير الشرعية.

وادعى المنشور أنه “بفضل اهتمام قوات الدعم السريع بالملف، تعززت علاقة السودان الدبلوماسية مع دول الاتحاد الأوروبي وتكونت آليات مشتركة (عملية الخرطوم)، ما مكّن السودان من الحصول على دعم لوجستي لحماية الحدود”. 

تشير (بيم ريبورتس) ان (عملية الخرطوم) هي العملية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي لوقف الهجرة غير الشرعية، ولاقت انتقادات في السودان وفي أوساط الرأي العام الأوربي ووُصِفت بأنها عملية مسيسة ساعدت حكومات تنتهك حقوق الإنسان لا سيما الحكومة السودانية، لكن الاتحاد الأوروبي نفى لاحقاً تقديم أي دعم لوجستي وفني للقوات العسكرية السودانية.

المنشور الذي ظهر اولاً على مواقع (الرائد) و(أثير نيوز) ثم لاحقاً نشرته الصفحات الرسمية لـ(قوات الدعم السريع – الإعلام الإلكتروني) على موقعي (فيسبوك) و(تويتر) ، وصحيفة (الصيحة)،  مُدعية أن المنشور منقول عن الكتاب المذكور أعلاه.

بالبحث عن الكتاب المُشار إليه، وجد فريق (بيم ريبورتس) صوراً لتصميم غلاف الكتاب، لكن لم يجد أثراً للكتاب المذكور في مكان آخر على الإنترنت.

وحسب المنشور، فإن الدراسة أجريت في عام 2021م.

تقصى فريق البحث في (بيم ريبورتس)، حول المركز والدراسة باللغات العربية، الانجليزية والفرنسية، ولم يجد  مصدراً للدراسة سوى عنوان الكتاب المذكور، والمنشورات التي روجت لها مواقع (الرائد)، (أثير نيوز)، وصحيفة (الصيحة) وصفحات (الدعم السريع) على فيسبوك وتويتر.

وفيما يتعلق بإسم المركز المذكور في المنشورات، (مركز رصد الصراعات في الساحل الأفريقي)، توصل فريق البحث في (بيم ريبورتس) إلى الآتي:-

  • ليس للمركز وجود على الإنترنت.
  • يظهر إسم (محمد علي كلياني) في عدد من الإستضافات الإعلامية بأنه مدير المركز المذكور.
  • (محمد علي كلياني) الذي يعرف نفسه بأنه مدير المركز، هو تشادي الجنسية، ويُعرف نفسه بأنه صحفي تشادي مقيم بفرنسا. يُطلق على نفسه عدداً من الألقاب منها (رئيس تحرير صحيفة الوحدة الدولية التي تصدر من فرنسا) ، و(مدير مركز رصد الصراعات في الساحل الإفريقي) ، و(صحفي) و(ناشط سياسي)، و (مهتم بالقضايا الحقوقية في مناطق النزاعات)، و(ومؤلف كتاب عن الانتهاكات الحقوقية في اليمن).
  • صحيفة (الوحدة الدولية) المذكورة في ملف كلياني، هي صحيفة أسبوعية كانت تصدر في باريس وتوقفت عن الصدور منذ سنوات.
  • يشارك (كلياني) في المناقشات في الشأن السوداني، وكتب (11) مشاركة في موقع النقاش السياسي السوداني الشهير (سودانيز أونلاين).
  •  قدم عدداً من الإفادات الصحفية لوسائل إعلامية حول الأوضاع في تشاد، اثنتين منهما لموقع (سبوتنيك عربي) الروسي، يومي 25 أبريل 
    و1 يونيو 2021، الأولى حول الوضع التشادي، عقب مقتل الرئيس إدريس ديبي، والثانية عن الإرهاب في الساحل الأفريقي، وإفادة لموقع الشرق السعودي حول الإرهاب في تشاد في 18 يناير 2021م، وإفادة لموقع (العربي الجديد)، بتاريخ 14 سبتمبر 2021، حول انضمام التشاديين للمليشيات السودانية.
  • نُشرت لمحمد كيلاني عدد من المقالات والتعليقات بموقعي (سودانايل) و (الراكوبة).
  • تواصل فريق البحث مع أحد المصادر ذات الصلة بالمركز المذكور، وأكد أن المركز لا يملك موقعاً على شبكة الإنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي.
  • يذكر (محمد علي كلياني) في حسابه على موقع (لينكد إن) أنه صحفي بصحيفة (الوحدة الدولية) وهي كما أشرنا توقفت عن الصدور منذ سنوات.

بالبحث في حساب الصحيفة على موقع (فيسبوك)، وجدنا أن أحد أعداد الصحيفة تناول في صفحته الأولى مكافحة الإرهاب و الهجرة غير الشرعية، عارضا صورة حميدتي في مقدمة الصحيفة كما يتضح في الصورة (1)، واصفا (حميدتي) ب “le redoutable général” والتي تترجم من الفرنسية للعربية ب”الجنرال الهائل” حسب ترجمة قوقل.

توصل فريق البحث في (بيم ريبورتس) إلى أن المركز المذكور يعمل به أحد السودانيين، وهو (عادل حسن محمد أحمد) الذي يشغل منصب مساعد مدير المركز، وهو لواء متقاعد و أستاذ بجامعة الرباط الوطني. كذلك وجد فريق البحث كتابين منشورين لعادل حسن، هما: (الدبلوماسية الناعمة في السياسة الصينية تجاه افريقيا العلاقات الصينية – السودانية نموذجاً) و(تحديات اﻷمن القومى السودانى بعد نهاية الحرب الباردة و استراتيجية مواجهتها).

ناقش اللواء المتقاعد ورقة بعنوان “الإسلاميون و مؤسسة الأمن” ضمن ندوة (مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية) بمشاركة (مركز تأسيس للدراسات و النشر) و (جامعة حمد بن خليفة) من دولة قطر و (جامعة اسطنبول صباح الدين زعيم) التركية.

صورة (1)

يتضح من خلال عملية البحث والتقصي، أن المركز المذكور، لا يبدو كمركز بحثي موثوق، حيث لا وجود لعنوان مقره في باريس، كما يزعم ، بجانب عدم الوجود على الانترنت، و عدم وجود أية دراسات منشورة باسمه من قبل، فضلاً عن أن السودان ليس من بين دول مجموعة الساحل الأفريقي والتي تضم كلاً من: (تشاد، النيجر، موريتانيا، بوركينا فاسو ومالي). 

يبدو من الوقائع التي توصلنا إليها من خلال التقصي، أن المنشور الذي روجت له بعض المواقع السودانية، قد نُشر وفق خطة تهدف لتحسين صورة مليشيا (الدعم السريع) شبه العسكرية، عبر عدة منصات إلكترونية محلية وأجنبية. فظهور المنشور أولاً على صفحات ومواقع إلكترونية ومن ثم إعادة نشره بالمنصات الرسمية للدعم السريع،  في محاولة لخلق مصداقية لخبر مضلل من خلال الإيحاء بأن هذا الرأي يأتي من مركز بحثي موثوق مقره العاصمة الفرنسية باريس، لحمل المتلقين على تصديق الخبر عبر عملية تضليل ممنهجة.

يُشار إلى أن محاولات تحسين صورة المليشيات والقوات العسكرية السودانية كانت قد بدأت منذ مايو 2019م عقب سقوط البشير مباشرة، و استيلاء الجيش على السلطة في السودان بواسطة المجلس العسكري، ووقع نائب رئيس المجلس العسكري وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) عقدا بقيمة 6 مليون دولار مع شركة (ديكنز آند مادسون) الكندية -التي يديرها رجل الموساد السابق (آري بنياشي)- لتحسين صورة المجلس العسكري السوداني وتقديمه للرأي العام العالمي. 

المحاولات الحثيثة لتحسين صورة الدعم السريع التي تقف خلفها جهات داخلية وخارجية متعددة، تسعى لمحو سجل مليء بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي وثقتها العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، لا سيما منظمة (هيومن رايتس ووتش) التي اتهمت (الدعم السريع) بارتكاب مجازر بدارفور في العام 2015م.

وأشارت المنظمة الحقوقية ذائعة الصيت، في تقريرها

"أن جرائم الدعم السريع ترقى لتكون جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية"

وأورد التقرير: "ترقى انتهاكات قوات الدعم السريع للقانون الدولي الإنساني إلى جرائم حرب. وتبدو عمليات الاغتصاب الجماعي والقتل وغيرها من الانتهاكات جزءاً من هجمات واسعة النطاق ومنهجية على السكان المدنيين والتي قد تشكل جرائم ضد الإنسانية. والجرائم ضد الإنسانية هي جرائم خطيرة، تشمل القتل، والتعذيب والاغتصاب، المرتبكة ضمن هجوم واسع النطاق ومنهجي على السكان المدنيين".

وفي الخرطوم، قالت هيومن رايتس ووتش، إن (قوات الدعم السريع) “قادت حملة قمع عنيفة ضد المتظاهرين في 3 يونيو 2019 في أحياء الخرطوم وبحري وأم درمان المجاورتين ، والتي خلفت ما لا يقل عن 120 قتيلاً ومئات الجرحى.” خلال فض إعتصام القيادة العامة.

جهات عديدة -أجنبية ومحلية- تسعى للسيطرة على، وتوجيه الرأي العام في السودان من خلال وسائل التواصل الإجتماعي وهذا الأمر أكدته دراسات عديدة، من بينها الدراسة التي أعدها البروفيسور مارك أوين جونز -المختص في دراسة عمليات التضليل و الاستبداد الرقمي- الذي كشف، مطلع العام الحالي عن “شبكة يبدو أنها موجودة في الغالب لتعزيز دور الإمارات العربية المتحدة في السودان، وفي بعض الأحيان تعمل على انتقاد جماعة الإخوان المسلمين”- حسب وصفه.

الشبكة المشار إليها، تنشط على موقع (تويتر) وتتكون من 26 حساباً تتفق في أن لها صورة شخصية لفتاة جذابة وصورة إطار (غطاء) عالية الجودة لإحدى مناطق الخرطوم. بالإضافة إلى أن اسم المستخدم الـ(Username) لا علاقة له بالاسم النمطي.

وفي مايو 2021م، كشف تقرير لـ(فيسبوك) عن شبكة تضليل روسية تستهدف المتلقي السوداني. وتنشط الشبكة على منصتي (فيسبوك) و(انستغرام) حيث بلغ مجموع متابعيها حوالي 440.000 متابع. تشكلت الشبكة من 83 حساب (فيسبوك) و 30 صفحة و 6 مجموعات و 49 حساب (انستغرام).

وفيما يبدو أنه مستوى جديد في التلميع يعمل عليه (الدعم السريع)، يتعلق في الأساس بمخاطبة مخاوف أوروبا من الهجرة غير الشرعية، ضمن استراتيجية روسية على الأرجح، لإثارة المخاوف من جهة، وضمان النظر إليها كقوة مؤثرة في المشهد السوداني لا يجب الاستغناء عنها، من جهة ثانية.

أما، داخلياً، فيبدو أن استراتيجية تحسين الصورة تعمل على حمل الرأي العام السوداني، إلى التفكير بجدية، بأن الخارج بات ينظر إلى (الدعم السريع) كقوات حسنة السمعة ومقبولة دولياً، من خلال الترويج لدور مزعوم لهذه القوات في مكافحة الهجرة غير الشرعية.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع