على خطى (البشير).. كيف يحاول (حميدتي) تأمين بقائه في السلطة عبر بوابة موسكو؟

“من حق روسيا الدفاع عن شعوبها ومواطنيها وفقاً للقانون والدستور” يقول نائب رئيس مجلس السيادة في السودان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، غداة وصوله إلى العاصمة الروسية موسكو، في ليل الثالث والعشرين من فبراير الماضي، قبيل ساعات معدودة من غزو الأخيرة لأوكرانيا.

ولا يبدو أن حميدتي، في هذا السياق مضى بعيداً، عن تصورات الرئيس المخلوع، عمر البشير، مهندس التدخل الروسي في البلاد، في طلب حماية موسكو لبقائه في السلطة.

خلال لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمدينة سوتشي في نوفمبر 2017م، أبلغ البشير بوتين، إن بلاده بحاجة إلى حماية من العدوان الأميركي. وقال موجهاً حديثه إليه: “الأميركان نجحوا في تقسيم السودان لدولتين وساعين لمزيد من التقسيم”، مضيفاً “ونحن نحتاج كسودان لحماية من العدوان الأميركي علينا”.

في ديسمبر 2019م، نشرت الجريدة الرسمية الروسية نص اتفاقية بين السودان وروسيا حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر، بهدف ما وصف بتعزيز السلام والأمن في المنطقة، كما نص الاتفاق على أن القاعدة لا تستهدف أطرافاً أخرى حسب  ما ورد في مقدمتها، على أن يحصل السودان مقابل ذلك على أسلحة ومعدات عسكرية من روسيا، حسب الاتفاقية التي وقعها الرئيس الروسي بوتين في نوفمبر من العام 2020.

أتى طلب البشير الحماية ، بعد وقت بسيط من رفع الولايات المتحدة الأمريكية العقوبات الاقتصادية على البلاد.

وسريعاً استطاع الروس، تحويل طلب الحماية ذلك، إلى قرارات فاعلة، فبدأ الحديث عن اتفاق لإنشاء قاعدة عسكرية لموسكو على البحر الأحمر، أيضاً تمكنوا من تحويل السودان، إلى بوابة نحو جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة، ومنها إلى أفريقيا جنوب الصحراء وغرب أفريقيا.

وفي هذا السياق، رعت الخرطوم، بإيعاز من موسكو محادثات سلام بين أطراف أفريقيا الوسطى، مكّنها هذا الأمر رويداً رويداً من أن تكون لاعباً أساسياً في ذلك البلد الفقير و الغني بالمعادن والثروات الطبيعية في الوقت نفسه. 

لم يمر وقت طويل، بين بدء تعاون موسكو مع نظام البشير، حتى واجه الأخير ثورة شعبية أطاحت بنظام حكمه في أبريل 2019م، رغم محاولات موسكو الحثيثة وقتها لإنقاذ حليفها من السقوط. عندما أيقنت موسكو أن نظام البشير ساقط لا محالة، سرعان ما عقدت اتفاقاً مع المجلس العسكري الانتقالي الذي خلفه، يتعلق أيضاً بالقاعدة البحرية.

تحت وقع الضغوط الروسية، كانت استجابة المجلس العسكري الانتقالي حتمية، مرةً بسبب هشاشته السياسية، ومرة أخرى بسبب ضعف خبرته السياسية. 

نجحت روسيا في مايو 2019م في التوقيع على اتفاقية المركز اللوجيستي على البحر الأحمر، مع المجلس العسكري الانتقالي والذي صادق عليه في يوليو من العام نفسه. بالمقابل، دعمت روسيا المجلس العسكري الانتقالي، في تعطيل إقرار مشروع قرار بمجلس الأمن الدولي، يُدين قتل الحكومة العسكرية السودانية للمدنيين في يونيو 2019م، بالتزامن مع أحداث فض اعتصام القيادة العامة.

ويعتقد أن موسكو وظفت رغبة الجيش السوداني في تعزيز قدراته الدفاعية، ورغبته في الحصول على أسلحة ومعدات عسكرية مجانية من موسكو، بجانب تعزيز أسطوله البحري، وتوفير الدعم والحماية في المنصات الأممية في تحقيق مكاسب استراتيجية لروسيا متعلقة باستخدام السودان كبوابة للتوسع الروسي في القارة وفي استغلال الموارد والسيطرة عليها.

ووفقاً لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي، فإن الأسلحة الروسية تشكل في الواقع الغالبية بالنسبة لواردات الأسلحة السودانية بنسبة 87 %، إذ أن روسيا هي المورد الرئيسي للأسلحة إلى السودان، بينما  8 %  فقط من الأسلحة السودانية، هي أسلحة صينية.

وفي الفترة بين عامي 2015 ـ 2019، استورد السودان أسلحة من روسيا بقيمة 125 مليون دولار، حسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام.

تاريخ العلاقات بين الخرطوم وموسكو

عند استقلال السودان في عام 1956، كان الاتحاد السوفيتي من أوائل الدول التي اعترفت باستقلاله، وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي، أعلن السودان في ديسمبر 1991م، اعترافه بجمهورية روسيا الاتحادية.

مرّت العلاقات بين البلدين بحالات متباينة عسكرياً، سياسياً واقتصادياً، فمع انقلاب جعفر نميري في مايو 1969م، بدأ الجيش السوداني التوجه نحو التسليح الشرقي، (السوفيتي)، لكن بعد انقلاب 19 يوليو 1971، ساءت العلاقة بين الخرطوم وموسكو، بسبب إعدام نميري بعض القادة الشيوعيين.

بالعودة إلى فترة حكم المجلس العسكري الانتقالي أبريل ـ أغسطس 2019م، وانقلاب 25 أكتوبر 2021م، مرّت الكثير من التحولات العميقة في سياسة البلاد الخارجية تجاه القوى الغربية، لكن وتحت الظل، تمكنت موسكو من تعزيز وتمتين علاقتها مع المؤسسة العسكرية المتمثلة في الجيش السوداني، بالإضافة إلى علاقة أخرى جديدة تمكنت من بنائها مع قوات الدعم السريع، فيما بدا امتداداً لسياستها مع حليفها السابق، البشير.

في غضون نحو 3 سنوات، استطاعت موسكو، ودون أن يلحظ الكثيرون ذلك، في التمدد على طول البلاد وعرضها، في التنقيب عن الذهب والمعادن الأخرى شمالاً شرقاً وغرباً، تمكنت أيضاً من إنشاء قاعدة عسكرية في منطقة أم دافوق على حدود السودان وأفريقيا الوسطى، في وقت بات هدفها الرئيسي المتمثل في إنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر قريباً على ما يبدو، تفسره تصريحات حميدتي الموافقة ضمنياً على إنشاء القاعدة.

وعقب عودته من موسكو في يوم الأربعاء 2 مارس، قال حميدتي في تصريحات صحفية، إنه لا يمانع من إنشاء قاعدة عسكرية على البحر سواء لروسيا أو غيرها.

مؤتمر صحفي لحميدتي عقب عودته من روسيا

لم يأتِ ذهاب حميدتي إلى موسكو، في خضم أزمة عالمية، جعلت العاصمة الروسية مركزاً للعنات القوى الغربية، سوى كونه مضي في التحالف القائم على مصالح ضيقة مشتركة بين الجانبين، بينما يستفيد من تدريب شركة (فاغنر) المقربة للكرملين لقواته، وأيضاً تقديم عناصرها استشارات إعلامية وسياسية له، بجانب تأمين أسلحة روسية وحماية سياسية، في مساعيه لتمديد نفوذه المالي، السياسي والعسكري. مقابل، استفادة الروس في تهريب الذهب وفتح الطريق أمامهم لزيادة تأثير موسكو على أفريقيا، بعد رعايتها عدة انقلابات هنا، بجانب الهدف الرئيسي المتمثل في إنشاء قاعدة عسكرية في مدينة بورتسودان.

يقول مصدر عسكري رفيع لـ(بيم ريبورتس)، إن إنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر محل شكوك، نسبة لأن الاتفاق مجمد، والحاجة الملحة لموافقة الدول المتشاطئة، ورفض القوى الغربية المؤكد لهذا الأمر.  

لكن يوم الثلاثاء 15 فبراير، وصل حميدتي إلى مدينة بورتسودان، فيما بدا أن الزيارة لها صلة بالقاعدة البحرية وميناء بورتسودان، وهو كان قد قال في معرض تبريره لإنشاء قاعدة عسكرية، إن مثل هكذا أمر يعود بالفائدة على المجتمعات المحلية.

وبالعودة إلى تداعيات زيارته إلى موسكو، وبعد أقل من أسبوع على عودته، تم الإعلان عن وصول 20 ألف طن من القمح الروسي، إلى ميناء بورتسودان، في إطار ما سّمته وكالة الأنباء السودانية ـ سونا، المنحة الروسية للشعب السوداني. 

وكان حميدتي وصل إلى العاصمة الروسية موسكو، بالتزامن مع بدء الأخيرة حربها ضد أوكرانيا، وقال وقتها في تصريحات صحفية، إن روسيا لديها الحق في الدفاع عن شعوبها ومواطنيها وفقاً للقانون والدستور على حد تعبيره.

جدول الأعمال المعلن

التقى حميدتي خلال زيارته التي امتدت أسبوعاً، عدداً من المسؤولين الروس، بينهم وزير الخارجية، ونائب رئيس الوزراء، ونائب رئيس مجلس الأمن، ونائب وزير المالية، ونائب وزير الدفاع، بالإضافة إلى زيارته للجامعة الروسية الحكومية للعلوم الإنسانية.

أثارت الزيارة علامات استفهام عديدة داخلياً وخارجياً، بسبب توقيتها المتزامن مع الغزو الروسي لأوكرانيا، ومرةً أخرى، بسبب المخاوف والاعتراضات على الدور الذي تلعبه موسكو في البلاد، المرتبط بدعم المكون العسكري، خصوصاً مع قائد قوات الدعم السريع، ونهب الموارد المحلية، وفي هذا السياق، اتهمت قوى الحرية والتغيير، موسكو بنهب موارد البلاد ودعم الانقلاب العسكري، قبل أن تدين الغزو الروسي لأوكرانيا، بالإضافة إلى انتقادها لتوقيت الزيارة.