أعلنت المحكمة الجنائية الدولية، الثلاثاء 5 أبريل 2022م، افتتاح المحاكمة في قضية المدعي العام للمحكمة ضد علي محمد علي عبد الرحمن، المعروف باسم (علي كوشيب)، أمام الدائرة الابتدائية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية. ووجهت المحكمة إلى كوشيب (31) تهمة، متصلة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، في الفترة بين أغسطس 2003م وأبريل 2004م على الأقل، وفقا لبيان أصدرته المحكمة، فمن هو كوشيب الذي يمثل أمام المحكمة الجنائية الدولية، بعد 15 عاماً على صدور مذكرة توقيفه.
من هو علي كوشيب؟
وُلد كوشيب عام 1957، وهو بالأساس ضابط صف بقوات الاحتياطي المركزي، تدرج فيها حتى وصل إلى رتبة المُساعد. وهي القوات التي فُرضت عليها عقوبات مؤخراً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب قمعها العنيف للمظاهرات السلمية.
يعتبر علي كوشيب بمثابة حلقة الوصل بين نظام الرئيس المخلوع عمر البشير وبعض المليشيات المحلية -فيما يخص تجنيد المرتزقة- التي دعمتها الحكومة السودانية في دارفور.
كان كوشيب فاعلاً مع قوات الدفاع الشعبي، بالإضافة إلى نشاطه مع مليشيات (الجنجويد) – التي كانت النواة الأساسية للقوات المعروفة حالياً بقوات (الدعم السريع)- في الهجوم على المدنيين العزل بدارفور بين عامي 2003م و 2004م.
كوشيب والمحكمة الجنائية الدولية
في السابع والعشرين من العام 2007م، أصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، مذكرة توقيف بحق كوشيب و أحمد هارون، القيادي بحزب المؤتمر الوطني، متهماً كوشيب بإصدار أوامر بالقتل والاغتصاب والنهب.
ذكرت المحكمة الجنائية الدولية، في بيان لها أنها تعتقد أن (كوشيب) “نفذ استراتيجية الحكومة السودانية في مكافحة التمرد والتي تسببت في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور في السودان”. وأضافت أن الهجمات التي شنتها القوات المسلحة السودانية و/أو ميليشيا الجنجويد، التي كان كوشيب جزءً منها، كانت ذات طبيعة منهجية وواسعة النطاق، وكانت موجهة ضد السكان المدنيين، عملا بسياسة دولة أو منظومة تقضي بالهجوم على السكان المدنيين، أو تعزيزا لهذه السياسة.
احتوت مذكرة التوقيف الصادرة بحق (كوشيب) لائحة من (50) تهمة، حيث تتهمه بتحمل المسؤولية الجنائية الفردية عن:
- (22) تهمة تتعلق بجرائم ضد الإنسانية (القتل، النقل القسري، الاغتصاب، الاضطهاد، التعذيب، فرض السجن أو الحرمان الشديد من الحرية، ارتكاب أفعال لا إنسانية ما يسبب معاناة شديدة أو أذى خطيراً )
- (28) تهمة تتعلق بجرائم حرب (القتل، شن الهجمات على السكان المدنيين، الاغتصاب، الاعتداء على كرامة الأشخاص، النهب وتدمير الممتلكات).
بعد التحقيق، وجهت المحكمة لكوشيب (31) تهمة، من بين الخمسين التي أرفقت مع مذكرة التوقيف.
لم تسلِّم السلطات السودانية كوشيب ومن معه لقضبان (الجنائية الدولية)، مبررة ذلك لعدم توقيعها على نظام روما الأساسي، المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية.
استسلام علي كوشيب
في التاسع من يونيو من العام 2020م، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية أن كوشيب أضحى في عهدتها، بعد أن سلم نفسه طوعاً إليها في جمهورية إفريقيا الوسطى. وكان كوشيب حرا طليقا، هو و عبدالله بندة من بين المتهمين السودانيين دوليا (البشير وهارون و عبدالرحيم حسين)، الذين تم احتجازهم داخل قضبان السجون السودانية.
أولى جلسات المحكمة
في السادس من أبريل الجاري، أجريت أول جلسات المحكمة بحضور المتهم و بإدعاء المدعي العام، كريم خان. ابتدر المدعي العام إدلاء أدلته قائلا بأنه سيذكر مجموعة كاملة من الأدلة تدعم (31) تهمة موجهة لكوشيب. وأفاد بأن الأطفال قد كانوا ضمن الضحايا “غير المرئيين” أثناء الحروب، حسب وصفه. و ذكر أن أحد مأسي الحرب في دارفور تكمن في أن عُمر معظم الضحايا الأطفال في دارفور أقل من خمس سنوات فقط.
واصل مدعي المحكمة في ذكر الأدلة الداعمة للاتهامات الموجهة لكوشيب، وأفاد في كلمته أمام رئيسة المحكمة، عدم تصويت أي دولة ضد قرار إحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية -حتى روسيا والصين-، ما يدل على إجماع المجتمع الدولي على ضرورة التحقيق في الاتهامات الموجهة للحكومة السودانية.
السودان والمحكمة الجنائية الدولية
أحال مجلس الأمن الدولي الحالة في دارفور ابتداء من 1 يوليو 2002م إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالقرار 1593 في 31 مارس 2005م، كأول حالة يحيلها مجلس الأمن للمحكمة. واثر ذلك، تسلم المدعي العام خلاصات بعثة التحقيق الدولية في دارفور. كما طلب مكتب المدعي العام معلومات من مصادر متعددة حتى تجمعت لديه آلاف الوثائق، وخلص المدعي العام إلى توافر الشروط المطلوبة وقرر الشروع في التحقيق في 6 يونيو 2005م.
في العام 2009م، أصدرت الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس المخلوع عمر حسن البشير بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. و هي أول مذكرة توقيف تصدرها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس دولة يمارس مهامه منذ تأسيسها في عام 2002م.
أيضا، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمرا بإلقاء القبض على وزير الدفاع إبان عهد حكم المؤتمر الوطني، عبد الرحيم محمد حسين بالعام 2012م، موجهة له 41 تهمة بجرائم ضد الإنسانية