ما الذي تحقق لسكان دارفور بعد عام ونصف على توقيع اتفاق جوبا للسلام ؟

“ما نريده كضحايا هو تحقيق العدالة والإنصاف لنا وأسرنا، ومحاسبة كل مرتكبي الجرائم في دارفور ومنع حدوث أي جرائم جديدة”، بهذه العبارات المحتشدة بالوضوح، يتحدث آدم رجال، الناطق الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، في إفادته حول آمال وتطلعات سكان مخيمات النزوح، الذين شردتهم سنوات الدم والحرب والرصاص، التي غيرت وجه دارفور مرة وللأبد.

وشهد إقليم دارفور حرباً  مستمرة، اشتعل أوارها لأول مرة في العام 2003 أودت بحياة أكثر من 300 ألف شخص، فيما تسببت في تهجير أكثر من مليوني شخص إلى مناطق أخرى داخل السودان تكتظ بآلامهم مخيمات النزوح، وخارجه كلاجئين في الدول المجاورة.

وانتظم ضحايا الحرب الذين لاذوا بمخيمات النزوح في تنظيمات أهلية محلية، من ضمنها المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، التي يتحدث بإسمها آدم رجال، ويشارك بفاعلية في  جميع ما يختص بشؤون النازحين والمشردين داخلياً من سكان دارفور.

وعلى الرغم من علو صوت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، لما تمثله من صوت لأصحاب المصلحة الفعليين في أي اتفاق سلام في ذلك الجزء من البلاد الذي يعاني ويلات الحرب وآثارها المدمرة، إلا أن مشاورات اتفاق سلام جوبا، الموقع بين الحكومة الانتقالية (وقتها) والحركات المسلحة بدارفور، لم تستصحب أصوات النازحين ولا ممثليهم الفعليين على الأرض.

يقول الناطق الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، آدم رجال في إفادته لـ(بيم ريبورتس) :”لم تتم مشاورتنا في اتفاقية سلام جوبا، و اعترضنا عليها منذ المفاوضات، بل تم تمثيل النازحين بالوكالة وليس بإرادتهم، وبذلك فإن اتفاقية جوبا مثلها واتفاقيات أبوجا ونيفاشا، فهي لا تلبي طموحات وتوقعات الضحايا، ولا توقف نزيف الدماء، وهي ببساطة اتفاقية للوصول إلى السلطة والمال”.

رفض واسع للاتفاقية في أوساط النازحين

وتأكيداً لما ذهب إليه آدم رجال في حديثه لـ(بيم ريبورتس) حول رفض النازحين لاتفاقية جوبا، فقد تزامنت مع توقيع الاتفاقية موجات متصاعدة من الاحتجاجات الشعبية الواسعة بمخيمات النزوح وغالبية مناطق دارفور،  وشهد الإقليم المضطرب، إبان الاشهُر التي سبقت توقيع الاتفاق، رفضاً واسع النطاق من قبل النازحين في عديد من مخيمات النزوح بدارفور، ونظّم آلاف النازحين مواكب و مسيرات احتجاجية رافضة لاتفاق جوبا، ورفعت تلك المواكب لافتات توضح أن اتفاق جوبا لا يمثل النازحين وقضاياهم.

فتحت ثورة ديسمبر المجيدة لشعوب السودان نوافذاً للآمال، ولسكان مخيمات النزوح بدارفور وعوداً و أحلاماً بالسلام والعدالة، وتحقيق آمالهم في العودة إلى قراهم وإنهاء سنوات الحرب وتحقيق الأمن والاستقرار. وكان الحديث عن اتفاق للسلام بين بين الحكومة الانتقالية (حينها) والحركات المسلحة يفتح مساحات جديدة من الأمل للنازحين، ولكن جاء الاتفاق مخيباً لآمال قاطني مخيمات النزوح ومشردي الحروب والاقتتال، وفقاً لإفادة آدم.

اتفاق متعثر ونتائج مخيبة

بعد جلسات متعددة من المفاوضات، استمرت نحو 10 أشهر، جرى التوقيع على اتفاقية جوبا للسلام في 3 أكتوبر 2020م، بدولة جنوب السودان بين الحكومة الانتقالية حينها وعدد من الحركات المسلحة، وبالإضافة لمناقشة قضايا قومية فإن الاتفاق اشتمل على عدد من الاتفاقيات الثنائية بناء على التوزيع الجغرافي وهي ما عرفت بالـ مسارات. يتكون الاتفاق من 10 أبواب ستة من هذه الأبواب عن الاتفاقات الثنائية والمسارات المختلفة، وهي تغطي قضايا واسعة مثل تقاسم السلطة، والعدالة الانتقالية، وقضايا المزارعين والرحل، وقضية الثروة، إلى جانب قضايا النازحين واللاجئين، والتعويضات وجبر الضرر؛ بالإضافة إلى مصفوفة زمنية لتنفيذ بنود الاتفاق. 

استمرار تدهور الأوضاع

في ديسمبر 2019، وأثناء سير مفاوضات السلام في جوبا، اشتعلت الصراعات في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، وعلى خلفية هذه الأحداث علّق تحالف الجبهة الثورية المفاوض باسم مسار دارفور سير المفاوضات، وطالب بضرورة التحقيق في الجرائم المرتكبة في حق المواطنين.

لاحقاً استؤنفت عملية التفاوض لتصل بعد شهور إلى اتفاق كانت من ضمن بنوده حماية المدنيين في دارفور، وبصورة خاصة النازحين، وإنشاء مفوضية لإعادة إعمار دارفور خلال الأشهر الثلاثة الأولى بعد توقيع الاتفاقية، بالإضافة إلى إنشاء مفوضية الأراضي، ودعم المشاريع الاستراتيجية، خاصة في مجال الزراعة.

وبدلاً من السعي نحو تحقيق أهداف الاتفاق الرامية إلى حماية المدنيين بدارفور وتوفير الأمن لهم، كانت المفارقة أن شهدت دارفور مزيداً من التدمير وحرق القرى، وعسكرة الحياة المدنية عبر انتشار المليشيات المسلحة، وفي مجال الزراعة فقد فشل الموسم الزراعي بسبب تدهور الوضع الأمني وعدم تمكن المزارعين من فلاحة أراضيهم، بالإضافة إلى انتشار حوادث السرقة والنهب تحت تهديد السلاح، كان أبرزها حادثة نهب مقر برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة، في مدينة الفاشر، بواسطة مجموعات مسلحة.

علاوة على ذلك، فقد تصاعدت موجات النزوح والتشرد الداخلي، وتشير العديد من الإحصائيات إلى أن اقليم دارفور قد شهد نزوح أكثر من 230 ألف شخص، في فترة أقل من أربعة أشهر فقط في الفترة ما بين يناير وأبريل من العام 2021م، بزيادة أربعة أضعاف لعدد النازحين للعام 2020م بأكمله، إذ شهد نزوح 53 ألفاً خلال كل العام .