ما خيارات السودانيين للأضحية في ظل ارتفاع هائل للأسعار؟

“سأكتفي بشراء القليل من اللحم، صبيحة يوم العيد، لكن لن أستطيع شراء أضحية هذا العام، نظراً لغلاء أسعار الأضاحي، وهذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الأمر”، بهذه الكلمات لخص، أحمد زكريا نور، قصة تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية للسودانيين في مواجهة أزمة ارتفاع الأسعار عموما، وارتفاع أسعار خراف الأضاحي على وجه الخصوص.

ويواجه السودانيين ضائقة اقتصادية ومعيشية خانقة في ظل تدهور عام تشهده البلاد.

والنور، وهو موظف، يسكن بأحد أحياء مدينة امدرمان، يمثل شريحة واسعة من المواطنين الذين يعتمدون في دخلهم على رواتب حكومية محدودة، لا تكفيهم لتدبير معيشة عائلاتهم في الأوضاع الطبيعية، ناهيك عن شراء أضحية يتجاوز سعرها أضعاف الرواتب الحكومية.

وعادةً ما ترتفع أسعار الخراف مع اقتراب عيد الأضحى، سنوياً، لكن هذا العام شهدت أسعار المواشي ارتفاعاً فوق المتوقع، أعقبه عزوف عديد من المواطنين عن شراء الأضاحي.

(Photo by ASHRAF SHAZLY / AFP)

“يمثل الأسبوع الذي يسبق العيد وقت ذروة، حيث نبدأ في استقبال طلبات الزبائن…لكن هذا العام يكاد يكون الطلب معدوماً، ويواجه سوق الماشية ركوداً شديداً”، هكذا يحدثنا محمد الخير الخاتم، صاحب ملحمة في منطقة الخرطوم (2)، ويؤكد في حديثه لـ (بيم ريبورتس) إحجام العديد من الناس عن شراء الأضاحي هذا العام.

ويتخوف الخاتم من ضعف القوة الشرائية، حتى من زبائنه الدائمين، نسبة لركود عام في سوق المواشي مع إقتراب عيد الأضحى.

وقال الخاتم، بأنه سيضطر إلى “تقليل عدد الخراف التي اعتاد جلبها كل عام”، حتى يتجنب الخسارة. ويتخوف الخاتم ورفاقه في سوق المواشي، من أن يتسبب ارتفاع الأسعار في ركود السوق، والذي يشكل لهم “أزمة كبيرة في مبيعات التجار السنوية”– بحسب الخاتم، إذ يعتبر عيد الأضحى الموسم الأهم بالنسبة إليهم.

وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها البلاد، فمن المتوقع أن يحرم ارتفاع الأسعار العديد من الأسر من شراء الأضاحي هذا العام.

وبحسب إفادات متعاملين بسوق المواشي، فإن ارتفاع الأسعار يعود لعدة أسباب، من بينها ارتفاع تكاليف الترحيل من مناطق تربية المواشي إلى مناطق الاستهلاك بالمدن، وهو الذي تسبب فيه الارتفاع الكبير في أسعار الوقود والمواد البترولية.

يقول محمد الخير، أن “أسعار الخراف في الخرطوم في منتصف شهر يونيو كانت تتراوح ما بين 50 إلى 60 ألف جنيه سوداني، وكانت هناك توقعات تشير إلى أن يصل أقصى سعر لها بحلول عيد الأضحى إلى 90 ألف جنيه سوداني. لكن موجة ارتفاع الأسعار لم تتوقف، حيث بلغت أسعار الخراف قبل أسبوع من العيد حوالي 90 إلى 150 ألف جنيه سوداني، وتصل حتى 200 ألف جنيه سوداني للخراف كبيرة الحجم”.

وعزا الخير، ارتفاع الأسعار بولاية الخرطوم، إلى الأرباح التي يضيفها تجار المواشي إلى أسعارها الفعلية بمنطقة (سوق قندرهار) – سوق مواشي غربي مدينة أمدرمان- ويقول الخير إن أسعار الخراف بتلك المنطقة “تتراوح بين 80 إلى 130 ألف جنيه سوداني”، ويتابع، “يضيف التجار مبالغ تتراوح بين 5 وحتى 20 ألف جنيه كأرباح في أوقات انتعاش السوق”. لكنه استبعد إمكانية حدوث انتعاش في الأمد القريب، مستشهداً بازدياد أعداد المواطنين الذين يلجأون لشراء مقادير قليلة من اللحم “كيلوغرام أو أثنين” لعدم تمكنهم من شراء الأضاحي.

(Photo by ASHRAF SHAZLY / AFP)

وبخلاف ما يراه المتعاملين بأسواق الخرطوم، يقدم معاوية أحمد، وهو راعي مواشي، بمحلية سودري، بولاية شمال كردفان، تفسيراً لأسباب ارتفاع الأسعار هذا العام، إذ يقول في إفادته لــ(بيم ريبورتس)، “أسعار الخراف في ولاية شمال كردفان تتراوح بين 40 إلى 70 ألف جنيه، لكن ترتفع الأسعار عند ترحيلها إلى مناطق خارج الولاية”، إذ تسبب تكاليف الترحيل والشحن والحراسة والرعاية والأعلاف ومصروفات العمال والرسوم وغيرها من المصروفات في مضاعفة الأسعار، ويضيف، “تختلف أسعار الخراف من منطقة إلى أخرى، فالمناطق التي يضطر فيها مربي المواشي إلى شراء الأعلاف تكون فيها الأسعار مرتفعة بخلاف المناطق التي يعتمدون فيها على الرعي”.

ويضيف أحمد، متحدثاً من منطقة سودري، “تراوحت أسعار الخراف في منطقتنا مع تأخر الأمطار ما بين 40 ألف جنيه سوداني للأحجام المتوسطة، وحتى 70 ألف جنيه سوداني للأحجام الكبيرة. وترتفع الأسعار عند نقل الخراف إلى الولايات الأخرى، حيث يباع الخروف بزيادة أكثر من 30 ألف جنيه على سعره في منطقتنا”.

وعن تكاليف الترحيل، يقول أحمد، “تبلغ تكلفة نقل الخروف الواحد من شمال كردفان إلى الخرطوم حوالي 4 ألف جنيه سوداني، بالإضافة للتكاليف الأخرى التي يصل مجموعها حوالي 10 ألف جنيه سوداني”. ويعتقد أحمد أن السبب وراء ارتفاع أسعار الخراف بالخرطوم والولايات الأخرى هو،  “السماسرة (الوسطاء) والتجار الذين يريدون أن يربحوا اضعافاً”– طبقاً لرأي أحمد.

(Photo by ASHRAF SHAZLY / AFP)

ويتفق رئيس جمعية حماية المستهلك السودانية، ياسر ميرغني مع ما ذهب إليه معاوية، في أن “أحد الأسباب الرئيسية في زيادة أسعار الأضاحي تتمثل في السماسرة (الوسطاء)، الذين يتحكمون في الأسعار”– وفقاً لقوله.

وأشار ميرغني، إلى أن وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري كانت قد طرحت خطة لبيع خراف الأضاحي بالوزن الحي، وذلك في عدد من المواقع في ولاية الخرطوم، وحددت اللجنة الوزارية المختصة بهذا الأمر سعر الكيلو بالوزن الحي بقيمة (2,150) جنيه سوداني، وهو سعر مقارب لأسعار السوق، و يتطابق معها في بعض الأماكن.

لكن ميرغني يشكك في فاعلية هذه الخطوة، ويقول أن “بيع الماشية في السودان ما زال عشوائياً وغير منظم”.

واًوضح ميرغني في إفادته لـ (بيم ريبورتس)، “البيع بالوزن هو الوضع الطبيعي للمستهلك، ولكن هناك تحايل، حيث لا توجد موازين حديثة أو تمت معايرتها والتأكد من موثوقيتها”. وتابع، “كان يجب على الحكومة تحديد أماكن وتجهيزها بموازين حديثة وتقديم هذه الخدمة في أماكن أكثر احتراما للمستهلكين”.

ازمة اقتصادية خانقة تمر بها البلاد، قد يعجز في ظلها كثير من السودانيين عن شراء الأضاحي هذا العام، لا سيما مع الارتفاع الكبير في أسعار المواشي، بجانب ضعف الرواتب، وانفلات السوق، وعدم قدرة الحكومة على طرح حلول اقتصادية تخفف قسوة هذه الأوضاع على المواطنين.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع