ما هو منهج (تاج الحافظين) الذي اعتمدته وزارة التربية والتعليم السودانية؟

كانت مهمة إعداد المناهج في السودان موكلة بشكل كامل لمعهد التربية ببخت الرضا، بولاية النيل الأبيض، والذي أنشئ في عام 1934م، تحت اسم (معهد التربية بخت الرضا، لتدريب المعلمين وإعداد المناهج)، وعمل كمؤسسة متخصصة في إعداد المناهج التربوية وتأهيل المعلمين، والذي حُوّل لاحقاً إلى جامعة بخت الرضا.

اعتمد المعهد على تشكّيل لجان متخصصة لإعداد أيّ منهج للمدارس، وكل منهج يجب أن يلبي شرط رئيسي وهو ملائمته لكل البيئات السودانية بتعدّدها الجغرافي والعرقي والثقافي، مع تجريب كلّ مقرر دراسي لمدّة لا تقلّ عن عامَين اثنَين قبل إلزام المدارس بالعمل به.

ظل هذا النظام متواتراً، حتى مطلع التسعينيات، حين عمدت حكومة النظام البائد (الإنقاذ 1989-2019)، تغيير كل شئ في حياة السودانيين، وتبنت توجه ايديولوجي هدفه (إعادة صياغة الإنسان السوداني)- كما كان يدعي ذلك النظام.

كانت مناهج التعليم أول ضحايا سياسات (نظام الانقاذ) حيث عمد النظام إلى إعداد مناهج لخدمة توجهه الأيديولوجي، واستبعد كل المواد التي قد تهدد بقائه، وأدخل مواد اخرى كالتربية العسكرية. 

وطالما ارتبط تغيير المناهج في السودان بتغيير الأنظمة السياسية، وخلال فترة الحكومة الانتقالية (2019- 2021) تصاعد الجدل حول المناهج الموروثة من العهد البائد ومحاولات تغييرها. كان آخر عمل مرتبط بتغيير المناهج الدراسية ما شهدته الفترة الانتقالية خلال فترة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، والتي أوكلت للمركز القومي للمناهج والبحث التربوي برئاسة عمر القراي، أثار عمل المنهج الكثير من الجدل، على إثره أصدر حمدوك قراراً بإيقاف عملية تغيير المناهج. 

انفتح النقاش حول المناهج -مرة أخرى- خلال الأسبوع الماضي، ولكن هذه المرة ليس بسبب تغيير المناهج، إنما على خلفية إعلان وزير التربية والتعليم المكلف، محمود سر الختم الحوري، اعتماد نظام تعليم (تاج الحافظين) كنظام تعليم ديني في مختلف ولايات السودان. وقال الوزير خلال ورشة أقيمت بوزارة التربية والتعليم، لمناقشة (منهج تاج الحافظين)، أن مدراء التعليم بالولايات تلقوا تنويراً لتأسيس مدارس متخصصة بتدريس منهج تاج الحافظين بجميع الولايات.

ما هو منهج تاج الحافظين؟ ولماذا ثار الجدل حوله؟

منهج تاج الحافظين هو نظام تعليم ديني بدأ في العام 2012م، حيث يمزج ما بين تعليم القرآن في الخلاوي والتعليم الأكاديمي المدرسي. وبحسب الوصف الذي يضعه القائمون على المنهج، فإنه: “نظام تربوي يخضع لوزارة التربية والتعليم مقسم لعدة مستويات، الرياض: جزء عم وتبارك ونور البيان، بإضافة اللغة الإنجليزية والرياضيات (التربية الإسلامية). ثم الابتدائي يحفظ كتاب الله في الصف الرابع، واجادة بقية المواد، ثم يتفرغ التلميذ لبقية المواد الاكاديمية كاملة، ليمتحن الابتدائي قبل أقرانه بعام كامل.. يلي المتوسط يراجع ما درس ثم يمتحن بعد عامين فقط… اخيراَ الثانوي يدرس الفصلين الأول والثاني كل فصل سبعة أشهر، ليجلس الطالب لامتحان الشهادة مختصرا لعام كامل”. ويُلاحظ أنه وفقاً لهذا المنهج فإن الطالب يدخل الجامعة في عمر ما بين 13 إلى 15 سنة.

اُعلن عن منهج تاج الحافظين، رسمياً في أبريل 2013م، حين قررت وزيرة التربية والتعليم -وقتها- سعاد عبد الرازق تحويل 25% من مدارس المرحلة التعليمية في الأساس إلى مدارس قرآنية، وتبنيها منهج تاج الحافظين الدراسي.

أثار إعلان الوزيرة حينها موجة كبيرة من الجدل داخل الأوساط الفاعلة في التربية والسياسات التربوية وكانت أوجه النقاش حول المنهج وإجازته، وما يحاول التوصل إليه.

منهج تاج الحافظين في الميزان التربوي

كثيراً ما ينتقد التربويون المناهج التي تعتمد على (الحفظ والتسميع)، ومن هذا الباب لاقى منهج تاج الحافظين الكثير من الانتقاد من خبراء متخصصون في التربية، وفي هذا الخصوص يقول الخبير التربوي البروفيسور محمد الأمين التوم، وزير التربية والتعليم السابق، في إفادة لـ(بيم ريبورتس)، حول قرار تعميم تدريس منهج تاج الحافظين: “لقد أكتفى الشعب السوداني من المتاجرة بالدين طوال الثلاثين عاماً الماضية، وواحدة من كوارث الإنقاذ تتمثل في تدميرها للعملية التعليمية”، ووصف التوم تعميم منهج تاج الحافظين بـ “الكارثة”.

وأضاف، في حديثه لـ(بيم ريبورتس) : “لا يمكن أن يعتمد منهج دراسي على تحفيظ الأطفال، سواء القرآن أو غيره”.

يُذكر أن التوم كان من المنادين بضرورة تغيير المناهج، حيث يرى أن الانتقال من نظام استبدادي إلى نظام ديمقراطي يتطلب تغيير جذري لنظام التعليم، ليتواءم مع المجتمع المنشود، كما أن الوضع المعرفي المتفجر في العالم ومهارات القرن والنظام التعليمي يجب أن يزود بها الطالب.

تاريخ المدارس القرآنية في السودان

ترجع فكرة إدخال المدارس القرآنية (المزج ما بين الخلوة والتعليم الأكاديمي) ضمن النظام التعليمي الرسمي في السودان إلى عبد الجليل النذير الكارورى، الأمين العام لجمعية الإصلاح والمواساة، وعضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر الوطني المحلول. إذ كانت تهدف الفكرة إلى استيعاب خريجي (الخلاوي) في الخدمة المدنية، وذلك للتسويق للمدرسة القرآنية التي كانت لا تجد القبول وسط سكان المناطق الحضرية، الذين تجاوزوا تعليم الخلوة التقليدية إلى التعليم الحديث.

ومنح التصديق الأول من قبل وزارة التربية والتعليم (بموجب لائحة التعليم التجريبي) لقيام أول مدرسة قرآنية في العام 1991م، وكانت باسم “الرخا القرآنية” بمحلية أم بدة، وارتفع عدد المدارس القرآنية في عهد نظام الإنقاذ البائد، حيث بلغ عددها 28 مدرسة في أنحاء السودان المختلفة في العام 2003م. وأصدر الرئيس المخلوع عمر البشير، قراراً بتعميم نظام المدارس القرآنية ليصبح عددها ثلاث مدارس في كل محلية.

وفي التسعينات أسست إدارة التعليم الديني، والتي كانت في بدايتها قسم مسؤول عن التنسيق، وبعد ذلك أصبحت إدارة عامة بعد توصيات مؤتمر التعليم العام في عام 2012م.

وبلغ عدد المدارس التي يدرس فيها منهج تاج الحافظين 320 مدرسة في العام 2019م. بالإضافة إلى أكاديمية تاج الحافظين، وهي أكاديمية جامعية بالخرطوم (المعمورة مربع 84)، وتدور اتهامات بالفساد حول العقار المشيدة عليه، والتهم موجهة ضد أحد أمناء الأكاديمية ورئيس مفوضية الإيرادات المالية أحمد علي الفششوية.

منذ عقود ومسألة المناهج الدراسية في السودان تشغل حيزاً من النقاشات المثارة في الفضاء العام، ومع وجود اتفاق مشترك على ضرورة إصلاح المناهج ومضامينها وطرق تدريسها، واتباع الطرق المنهجية الحديثة في التربية. فإن ما يحدث واقعياً في السودان هو توظيف العملية التعليمية برمتها في صراعات أيديولوجية دون مراعاة احتياجات الدارسين، في حين أن إصلاح المناهج وإخراجها من تقليديتها التي تعتمد على الكم وليس الكيف يمثل تهديداً حقيقياً لمستقبل الأجيال القادمة.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع