غاب لثلاث دورات متتالية.. كيف عصفت الأزمات بمعرض الخرطوم الدولي للكتاب؟

على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، شهد معرض الخرطوم الدولي للكتاب، تخبطاً وتعثراً كبيرين، الأمر الذي ألقى بظلاله على واحدة من أهم الفعاليات الثقافية السنوية الراتبة في البلاد. وبرغم تعدد أسباب تعطل المعرض من صحية إلى سياسية، إلا أنها بالمقابل، فاقمت من المشكلات التي تواجه صناعة النشر الهشة في الأساس، وبات عدم ثقة الناشرين المحليين والدوليين في معرض الخرطوم الدولي للكتاب، واحدة من الأزمات التي تواجه القطاع الثقافي في البلاد. 

وكان أول غياب للمعرض في العام 2020، حينما أعلنت وزارة الثقافة عن تجميد المعرض نظراً لجائحة كورونا، على أن يُعد للمعرض في وقت لاحق، حال انتفاء أسباب التجميد. أما العام الماضي، فقد شكّل  انقلاب 25 أكتوبر العام ال، الضربة الأكبر للمعرض وسمعته، وتسبب في تعرض ناشرون محليون دوليون لخسائر كبيرة.

ومنتصف سبتمبر الماضي، أصدر وزير الثقافة والإعلام (المكلف من قبل السلطة الانقلابية) جراهام عبد القادر قراراً بتأجيل الدورة السابعة عشر للمعرض من موعدها المحدد مسبقاً بـ 19 أكتوبر إلى أجل “يحدد لاحقاً” بحسب عبد القادر، لكن ها هو ديسمبر يسدل ستاره على نهاية العام 2022م دون جديدٍ يذكر. 

وتمثلت أسباب تأجيل دورة المعرض للعام الحالي بحسب بيان وزارة الثقافة في السيول والأضرار التي ترتبت عليها، وضرورة توجيه الدولة للوقوف مع المتضررين، فضلاً عن تقلب الفاصل المداري الذي ينذر بغزارة الأمطار، بالإضافة لمنح مزيد من الوقت لإجراء الترتيبات الفنية والإدارية لتقديم دورة متميزة ومثالية.

 

لكن ناشرين لا يتفقون مع تبريرات الوزارة لعدم إقامة معرض الخرطوم الدولي للكتاب، حيث يذهب الناشر والوراق محمد عمر،  في إفادته لـ(بيم ريبورتس) إلى أنه “لطالما كان هناك تهميش وعدم اهتمام كاف بالثقافة والسياسات المتعلقة بها، وذلك نتيجة لجهل السياسيين بالعمل الثقافي، بل استسهاله والتغول عليه”، ويضيف عمر: “في نسخة 2020 التي ألغيت بذريعة كورونا، لم تبذل الجهات الرسمية أي محاولات جادة لإقامة المعرض، وبعدها بأقل من شهرين نُظم معرض الخرطوم الدولي في نفس المكان، مع توفير الاحترازات الصحية”.

تبعات انقلاب 25 أكتوبر

في أكتوبر من العام الماضي، عملت وزارة الثقافة بالحكومة الانتقالية على تنظيم معرض الكتاب بشكل جيد، حيث وفرت عدداً من الكتب المطلوبة، بالإضافة إلى مشاركة ما يزيد عن مئتي دار نشر محلية ودولية، أتت تلك النسخة بعد مجهودات نوعية كبيرة من فاعلين ثقافيين وحوارات عميقة لتنظيم نسخة مغايرة للمعرض. 

 

وكان وزير الثقافة والإعلام حينها، فيصل محمد صالح، قد صرح في نسخة المعرض عام 2019م، بأنهم كانوا أمام خيارين نسبة لظروف البلاد؛ إما المضي في المعرض أو الاعتذار فآثروا الخيار الأول لتأكيد استقرار السودان وأن الحياة الثقافية في قمة عنفوانها. تجدر الإشارة، إلى أن نسخة السنة الماضية من المعرض، لم تشهد تقييد أو منع عرض الكتب التي لطالما تعرضت للهجوم والرقابة من قبل نظام الإنقاذ في المعارض السابقة، وهو ما دفع الكثيرين بالتفاؤل بأن ينفض المعرض غبار السنوات الماضية، ويتخفف من الرقابة.

 

لكن الآمال التي عُقدت على تقديم نسخ مختلفة عن المعرض لم تدم طويلاً، فبعد يومين فقط من انطلاق المعرض، أطاح قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بالحكومة الانتقالية، الأمر الذي عجل بتعليق كل فعاليات المعرض، وجزء من هذا الإغلاق كان احتجاجاً على الانقلاب نفسه واعتقال أعضاء الحكومة الانتقالية؛ من رئيس الوزراء ووزير الثقافة والإعلام.

 

وصرح مدير المعرض في ذلك الوقت، حاتم الياس أن”الانقلابات العسكرية خصم طبيعى للمعرفة والثقافة ولا يمكن أن يقام المعرض في هذا الظرف الاستثنائي”. وتقدم الياس مدير المعرض، باعتذاره إلى دور نشر محلية ودولية وكل المشاركين في المعرض.

مستقبل ضبابي

يلقي ما شهده معرض الكتاب خلال الدورات الثلاث بظلاله على مستقبل هذه الفعالية ومدى مشاركة دور النشر المحلية والدولية بصورة خاصة، بحيث يتطلب الأمر مجهودات حثيثة لاستعادة ثقة هذه الدور واتحادات النشر الدولية. 


وتجدر الإشارة إلى أن ما يعيشه معرض الخرطوم، هو جزء من ضمن مشكلة كبيرة يعيشها السودان في قطاع النشر وتعاطي الدولة مع الثقافة، الأمر الذي يصاحبه إشكالات سياسية واقتصادية. هذا الأمر الذي حاولت النسخة الأخيرة من المعرض معالجته، بحيث كونت لجنة من مختصين للتنسيق والإشراف على المعرض، وحملت الدورة الماضية شعار “العودة إلى الكتاب” وهي المحاولة التي هدفت لإخراج الكتاب وقضاياه من سنوات الرقابة والمصادرة والتضييق على النشر، الذي شهد تراجعاً كبيراً خلال الفترة الماضية. 


وفي هذا السياق، يعود الناشر والوراق محمد عمر ويقول:”إن سوق الكتب في السودان لم يشهد تجديداً منذ ثلاث سنوات وذلك لغياب المعرض الذي يمثل فرصة ممتازة لمشاركة الدور المختلفة في هذه الفعالية، كما أنه فرصة للدور والمكتبات المحلية لتحقيق أرباح تساعدها في إنعاش مكتباتها بعناوين جديدة”.

ما يشهده معرض الخرطوم الدولي للكتاب من تغييب امتد لثلاث سنوات، وعدم توفر الدعم المادي والاهتمام الكافي، يدلل على موقع الثقافة في السودان، وطريقة النظر إليها كشيء ثانوي، وما غياب معرض الخرطوم الدولي للكتاب لثلاث دورات كاملة إلا دليلاً على هذا الأمر.

وفي ظل تحديات سياسية واقتصادية يعيشها السودان، فإن معرض الخرطوم للكتاب في حاجة ماسة من الجهد والموارد من أجل استعادة وضمان تحقيق أهدافه كتظاهرة ثقافية عابرة للحدود.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع