رفع الدعم عن غاز الطهي وصفة جديدة لمضاعفة معاناة السودانيين

ماضون في قرار رفع الدعم عن غاز الطهي ضمن حزمة سياسات تقضي بتوسيع القاعدة الضريبية خلال العام الجاري، وإدخال مزيد من السلع ضمن موارد التحصيلات الضريبية”. هذا ما قاله وزير المالية في حكومة الأمر الواقع، جبريل إبراهيم، في مقابلة مع قناة (cnbc عربية) الإخبارية، في الرابع عشر من فبراير الماضي.

 

ويطمح إبراهيم، أن تصل حصيلة الإيرادات الضريبية لموازنة العام الحالي، حسبما قال للقناة، إلى 2.5 تريليون جنيه سوداني. غير أن تصريحاته تأتي في ظل أوضاع اقتصادية متداعية، لا يقابلها أي إنفاق حكومي على الخدمات، في وقت تذهب نسبة معتبرة من موازنة البلاد إلى القطاع الأمني الذي ظل يقمع السودانيين بالاقتطاع من مواردهم على مدى نحو عام ونصف العام.  

 

في المقابل، طبق موزعو الغاز بولاية الخرطوم، في التاسع من شهر مارس الحالي، زيادة جديدة على سعر أسطوانة الغاز بزيادة 350 جنيهاً سودانياً، وتأتي هذه الزيادة بعيداً عن القرار المرتقب لوزارة المالية، والذي سيؤدي، في حالة إجازته وتطبيقه، إلى زيادة إضافية في سعر الغاز.

ندرة وأزمات متوالية

يواجه قطاع الغاز، منذ سنوات، تحديات عديدة  تمظهرت في الأزمات المتتالية والتي ظلت تكرر دون بذل أي جهود حكومية من أجل إيجاد حلول ناجعة لها. فبجانب الازدياد المطرد في أسعار هذه السلعة الحيوية، فإن احتياج مصفاة واحدة للصيانة الدورية خلال فترة زمنية قصيرة، كان جديراً بأن يزاحم صفوف المواطنين للحصول على أسطوانة واحدة من الغاز، مما يخلق مغالاة صارخة في أسعاره بالسوق الموازي. علاوة على الفساد الذي وصل أوجه في خضم هذه الأزمات، متمثلاً في الاحتكار والتلاعب في أسعاره الرسمية.

 

 

ومن المتوقع، ميلاد أزمات عديدة في حال تم رفع الدعم عن غاز الطهي، والتي ستضاعف الضغوطات على المواطنين الذين لا يبدو أن الحكومة تأخذ أوضاعهم المادية بعين الاعتبار، في إجازة قراراتها ووضع السياسات التي ما زالت تثقل عليهم يوماً بعد يوم.

 

ويأتي اعتزام إبراهيم لرفع الدعم عن غاز الطهي، ضمن سياسات كانت قد ابتدرتها حكومة السودان الانتقالية في فبراير 2021 بتحرير اقتصادي؛ شمل سعر الصرف ورفع الدعم عن المحروقات والكهرباء والقمح، وعدد من السلع الاستهلاكية، في محاولة لإنعاش اقتصاد البلاد وقطع الطريق أمام المضاربين والفساد التجاري في هذه السلع، حسب ما أعلن وقتها.

استجابات متفاوتة

تباينت وجهات النظر، حول سياسات الحكومة الانتقالية السابقة، بين مؤيد ورافض. حيث رأى الكثير أن هذه القرارات، حتى وإن نجحت في سد الفجوة والوصول بالاقتصاد السوداني إلى بر آمن، فلن يستطيع المواطنون السودانيون مجاراة الغلاء الذي تسببت فيه، في خضم فقر طاحن ودخل لا يسد الرمق أو يلبي أساسيات المعيشة.

 

 

وكانت الحكومة الانتقالية، تعمل على إيجاد حلول مرحلية لمواجهة الانهيار المحتمل لتطبيق سياسات التحرير الاقتصادي ورفع الدعم عن السلع الاستراتيجية كالقمح والدواء والوقود، بالاستعانة ببرنامج (ثمرات)، وهو برنامج دعم نقدي مباشر ممول من قبل صندوق النقد الدولي، وكان يهدف لحماية الشرائح الفقيرة من تبعات السياسات القاسية والتي وصفت بكونها حزمة من الإصلاحات التي لا مفر منها.

 

ومع تدشينه، واجه برنامج (ثمرات) عقبات عديدة كان أولها؛ عدم دقة الإحصاءات بأعداد السكان، ما يشكك بصورة مباشرة في إمكانية وصوله إلى جميع الشرائح الفقيرة بأنحاء السودان، حيث اعتمد البرنامج على إحصاءات قديمة.

 

لكن في أعقاب انقلاب 25 أكتوبر 2021، واستيلاء قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، على السلطة في البلاد، توقف برنامج (ثمرات) ضمن ردود فعل خارجية إزاء الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة الانتقالية المدنية، والتي من بينها توقف جميع المساعدات الخارجية منذ يوم الانقلاب الأول. 

عٌلّقَ برنامج ثمرات،  فيما ظلت سياسات التحرير الاقتصادي مستمرة مع ارتفاع متواصل في الضرائب وتوسع في القاعدة الضريبية بناء على الموازنة التي وضعتها حكومة الأمر الواقع، وقد وصلت الإيرادات الضريبية أوجها في موازنة العام 2022 التي اعتمدت بشكل كامل على الإيرادات الداخلية دون دعم خارجي الأمر الذي شكل سحقا جديدا في غياب أي فرصة لدعم خارجي محتمل.

 

 

والآن؛ تسير موازنة العام 2023 بخطى سابقتها بذات السياسات،  حيث أشار وزير المالية بحكومة الأمر الواقع، جبريل إبراهيم، خلال حديثه عن خطوة رفع الدعم عن غاز الطهي، بأن الحكومة تطمح إلى زيادة في الاستثمارات تصل إلى 40% وتوسعة المظلة الضريبية لدخول مزيد من السلع والقطاعات في إيرادات الدولة الضريبية بالاضافة إلى رقمنة الاقتصاد.

 

 

يرى خبراء اقتصاديون، أن رفع الدعم عن الغاز له عواقب وخيمة ستقع على كاهل المواطن المثقل مسبقاً جراء السياسات الاقتصادية. وفي هذه الحالة، فإن القرار يؤثر مباشرة على أحد أهم السلع الاستراتيجية وهو الخبز، الذي بالرغم من غلاءه حالياً، إلا أن كونه أحد مكونات المائدة السودانية الأساسية، يجعل لا مفر من الحصول عليه.

 

يعتقد الخبير الاقتصادي محمد الناير، أن الحكومة لم تراع في هذا القرار الأسر ذات الدخل الضعيف، والذين اعتبرهم السواد الأعظم من السودانيين، مشيراً إلى أن الحكومة في تطبيقها لمثل هذه السياسات لا تتجاهل الضائقة المعيشية فحسب، بل أنها لم تتوافق مع تبريراتها بشأن سياسة رفع الدعم.

 

 ويتابع الناير في حديثه لـ(بيم ريبورتس) قائلاً: “لم توظف الحكومة الأموال من رفع الدعم بالشكل المطلوب لدعم قطاع الإنتاج لأننا نشهد الآن معاناة كبيرة تقاسيها القطاعات الإنتاجية، بل تكاد أن تتسبب في توقف العملية الإنتاجية نتيجة للسياسات الاقتصادية التي أرهقت كاهل المنتجين والمواطنين”.

تبعات أخرى

إلى جانب كل المؤشرات التي توضح عدم قدرة الحكومة على التحكم بقطاع الغاز والسيطرة عليه لحمايته من الفساد والتلاعب، إلا أن صدور مثل هذه القرارات يجعل المواطن يتساءل، حول ما إذا كانت الدولة تتبع منهجية مدروسة لوضع سياساتها بخصوص السلع التي تمس حياته بصورة مباشرة.

 

 

وتخبط السياسات، يتضح بتتبع منهجية الحكومة السودانية خلال العامين الماضيين وإقرارها باعتمادها الكلي على الإيرادات الداخلية، في دولة تعاني من توقف عجلة إنتاجها وتدهور كبير في قطاع الصناعات. وبحكم الأمر الواقع، فإن الحكومة ظلت تعتمد على جيوب المواطنين غير آبهة لفداحة ما قد تجتره هذه السياسات من زيادة في معدل الفقر وتداعياته، وكذلك نتائجه التي ستثقل عاتق دولة تعاني في الأصل من فراغ سياسي وأمني كبيرين.

 

 

ومع الإرهاق المستمر الذي يقاسيه المواطنون، جراء الغلاء المستمر في سلعهم الاستهلاكية الرئيسية، يبدو أنه لن يكون بمقدورهم تحمل تبعات زيادة الغاز، في حال إقرارها، وهو ما قد يضطرهم للبحث عن بدائل أخرى كالفحم، والذي بدوره سيكلف السودان معركة أخرى، لا يبدو مستعداً لمواجهتها.

 

في أوقات سابقة، ومع اشتداد أزمة الغاز واستحالة الحصول عليه، كان المواطنون يتجهون إلى استخدام الفحم الطبيعي لسد الفجوة، مرةً بسبب غلاء أسعاره ومرةً أخرى بسبب ندرته، وأيضاً في وقت الصيانة السنوي للمصفاة، والتي كأن الحكومة تفاجأ بمواعيدها.  

 

كان توجه المواطنون للفحم الطبيعي جديرا بأن يصنع تجاراً جدد من الملتفين حوله والمغالين بأسعاره كذلك، فقد شهدت أسعار الفحم الطبيعي قفزات عديدة.

كذلك، كان استمرار ازمة الغاز بمثابة خطوة جديدة في تدمير الغطاء النباتي في السودان، حيث أدى اتساع تجارة الفحم لقطع الأشجار غير الضروري و تدمير الغابات بغرض حرقها والحصول على فحم طبيعي، دون مراعاة للآثار المترتبة على ذلك ما ينذر باختفاء مساحات شاسعة من الغابات في السودان والذي يقود لتعريض البيئة و حياة الحيوان والإنسان لخطر محدق.

 

 

ويبدو أن محاولة رفع الدعم عن غاز الطهي، يمثل مدخلاً جديداً بالنسبة لحكومة الأمر الواقع لتمويل نفسها من جيب المواطن السوداني الذي ظل يعيش على مدى السنوات الماضية، في خضم سياسات اقتصادية وموازنات قاسية، تقربه من حافة الموت فقراً، يوماً بعد يوم.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع