Day: April 19, 2023

كيف تدور الحرب الإعلامية الموازية بين الجيش السوداني والدعم السريع؟

بالتزامن مع المعارك المستعرة في شوارع الخرطوم المكتظة و ولايات البلاد المختلفة منذ يوم السبت الماضي بين الجيش السوداني و(الدعم السريع)، يخوض طرفا الصراع في السودان حربا أخرى، ساحتها منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة، لبث دعايتيهما في السيطرة على المواقع الجغرافية، وإبداء المواقف السياسية، وتبادل الاتهامات بشأن المسؤولية عن الانتهاكات، ومن أطلق الرصاصة الأولى.

بداية الاشتباكات

عند التاسعة تقريباً من صباح السبت 15 أبريل، دوى صوت الرصاص في جنوب الخرطوم، وفي مناطق أخرى مختلفة من العاصمة التي كانت تشهد حشدا للآليات العسكرية لأيام قبل ذلك، وخلال ذلك اليوم تبادل الطرفان الاتهامات بشأن مسؤولية إطلاق الرصاص.

بعد 3 ساعات من الاشتباكات حملت الدعم السريع، الجيش، مسؤولية اندلاع المواجهات، وقالت في بيان إنها “فوجئت بقوة كبيرة من القوات المسلحة تدخل الى مقر وجود القوات في أرض المعسكرات سوبا بالخرطوم”. واعتبرت ذلك سببا للتحرك العسكري في جميع أنحاء البلاد.

استغرق رد الجيش مفندا 3 ساعات أخرى، متهما (الدعم السريع) بمحاولة السيطرة على مواقع استراتيجية تشمل القصر الجمهوري، والقيادة العامة للجيش. وبحسب هذه الرواية، اعتبر أن ما قامت به قوات الدعم السريع تمرد على سلطة الدولة، وحملها مسؤولية جر البلاد إلى العنف.

بيان الجيش حول استهداف سكن البرهان

قاعدة مروي الجوية

تضارب الحقائق امتد من مسؤولية بدء المعارك، إلى السيطرة على الأرض، فكانت قاعدة مروي الجوية شمالي البلاد، التي شهدت اشتباكات متزامنة مع المعركة في الخرطوم، إحدى أبرز المواقع التي تنازع الجيش والدعم السريع حقيقة السيطرة عليها.

تكررت خلال الأيام الماضية البيانات ومقاطع الفيديو من الطرفين التي تظهر جنودا من القوتين “يؤكدون” سيطرتهم على مطار وقاعدة مروي الجوية، بينها مقطع فيديو من الجيش ليل 18 أبريل، وكذلك الأربعاء الماضي.

بيانات الدعم السريع

بيان رقم (2)
بيان رقم (3)

بيانات الجيش

القصر الجمهوري

ظل القصر الجمهوري وسط الخرطوم منطقة اشتباك يسعى كل من الجيش والدعم السريع لبسط سيطرته عليه، وتبادلا البيانات المؤكدة لذلك.

في نهار 17 أبريل نفى الجيش أن يكون الدعم السريع قد سيطر على القصر الجمهوري أو قصر الضيافة، واصفا ما تنشره صفحات الدعم بأنها “شائعات”.

في اليوم التالي، نشرت قوات (الدعم السريع) مقطع فيديو لقواتها أمام القصر الجمهوري، وذلك بعد يوم من فيديو آخر لأحد جنودها في محيط القصر ويسمع في الخلفية أصوات الاشتباكات، فيما لا تزال الاشتباكات جارية في محيطه.

مطار الخرطوم

من المطار الوحيد في العاصمة، تتصاعد الأدخنة ظاهرة للعيان بدلا عن ارتفاع الطائرات من مدرجاته، أما مقاطع الفيديو فتظهر اندلاع النيران في الطائرات الرابضة على المدرج.

في اليوم الأول انتشرت صورة مجندين اثنين في صالة الوصول بالمطار، ودارت الاشتباكات في المدرج مودية بحياة مسافرين وصلوا على متن رحلة قادمة من المملكة العربية السعودية.

لم يتحمل أي من الطرفان مسؤولية إطلاق النار الذي أدى لمقتل المسافرين، لكن كلا منهما أكد سيطرته على المرفق الاستراتيجي مفندا ادعاءات الآخر، فيما لا تزال المعارك جارية في محيطه حتى يوم أمس الأربعاء.

الإذاعة والتلفزيون

أكد شهود عيان في أحياء أمدرمان القريبة من الإذاعة والتلفزيون احتدام الاشتباكات في المنطقة، وتداول سكان المنطقة على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تظهر تخوفهم من حدة القتال.

القوتان المتقاتلتان حاولتا تأكيد السيطرة على مقر الإذاعة والتلفزيون بالبيانات على منصات التواصل الاجتماعي، وفي بث تلفزيون السودان والنيل الأزرق.

ففي اليوم الأول للاشتباكات ظهر المذيع مبارك خاطر في استديو أخبار التلفزيون لدقائق، ليعلن وقوع اشتباكات قرب المقر وينقطع البث عقب ذلك.

ويوم الاثنين نشر تلفزيون السودان تصريحا للناطق الرسمي باسم الجيش السوداني العقيد نبيل عبد الله. 

فيما ظهرت صورة الناطق باسم الدعم السريع الرائد نجم الدين إسماعيل على تلفزيون النيل الأزرق مساء الاثنين أيضا، دون نشر اي تصريح.

قبل أن تنشر صفحة الجيش السوداني على فيسبوك مقطع فيديو للرائد نجم الدين إسماعيل يعلن فيه انشقاقه عن الدعم السريع وعودته إلى الجيش السوداني.

البيانات المتضاربة

الدعم السريع:

الجيش:

بث الدعاية

منذ اليوم الأول أطلق الطرفان اتهامات تجاه بعضهما، لوصم كل منهما أمام المجتمع الدولي والإقليمي، وسحب الرأي العام لصالحه.

الدعم السريع ركز على وصف حربه أنها ضد “قيادة الجيش” وليس الجيش كله، وبحسب روايته، فإن من يقاتلهم هم “إسلاميون متطرفون“، ونفى عن نفسه تهم استهداف البعثات الدبلوماسية، متهما ذات الإسلاميين بتنفيذ ذلك و”ارتداء زيه”.

فيما اتهمت وزارة الخارجية في بيان الثلاثاء الماضي الدعم السريع باستهداف مقار البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية.

الدعم السريغ يتهم الجيش بموالاة الإسلاميين

فيما تركزت رواية الجيش على وصف “قيادة قوات الدعم السريع” بأنها متمردة، معلنة إنهاء انتداب ضباط القوات النظامية بأفرعها المختلفة إلى الدعم السريع، وداعية إياهم لتسليم أسلحتهم، قبل أن يعلن البرهان “العفو مقابل وضع السلاح” لكل أفراد الدعم.

الجيش في المقابل اتهم قوات الدعم السريع بالانفلات، وحملها مسؤولية استهداف البعثات الدبلوماسية، ومسؤولية مقتل موظفي صندوق الغذاء العالمي في كبكابية شمال دارفور.

الجيش يتهم الدعم السريع بالانفلات واستهداف البعثات الدبلوماسية

انتصارات دائمة

المقدم مصعب طه الأمين، ضابط بالجيش السوداني قتل في القيادة العامة للجيش، واحد من كثيرين لم تعرف أعدادهم بعد على الرغم من انتشار كتابات التعازي والنعي وسط كتابات السودانيين في مواقع التواصل، لأقارب من القوات النظامية المتقاتلة، لقوا حتفهم خلال الصراع المستعر.

عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني هنادي فضل تنعي قريبها الضابط مصعب الأمين «المشنور للأصدقاء»

ففي كل بيانات الجيش والدعم السريع، يذكر التقدم والسيطرة على مواقع جديدة وانشقاق الجنود من القوتين أو تسليمهم، وتغيب أخبار وإحصائيات القتلى والمصابين منهما.

الرؤية السياسية ضبابية

رغم استمرار القتال ليومه الخامس، لا يتحدث الجيش أو الدعم السريع عن خطة سياسية، ويغيب التصريح بالدافع السياسي الحقيقي وراء المعركة، التي سبقها خلاف سياسي بحت، في حين يخبرنا التاريخ ألا حرب تحدث من أجل الدافع الحربي وحده، خصوصا إذا ما كانت حربا أهلية بين أبناء البلد نفسه.

فقبل اندلاع المواجهات، كان مقررا المضي في اتفاق سياسي لتقاسم السلطة بين القوى السياسية وإنشاء مجلس أعلى للقوات المسلحة يضم الجيش والدعم السريع، قبل أن تقف قضية الإصلاح الأمني عقبة أمام إتمام الاتفاق ويتأجل توقيعه.

الدعاية السياسية للجيش، اعتبرت ما يحدث “ظروفا صعبة” بسبب “تمرد غير مبرر” من الدعم السريع، وأن قيادة الجيش مازالت ملتزمة بـ”المسار السياسي”، و”ألا تراجع أو نكوص” عن تنفيذه. لكن هذا المسار السياسي لا تتضح تفاصيله، ولا يعاد ذكره في بيانات الناطق الرسمي أو تصريحات قادة الجيش.

أما قوات الدعم السريع فتؤكد في بياناتها أنها ما أجرت هذا التحرك إلا لمواجهة “الإسلاميين”، وأنها ملتزمة بالعملية السياسية، ذات العملية التي لم يكمل الطرفان ما طلب منهما لإنجازها والوصول لاتفاق حول قضية الإصلاح العسكري.

لكن هذا التصريح لا يفصل أبدا ما هي خطة هذا الفصيل المسلح السياسية إن أكمل حربه ضد قيادة الجيش التي يتهمها بالانقلاب وموالاة الإسلاميين.

ومع تواصل المواجهات، تستمر الأطراف في خلق استقطاب إعلامي أكبر، عبر التضليل وفبركة الأخبار، واستعمال الدعاية السياسية والعسكرية لتقوية مواقفها.

خرق الهدنة الإنسانية يمنع السودانيين من التقاط أنفاسهم والحرب تدخل يومها الخامس

أنعش اتفاق هدنة إنسانية لمدة 24 ساعة، كان قد عقد بين الأطراف المتقاتلة في السودان، بوساطة أمريكية، الآمال بالتقاط الملايين أنفاسهم، لكن سرعان ما تم خرقه، فيما تصاعدت وتيرة العنف بشدة، في وقت دخلت الحرب يومها الخامس.

ومع تصاعد حدة المواجهات العسكرية، أطلقت وزارة الصحة السودانية، نداءُ عاجلاً لإخلاء مستشفى فضيل بوسط الخرطوم، بعدما تعرض لقصف بالأسلحة الثقيلة. وقالت الوزارة، إن المستشفى الذي يعج بالمرضى تعرض لقصف بالأسلحة الثقيلة مما أدى لثقب في الغاز المركزي وصهاريج المياه الرئيسية المخصصة لمرضى غسيل الكلى.

كما أفاد شهود عيان بوجود اشتبكات عنيفة في أنحاء متفرقة من مدن العاصمة.

ولفترة محدودة يوم الثلاثاء، تمكن بعض المواطنين من التنقل والسفر على عجالة. كذلك، بعد مرور 4 أيام تمكن نحو 89 شخصاً  كانوا في محتجز قسري بمباني جامعة الخرطوم معظمهم طلبة وبينهم موظفون وأساتذة من الخروج مساء الثلاثاء والوصول الى أماكن أقل خطرا في مدينة الخرطوم.

من جهتها، أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية يوم الثلاثاء، ارتفاع عدد قتلى المواجهات المسلحة وسط المدنيين والعسكريين إلى 144 والإصابات إلى 1409، وهي إحصائية تشمل الذين تمكنوا من الوصول إلى المستشفيات فقط.

وتعيش عدد من مستشفيات العاصمة أوضاعا مأساوية بسبب انقطاع التيار الكهربائي والمعينات الطبية فيما تعرضت بعضها للقصف والاعتداءات، مثل مستشفى ابن سيناء في العمارات ومستشفى بشائر.

في وقت حذرت فيه وزارة الصحة، من أن المرافق الصحية في ولاية الخرطوم أصبحت على حافة الإغلاق، داعية إلى إيجاد حل مستدام لنقص إمدادات الطاقة وأكياس الدم.

كما طالبت اللجنه التمهيدية لنقابة أطباء السودان بتوفير مسارات آمنة لإجلاء أطباء قالت إنهم ما زالوا يعملون منذ اليوم الأول للمواجهات وتبديل الخدمة مع آخرين، وأوضحت أن المستشفيات مازالت تعاني نقصاً حاداً في المعدات الطبيه والمستلزمات الصحية.

وكانت إحدى شركات البترول، قد أعلنت توفير جازولين مجانا للطواريء لكل المستشفيات، أما هيئة مياة ولاية الخرطوم أصدرت بيانا بعدم قدرة موظفيها على إصلاح الأعطال في شبكات المياه.

تطورات ميدانية وسياسية

مع الساعات الأولى لصباح يوم الثلاثاء، عادت أصوات القصف الجوي في مناطق: “الرياض وأحياء شرق وجنوب الخرطوم، وحول القصر الرئاسي وشارع المطار وفي مدينة بحري شمال الخرطوم تعرض سوق بحري  لحريق ضخم تمدد حتى الكنيسة الإنجيلية”.

قبل أن تبدأ الولايات المتحدة برد فعل حاسم حيال ما يجري في البلاد، بعدما أجرى وزير الخارجية الأمريكي، انتوني بلينكين، محادثتين منفصلتين مع كلاً من قائدي الجيش والدعم السريع، حيث ناقش معهما وقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة، بينما وافق قائد الجيش عبد الفتاح البرهان والجنرال شمس الدين الكباشي، على الهدنة الإنسانية، أشار الجيش في بيان إلى عدم علمه بأي تنسيق مع الوسطاء والمجتمع الدولي بشأن الهدنة.

ولاحقاً، تراجع  الجيش على لسان الكباشي معلناً التزامه بالهدنة ابتداء من الساعة السادسة مساء اليوم ولمدة 24 ساعة. غير أن هدنة سابقة طالب بها المبعوث الأممي في السودان فولكر بيرتس أمس الأول لم يلتزم بها الطرفان في الـ3 ساعات المحددة. كما فشل اتفاق الهدنة الجديد.

ترحيب لم يكتمل بالهدنة الإنسانية

بعد إعلان الأطراف عن اتفاق الهدنة، سرعان ما رحبت 16 جهة نقابية في تنسيقية التحالف النقابي بينها نقابة الصحفيين السودانيين ودعت الجيش للعدول عن موقفه وقبولها، لكن بحكم الأمر الواقع فقد خرقت الهدنة تماماً، بعد وقت وجيز من سريانها.

أيضاً، عبرت 42 كتلة مدنية من أحزاب وتنسيقيات لجان المقاومة عن مناهضتها للحرب ودعت للإيقاف الفوري لصوت البنادق وعدم قبول نتائجها مهما كانت.

وكشفت عن اعتزامها الاتفاق على آلية مشتركة لمتابعة التطورات وتنسيق المواقف ودعت بقية القوى المدنية لأخذ زمام المباردة والتوحد لإدانة الحرب، وحملت أطراف الحرب المسؤولية عن أي انتهاك لحقوق الإنسان.

في السياق، أعلنت قوى الحرية والتغيير ترحيبها بالبيان الصادر من القوى السياسية والمدنية والمهنية، وأشارت إلى  تواصلها مع الآلية الثلاثية والرباعية لدعم المبادرة.

وأضافت في بيان لها اليوم: “تواصلنا مع قيادة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع حاثين إياهم على قبول مقترح هدنة الـ24 ساعة”، مشيرة إلى استمرار النقاش حول أحكام هذه الهدنة وآلياتها.

ودعت الحرية والتغيير إلى التصدي لفلول النظام البائد الذين ينشرون خطابات تأجيج الحرب وإشعالها رغبة في العودة إلى السلطة وشددت على ضرورة عزلها.

وضع السلاح والعودة للحوار

التقى عدد من الفاعلين السياسيين و موقعون على الاتفاق الإطاري ورؤساء حركات مسلحة عبر لقاء إسفيري نظمته الآلية الثلاثية تبادل فيه الحضور النقاشات حول الأحداث الجارية في السودان.

وأفضى اللقاء الى عدة نقاط أهمها دعوة طرفي الصراع الى وضع السلاح والعودة للحوار، كما وجه الموقعون دعوة لمكونات السودان السياسية والمدنية والاجتماعية لنبذ الخطابات التي تؤجج العنف، والعمل المشترك من أجل وقف الحرب فوراً.

كما ثمن الموقعون مبادرة الآلية الثلاثية والولايات المتحدة الأمريكية في التوصل لهدنة لأغراض إنسانية.