زراعة الأمل.. كيف يقاوم السودانيون الحرب؟

بدلاً من الشكوى وندب حظّها، رغم ويلات الحرب، اختارت عنايات محكر التي نزحت إلى ولاية النيل الأبيض وسط السودان، أن تقضي وقت إقامتها هناك – والتي قد تطول – في الزراعة المنزلية، مستغِلّة بذلك اتّساع مساحة المنازل هناك، والتي لا تُقارن بمنازل الخرطوم الضيّقة، الخرطوم التي ضاقت بساكنيها؛ فلفظتهم في اتّجاهات متفرّقة بعنف بالغ.

الباحثة عنايات وزملاء لها كانوا قد شاركوا في المؤتمر العالمي للتكنولوجيا الملائمة في نسخته العاشرة الذي أقيم في الخرطوم بورقة علميّة اختيرت كواحدة من أفضل الأوراق في المؤتمر في فئة التغيّر المناخي.

 

بعدما أجبرتها الحرب الدائرة في الخرطوم منذ منتصف أبريل الماضي للنزوح مع عائلتها إلى ولاية النيل الأبيض، قامت بتحويل خبرتها العلميّة إلى تجربة الزراعة المنزليّة وإنتاج الغاز الحيوي بكميّات محدودة. وتقول عنايات، إنّه بإمكانها تخيّل مشروع ناجح جدّاً قادر على توفير كميّات أكبر من الخضراوات ومن الغاز المنزلي؛ لأنّه بات لديها الآن الخبرة العمليّة.

مبادرة بيتنا أخضر

تقوم المبادرة منذ إطلاقها قبل ثلاثة أعوام على نشر المعرفة الزراعيّة وتشجيع الزراعة المنزليّة بتقديم أمثلة واقعيّة لتحويل المساحات المنزليّة غير الشاغرة لإنتاج الخضراوات وتحقيق الاكتفاء الذاتي لكثير من الأُسر.

 

كما تقوم المبادرة بتوزيع البذور والشتول المجانيّة وتقديم الدورات التدريبية.

شبح الجوع

تجاوزت الحرب بين الجيش السوداني وقوّات الدعم السريع شهرها الثالث مخلّفة مئات القتلى وآلاف المصابين بحسب آخر تحديثات نقابة أطباء السودان.

كما تسبّبت الحرب في نزوح أكثر من مليوني شخص داخليّاً وعبور أكثر من 560 ألف شخص إلى البلدان المجاورة، بحسب إفادة مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيّة.

ليس ذلك فحسب، فقد تعطّلت أوجه الخدمة المدنيّة كالمدارس والجامعات وجميع المؤسسات الحكوميّة في المناطق الأكثر تأثّراً، في ولاية الخرطوم وولايات دارفور. ولم يحصل المواطنون في القطاعات الحكوميّة على رواتبهم لثلاثة أشهر، وتُرك السودانيون ليُلاقوا مصيرهم وتدبّر شؤونهم دون مساعدة، إلّا تلك المساعدات التي يتردّد صداها فقط في قنوات الإعلام الخارجي، ودون أيّ دعم من الدولة التي رفعت يدها كليّاً عن تحمّل مسؤوليتها أمام مواطنيها في كلّ من دارفور والخرطوم بشكل خاص.

وتتوقّع منظّمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتّحدة “فاو” تصاعد انعدام الأمن الغذائي الحادّ بسبب الحرب الحاليّة في السودان.

لذلك اتّجه العديد من السودانيين إلى خيار الزراعة ليحقّقوا كفايتهم من الطعام، خاصّة بعد الارتفاع الكبير لأسعار السلع الغذائيّة وندرتها في السوق بعد الحرب. بل إنّ بعضهم قام بإنتاج الفحم منزليّاً كبديل لغاز الطهي غير المتوفّر أصلاً.

يقول الكاتب آصف بيات، بأن أفراد المجتمع يمكنهم إحداث تغيير، بصفتهم فاعلين غير سياسيين، على مستوى قاعدي، فقط من خلال تدبّر شؤون حياتهم اليوميّة و ابتكار الأساليب التي تمكّنهم من النجاة في الظروف الصعبة.

وهذا ما يفعله السودانيّون العاديّون اليوم؛ حيث يقاومون الحرب بهدوء وبدون حمل بنادق أو الانخراط في القتال، بل بالانخراط في الحياة.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع