بسبب نقص الإمدادات الطبية وظروف الحرب.. المئات من مرضى غسيل الكلى في السودان على حافة الموت

بعد وفاة ابنه سليمان 9 أعوام المريض بالكلى، بسبب تفويته الجلسات العلاجية لمدة 12 يومًا، في أعقاب اندلاع الحرب في الخرطوم منتصف أبريل الماضي،  سافر بشير الطاهر من سكان منطقة السمرة شرقي الكدرو بالخرطوم بحري، إلى مدينة عطبرة بولاية نهر النيل شمالي السودان، برفقة ابنته فدوى 13 عامًا المريضة هي الأخرى بالكلى، لإنقاذ حياتها خوفًا من مواجهتها نفس مصير أخيها الأصغر.

رحلة الطاهرلإنقاذ حياة ابنه في بواكير الاشتباكات، داخل الخرطوم كانت قطعة مشتعلة من لهيب الحرب، إثر إصابة المنظومة الصحية بالشلل، وبالتالي كان عليه الحركة وسط أصوات الرصاص، لإنقاذ فلذة كبده.

هنا يوضح رب الأسرة المنكوب، أن قوات الدعم السريع، أوقفته قرب كبري الحلفايا من جهة الخرطوم بحري أثناء محاولته إسعاف ابنه إلى مستشفى النو بأمدرمان والذي قصده بسبب صعوبة الوصول إلى مستشفى جعفر بن عوف الذي كان يتلقى فيه العلاج سابقًا، مؤكدًا لـ«بيم ريبورتس» أن سبب وفاة ابنه هو التأخر في إسعافه.

 

لتجنيبها مصير شقيقها الأصغر، قرر الطاهر، مغادرة الخرطوم برفقة ابنته فدوى، بحثًا عن مركز غسيل كلى مستقر خارج العاصمة، تاركًا خلفه زوجته وأربعة من أبنائه وبناته الآخرين هناك، لكن آماله باستقرار علاج ابنته بدأت تتخلله المصاعب، مع إصدار المجلس القومي للكلى في السودان مطلع أغسطس الحالي نداء استغاثة، يطالب فيه بالإمدادات الطبية لمراكز غسيل الكلى. ومركز غسيل الكلى بمستشفى عطبرة، هو ثاني أهم مركز في الولاية، بعد مركز غسيل مدينة شندي ويستوعب 92 مريض كلى.

نداء طارئ

 في الثالث من أغسطس الجاري، أطلق المركز القومي لأمراض وجراحة الكلى مناشدة عاجلة لإنقاذ مرضى الفشل الكلوي في السودان والبالغ عددهم حوالي 8 آلاف. وقال المركز إن «الموت يحدق بهم بسبب صعوبة الحصول على العلاج ونقص الخدمات وندرة الفرص في أماكن النزوح لتلقي خدمة الاستصفاء الدموي»، مشيرًا إلى أن الوضع ينذر بكارثة حال لم يتم امداد مراكز الكلى بالمعينات اللازمة لاستمرارها.

وطالب المركز، وزارة المالية الاتحادية بتوفير مبلغ 2.5 مليون دولار لشراء حاجة المرضى، مستنكرًا تأخر الإمدادات الطبية في تخليص شحنة تبرع بها الاتحاد العالمي لأطباء الكلى بميناء بورتسودان دون توضيح سبب التأخير.

كما أعلنت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان خروج عدد من مراكز غسيل الكلى عن الخدمة، متوقعة أن تلحق بها المزيد من المراكز، ما لم يتم توفير المستهلكات بصورة عاجلة.

 

إقالة‌ ‌مدير‌ ‌الشرطة؟‌ ‌أم‌ ‌إصلاح‌ ‌المؤسسة‌ ‌نفسها؟‌

 

«30» في المئة من مراكز غسيل الكلى خارج الخدمة 

وقال مدير المركز القومي للكلى نزار زلفو في تصريح صحفي، إن «30» من مراكز غسيل الكلى بالسودان والبالغ عددها 102 خارج الخدمة، مضيفًا «نحتاج إلى 70 ألف غسلة شهريًا، تكلفة جلسة الغسيل الواحدة منها نحو 10 يوروهات مع الأدوية المصاحبة للجلسة».

لمعرفة المزيد تحدثت «بيم ريبورتس» مع عدد من مديري مراكز غسيل كلى ومرضى وأعضاء من المتطوعين في غرف طوارئ المستشفيات. 

 مركز مستشفى النو 

مستشفى النو الحكومي، هو الوحيد الذي يواصل عمله في مدينة أمدرمان، غربي  العاصمة الخرطوم، إذ ما يزال يقدم خدمات طبية رغم ظروف الحرب.

يقول المتطوع بمبادرة مستشفى النو، سامح عبد الله، إن مركز غسيل الكلى مستمر في عمله حتى اليوم، لكنه أشار إلى معاناة المركز من نقص في عدد الكوادر العاملة.

ولفت عبد الله في حديثه لـ«بيم ريبورتس» إلى وجود 3 تقنيين في المركز بالإضافة إلى طبيب واحد، ومتطوع واحد. بالإضافة إلى ذلك يعاني المركز بحسب عبد الله من نقص في المعينات الطبية والأدوية ونقص في الكوادر والمتبرعين بالدم ومشاكل في غسيل الكلية الصغرى. مضيفًا «يتم عمل غسيل للكلية الكبرى فقط».

وأكد المتطوع، بأنه لم يصل دعم مخصص لمركز غسيل الكلى حتى الآن، مشيرا إلى أن الدعم يأتي إلى قسم الطوارئ عامة.

وكشف عبد الله عن وفاة أربعة أطفال بسبب عدم قدرتهم على الانتظام في جلسات الغسيل، وقال «يوجد عدد 17 طفل مريض بالكلى في مركز مستشفى النو يتم عمل جلسات لهم كل ثلاثاء وخميس».

مركز بشائر مهدد بالإغلاق

بعد تصريح المركز القومي للكلى، تحدثت «بيم ريبورتس» مع غرفة طوارئ جنوب الحزام والتي أشارت لنا عن احتمالية توقف مركز غسيل الكلى بمستشفى بشائر وهو أحد المستشفيات القليلة التي تعمل في العاصمة السودانية الخرطوم ويستقبل حالات من مناطق سوبا والكلاكلة والصحافة وجبرة وأجزاء أخرى من المدينة.

 وأرجع المتحدث الرسمي بإسم غرفة الطوارئ، محمد كندشة، السبب في ذلك إلى عدم توفر مخزون من الأدوية الفترة القادمة.

وكان مركز غسيل مستشفى بشائر قد توقف قبل فترة بسبب انقطاع التيار الكهربائي ونفاد المخزون الدوائي لمدة أسبوعين، ثم عاود العمل بعدها تحت مرمى نيران القتال في الخرطوم، ويستقبل المركز حاليا 30 مريضًاً، بمعدل غسلتين في اليوم، فيما يعمل أربعة أيام في الأسبوع.

النزوح يفاقم معاناة مرضى الكلى

 في مركز غسيل الكلى بانت، وهو أحد مراكز غسيل الكلى الأربعة الموجودة في مدينة ود مدني بولاية الجزيرة وسط السودان، يعاني المواطن علي إسماعيل بابو الذي يسكن في مركز مدرسة أبو زيد لإيواء النازحين، من ظروف النزوح ومرض الكلى على حدٍ سواء.

يقول بابو الذي نزح قبل شهرين من منطقة أمبدة الحارة 17،إنه كان يغسل في مركز مستشفى الوالدين بأمدرمان، ومع ظروف الحرب،  اضطر إلى تفويت غسلتين بسبب عدم قدرته على الوصول إلى المستشفى، ومن ثم قرر بعدها النزوح إلى ولاية الجزيرة.

«تمكنت من إجراء غسلتين، في مركز مستشفى ود مدني. لكنه يعاني من مشكلة في استيعاب المرضى القادمين من الخرطوم، وفي تنسيق مواعيد الجلسات بين المرضى مع الضغط الجديد على المركز، مما جعل أغلب مرضى الكلى من النازحين يتذمرون من الوضع»، يضيف بابو لـ«بيم ريبورتس».

ويوضح بابو الذي يخضع الآن لجلسات غسيل كلى مسائية في مركز غسيل بانت، أن المركز به  طبيب واحد وممرضة واحدة، مشيراً إلى عدم توافر طبيب في المساء. وقال إن المركز يوجد به 8 أجهزة، وأنه تم تخفيض عدد الجلسات مؤخرًا إلى غسلة واحدة في الأسبوع لمدة ساعتين.

ومع ذلك، تمتد معاناة بابو الذي يجد صعوبة بالغة في توفير العلاج الذي تتراوح أسعاره بين  6 – 10 ألف جنيه سوداني، هذا إن وجد في الصيدليات.

في ما يتلقى مرضى آخرين، غير بابو، العلاج  بمراكز غسيل الكلى بمحليات ولاية الجزيرة وحدها بحسب مدير فرع الصندوق القومي للإمدادات الطبية بالولاية.

شحنة شمال دارفور لم تكن كافية

تواصلت «بيم ريبورتس» مع عضو لجنة الطوارئ العليا، في ولاية شمال دارفور، يوسف محمد الشيخ، لمعرفة حالة مركز غسيل الكلى الوحيد بالفاشر والذي يغطي 19 محلية في الولاية.

 ويستوعب مركز الفاشر 75 مريضًا من الولاية، و17 مريضًا آخرين من نازحي ولايات دارفور الأخرى، بالإضافة إلى 4 من مرضى الكبد الوبائي. 

ويعتقد  الشيخ أن الوضع في المركز ليس بعيدًا عن واقع بقية المراكز في السودان. وقال إن الغسيل بالمركز يتم على مرتين؛ الأولى لـ13 مريضًا والثانية أيضًا لنفس العدد.

وأشار إلى وجود 14 جهاز غسيل، أحدهم مخصص لمرضى الكبد الوبائي، لافتًا إلى  تقليل عدد الغسلات  مؤخرًا إلى غسلة واحدة في الأسبوع، بسبب ازدياد الضغط على المركز مع توافد النازحين إلى الولاية.

وأوضح الشيخ، أن المركز يعاني من نقص في المحاليل الوريدية، والأدوية عامةً، خاصة القسطرة.

وكان المركز قد وصلته شحنة إمداد من مدينة بورتسودان قبل شهر من إعلان المركز القومي للأزمة شملت مستلزمات وكلى صناعية، لكنها لم تكن كافية لحاجة المركز وتأثرت بطريقة الشحن السيئة وفق ما قال الشيخ.

ومع بداية انفراج الأزمة بعد توفر إمدادات غسيل الكلى بالمستشفيات المختلفة منذ منتصف الشهر الجاري، ووصول مساعدات طبية تحمل أدوية السرطان وغسلات الكلى من دولة قطر إلى وزارة الصحة الاتحادية وتوزيع الوزارة غسلات الكلى الخاصة بالولايات. 

ورغم تصريح  وزارة الصحة الاتحادية، بوجود مخزون جيد يكفي لثلاثة أشهر لكن الوزارة عادت  وأوضحت أن الحاجة قائمة، في ما لا يزال مرضى غسيل الكلى على حافة الانتظار مرة لاستقرار المخزون الطبي وتحسن ظروفهم، ومرة لتوقف الحرب.

 

ويعتقد خبراء آخرون، أن الشرطة تجاوزت أدوارها ومهامها المعروفة، منتقلة إلى ممارسة السياسة.

يقول عضو اللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير مشعل الزين لـ(بيم ريبورتس)، إن بيان الشرطة الأخير “ذو طابع سياسي تحاول فيه إيجاد مبررات لممارسة العنف تجاه الثوار السلميين”، مشيراً إلى أنها -الشرطة- أصبحت تمارس السياسة متجاوزة بذلك دورها المدني الطليعي في حماية المواطنين والمجتمع.

وأوضح الزين، أن بيان الشرطة في يوم 25 أكتوبر الماضي، أعطاها صلاحيات في التعامل مع المواكب حسب ما يتطلبه الوضع. بجانب صلاحيات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهو ما اعتبره تحويل رجل الشرطة إلى قاض ومشرع، قبل أن يوضح أنه غير مؤهل لتصبح كل هذه السلطات الثلاث في يده. 

ورأى عضو اللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير، أن البيان له انعكاساته التي ظهرت لاحقاً في موكب 30 أكتوبر الذي زادت فيه الشرطة حجم القمع، رغم عدم أخذها الموافقة على القرارت بعد من الجهات المختصة مثل الأجهزة القضائية والنائب العام. قبل أن يشير إلى أن الشرطة تعاملت بشكل مختلف مع مسيرة أنصار حزب المؤتمر الوطني المحلول في 29 أكتوبر، لافتاً إلى أنها وفرت الدعم اللوجستي والأمني للمسيرة.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع