الخرطوم، 20 سبتمبر 2023 – توصل تحقيق للسي إن إن، إلى أن القوات الخاصة الأوكرانية في الغالب هي وراء هجمات جوية وعمليات أرضية على قوات مدعومة من فاغنر بالقرب من العاصمة السودانية الخرطوم، الأمر الذي يثير احتمال انتشار تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا بعيدًا عن خطوط المعركة الأمامية.
وصف مصدر عسكري أوكراني للسي إن إن العملية بأنها “ليست من الجيش السوداني” وبشأن ما إذا كانت كييف خلف الهجوم، قال المصدر إن “القوات الأوكرانية الخاصة هي المسؤولة في الغالب”.
تضمنت العملية سلسلة من الهجمات على قوات الدعم السريع شبه العسكرية، التي يعتقد أنها مدعومة من ڤاغنر في معركتها ضد الحيش السوداني على السيطرة على البلاد.
لم تستطع السي إن إن، أن تؤكد بشكل مستقل التورط الأوكراني في الهجمات، ولكن أظهرت مقاطع الفيديو التي تحصلت عليها سمات الأسلوب الأوكراني في الهجوم بالطائرات دون طيار.
تضمن الفيديو ما لا يقل عن ٨ من الهجمات طائرتي «درون» متوفرة تجاريًا يغلب استخدامها من قبل أوكرانيا، وكذلك حملت الطائرات كتابات باللغة الأوكرانية.
كذلك قال الخبراء، إن الأسلوب المتبع، وبشكل خاص هجوم الطائرات بشكل مباشر على الهدف، أمر غير معتاد في السودان والمنطقة الأفريقية.
توسع درامي
وبعيدًا عن سلسلة الهجمات بالطائرات من دون طيار التي شنتها أوكرانيا على مناطق سيطرة روسيا، حيث تتركز هجمات أوكرانيا المضادة الحالية على المناطق المحتلة جنوبًا وشرقًا، فإن ضربات سرية أوكرانية بالسودان تمثل توسعًا دراميًا واستفزازيًا في مسرح كييف للحرب ضد موسكو .
ولم تعلن أوكرانيا مسؤوليتها عن الهجمات التي تم التقاطها بطائرات الدرون، وبعضها متداول على منصات التواصل الاجتماعي منذ الخميس. وقال مصدر عسكري سوداني رفيع المستوى، إن لا علم له بعمليات أوكرانية بالسودان وأنه لا يعتقد أن هذه المعلومات صحيحة.
كذلك أبدى عدد من المسؤولين الأمريكيين عدم علمهم بهذه العمليات المزعومة، كما عبرو عن تفاجؤهم من الإشارة لتورط القوات الأوكرانية في هجمات جوية وعمليات أرضية بالسودان.
والفيديو، الذي يتنقل بين منظورات مختلفة، يظهر سلسلة هجمات داخل وحول أمدرمان، التي تعتبر منطقة قتال محورية بين الطرفين.
كذلك، فإن طائرات الدرون ذات منظور الشخص الأول تسمح للمتحكم بها بمراقبة العملية من منظور الطائرة، عن طريق ارتداء نظارات مخصصة واستخدام شاشة لمشاهدة النقل المباشر، وأيضًا تظهر في الفيديو الذي يوثق الهجمات ما تبدو أنها طائرة درون «DJI MAVIC 3»، وكلتا الطائرتين تباع تجاريًا وتستخدم بكثرة من القوات الأوكرانية.
علاوة على ذلك، فإن الـ«DJI MAVIC 3» لديها حد أقصى لمسافة رحلة يبلغ 30 كيلوميتر، ويصل نطاق بثها حتى 15 كيلومتر لمدة 45 دقيقة، مما يشير لأن المتحكم في الطائرة كان داخل المدينة أو على مسافة قريبة منها.
في الفيديو الذي يوضح شاشة التحكم بالدرون، تظهر كتابة بالإنجليزية والأوكرانية منها ما يعني “توقف” والمتحكم في الطائرة، والذي يبدو أجنبي يظهر كذلك في الإنعكاس، إلا أنه يرتدي قناع ولا يمكن التعرف عليه.
وقال باحث بريطاني يدير «كاليبر اوبسكيورا» الموقع الذي يهتم بالأسلحة، إن الجهاز بتطابق مع الأجهزة التي تستخدمها أوكرانيا للتحكم في طائرات درون «DJI MAVIC».
وتمكنت السي إن إن من تحديد مواقع العمليات التي تظهر في الفيديو ولكن لم تستطع تحديد مواقيت حدوثها. إلا أن الفيديو الذي أظهر هجمات على كبري شمبات تزامنًا مع أخبار محلية عن هجمات على الكبري في الثامن من سبتمبر.
شحنة أسلحة
وأتت الهجمات بعد يومين من إيصال ڤاغنر شحنة أسلحة كبيرة عن طريق حامية للدعم السريع في منطقة «الزرق» الواقعة بالقرب من الحدود التشادية حسب ما ذكر مصدر سوداني رفيع المستوى.
وأخبر مخبران تشاديان السي إن إن، أن الشحنة انتقلت من تشاد إلى الزرق، الأمر الذي يدل على توسع مناطق نفوذ روسيا وڤاغنر في أفريقيا التي كانت تحدد بليبيا والسودان وأفريقيا الوسطى ومالي .
وقد لعبت ڤاغنر دورًا معروفًا ومحوريًا في عمليات موسكو العسكرية في الخارج، خاصة في أوكرانيا، واتهمت في العديد من المرات بارتكاب المجازر الوحشية، وساعدت في تعزيز نمو نفوذ موسكو واغتنامها للموارد.
واستهدفت ست هجمات طائرة عربات نقل متحركة على كبري شمبات، كما استهدفت ثمانية هجمات أخرى عربات مركونة ومباني وأشخاص مسلحين في أمدرمان والريف الغربي لأمبدة التي نفذ الحيش السوداني فيها غارات جوية استهدفت مواقع ارتكاز الدعم السريع في الأسابيع الماضية وحصدت أرواح مدنيين.
وأظهر الفيديو ما لا يقل عن 3محاربات أجنبية تغزو مبنى.
وفي الفيديو الذي يظهر أنه تم تصويره عن طريق كاميرا مثبتة بالجسم، يظهر جنود يرتدون نظارات رؤية ليلية، ويحمل أحدهم مطلق صواريخ.
وقامت السي إن إن بتحديد موقع لقطة جوية تظهر تقدم الجنود في أحد الأحياء القريبة لمكان الهجمات الجوية.
وقد قالت السي إن إن في تقرير سابق إن ڤاغنر تمد الدعم السريع بصواريخ أرض – جو في المعارك ضد الجيش السوداني.
ظهور أول في أفريقيا
وقال وين جويفنينبيرق مدير المشروع لنزع السلاح لأغراض إنسانية في «باكس» منظمة السلام الهولندية، إن المقاتلات التي رصدتها البسي إن إن لم تظهر من قبل في أفريقيا.
جويفنينبيرق، الذي يختص في التكنولوجيا الحربية الحديثة، قال “شاهدنا زيادة في استخدام هذه الدرونات في أوكرانيا في العام الماضي”.
وكذلك قال إنه منذ اجتياح روسيا لأوكرانيا ظل الروس والأوكرانيين على حد سواء يختبرون بطائرات الدرون ذات منظور الشخص الواحد، حيث يتم تحميلها بصواريخ ومتفجرات، كما أن قدرتها العالية على المناورة وحمل الذخيرة تمكنها من القضاء على مركبة كاملة. وبالرغم من أن طائرات الدرون تم استخدامها من قبل في رمي المتفجرات في ليبيا وإثيوبيا، إلا أن استخدام طائرات الدرون المسلحة التي تنفجر عند الاصطدام يعتبر أمرًا جديدًا في أفريقيا.
وبعض الأشخاص الذين تم استهدافهم كانوا يرتدون أزياء باهتة اللون تشبه تلك التي ترتديها قوات الدعم السريع.
وظلت قوات الدعم السريع التي توجد بكثرة في الخرطوم وأمدرمان، تتعرض لقصف جوي متواصل من الجيش السوداني منذ اندلاع الحرب بين الطرفين في ابريل، وفي خطابه يوم الخميس قال قائد قوات الدعم السريع إن قواته تحكم السيطرة على الخرطوم، وتحدث عن غارات جوية عشوائية في أمدرمان وبعض المدن الأخرى.
وقبل انفجار المعارك بين الاثنين، كان البرهان وحميدتي في حلف عسكري أطاح بالحكومة الانتقالية المعترف بها دوليًا في 2021، وقد تلقى السودان دعمًا عسكريًا من ڤاغنر في الماضي إلا أن قائد قوات الدعم السريع هي حليف المجموعة المفضل في السودان.
ممرات أسلحة
وكشفت السي إن إن، عن ممرات أسلحة ساعدت على استمرار هذا النزاع تعبر خلال نقاط تابعة لڤاغنر منها القاعدة الجوية والبحرية الروسية في الساحل السوري، ومطار بانغي في أفريقيا الوسطى.
وتمتلك ڤاغنر نفوذًا واسعًا في أفريقيا الوسطى ومناطق واسعة من شرق ليبيا الذي يحد السودان، والذي يحوز القائد المتمرد خليفة حفتر على السيطرة على أجزاء واسعة منه.
“حوالي ٩٠٪ من أسلحة الدعم السريع تأتي من ڤاغنر” قال مصدر سوداني رفيع المستوى للسي إن إن. مضيفًا أن دعم ڤاغنر للدعم السريع لم ينقطع بالرغم من موت بريغوجين، قائد المجموعة في تحطم الطائرة.
وأثارت وفاة بريغوجين تساؤلات حول مستقبل نشاط المجموعة في افريقيا التي استخدمت فيها ڤاغنر أساليب وحشية في توسيع نفوذ المليشيات والانظمة الاستبدادية مقابل ثروات معدنية، هذه الغنائم التي تضمنت نسب كبيرة من انتاج الذهب في السودان يعتقد انه تم استخدامها في دعم حرب روسيا في أوكرانيا وكذلك في التحايل على العقوبات.
ويرى الباحثون والمحللون أن الكرملين قد احكم قبضته على عمليات المجموعة في افريقيا باتجاه هدفه لدمج المجموعة داخل وزارة الدفاع الروسية بعد تمرد ڤاغنر الفاشل في يونيو.
ويذكر أنه بعد يومين من تحطم طائرة بريغوجين في طريقها من أفريقيا لروسيا، ومقتل جميع من كان على متنها، قام وزير الدفاع الروسي بجولة على خمسة دول تعتبر مناطق نفوذ لڤاغنر وهي ليبيا وسوريا ومالي وبورينا فاسو وأفريقيا الوسطى.
علاوة على ذلك، اجتمع قائد العمليات الهجومية السرية في المديرية الرئيسية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية اثناء قمة روسيا – افريقيا في يوليو في سانت بيتسبرغ برؤساء مالي وإرتريا وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو قبل أقل من شهر من وفاة بريغوجين.
وقال مصدر سوداني رفيع المستوى للسي إن إن “لقد وجهنا أسئلة متكررة للكرملين عن دعم ڤاغنر لقوات الدعم السريع، وكان الرد أنه ليس لديهم أي معلومات عن هذا الشأن”.
وأثناء معاركها مع روسيا، وضعت كييف توطيد العلاقات الخارجية، ومن ضمنها العلاقات مع الدول الأفريقية، هدفًا استراتيجيًا، وقام وزير الخارجية الأوكراني بثلاث زيارات للقارة هذا العام تضمنت 10 دول.
“تحاول روسيا إبقاء الدول تحت سيطرتها عن طريق الإكراه والرشاوي والترهيب، روسيا لديها أداتين للعمل في أفريقيا هما ڤاغنر والبروبقاندا” قال وزير الخارجية الأوكراني في مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية. مضيفًا “هدفنا ليس استبدال روسيا ولكن تحرير افريقيا من قبضتها”.