باتهامات «مشتركة» من طرفي القتال.. المدنيون في السودان يدفعون ثمن الحرب اعتقالًا وإخفاءً قسريًا

عشرات الشهادات المروعة أدلى بها المعتقلون والمخفيون قسريًا داخل معسكرات احتجاز «الدعم السريع»، أو في الوحدات التابعة للجيش السوداني.

مع اندلاع الحرب، منتصف أبريل الماضي، شهدت البلاد انتهاكات مروعة تعرض لها السودانيون والسودانيات من جرائم قتل وعنف جنسي وتشريد. فضلًا عن جانب آخر للانتهاكات، تمثل في حملات اعتقال المدنيين وإخفائهم قسريًا من قبل طرفي القتال.

استمرت حملات الاعتقالات، التي بدأت منذ الأيام الأولى للحرب، في أحياء ومدن سودانية عديدة. في حين تزيد كثافتها في مناطق الاشتباكات المسلحة، إلا أنها مستمرة كذلك في مختلف الولايات التي تشهد استقرارًا نسبيًا.

مع تواتر أيام الحرب الدامية، ووصولها شهرها السادس، تشير تقارير حقوقية إلى أن المعتقلين والمخفيين قسريًا تتجاوز أعدادهم الآلاف، وأن عدد مراكز اعتقال طرفي القتال داخل ولاية الخرطوم فقط، تتوزع بعدد «44» معتقلًا للدعم السريع، و«8»  معتقلات للجيش، علاوة على مراكز الاعتقال المؤقتة.

تجدر الإشارة إلى أن هناك كثيرًا من الشواهد تؤكد أن جزءًا من حملات الاعتقالات هذه يجري على أسس إثنية ومناطقية، وهي مدفوعة بخطابات الكراهية التي تشكلت منذ اندلاع الحرب.

 

ذرائع الاعتقالات:

 

وقعت البلاد في حالة من الاضطراب العام منذ اليوم الأول للحرب، الأمر الذي كثّف من حجم العمل الاستخباراتي لطرفي القتال ودفعهما لتنفيذ حملات اعتقالات طالت المئات من المواطنين، بذريعة مشتركة، وهي اتهام المعتقلين بالانتماء والتعاون الاستخباراتي لمصلحة الطرف الآخر. أو تقديم معلومات إرشادية للتحركات وكشف أماكن التجمعات العسكرية، أو تقديم الخدمات الطبية للطرف الآخر.

تسببت هذه الاتهامات في اعتقال آلاف المدنيين في العاصمة الخرطوم والولايات الأخرى التي تشهد اشتباكات مسلحة، وتعرض المعتقلون إلى أشد صنوف التعذيب والانتهاكات. كما أن تقاريرَ عديدة تحدثت عن الأوضاع السيئة التي يعيشها المعتقلون داخل معسكرات الاعتقال، وحالات الموت التي شهدتها تلك الأماكن.

 

«الدعم السريع» والاعتقالات

 

امتدادًا لانتهاكات «الدعم السريع» تجاه المدنيين، منذ بداية الحرب، بجرائم موثقة للقتل والاغتصاب، واحتلال منازل المواطنين، فإنها بجانب ذلك قد شنت حملات اعتقالات واسعة، بدأت منذ الأيام الأولى لاندلاع المواجهات المسلحة. وفي 18 أبريل اقتحمت قوة من استخبارات «الدعم السريع» شقة المصور، سعد التني، بوسط الخرطوم، واعتقلته بذريعة اتهامه بالانتماء للاستخبارات العسكرية، ولم يطلق سراحه إلا في بداية مايو، بعدما نظمت أسرته، التي لم تعلم مكان اعتقاله، حملة على مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عنه.

وفي سبيل إضفاء المشروعية على خطابها الحربي ودعم سرديتها المتعلقة بمحاربة نظام المؤتمر الوطني والإسلاميين، اعتقلت «الدعم السريع» قيادات بارزة مثل أنس عمر، محمد علي الجزولي، كما أنها لم تتوان عن اعتقال كثير من المواطنين للاشتباه بانتمائهم للجيش واستخباراته العسكرية.

ويشير تقرير صحفي لرويترز، إلى أن هناك ما يزيد عن الـ 5 آلاف معتقل ومخفي قسرياً في معسكرات سرية تتبع لـ«الدعم السريع»، وهي أماكن يعيش فيها المعتقلون ظروفًا إنسانية بالغة السوء.

 

الجيش واعتقال الفاعلين المدنيين

 

في الساعات الأولى من يوم الأربعاء 5 يوليو، اقتحمت قوة ملثمة من الاستخبارات العسكرية، منزل عضو التجمع الاتحادي، الشريف الحامدابي، بالولاية الشمالية، ليطلق سراحه في بداية سبتمبر الجاري. 

أُعتقل الشريف بالسجن الحربي لقيادة الجيش بمدينة مروي (الفرقة 19) وأكدت مصادر من داخل الفرقة تعرضه للتعذيب وإصابات بالغة بالرأس والعنق، فيما وجهت له اتهامات بدعم الحرب والوقوف مع الدعم السريع، لكن وبنظرة سريعة لنشاط الحامدابي يتبين أنه من أشد المناهضين للحرب.

لم تقتصر اعتقالات الجيش على الحامدابي فقط، حيث اعتقلت الكثير من الناشطين السياسيين والمحامين في ولايات مختلفة.

وتشترك دوافع هذه الاعتقالات في الوقوف ضد الحرب ورفضها. وفي 2 يوليو، أٌعتقل عضو الحزب الشيوعي، خالد اليسع، بمدينة سنار وذلك بعد يوم من مشاركته في وقفة احتجاجية مناهضة للحرب، كما اعتقل الناشط السياسي، أحمد أبو هريرة، بتاريخ 9 يوليو وهو في طريقه من الخرطوم إلى مدينة عطبرة، حيث اعترضته قوة من الاستخبارات العسكرية في مدينة شندي.

وجميع الاعتقالات التي يتعرض لها المدنيون، من قبل طرفي القتال، منذ اندلاع الحرب تمثل انتهاكات بالغة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. تأتي هذه الانتهاكات، في ظل غياب أي مؤسسات يمكن أن تتبع وتحقق حول هذه الاعتقالات، الأمر الذي يعمل على استمرارها. في وقت ما يزال آلاف المفقودين، المعتقلين والمخفيين قسريًا، لا يعلم ذووهم عن أوضاعهم أو مصيرهم شيئًا.

 

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع