تقرير دولي يتتبع تنامي الصراع المسلح في السودان خلال ستة أشهر من الحرب

«9» آلف قتيل منذ اندلاع الحرب في السودان بينهم  «1500» في سبتمبر

الخرطوم، 8 أكتوبر 2023 – قال مشروع رصد النزاعات المسلحة «ACLED»، إنه منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل الماضي، تم تسجيل أكثر من «2,300» حالة عنف سياسي مرتبط بالنزاع الجاري في البلاد وأكثر من «9» آلاف قتيل بينهم «465» حادثة عنف وأكثر من «1,500» قتيل في سبتمبر فقط.

ويعمل مشروع رصد النزاعات المسلحة، الذي تأسس عام 2014 في الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن يوسع نشاطه للعالم أجمع عام 2022، على جمع بيانات أحداث العنف والاحتجاج السياسية حول العالم، وتحليل سيناريوهات الصراع والحروب.

وبحسب تقرير نشره المشروع، الجمعة، صاحب ازدياد حدة النزاع والسيطرة على المواقع الاستراتيجية، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، نشاطا لجماعاتٍ مسلحة أخرى في الصراع، حيث سيطرت حركة جيش تحرير السودان بزعامة عبد الواحد النور على مناطق واسعة من الأراضي في إقليم دارفور. كدما أعلنت عدة جماعات مسلحة دعمها لأحد طرفي الحرب، مما وسع رقعة النزاع في جميع أنحاء البلاد.

وفي سبتمبر، سجلت الخرطوم أعلى نسبة أحداث عنف في البلاد، تلتها جنوب دارفور، التي شهدت صراعًا قبليًا في محلية «كبم» ينسب إليه أكثر من نصف أحداث العنف بالولاية.

وبينما تعتبر المعارك المباشرة هي شكل أحداث العنف الأكثر شيوعاً، إلا أن عمليات القصف، والتي وقعت جميعها تقريباً في الخرطوم، تضاعف عددها عن الشهر السابق.

نزاع القبلي وسط صراع متصاعد على السلطة

بينما تدخل الحرب في السودان شهرها السادس، يكثف كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع جهودهما لفرض السيطرة على مواقع استراتيجية في البلاد؛ حيث ازدادت حدة عمليات القصف في الخرطوم الشهر الماضي.

وتصاعدت الاشتباكات في جميع قواعد الجيش السوداني، والمناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

أيضًا، تشهد المدن والقرى في إقليمي دارفور وكردفان  أحداث عنف متواصلة تسببت في ظروف إنسانية سيئة للمدنيين، حيث شهدت الحرب في سبتمبر انضمام مجموعات جديدة للقتال، ما يشير إلى احتمال مقلق مفاده أن خفض التصعيد قد يزداد صعوبة في المستقبل القريب، كذلك يضيف تنافس الطرفين على الشرعية الدولية توترًا على ديناميكيات الصراع.

تزايد القصف في معارك الخرطوم

وفقًا للتقرير، تطورت ديناميكيات المعارك في الخرطوم بشكل كبير، حيث تزايد مؤخرًا اعتماد الطرفين على آليات التفجير مثل الغارات الجوية، والطائرات المقاتلة بدون طيار، فضلًا عن القصف المدفعي.

 وجاء هذا التطور بعد محاولات كلا الطرفين لتحقيق تقدم كبير على الأرض والدفاع عن المواقع المكتسبة خلال الاشتباكات المباشرة، مما أدى إلى وقوع إصابات كبيرة  للجانبين.

ودار الصراع بشكل أساسي في الخرطوم حول القواعد العسكرية الحيوية وطرق الإمداد ذات الأهمية القصوى لكلا الطرفين. ومنذ بداية الحرب، اعتمدت استراتيجية الدعم السريع على مهاجمة القواعد العسكرية للجيش السوداني، والدفاع عن طرق الإمداد الخاضعة لسيطرتها؛ بهدف تعطيل عمليات الجيش السوداني وتأمين طرق الإمداد اللوجستي، الأمر الذي نتج عنه اكتساب قوات الدعم السريع سيطرة كبيرة على المناطق الحضرية في الخرطوم.

وفي غضون ذلك، اعتمد الجيش السوداني على الضربات الجوية منذ الأيام الأولى للحرب لمجابهة وجود قوات الدعم السريع على نطاق واسع على الأرض.

ومنذ منتصف أغسطس، واجهت قواعد الجيش السوداني – سلاح المدرعات على وجه الخصوص – هجمات شديدة من قبل قوات الدعم السريع، وردًا على ذلك، لجأ الجيش السوداني بشكل متزايد إلى قصف مواقع قوات الدعم السريع، وتركزت عمليات القصف على المناطق المحيطة بالقواعد العسكرية والجسور الرئيسية والأحياء التي تحتلها قوات الدعم السريع.

وبالرغم من أنه لهذه المواقع أهمية استراتيجية حاسمة بالنسبة للقدرات العملياتية لقوات الدعم السريع، إلا أن كسر حصار قوات الدعم السريع على القواعد العسكرية في ولاية الخرطوم لا يزال يمثل تحديًا للجيش السوداني.

علاوة على ذلك، شهد سبتمبر زيادة ملحوظة في استخدام الطائرات المقاتلة بدون طيار من قبل كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وكان ذلك بسبب العدد المحدود من الطائرات المقاتلة التابعة للجيش السوداني، بالإضافة إلى النجاح المتزايد لقوات الدعم السريع في إسقاطها.

وفي الآونة الأخيرة، ورد أن الجيش السوداني أدمج طائرات «كاميكازي» بدون طيار في عملياته، ما أعطاه أفضلية ترجع لتفوقه في العمليات الجوية، إلا أن قوات الدعم السريع كيّفت استراتيجيتها لذلك من خلال الحصول على طائرات دون طيار، ونشرها لاستهداف القواعد العسكرية للجيش السوداني، وكان مصدر هذه الطائرات بدون طيار موضع تكهنات منها أنه تم الاستيلاء عليها من مجمع اليرموك أو تقديمها إلى قوات الدعم السريع من قبل الحلفاء الإقليميين.

علاوة على ذلك، حدث تغير ملحوظ في الاستراتيجية العسكرية لقوات الدعم السريع في العاصمة منذ 14 سبتمبر، ويتضح ذلك بشكل خاص في نقل العمليات من سلاح المدرعات إلى مقر القيادة العامة، كذلك تحولت استراتيجية قوات الدعم السريع، بعد انخفاض قصير الأمد في وتيرة أعمال العنف في بدايات سبتمبر، نحو التركيز على قواعد محددة للجيش السوداني وشن هجمات من جبهات متعددة يمكن أن تستمر لأيام أو حتى أسابيع.

الصورة من الموقع الألكتروني للعربية

وكان لتزايد الاعتماد على القصف في الحرب عواقب وخيمة من حيث الخسائر في صفوف المدنيين، فقد تم تسجيل  أكثر من «70» حادثة استهداف مدني في الخرطوم في سبتمبر وحده، مما أدى إلى مقتل «213» شخصًا على الأقل. علاوة على ذلك، فإن «75٪» من إجمالي القتلى المدنيين في السودان كانوا بسبب القصف في الخرطوم.

نشاط متزايد للمجموعات المسلحة في دارفور

وفي خضم استمرار التوترات القبلية في إقليم دارفور، انخرط عدد متزايد من الجماعات المسلحة في الصراع بالمنطقة، حيث وسع جيش تحرير السودان بزعامة عبد الواحد النور سيطرته في ولايات شمال وجنوب ووسط دارفور في أواخر سبتمبر، وجاء ذلك عقب النزوح الجماعي لآلاف الأسر من المناطق المتضررة من الحرب في دارفور إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة، وقالت إن توسعها خارج مناطق سيطرتها السابقة، يهدف لحماية المدنيين من الحرب الدائرة بين الجيش السوداني والدعم السريع.

علاوة على ذلك، كثفت القوات المشتركة للحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا اشتباكاتها العسكرية في المنطقة في سبتمبر، بعد إنشائها لقوات أمن مشتركة بغرض حماية المدنيين في 27 أبريل، إلا تركيزهم تحول في الشهر الماضي من مرافقة القوافل التجارية والإنسانية بشكل أساسي، إلى المشاركة بنشاط في العمليات العسكرية.

وفي جنوب دارفور، استمرت الاشتباكات بين جماعات مسلحة تتبع لقبائل «السلامات» و«بني هلبة» في قرية «كبم» طوال شهر سبتمبر، وفشلت حتى الآن محاولات عديدة للمصالحة بين الطائفتين منذ بدء الاشتباكات في مايو، وفي 28 سبتمبر، أطلق موسى هلال، قائد مجلس الصحوة، مبادرة مصالحة بعد رفض «بني هلبة» وساطة القائد الثاني لقوات الدعم السريع.

علاوة على ذلك، وردت تقارير عن اقتتال بين جنود قوات الدعم السريع من قبيلة «السلامات» مع مجموعات مسلحة في «ماركوندي» في 10 سبتمبر، مما أسفر عن سقوط «40» قتيلًا على الأقل، وإحراق المدينة.

وفي شمال دارفور، استؤنف القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بعد أكثر من 10 أيام دون تسجيل حوادث بين الجانبين، ووقعت الاشتباكات في بشكل أساسي في مخيمات النازحين  في الفاشر، وأدت إلى سقوط عشرات الضحايا المدنيين ونزوح ما لا يقل عن «190» أسرة.

وفي بداية سبتمبر، أكد الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التزامهما بوقف الأعمال العدائية في «الجنينة»، غرب دارفور، عقب مناقشات مع الحكومة المحلية ومبادرة مجتمعية. وعلى الرغم من هدوء القتال بين الطرفين، اشتبكت قوات الدعم السريع، على مدى عدة أيام في سبتمبر، مع قبائل «الأرنقا» في «سربا»، مما أدى إلى نزوح المدنيين إلى تشاد.

ولا تزال الحالة في وسط دارفور مثيرة للقلق ومتقلبة، مع استمرار الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة زالنجي، وشهدت المدينة تحولات كبيرة ذهابًا وإيابًا في مناطق السيطرة بين أطراف الحرب.

وسيطرت قوات الدعم السريع بالكامل على المدينة في 4 أغسطس، إلا أن الجيش السوداني استعاد السيطرة في وقت وجيز، وفي 14 سبتمبر، استعاد الجيش السوداني السيطرة على المواقع التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في معسكر «حصاحيصا» للنازحين ومواقع أخرى داخل «زالنجي».

وتشير التقارير إلى أن قصف قوات الدعم السريع استهدف مراكز المعسكرات مما أسفر عن وقوع إصابات بين المدنيين، ونتيجة لذلك، اضطر المدنيين إلى الفرار بحثا عن ملجأ من العنف المتصاعد.

الصورة من الموقع الألكتروني ل صوت الهامش

ديناميكيات معقدة

شهدت كردفان مواجهات مكثفة الشهر الماضي، شاركت فيها جهات فاعلة مختلفة، بما في ذلك الجيش السوداني والدعم السريع والمجموعات المسلحة القبلية والجماعات المسلحة الموالية للجيش.

وتشير التقارير إلى وقوع اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مناطق متعددة في ولايتي شمال وغرب كردفان، وفي جنوب كردفان، استؤنف القتال بين القوات المسلحة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال جناح عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان، بعد هدوء في القتال في الفترة من 7 إلى 27 سبتمبر، ويسيطر جناح الحلو على أراض واسعة في جنوب كردفان، وفي خضم هذا الإضطراب، ظهرت جماعة مسلحة جديدة موالية للجيش، انخرطت في اشتباكات مسلحة مع جماعات مسلحة تابعة لقبائل «المسيرية»، مما زاد من تعقيد الوضع.

وفي شمال كردفان، تصاعد العنف بعد أن اعترضت قوات الدعم السريع شاحنة في الأول من سبتمبر، واختطفت أكثر من «100» من عمال التعدين الأهلي من «دار حامد»، وأفيد بأن بعض المختطفين أُجبروا على حمل أسلحة، بينما احتُجز آخرون في منشأة عسكرية تابعة لقوات الدعم السريع. 

ودفع ذلك المجموعات المسلحة التابعة لقبائل «دار حامد» بالتهديد باستخدام القوة لإطلاق سراحهم، واشتبكت بالفعل مع قوات الدعم السريع في 24 يوليو. وأيضاً بعد ثلاثة أسابيع، انخرط أفراد من «دار حامد» في اشتباكات مع قوات الدعم السريع في «أم سميمة» بعد أن قتلت قوات الدعم السريع رجل أعمال خلال محاولة نهب.

وبعد فترة قصيرة من توقف أحداث العنف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، اندلع القتال بين الجانبين في «أم روابة» عقب أنباء عن قتل قوات الدعم السريع لأحد المدنيين بالرصاص، وسيطر الجيش السوداني مؤقتًا على المدينة بعد اشتباكات مع قوات الدعم السريع في 12 سبتمبر، وردًا على ذلك، هاجمت قوات الدعم السريع المدينة ونهبت عشرات المركبات ودمرت الممتلكات واستعادت السيطرة على المدينة بعد تراجع الجيش السوداني إلى «كوستي».

وفي أواخر أغسطس، شكل الجيش السوداني لواء قوات نسور الاحتياط في «دار حمر»، غرب كردفان، بعد أن زودتها بالأسلحة، وفي وقت لاحق، اشتبكت هذه القوات مع مجموعات مسلحة تتبع لقبائل «المسيرية» لمدة ثلاثة أيام متتالية في «أم كدادة» وما حولها في سبتمبر، مما أسفر عن وقوع «12» إصابة، وتشريد أكثر من «300» شخص. 

حرب ممتدة

وصل الصراع في السودان إلى نقطة حرجة بعد ستة أشهر، شهدت قتالًا مكثفًا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وازدياد المعارك على المواقع الاستراتيجية في جميع أنحاء البلاد.

وأوضح التقرير، أن التزايد الملحوظ في عمليات القصف في الأسابيع الأخيرة، بشكل خاص في الخرطوم، يدل على تصعيد مقلق، كما تصاعدت الاشتباكات في قواعد الجيش السوداني ومناطق سيطرة الدعم السريع، وتوسعت الاشتباكات لتشمل المدن والقرى في دارفور وكردفان، حيث ازداد عدد الأطراف الفاعلة في الصراع.

وفي خضم هذه التحديات، يزيد التنافس بين الطرفين على الاعتراف الدولي من تعقيد الحالة، حيث ألقى قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بينما شارك قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، رسالته من خلال تسجيل فيديو، هدد فيه بتشكيل حكومة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، إذا قام الجيش السوداني بتشكيل حكومة من بورتسودان، مما زاد التوترات في مشهد الصراع المعقد بالفعل.

الصورة من الموقع الألكتروني للعربية

تقارير بيم

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع