قرارات مضطربة للوزارة.. الحرب تمزق مستقبل مئات الآلاف من طلبة الجامعات السودانية

الخرطوم، 8 أكتوبر 2023 – كان الطالب بكلية القانون جامعة الخرطوم المستوى الثالث، محمد بابكر، «22 عامًا»، مثل مئات الآلاف من طلبة الجامعات في السودان، يكافح لأجل إكمال دراسته، ومن ثم الولوج إلى عتبة المستقبل.    

غير أن أحلامه، إن لم تتبخر، فهي على الأقل تعلقت إلى أجل غير مسمى، صباح الخامس عشر من أبريل الماضي. ومع ذلك، يجسد بابكر معاناة مئات الآلاف من الطلبة الجامعيين في السودان، بعد توقف مسيرتهم الأكاديمية لحوالي ستة أشهر. 

تحدث بابكر الذي فرّ من الحرب بالخرطوم إلى شمالي البلاد، لـ«بيم ريبورتس» من تحت جذوع أشجار النخيل في بلدته بعد نهاية يوم مضن من حصاد التمور، قائلًا: «قطعت شوطًا كبيرًا في دراستي الجامعية.. المستقبل مجهول.. ولا ندري متى ستنتهي الحرب».

هذا التشاؤم المفرط الذي يحسه بابكر اليوم، لا يقارن بتفاؤله قبيل كابوس الحرب والذي تغيّر بعده كل شيء، لكنه مع ذلك صار يفكر هو زملائه عن حلول ربما لا تتحقق. يقول بابكر: «أصبحنا نفكر بشكل جاد في البحث عن منح دراسية ممولة، على الرغم من رغبتنا المتجذرة في تكملة تعليمنا في السودان».

 ومع ذلك، هذا الحل قد لا يكون مجديًا، يقول بابكر: «اندلاع الحرب بشكل مفاجيء صاحبه بالضرورة عشوائية في رحلة الفرار من الخرطوم، حيث لم يتمكن غالبية الطلبة من اصطحاب الأوراق والمستندات المهمة، الأمر الذي جعل من إكمال التعليم بالخارج أمرًا معقدًا».

فقدان الأمل، هو ألم مشترك يتقاسمه طلبة الجامعات السودانية، تقول الطالبة بكلية الطب كلية ود مدني للعلوم الطبية والتكنولوجيا، وفاء الهميم، لـ«بيم ريبورتس»، إنها فقدت الأمل في عيش حياة أكاديمية أو عملية مستقرة في السودان».

يتمثل فقدان الأمل في الأرقام الكبيرة لعدد الجامعات السودانية وطلابها الذين يقتربون من المليون، في ما يبلغ عدد مؤسسات التعليم العالي في السودان حوالي «155» مؤسسة تتنوع بين القطاع الحكومي والخاص، حيث يحوز القطاع الحكومي منها على «39» جامعة، والقطاع الخاص على «116» مؤسسة سواء جامعات أو كليات، بينما يبلغ العدد التقريبي لطلاب التعليم العالي في السودان «720» ألف طالباً وطالبة. 

مستقبل مجهول ورؤية ضبابية

في الرابع عشر من أغسطس من الماضي، أصدر وزير التعليم العالي والبحث العلمي المكلف، محمد حسن دهب، قرارًا بإيقاف الدراسة في كافة الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة إلى أجل غير مسمى، على أن ينظر فيه في منتصف أكتوبر، بحسب قرار مجلس الوزراء.

وجاءت حيثيات قرار التعليم، بناء على قرار مجلس الوزراء والذي برره لظروف الحرب التي اضطرت مجموعات كبيرة من المواطنين للنزوح من العاصمة إلى الولايات مما خلف واقعًا قضى باستخدام المقار التابعة لصندوق دعم الطلاب كمقار للإيواء. بالإضافة إلى اللجوء خارج السودان وظروف موسم الخريف مما ينتج عنه صعوبة التنقل بين الولايات، فضلاً عن عدم استقرار التيار الكهربائي وشبكات الاتصالات.

مبنى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي- المصدر: مواقع التواصل الأجتماعي

في الثامن والعشرين من أغسطس الماضي أعلنت وزارة التعليم العالي عن تعرض «104» من مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة للتخريب نتيجة للحرب الدائرة ، بما فيها المراكز البحثية والصندوق القومي لرعاية الطلاب إلى جانب رئاسة الوزارة التي تضررت باشتعال النيران في عدد من طوابقها.

ووفقاً لتقرير وزارة التعليم ، فإن جميع الجامعات الحكومية بالخرطوم تضررت من دمار الحرب، بالإضافة إلى «6» جامعات حكومية وكليات جامعية خاصة بالولايات ، فضلًا عن استهداف لممتلكات ومساكن أعضاء هيئة التدريس والعاملين في مناطق كثيرة من العاصمة وبعض الولايات.

محاولة إيجاد الحلول

حول التصور القاتم لمستقبل التعليم العالي في إطار نيران الحرب التي تحرق في البلاد، بدأت العديد من الجامعات الحكومية والخاصة، تفعيل بعض الحلول التي يمكن أن تكون مجدية منها، التعليم الالكتروني، أو حتى إكمال العملية التعليمية خارج السودان كحل تبنته بعض المؤسسات الخاصة، مثل جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، والجامعة الوطنية .

في أجواء عدم اليقين هذه، يعود بابكر ويقول: «قدمت كليتنا مقترح التعليم الالكتروني الذي يتضمن أيضًا حفظ الحقوق الأكاديمية لغير القادرين على الانتظام من خلاله، معظم الجامعات لها المقدرة أن تفعّل هذا النمط من التعليم، وبالفعل بعض الجامعات بدأت في التطبيق». مضيفًا «كنا نتمنى من وزارة التعليم العالي تذليل المصاعب للطلاب، لكن برفضها للمقترح أتذكر مقولة رائجة، أن الوزارة تجد المشاكل للحلول».

العقبات في كل مكان

بالانتقال إلى مدينة ود مدني وسط السودان، لا تزال العقبات نفسها، حيث استأنفت فعليًا إدارة كلية ود مدني للعلوم والتكنولوجيا عمل المؤسسة عبر التعليم الالكتروني كحل للأزمة الراهنة، بعدما فنّدت إدارة الكلية كل البنود التي استند عليها قرار الوزارة في خطاب مكتوب، حيث أكدت أن أسباب توقيف الدراسة لا تنطبق عليها. 

وقالت إدارة الكلية «الوزارة تحدثت عن صعوبة المواصلات الأمر الذي قابلته الكلية بتعهدها توفير وسائل المواصلات للطلاب على نفقتها الخاصة. أما عن حاجة الوزارة لمرافق السكن الجامعي لاستخدامها في تسكين النازحين، أكدت إدارة الكلية أن جميع طلابها يسكنون في مرافق خاصة بهم وعلى نفقتهم». لكن في نهاية المطاف، كل إجابات كلية ود مدني قابلتها الوزارة بالرفض.

عقوبات صارمة من الوزارة

في العاشر من سبتمبر الماضي، أصدر وزير التعليم العالي المكلف، محمد دهب، قرارًا تحت مسمى «عقوبات عدم تنفيذ قرار إيقاف الدراسة» يحوي جزاءات صارمة تطبق على الجامعات التي خالفت قرار إيقاف الدراسة -الصادر في أغسطس- بمواصلتها للعملية التعليمية داخل أو خارج السودان. وشملت العقوبات المقررة، عدم اعتماد وتوثيق الدراسة أو أي نشاط أكاديمي بعد صدور القرار، وعدم إجازة أي برامج جديدة على مستوى الدبلوم والبكالوريوس أو الدراسات العليا لعام دراسي كامل، بالإضافة إلى تجميد القبول لمستوى الدبلوم والبكالوريوس والدراسات العليا للعام الدراسي «2023-2024».

وفي هذا السياق، تقول الطالبة بكلية ود مدني وفاء الهميم «إننا نتوقع توقف الدراسة عن طريق الانترنت في أي لحظة ؛ نظرًا للعقوبات التي فرضتها وزارة التعليم العالي مؤخرًا».

طلبة أجانب في قلب المعاناة

«وطأة الحرب القاسية دفعت بي وبأسرتي ضمن آلاف الأسر شمالًا نحو العاصمة المصرية القاهرة» تقول الطالبة بجامعة الخرطوم من الجمهورية العربية السورية آمال ياسر لـ«بيم ريبورتس»، مضيفة «أخاف أن تتوقف حياتي الجامعية لسنوات طويلة أو تنتهي.. أخاف أن أخسر دراستي وتخصصًا أمضيت فيه ثلاث سنوات من عمري». 

«شقيقتي ليست بمنأى عن مآسي التعليم العالي في ظل الحرب، فقد انفجرت الحرب وهي في الفصل الدراسي الأخير والذي كان من المقرر استئنافه إلكترونيًا، لكن بعد قرار الوزارة الأخير تبدد حلمهم بالتخرج، وها هي الآن تبدأ الدراسة في مجال مختلف عن الطب في إحدى جامعات القاهرة، لتخسر بذلك 6 سنوات من التعب والجهد المتواصل»، تقول ياسر.

توجيه وزاري باستئناف الدراسة في «الولايات الآمنة»

في السابع من أكتوبر الجاري، أصدر الوزير المكلف بتسيير مهام رئيس مجلس الوزراء توجيهًا بفتح المدارس والجامعات في الولايات التي «تتيح الظروف الأمنية فيها ذلك» ، على أن يتم في تاريخ لا يتجاوز نهاية شهر أكتوبر الجاري.

«أغرب القرارات في تاريخ السودان»، هكذا وصف الكاتب الصحفي معاوية الجاك القرار الوزاري، وتساءل: «هل يعلم مجلس الوزراء أن المدارس والداخليات الخاصة بالجامعات أصبحت دورًا لإيواء النازحين والفارين من جحيم الحرب بالخرطوم؟، أين يذهب هؤلاء بعد فتح الجامعات والمدارس». وأضاف الجاك:«هناك عشرات الآلاف من الطلاب خارج السودان مع أسرهم، ولا يمتلكون مقرًا بالولايات يأويهم حال تم فتح الجامعات.. مئات الأساتذة بالجامعات والمدارس خارج السودان.. باختصار لا يوجد مسوغ منطقي واحد لاتخاذ هذا القرار الغريب».

مصدر الصورة: الموقع الألكتروني ل سوداني نت

واقع معقد

في خضم الحرب المستمرة والقرارات الوزارية الصارمة التي تتجاوز الحلول المقدمة من المؤسسات التعليمية، يعيش طلاب التعليم العالي في السودان واقعًا معقّدًا. 

ومع ذلك، تبدو ملامح الحل فيه ممكنة، بحسب خبراء، بمسايرة واقع الحرب واتخاذ العديد من التدابير البديلة مثل التعليم الالكتروني، مع ضمان الحفاظ على الحقوق الأكاديمية لغير المستطيعين الالتحاق بهذا النمط، أو ربما على الجميع، انتظار الحرب حتى تضع أوزارها، وهو ما يمثل انتظارًا للمجهول.

تقارير بيم 

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع