كيف غيّرت ستة أشهر من الحرب السودان

كان السودانيون، رغم التوترات العسكرية التي بلغت ذروتها، منهمكون في قضايا حياتهم اليومية، وعشرات الملايين بينهم يستعدون لاستقبال العيد، عندما عادوا إلى دورة الحروب ثانيةً، لكن من قلب العاصمة الخرطوم، هذه المرة.

منذها؛ أي في أعقاب انطلاق الرصاصة الأولى، في صباح الخامس عشر من أبريل الماضي بالخرطوم، لم يعد السودان البلاد التي عرفوها، وانحدرت حياتهم، تحت أزيز الطائرات ودوي المدافع وغيرها من الأسلحة، في متتالية هندسية من القتل والدمار والموت والنزوح واللجوء والمرض والتهجير القسري، وفقدان كل ما لم يختاروا فقدانه.

اليوم؛ تُكمل حرب المدن التي اندلعت فوق رؤوس الملايين، بين الجيش السوداني، ووحدته السابقة قوات الدعم السريع، ستة أشهر منذ بدايتها، راسمةً خريطة واسعة من الفوضى الدامية والمدمرة.

كما أن الحرب لم تعد محصورة بين الجيش والدعم السريع، وعبر فوهة البندقية فقط، إذ تتوسع خارطتها الجغرافية يومًا بعد يوم، وتتنوع أدواتها المدمرة في وضع حد لحياة السودانيين وآمالهم بالسلام.

اتساع رقعة الحرب

كان مبلغ الآمال ألا تتمدد الحرب، وأن تحصر في مكمنها وتحل، لكن الحريق امتد شمالًا بشكل نسبي، ثم انتقلت غربًا على مدى رقعة جغرافية واسعة النطاق، قبل أن تتوطن جنوبًا، فيما لا يزال مركزها الخرطومي نازفًا ومشتعلًا.

 حوالي 10 آلاف شخص فقدوا حياتهم، ويعتقد أن العدد أكبر من ذلك بكثير، وأضعافهم من المصابين، ونحو 6 ملايين نازح داخلي ولاجئ في دول جوار السودان، بالإضافة للأعداد غير المعروفة للعسكريين الذين قتلوا وأصيبوا في الحرب من كل الأطراف. 

قائمة طويلة من الفقد والخسارة بأشكالهما المختلفة، يتشاركها أكثر من 40 مليون سوداني، على وقع الاختلاف عبر السلاح، الذي وسم تاريخ ثالث أكبر بلد أفريقي منذ استقلاله في 1956، غير أنها خسارة محملة بمخاطر الانقسام مجددًا، كما المرات السابقة، مع فرق أنها تأتي على أسس ما قبل الدولة.

تفاقم الأزمات

لم يكن السودان قبل الحرب، بعيدًا عن الأزمات الخانقة في شتى المجالات، والصراع السياسي والعسكري، ومع ذلك لا يبدو في مخيلة بناته وأبنائه بعد ستة أشهر منها، أقل من جنة دمرتها الأخطاء الاستراتيجية المتراكمة والشقاق السياسي.    

إنسانيًا، وسياسيًا، وأمنيًا، وعسكريًا، وصحيًا، واقتصاديًا وكل مقومات الحياة، أصبحت حلمًا بعيد المنال، بعد ستة أشهر من حرب المدن الدامية، رسمت كثيرًا من الظلمة العاتية والقليل جدًا من الأمل بالنجاة بالنسبة للسودانيين.

وبلغ عدد الفارين من الحرب في السودان، منذ اندلاعها وحتى 11 أكتوبر الجاري، ما يزيد عن 5.8 مليون شخص. حيث شهدت الأشهر الماضية عدداً من موجات النزوح، وجاء بعضها داخليًا إلى الولايات التي لم ينتقل إليها الصراع، حيث تجاوز عدد النازحين في الداخل الـ 4.5 مليون شخص، يتوزعون على نهر النيل، جنوب دارفور، شرق دارفور، ولاية الجزيرة، الولاية الشمالية، شمال دارفور. بينما لجأ ما يزيد عن الـ 1.2 مليون شخص إلى دول الجوار «مصر، جنوب السودان، إثيوبيا، تشاد، ليبيا وأفريقيا الوسطى» ودولٍ أخرى. فيما لا يزال آلاف المواطنين محاصرين في المدن الكبرى.

وما تزال موجات النزوح مستمرة إلى اليوم، والتي كان آخرها الخميس الماضي، عندما نزح عدد من سكان مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، من الأحياء الغربية، التي تشهد اشتباكاتٍ مستمرة، إلى الأحياء الشرقية الأقل عنفاً.

أزمة إنسانية متفاقمة

تسببت الحرب في أزمة إنسانية مريعة تضاعفت مع استمرار الحرب. قتل ما يزيد عن تسعة آلاف شخص وفق منظمة أكليد المتخصصة في جمع بيانات النزاع وأحداثها مع إكمال الحرب شهرها السادس.

ويعيش ملايين السودانين في ظروف عصيبة، ويستحيل على الكثيرين توفير متطلبات الحياة اليومية من طعام ودواء، بالإضافة للحصول على الخدمات والعلاج والدواء. وكانت الأمم المتحدة قد أشارت في سبتمبر الماضي إلى أن أكثر من ستة ملايين شخص في السودان على بعد خطوة واحدة من المجاعة، وأن هذه الأعداد ستزداد مع استمرار الحرب. ولفت تقرير لمنظمة الغذاء العالمي الفاو، في أغسطس الماضي، إلى أن أكثر من 6.2 مليون شخص في السودان يصنفون ضمن مستوى الطوارئ، فيما يحتاج 24.7 مليون شخص للمساعدات الإنسانية.

الصحة والتعليم

بلغت نسبة المرافق الصحية المتوقفة عن العمل في المناطق التي تشهد اشتباكات مسلحة 70% ، خلال أكتوبر الجاري، فيما تعاني المناطق الأخرى من ضغط كبير بسبب نزوح السكان، يأتي ذلك بالتزامن مع تفشي الوبائيات التي تتمثل في الكوليرا وحمى الضنك والملاريا.

وتفاقم سوء الأوضاع الإنسانية بمجئ الخريف، مع بداية يوليو الماضي، إذ تأثر 72 ألف شخص في 17 محلية بسبع ولايات جراء الفيضانات والأمطار وفقًا للوحة بيانات فيضانات السودان لعام 2023. حيث تضرر نحو 12 ألف منزل، مما تسبب في تأثر وتضرر 80 ألف شخص،  كما لقي أكثر من 10 أشخاص مصرعهم في مناطق عدة بولاية نهر النيل، شمالي البلاد.

أثرت الحرب أيضًا على التعليم في مراحله المختلفة، وكان للأطفال النصيب الأكبر، حيث أن 19 مليون طفل لا يتلقون تعليمهم، ما يعني أن واحد من بين  كل ثلاثة أطفال خارج  أسوار المدارس، كما يصعب استعادة مسار التعليم بكل مراحله بسبب الدمار الذي طال مؤسسات التعليم. بالإضافة إلى اتخاذ المدارس كمراكز لإيواء النازحين.

العمل في ظروف صعبة

منذ اندلاع الصراع، تعمل المنظمات الإنسانية في السودان في ظروف غير آمنة، الأمر الذي تسبب في مقتل 19 من العاملين في الحقل الإنساني، علاوة على ظروف  شح الوقود ومحدودية شركات النقل التجارية وتضخمًا في تكاليف النقل، مما يخلق تحديًا أمام إتاحة الوصول إلى المحتاجين، لا سيما في المناطق التي يصعب الوصول إليها في الخرطوم وولايات دارفور.

وهناك عقبات أخرى تتمثل في تعليق 221 تأشيرة مقدمة من المنظمات غير الحكومية الدولية، ولم يجر تجهيز سوى 22 % فقط من طلبات التأشيرات المقدمة من المنظمات غير الحكومية الدولية وذلك حتى 4 أكتوبر ولم يبت في أمر بعض طلبات التأشيرات لأكثر من أربعة أشهر ولم تجهز سوى 23 % من الطلبات المقدمة إلى الأمم المتحدة منذ 20 أغسطس.

ومع استمرار الصراع وتصاعد وتيرة العنف وغياب الدور الحكومي، ما يزال المواطن السوداني يعيش ظروفًا معيشية وصحية صعبة في ظل ترد أمني مستمر.

اقتصاد يتداعى

يبدو الحديث عن الاقتصاد السوداني، بعد ستة أشهر من الحرب، ضربًا من ترف الخيال وخيطًا رفيعًا من الأمل. خدميًا، تآكلت البنية التحتية بوتيرة متسارعة تحت نيران الحرب، فيما يعجز القطاع الحكومي عن الإيفاء بمستحقات عامليه للشهر السادس على التوالي، في وقت تتعقد الأزمة المعيشية والإنسانية تحت وطأة الدمار الهائل وفقدان مصادر الدخل والأعباء التي ألقت بها الحرب على كاهل المواطنين.

في المقابل، تصرف حكومة الأمر الواقع، أنظارها عن الثمن الباهظ الذي يدفعه المواطنون في الحرب، بدايةً بتوفير السلع الأساسية في ظل غلاء طاحن وانعدام للسيولة وارتفاع في تكاليف التنقل وتذاكر السفر، وهو العامل الأول الذي اصطدم به السودانيون عند اندلاع الحرب في محاولتهم للهروب من مناطقهم التي أصبحت ساحات للقتال بين الجيش والدعم السريع.

وفي وقت تغيب فيه مظاهر الحكومة في المناطق التي تشهد صراعًا مسلحًا، تتعمق الأزمة الاقتصادية في ظل انهيار للبنى التحتية ودمار هائل يطال جميع مؤسسات الدولة المركزية والمباني الحيوية، التي إما تعرضت للتدمير، أو تحولت لثكنات عسكرية.

وتسبب انعدام الأمن والمواجهات المسلحة المستمرة لستة أشهر في خروج مئات المنشآت العاملة في القطاع الصناعي والتجاري عن الإنتاج تمامًا، ليزيد ذلك من أعباء المواطنين بارتفاع تكاليف السلع، بسبب توقف سلاسل الإمداد.

صورة توضح احتراق شركة النيل للبترول

عاد الاقتصاد السوداني، الذي تنفس الصعداء، على الأقل في مستوى الآمال، في أعقاب تولي الحكومة الانتقالية السلطة في 2019، إلى الانتكاس بسبب تداعيات انعدام الاستقرار السياسي، بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021.

ومنذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي، لم تتمكن الحكومة من حساب أو الإعلان عن مستويات التضخم، في وقت يُلاحظ فيه ارتفاع هائل في أسعار السلع الاستهلاكية، إلى جانب غلاء في جميع مستويات المعيشة، فضلًا عن انخفاض متسارع لقيمة الجنيه السوداني، حيث يتم تداوله بأكثر من 800 مقابل الدولار الأمريكي. 

وقدر وزير المالية السابق، إبراهيم البدوي، حجم الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية بنحو 60 مليار دولار، منوهًا بأن الوضع سيزداد سوءًا في حال استمرار الحرب في السودان.

وقبيل نشوب الحرب بشهر واحد، أعلن وزير المالية بحكومة الأمر الواقع، جبريل إبراهيم، أن الوزارة رصدت مبلغًا يصل لخمسة تريليونات جنيه لموازنة العام 2023، والتي تواجه في الأصل عجزًا يقدر بنسبة 15%.

أجيزت الموازنة في ظل وضع سياسي محتقن و ضائقة معيشية خانقة، قالت الوزارة وقتها إنها ستعتمد على سد عجز الموازنة من خلال الاستدانة من بنك السودان المركزي، الى جانب اعتمادها بشكل كبير على الجبايات والضرائب.

فضلا عن جميع العوامل التي تشير الى هشاشة موازنة هذا العام، اصطدمت بعوامل أخرى أفرزتها الحرب المستمرة والمواجهات العسكرية التي أخرجت القاعدة الصناعية بالبلاد عن الخدمة، وألحقت أضرارًا جسيمة بالمصرف المركزي والمصارف الأخرى، كما توقفت حركة التجارة والبيع وانقطعت الخدمات المالية وخدمات الاتصالات والتكنولوجيا والمعلومات، وتضررت المرافق الصحية والتعليمية بشكل كبير.

وبحسب صندوق النقد الدولي من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد السوداني بنسبة 18٪، أما البنك الدولي فيتوقع انكماشه بنسبة 12% في عام 2023، على أن يتباطأ الإنكماش إلى ما يقرب من 0.2 % في المتوسط بين عامي 2024 و 2025 في حال تمكنت الأسر والشركات من التكيف مع الأزمة.

ويضيف في تقرير، بأنه من الممكن أن يؤدي الصراع الذي اندلع في أبريل 2023 إلى إرجاع تنمية السودان عدة عقود إلى الوراء وأن تتأخر مجهودات إعادة الإعمار حتى بعد انتهاء الحرب بسبب الوضع الهش للدولة التي ستخلفه الحرب والعجز عن توفير الخدمات الأساسية .

يتضافر مع جميع ما سبق، فشل الموسم الزراعي في السودان الى حد كبير لهذا العام، ومن المتوقع أن تزداد حدة أضرار الحرب على الموسم القادم بسبب محدودية الوصول إلى المواد الأساسية من أسمدة وبذور وتمويل، فضلًا عن نزوح العمالة و المزارعين و تركهم مناطق زراعتهم. بالإضافة إلى احتمالية انحسار في العرض الزراعي في الأسواق المحلية، والصادرات الرئيسية «الذهب والسمسم الصمغ العربي، والثروة الحيوانية»، الأمر الذي سينعكس مباشرة على الأسر الزراعية، و التي تمثل 44% من القوى العاملة السودانية، حيث سيتدمر دخلهم السنوي في حال انحسر الاستهلاك. 

في ظل هذه كل الظروف، تثور التساؤلات حول الخطط الإسعافية لوزارة المالية لمعالجة الأزمة الحالية، في وقت لم تتمكن المالية بإيفاء أي من مستحقات الموظفين الحكوميين، إلا بشكل محدود، ولم تتمكن من نشر أرقام حقيقية حول نسب التضخم الذي أصبح ارتفاعه واضحًا يتمظهر في جميع جوانب الحياة.

صورة توضح احتراق مصنع سيقا للغلال

إرهاصات الحرب

بعد أربع سنوات تمامًا، من استيلائهما على السلطة في أعقاب الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع، عمر البشير في أبريل 2019، ومرورًا بالفترة الانتقالية وانقلاب 25 أكتوبر 2021، انهارت ثنائية قائدي الجيش والدعم السريع عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو «حميدتي»، عبر الحرب، كتتويج لخلافات سياسية وعسكرية ظلت تعتمل، واستحالة استمرار إدارة الجيش عبر قائدين.

كان العديد من المراقبين، يعتقدون أن المواجهة بين الجنرالين محتومة وأنها مسألة وقت، باعتبار أن تضارب المصالح بينهما سيؤدي في نهاية المطاف إلى محاولة كل طرف الانقضاض على الآخر وسحقه.

 إلا أن تطور العملية السياسية لاحقًا، بتوقيع الاتفاق الإطاري في ديسمبر 2022، أنعش الآمال باحتمالية التوصل إلى حل سلمي للأزمة والذي كان من المفترض أن يمهد لعملية إصلاح أمني وعسكري، يمكنها أن تحول دون المواجهة العسكرية.

البرهان وحميدتي

بداية الحرب والموقف العسكري قبيل اندلاعها

يبلغ عدد جنود «الجيش السوداني» حوالي «250» ألف بينهم «100» ألف قيد الخدمة، في ما يصل عدد مقاتلي قوات الدعم السريع حوالي «100» ألف جندي أيضًا. ويتفوق الجيش السوداني – بالإضافة إلى الدبابات والمدرعات والآليات الثقيلة – بامتلاكه لسلاح الجو والذي لا يتوافر لدى قوات الدعم السريع.

عسكريًا، يسيطر «الجيش السوداني» بشكل كامل على ولايات شرق وشمالي السودان والنيل الأبيض «6» وبشكل شبه كامل على الجزيرة «1» وإقليم النيل الأزرق «2» وغالبية ولايات كردفان «3». 

في وقت لم تحسم السيطرة بشكل مطلق على ولايات إقليم دارفور الخمس والعاصمة السودانية الخرطوم. في غرب دارفور تسيطر الدعم السريع على معظم مدينة الجنينة عاصمة الولاية، بينما لا يزال الجيش متحصنًا بحاميته العسكرية القوية بكامل عتاده الحربي، فيما لم يندلع قتال في شرق دارفور في الأساس.

خارطة السيطرة في الخرطوم

العاصمة السودانية الخرطوم، وهي مهد الحرب، تعد من أكثر المدن التي تشهد نشاطًا للعمليات العسكرية بشكل يومي، في محاولات مستميتة من قبل طرفي القتال للسيطرة عليها نسبة لثقلها السياسي ورمزيتها.

وتتكون ولاية الخرطوم من ثلاث مدن كبرى، هي الخرطوم، أم درمان وبحري. في مدينة الخرطوم، تنتشر «الدعم السريع» في معظم أنحائها، لكنها فعليًا تسيطر على القصر الرئاسي، بالإضافة إلى مصنع «اليرموك» العسكري ومقر قيادة «الاحتياطي المركزي» ومعسكر طيبة وبعض الوحدات الصغيرة الأخرى. فيما يحتفظ الجيش بمنطقة الشجرة العسكرية أحد معاقله الاستراتيجية والقيادة العامة. في وقت يتقاسم الطرفان السيطرة على مطار الخرطوم الدولي، لكن ليس واضحًا مدى سيطرة كل طرف.

بالنسبة للجسور النيلية التي تربط مدن العاصمة الثلاث تتفاوت السيطرة بين الطرفين، حيث يسيطر الجيش على جسر النيل الأزرق الذي يربط الخرطوم ببحري بشكل كامل، كما يسيطر على جسر النيل الأبيض بشكل كامل، وجزئيًا من جهة أم درمان على كبري الفتيحاب، أيضًا يسيطر على جسر الحلفايا الذي يربط أم درمان ببحري من جهة أم درمان.

في المقابل، تسيطر الدعم السريع بشكل كامل على جسر شمبات أحد خطوط إمدادها الاستراتيجية الذي يربط أم درمان ببحري، وأيضًا جسر سوبا بين الخرطوم وبحري والمنشية الذي يربط الخرطوم بمنطقة شرق النيل، فيما يتقاسم الجانبان السيطرة على جسري المك نمر وكوبر.

 وتنتشر عناصر الدعم السريع بشكل مكثف داخل الأحياء حيث تحتل المنازل والمؤسسات المدنية، الأمر الذي ساهم في تحويل الحرب إلى حرب عصابات ومدن، ليصبح طول أمد المعارك وصعوبة حسمها هي الصفة السائدة.

مدينة أم درمان:

تعد مدينة أم درمان من أكبر مناطق العاصمة الخرطوم التي يفرض فيها الجيش نفوذه، إذ يسيطر على شمال المدينة بالكامل وأجزاء من جنوبها القريب وجنوبها الأقصى في جبل أولياء، بينما تسيطر الدعم السريع على أحياء الصالحة وجزء من منطقة الفتيحاب جنوبًا، فيما توجد بشكل كبير في منطقة أم بدة غربي أم درمان. 

ويستفيد الجيش في أم درمان من معاقله الاستراتيجية؛ مثل منطقة وادي سيدنا العسكرية شمالًا وسلاح المهندسين جنوبًا والذي يستخدم بشكل مكثف الطائرات المسيّرة والتي تعد عاملًا مؤثرًا في تحجيم قدرات قوات الدعم السريع، لاتصاف هذا الأسلوب الجديد من الحرب بقلة التكلفة والكفاءة العالية في إصابة الأهداف العسكرية.

مدينة بحري:

تغلب عليها سيطرة قوات الدعم السريع في معظم مناطقها، بالإضافة إلى منطقة شرق النيل، حيث تتوسع فيها داخل الأحياء، كما تنتشر جنوبًا حتى مناطق «العيلفون» والتي سيطرت عليها مطلع أكتوبر الجاري، لكن أكبر المنشآت المدنية التي تسيطر عليها هي مصفاة الجيلي لتكرير البترول، وتعد المنطقة الأكثر هدوءًا من حيث العمليات العسكرية في الخرطوم.

شمال كردفان

تعتبر مدينة الأبيض منطقة تماس بين مناطق سيطرة الدعم السريع غرب السودان، ومناطق سيطرة الجيش شرقًا.

ظلت عاصمة ولاية شمال كردفان – والتي تضم أحد أكبر المطارات الإقليمية المهمة –  تشهد من اشتباكات متفرقة منذ بداية الحرب من حين لآخر، كانت أكثرها كثافة خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة.

يمتلك الجيش السوداني فيها الفرقة الخامسة مشاة والتي تعرف بـ«الهجانة». ومازالت محاولات الدعم السريع متواصلة لإخضاع المدينة لسيطرتها، لكن حتى الآن باءت كلها بالفشل، حيث يفرض الجيش سيطرته على معظمها.

إقليم دارفور

يعتبر إقليم دارفور غربي البلاد، بالإضافة إلى الخرطوم، أكثر مناطق السودان تأثرًا بالحرب الدائرة، لأهميته الاستراتيجية من حيث اتساع رقعته الجغرافية وثرائه بالموارد، واعتباره المنفذ الأساسي لقوات الدعم السريع لاستقطاب الدعم العسكري من خارج البلاد وفق ما أشارت تقارير صحفية عديدة، لذا يعتبر الإقليم ثقلًا استراتيجيًا مهمًا لقوات الدعم السريع.

وتسيطر الدعم السريع في الإقليم بشكل شبه كامل على مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور الحدودية مع دولة تشاد، بينما تدور اشتباكات متواصلة من حين لآخر في مدينة «الفاشر» عاصمة شمال دارفور و«زالنجي» في وسطها. بينما تعتبر الاشتباكات في «نيالا» جنوبي دارفور هي الأعنف في الفترة الأخيرة. 

الجنوب

عنوان النزاع الأبرز في جنوب السودان – مع وجود مناوشات مسلحة في ولاية النيل الأزرق- هو ولاية جنوب كردفان حيث الوجود الكثيف للحركة الشعبية – شمال بزعامة عبد العزيز الحلو والذي تسيطر قواته على مناطق واسعة داخل الولاية قبيل اندلاع الحرب، لكنه بعدها، تمدد وسيطر على بعض حاميات الجيش الصغيرة بداية من يونيو الماضي.

 ومع ذلك، تدور الاشتباكات بشكل متقطع بين الجيش السوداني والحركة الشعبية في مدينتي «كادوقلي» عاصمة الولاية، ومدينة «الدلنج» ثاني أكبر مدنها والتي كانت محط الصراع خلال الأيام الماضية.

وتسبب الصراع بين الجيش والحركة الشعبية في نزوح عشرات الآلاف داخليًا، خاصة من مدينة كادقلي عاصمة الولاية.

سياسيًا؛ لم يحدث أي اختراق قد يساهم في إيقاف الحرب في ظل انقسام داخلي كبير. ومع حديث جميع الأطراف تقريبًا، عن ضرورة التوصل لوقف إطلاق نار دائم، إلا أنه لم تتم بلورة أي مبادرة مشتركة تمهد الطريق إلى ذلك.

أما على المستوى الإقليمي والدولي، طرحت العديد من المبادرات الساعية إلى إيقاف الحرب في البلاد، أبرزها منبر جدة الذي تتوسط فيه السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى الرغم من توقيع طرفي القتال في 12 مايو الماضي إعلان جدة، والذي بدأ بإعلان هدن قصيرة، كان من المنتظر أن تتحول إلى وقف طويل الأمد لإطلاق النار، إلا أنه فشل في تحقيق هذا الأمر، لكنه مع ذلك ما يزال النافذة السياسية الأكثر حظوظًا لوضع حد للحرب التي تعصف بالبلاد منذ ستة أشهر.

بالنسبة للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا أعلنت التزامها بالحياد تجاه القتال بين الجيش والدعم السريع، كما تتشارك الموقف نفسه حول ضرورة إيقاف الحرب، لكنها مع ذلك تختلف حول تصوراتها لحل الأزمة.

فيما يتعلق بالحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاق سلام جوبا، بينما تقاتل الحركة الشعبية – شمال الجيش السوداني في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق «المنطقتين»، تمددت حركة جيش تحرير السودان بزعامة عبد الواحد النور خارج مناطق سيطرتها في إقليم دارفور، لكن من دون قتال مع الجيش حتى الآن.

مع انغلاق أفق الحل السياسي بعد ستة أشهر من عمر الحرب والتي عاشها السودانيون، ويعيشونها عبر اجتراح طرق للنجاة من آثار الحرب المدمرة، ليستيقظ السودانيون وهم، بدلاً من مواجهة معارك الحياة اليومية، يجدون أنفسهم في مواجهة الموت والاغتصاب، والتهجير والشتات. مواجهة تزداد عنفاً يوم بعد آخر، مستدعين تاريخ الأسلاف المليء بالحروب والمعاناة، وكأنهم يقولون إن آلاف السنين من الحياة والوجود على هذه الأرض لن تهزمها الحرب.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع