أزمنة النزوح الجديدة.. «20» عامًا من الصراع تضاعف مأساة إقليم دارفور

 

مع اشتداد حدة  المعارك، ترك ياسر إسحق عبد الرحيم، بائع المياه المتجول في أحياء مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور غربي البلاد، عربته التي يجرها حصان «كارو»، محاولًا مسابقة الرصاص الذي كان ينهمر كالمطر، جراء هجوم قوات «الدعم السريع» على قيادة الفرقة 16 مشاة بنيالا أواخر أكتوبر الماضي، وهي إحدى اكبر الحاميات التابعة للجيش السوداني في دارفور والبلاد.

 

قطع ياسر – 23 عامًا – عشرات الأميال مشيًا على الأقدام إلى أن التقطه أحد المسافرين في طريق نيالا- الفاشر وأوصله إلى عاصمة ولاية شمال دارفور بعد رحلة استمرت يومين. وهو كما يقول لـ«بيم ريبورتس» لا يعرف أحدًا في الفاشر أو نيالا، إذ أنه قدم إلى نيالا من منطقة نيرتتي بجبل مرة بحثًا عن الرزق.

 

وفي المدرسة الجنوبية لإيواء نازحي نيالا في الفاشر التي وصل إليها عبد الرحيم في حالة يُرثى لها وصدمة جعلته غير قادرعلى الكلام، واصفًا ما عايشه خلال الأشهر الماضية في نيالا. ومع ذلك، تعرفت عليه إحدى الأسر التي كان يجلب إليها المياه، وهو حاليًا تحت رعايتها، لكنه بحالة صحية ونفسية سيئة.

تمدد الحرب

بعد اندلاع الصراع المسلح بين الجيش السوداني والدعم السريع في الخرطوم ومروي قبل أكثر من ستة أشهر، سرعان ما انتقلت الاشتباكات إلى مدن أخرى في ولايات كردفان ودارفور، مما أودى بحياة المئات ونزوح الآلاف داخل وخارج السودان.

 

ونيالا التي تعد ثاني أكبر مدن السودان بعد العاصمة الخرطوم، ظلت تشهد اشتباكات متقطعة منذ أبريل، اشتدت في مايو، ومن ثم في أغسطس تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش والدعم السريع فيها الأمر الذي أجبر الآلاف للنزوح إلى مدينة الضعين بولاية شرق دارفور، وإلى الفاشر عاصمة شمال دارفور منذ أغسطس وحتى اليوم.

 

في الثامن عشر من أغسطس الماضي وجراء التدهور الأمني بالمدينة الذي انعكس بدوره على الوضع الإنساني، وجهت مبادرة غرفة طوارئ نيالا نداء إنساني عاجل إلى جميع المنظمات الإنسانية والأممية والمحلية قائلة: «إن مدينة نيالا تعيش أوضاعًا إنسانية كارثية تجاوزت فيها كل حدود التوقع»، كما أعلنت خروج كل مستشفيات الولاية عن الخدمة مع انقطاع خدمات الاتصال.

 

لاحقًا، بعد شهرين في السادس والعشرين من الشهر الماضي، أعلنت الدعم السريع سيطرتها على قيادة الفرقة 16 مشاة بنيالا بعد يومين من هجمات شنتها الأخيرة للسيطرة على المقر، مما زاد موجة النزوح على المناطق المجاورة والأقل توترًا بعد سقوط نيالا في يدها.

الحرب تضاعف أسعار الترحيلات

 

 

اضطرت أسماء عبد العزيز – 26 عامًا – وهي حبلى بجنينها الأول للبقاء برفقة زوجها وأسرته لمدة 5 أشهر بنيالا وسط الاشتباكات بسبب عدم قدرتهم على الانتقال من جنوب دارفور إلى ولاية أخرى، خاصة مع ارتفاع أسعار الترحيل.

 

وبعد سقوط دانة في منزل جارتهم ووفاتها على إثرها، انتقلت أسماء من حي الجير جنوب إلى الجير الشمالي، واستقرت هناك حتى تمكنت العائلة من توفير ثمن التذاكر لـ15 فردًا بينهم أسماء زوجة ابنهم.

تقول أسماء لـ«بيم ريبورتس»، إنها عانت من وعورة الطريق للفاشر والذي علاوة على خطورته، استغرق 5 أيام خصمت من صحتها وصحة جنينها، وتضيف: «سعر التذكرة للفرد الواحد بلغ 30 ألف ارتفعت بعد أحداث أكتوبر إلى 50 ألف، كما أن الدعم السريع فرضت ضريبة على كل سائقي البصات عند بوابات الفاشر الرئيسية ونقاط التفتيش وقدرها 40 ألف».

 

ورغم وصول أسماء إلى الفاشر واستقرارها في المدرسة الجنوبية لإيواء النازحين القادمين من نيالا، إلا أنها لا تزال تعيش على حافة الخطر ما بين خوفها من ألم مخاض مولودها الأول، وانتقال التوتر الأمني إلى الفاشر مؤخرًا.

9 مراكز لإيواء نازحي نيالا

تحتضن مدارس «أم شجيرة بنات وبنين، والتربة والثورة أساس للبنين والثورة الثانوية للبنات والمدرسة الجنوبية والرديف والإسراء ومدرسة الرفيدة»، نازحي نيالا في الفاشر، يقول المنسق العام بغرفة طوارئ نيالا، إدريس مناوي لـ«بيم ريبورتس».

 

 ويضيف: «هناك مدارس أخرى لم يتم حصرها، بالإضافة إلى مدارس أخرى يوجد بها نازحي نيالا مع نازحي مناطق أخرى»، مشيرًا إلى توزيع النازحين  الجدد في معسكر زمزم بسبب صعوبة فتح مدرسة جديدة في الفاشر.



بحسب تقرير لمفوضية العون الإنساني بولاية شمال دارفور اطلعت «بيم ريبورتس» على نسخة منه، فإن الولاية وزعت النازحين في 56 مدرسة، فيما بلغ العدد الكلي للنازحين حتى تاريخ 22 أكتوبر الماضي أكثر من 10 ألف. 

 

 وقال المدير التنفيذي لمفوضية العون الإنساني بولاية شمال دارفور، بشير محمد علي، لـ«بيم ريبورتس» إنه تم فتح مدارس جديدة مع أحداث الفاشر الأخيرة وارتفاع عدد النازحين إلى ما يزيد عن 13 ألف.

 

وفي نهاية أكتوبر الماضي، تجددت الاشتباكات في مدينة الفاشر مما فتح باب التساؤلات عن مصير هؤلاء النازحين، خاصة بعد سقوط غالبية مدن دارفور في يد الدعم السريع، وتوجيه والي ولاية شمال دارفور نمر عبد الرحمن في الأول من نوفمبر الجاري، نداء إلى مواطني الفاشر بمغادرتها نظرًا للتوترات الأمنية الأخيرة.

 

شرق درفور.. الملاذ الثاني

 

في أواخر أغسطس الماضي، قال مفوض العون الإنساني بشرق دارفور محمد أحمد محمد في تصريح صحفي، إن المفوضية أحصت عبر المنظمات العاملة في الولاية 83 ألف أسرة فرت اإلى مدينة الضعين قادمين من مدن نيالا وزالنجي والجنينة والفاشر، مشيرًا إلى أن 28 ألف أسرة تقيم في الضعين مع أقاربهم أو بإيجار منازل.

 

وكان مكتب الأمم المتحدة للشئون الإنسانية «أوتشا» قد كشف عن نزوح50 ألف شخص من نيالا جراء تجدد الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع في 11 أغسطس الماضي، بعد مقتل 60 شخصًا على الأقل واصابة 250 آخرين. 

 

 وأشار إلى  تعذر تحرك الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية من مدينة الضعين إلى نيالا وتأجيل التوزيع المخطط له وقتها من قبل اليونيسيف بسبب الوضع الأمني.

 

ومع تدفق النازحين القادمين من نيالا، تضاعف سعر التذكرة إلى الضعين بعد اشتباكات شهر أغسطس إلى 60 ألف بعدما كانت 30 ألف.

تقول حواء خليل عبد الله وهي من سكان حي الوحدة بنيالا ونازحة بمدينة الضعين لـ«بيم ريبورتس» إنها غادرت المدينة في وقت كانت فيه هدنة لمدة ثلاثة أيام لرفع الجثث، وذلك بعد تأزم الوضع في نيالا، كما أنها كانت شاهدة على مآساة جارها الذي فقد 6 من أفراد عائلته بعد سقوط دانة على منزله أثناء ذهابه لجلب عربة  للخروج بهم من نيالا.

 

وتذكر حواء التي وصلت برفقة أطفالها إلى الضعين الواقعة شرقي نيالا، بعد رحلة استمرت 8 ساعات، أول يوم لها في المدينة التي تزورها لأول مرة ولا تعرف فيها أحدًا، إذ أنها اضطرت للمبيت معية أطفالها في السوق الكبير قرب محطة اللوكندة القديمة ونامت على الأرض تحت مظلة آوتهم من مطر غزير حتى وصلتهم مبادرة طوارئ الضعين صباح اليوم التالي، حيث قدمت العلاج  لأطفالها وتوفير سكن مؤقت لها.


أما أحمد محمد الذي نزح من حي خرطوم بليل بنيالا إلى الضعين بعد حضوره مجزرة  كبري طيبة ومشاركته في دفن القتلى ووفاة أغلب أقاربه وجيرانه، فلا يبدو حاله مختلف كثيرًا عن حال أغلب النازحين المقيمين بالمراكز، فعلى الرغم من انتقاله من مركز النزوح للسكن مع أقاربه، إلا أن الحرب في نيالا أفقدته عمله كتاجر مواشي ومنزله وكل ما يملك وهو المعيل الوحيد لبناته وزوجته.

5 مدارس لإيواء النازحين في الضعين

«لدينا 5 مدارس لإيواء النازحين، والعدد الكلي للنازحين بولاية شمال دارفور حتى آخر إحصائية نهاية أغسطس 83 ألف نازح»، يقول آدم عثمان نجيب المتطوع لـ «بيم ريبورتس»، مضيفًا: «الغرفة قامت بعلاج ما يزيد عن  أكثر من خمسة آلاف نازح بينها حالات تم تحويلها لمستشفيات ربك ومدني وكوستي، فيما هناك عمليات جراحية تمت لنازحين بمستشفى الضعين».

وأشار نجيب إلى أن الغرفة تعمل بجهد الخيرين من سكان الضعين ولديها صندوق خيري وأطلقت حملة أسمتها «كلنا أهل» يتم عبرها عمل سلات غذاء توزع على النازحين.

وبعد دخول الحرب شهرها السابع يعيش النازحون في ولايتي شرق وشمال دارفور الذين فروا إلى مدن يجهلون تفاصيلها بحثًا عن الآمن، حالة من الترقب الحذر مع التطورات الأمنية الأخيرة، إذ أن ويلات الحرب التي تركوها خلفهم لاحقتهم إلى مناطق النزوح.

ومع سيطرة الدعم السريع على نيالا والجنينة وزالنجي لم يبق في دارفور كلها سوى أمل محدود بالمنطقتين.

تقارير بيم

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع