«الدلنج».. مدينة التنوع والتاريخ السياسي تحت نيران الحرب ومخاوف الصراع الاجتماعي

تعيش مدينة الدلنج، ثاني أكبر مدن ولاية جنوب كردفان بعد عاصمتها كادوقلي، أوضاعًا أمنية عصيبة على إثر المعارك التي استمرت لأسبوعٍ كامل، في أعقاب سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة هبيلة (شرق الدلنج) وتقدمها نحو المدينة. 

 

وإثر محاولتها التوغل إلى داخل مدينة الدلنج تصدى لها الجيش السوداني وقوات يُعتقد أنها تتبع للجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية – شمال بزعامة عبد العزيز الحلو، بالتزامن مع تقارير صحفية أشارت إلى وجود تنسيق مشترك بين الطرفين.  

 

لكن زعيم الحركة الشعبية – شمال عبد العزيز الحلو، نفى وجود أي تنسيق لقواته مع الجيش السوداني، وقال إنه لا علاقة للحركة الشعبية بالحرب التي تدور حاليًا في السودان، مضيفًا «هذه حرب بين مؤسسات السودان القديم».  

 

وتابع في تصريح لموقع الحركة الشعبية على الانترنت إن هناك بعض الجهات تعمل على نشر الشائعات والترويج لتحالف الحركة الشعبية مع الدعم السريع تارة، والقوات المسلحة تارة أخرى. وهذا كله غير صحيح.

 

ولم يستبعد الحلو أن تتقسم البلاد إلى عدة دويلات في حال عدم تدارك القوى السياسية السودانية للوضع الراهن ومخاطبة ما وصفها بجذور المشكلة، مضيفًا «لقد ناقش وفدنا المفاوض جميع هذه القضايا مع وفد الحكومة الانتقالية دون الوصول إلى نتيجة».

 

من جانبه، أكد المدير التنفيذي لمحلية الدلنج، إبراهيم عبدالله عمر، في بيان تعاون وتضامن الجيش السوداني والجيش الشعبي والقوات النظامية الأخرى في حماية المدينة والمواطنين والسوق من السرقات والنهب وحفظ الأمن.

وطالب عمر التجار بفتح المحال التجارية، داعيًا المواطنين العودة إلى منازلهم بعد أن تم «دحر الدعم السريع ومليشيات الجنجويد منها الأسبوع الماضي». كما أصدرت المحلية قرارًا بمنع ترحيل المواد الغذائية إلى خارج المحلية تجنبًا لحدوث ندرة في المواد والسلع الاستراتيجية.

 

وتسببت هذه المعارك العسكرية في تصعيد آخر على المستوى الاجتماعي بين المجموعات الإثنية التي تسكن المنطقة وهو ما ينذر بتصاعد خطاب الكراهية والعنف الموجه بناء على الانتماء العرقي في مدينةٍ عُرفت تاريخيًا بالتنوع والتعدد الإثني والاجتماعي.

صورة عن الدلنج

يعود تاريخ مدينة الدلنج، الواقعة في أقصى شمال ولاية جنوب كردفان إلى القرن التاسع عشر، حيث كانت مجرد قرية صغيرة تقطنها إثنية النوبة لتتطور بعدها إلى سوقٍ موسمية للتجارة وتبادل السلع بين سكانها والرحل الذين يمرون بها. هذا النشاط التجاري فتح المدينة على الثراء الإثني وجعلها فضاءً للتعدد بين مختلف الإثنيات بما في ذلك النوبة والحوازمة والفلاتة والرزيقات والمسيرية.

 

وتعتمد المدينة في نشاطها الاقتصادي على قطاعي التجارة وهناك طيف من الحرف اليدوية. كما تشتهر بصناعة الجلود، والزراعة، والرعي، علاوة على الزراعة التي يمثلها مشروع هبيلا الزراعي (شرق المدينة) وهو أحد أكبر المشاريع الزراعية، وينتج الغلال؛ مثل الذرة البيضاء المعروفة محلياً باسم الفيتريته وكذلك الذرة الشامية، بالإضافة إلى السمسم.

تشكل الأفق السياسي للمدينة

برزت مدينة الدلنج إلى الفضاء السياسي السوداني في العام 1881، مع انطلاق الثورة المهدية في السودان ضد الاستعمار التركي – المصري، بزعامة الإمام محمد أحمد المهدي، حيث اعتصم ورابط رفقة قواته في جبال النوبة، لتمثل الدلنج قاعدة انطلاق وتقدّم عسكري لجيوش المهدية ضد القوات الاستعمارية. 

 

وبعدها، ما بين عامي 1912 – 1913، انطلقت مقاومة أخرى، وهذه المرة ضد الاستعمار البريطاني، بزعامة السلطان عجبنا، قبل أن تتمكن سلطات الاستعمار من إلقاء القبض عليه وإعدامه. 

 

تجدر الإشارة إلى أن الدلنج قد شهدت حركة مقاومة أخرى ترأسها الفكي على الميراوي، والتي كانت مقاومة مسلحة ضد الاستعمار البريطاني أيضاً، والتي استمرت في السنوات ما بين 1914 وحتى 1927.

جامعة الدلنج

مثَل معهد المعلمين بمدينة الدلنج، والذي أنشئ في العام 1948، أحد أهم منارات تدريب المعلمين السودانيين، وذلك بجانب معهد بخت الرضا في سنوات الخمسينيات والستينيات وحتى بداية التسعينيات. وفيما بعد أصبح المعهد نواة لكلية التربية بجامعة كردفان ثم جامعة الدلنج التي تأسست فى العام 1994 وتضم حوالى خمس كليات أبرزها كلية التربية وكلية تنمية المجتمع والعلوم الزراعية وكلية العلوم.

المدينة في ظل حرب 15 أبريل

أثرت الحرب، التي اندلعت في الخامس عشر من أبريل 2023، في العاصمة الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، على التحركات العسكرية وخارطة السيطرة على ولاية جنوب كردفان ككل. حيث شهدت عاصمة الولاية كادوقلي، اشتباكاتٍ مسلحة بين الجيش السوداني والجيش الشعبي والتي نزح على إثرها الآلاف من أحياء حجر المك الشرقية إلى أحياء أخرى داخل المدينة. 

 

أما في مدينة الدلنج، فكانت قوات الدعم السريع قد سيطرت على منطقة هبيلة الزراعية (شرق الدلنج) ضمن محاولاتها لدخول المدينة، إلا أن قوات الجيش الشعبي استبقها إلى المدينة لتدور بعدها اشتباكات بين الجيش السوداني والجيش الشعبي من جهة ضد قوات الدعم السريع، فيما لم يُعلن عن تحالف بشكل رسمي بين الطرفين. 

خطر التصعيد الإثني

بدأ، مزامنة مع تقدم الدعم السريع إلى منطقة هبيلا شرق الدلنج، صعود خطاب التصعيد الإثني والانحيازات القبيلة ما بين المجموعات الإثنية من النوبة والمجموعات العربية التي تعيش في نفس المنطقة من أزمان سحيقة وهو ما هدد النسيج الاجتماعي في المدينة، وأعاد رسم خارطة التحالفات الاجتماعية والعسكرية على أساس إثني. وهو ما انعكس في مهاجمة شرسة لحي أبو زيد بالدلنج والاعتداء على مواطنيه من مكون «الحوازمة» على أسس إثنية واتهامهم بالانتماء إلى الدعم السريع.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع