Day: May 4, 2024

أولئك الذين أرسلتهم الحرب إلى «عطبرة» يحاولون ضبط إيقاعهم على وقع مائة عام من موسيقى القطارات

 عطبرة، 4 مايو 2024  – لم تتهيأ تلك القرى المتناثرة قبل أكثر من قرن، على ضفاف الاتبراوي ونهر النيل، والتي حولها من بعد ذلك البريطانيون إلى مدينة عطبرة، أكثر مناطق شمالي السودان عمرانًا وحداثة بتأثير السكة الحديد، أن تتغير في غضون عام واحد، ويجد مجتمعها الذي وحده إيقاع هدير القطارات التي لم تكف عن إطلاق صافرتها منذ أكثر من مائة عام، وجهًا لوجه أمام آلاف القادمين على غير موعد – مع أولئك الذين أرسلتهم الحرب إليها نازحين في مدارسها و هائمين في طرقاتها، لا يلوون على شيء، وهم من فقدوا أصولهم وأموالهم وديارهم في عاصمة الحرب السودانية الخرطوم، ومدن أخرى. 

كان العطبراويون، وهم الذين قدموا إلى مدينتهم في هجرات متواترة على مدى عقود من كل أنحاء البلاد، قبل اندلاع الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم في منتصف أبريل 2023، يعيشون حيواتهم كما ألفوها، صباحًا في القهاوي لتناول الشاي والقهوة، وتضج سودنتهم وحصايتهم وداخلتهم وغيرها من الأحياء، وأنديتهم وأسواقهم، وسكتهم الحديد وهناك على ضفة النهر جلساتهم وأمسياتهم، يعرفون بعضهم البعض، فيما الغرباء، هم من يرسلهم الميناء البري أو القطار لأي غرض كان على مدار اليوم، أو من ترسلهم القرى القريبة في سيارات قديمة الطراز إلى سوقها ولكونداتها العريقة، ثم أتت الحرب، وتغير كل شيء هناك، إما للأبد أو لوهلة الحرب الطويلة التي يمكن أن تكون أبدًا.        

إذن؛ تغيرت عاصمة السكة الحديد والمدينة العمالية وبلد الهجرات الواقعة على ضفاف نهري النيل وعطبرة والتي تبعد حوالي 360 كيلو مترًا شمالي العاصمة الخرطوم، ذات الأسماء والألقاب العديدة والتاريخ السياسي الكبير والمرتبطة بالثورات السودانية والنضال السياسي ضد السلطات الاستعمارية البريطانية السابقة. 

وإذ لم يكن أمام قاطرة المدن- كما يطلق عليها أحيانًا، إلا أن تصبح ملاذًا للنازحين، غير أن السلطات، ترى أن الدور الحكومية التي لجأ إليها الفارون من الحرب، أغلى ثمنًا من الإنسان، وهكذا أصبح حضن اتبرا، وهو أحد أسمائها، حانيًا من مجتمعها وقاسيًا من سلطتها. 

ميلاد عطبرة

عندما نقلت السلطات الاستعمارية البريطانية إدارة السكة الحديد من وادي حلفا في العام 1906 إلى مدينة عطبرة ووضعت ونفذت الخارطة المعمارية للمدينة لخدمة مصالحها في المنطقة الجديدة، لم يتوقع أحد أن تنهض -اتبرا- التي كانت تعرف وقتها بقرية الداخلة، قبل أن تحولها السكة الحديد لواحدة من أهم المدن السودانية. 

 

بمرور السنوات نمت المدينة وتطورت لتصبح أهم مدينة عمالية في السودان وأكبر مركز عمراني في شمال البلاد، يضاف إلى ذلك الأدوار المركزية التي لعبتها المدينة على الصعيد القومي اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا وسرعان ما أصبحت بمثابة النافذة التي أطلت منها البلاد بأسرها على إنجازات غير مسبوقة في كافة المجالات حتى أسماها البعض – المدينة القاطرة -.

قبل السكة الحديد كان المكان الذي تقوم فيه المدينة الآن «شرق نهر النيل وشمال نهر اتبرا» فضاءً شاسعًا ومنطقة غابية قوامها أشجار الدوم والسدر والطلح والسيال والعشر وغيرها وكثير من الحشائش التي اشتهرت بها في الشريط الممتد من قرية السيالة شمال المنطقة وحتى نقطة اقتران نهر اتبرا بنهر النيل جنوبًا.

وكانت تسكنها مجموعات سكانية صغيرة من الرباطاب والجعليين الذين شكلوا النواة التركيبية للمنطقة وتوزعوا في ثلاث قرى، السيالة والكريماب والداخلة، والأخيرة ظلت ردحًا من الزمن اسماً لما يعرف حاليًا بعطبرة.

منذ عهد الممالك السودانية التي سبقت الغزو التركي للسودان، حملت عطبرة اسم «الداخلة» وظلت ترد على ألسنة العسكريين في تقاريرهم كاسم للمنطقة بينهم رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل إبان الحرب العالمية الثانية في كتابه «حرب النهر» والذي تحدث فيه عن معركة النخيلة التي جرت بين جيش المستعمر وجيش المهدية عند نهر اتبرا.

منذ بواكير نشأتها شهدت مدينة عطبرة العديد من موجات النزوح أبرزها في العام 1908 وحتى 1918، عندما ظهرت فيها جماعات من قبائل شمال السودان «شايقية، دناقلة، جعليين، ميرفاب، انقرياب، البديرية، الشكرية، الهواوير، مناصير، محس، سكوت، فدجا». وقبائل أخرى قدمت من مصر، وهي: «المغاربة، الجعافرة، العبابدة، العليقات والكنوز» بالإضافة إلى السودانيين من أصول شامية ومصرية، مسلمين ومسيحيين، كما سكنها قلة من جنود جيش الأمير محمود ود أحمد الذي قاد معركة النخيلة والذين تعود أصولهم إلى قبائل غرب السودان حيث استقروا في ضفة الاتبراوي الشمالية في منطقة العشش التي سميت بحي الموردة  في السبعينات، قبل أن تلحق بهم جماعات من الفلاتة،ولاحقاً  الهدندوة والبشاريين والرشايدة.

ومما يميز عطبرة أنه لا يمكن القول إن قبيلة بكاملها قطنتها  لكن أفراد وأسر وجماعات من مختلف القبائل والأعراق انصهرت جميعها في بوتقة واحدة وشكلت تركيبة سكانية فريدة عرفت بالمجتمع الاتبراوي.

أتبرا النهر

برزت كلمة اتبرا كاسم بعد معركة النخيلة وارتبطت بنهر اتبرا آخر روافد نهر النيل قبل مصبه في البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، لم يتفق المؤرخون على أصل التسمية لكن أكثر التفسيرات تتحدث عن أن اتبرا مكونة من كلمتين أتى وبرا وترمز لفيضان النهر في موسم الخريف أي أتى دون إخطار كما ذكروا أنها من «متبر، تبرنا، وتتبيراً»، وتعني أتى محطمًا ومدمرًا لأنه كان قوي الدفع والجريان ثم تم استبدال حرف التاء لتصبح عطبرة.

عطبرة الثورة

لم تمثل عطبرة أحد مراكز المقاومة للمستعمر البريطاني وحسب، بل عرفت بصمودها التاريخي في مواجهة أنظمة الحكم الشمولية التي أعقبت الاستقلال، إذ شكلت نقطة انطلاقة لثورتي أكتوبر 1964 ضد نظام الرئيس إبراهيم عبود، وأبريل 1985 ضد نظام الرئيس جعفر النميري، إلى جانب ثورة ديسمبر 2018 ضد نظام الرئيس عمر البشير والتي لعبت المدينة دورًا حاسمًا في نجاحها بتغيير مسار حركة الاحتجاجات من مطالب معيشية إلى سياسية بعد إحراق المحتجين لمقر حزب المؤتمر الوطني – الحاكم آنذاك.

ولطالما خشيت الأنظمة الشمولية من عطبرة بسبب احتضانها مركز نقابة السكة الحديد التي كانت المحرك لأغلب التظاهرات والاحتجاجات وهي المخاوف التي دفعت نظام الإنقاذ إلى قمع حراك عمال السكة الحديد في بدايات استيلائه على السلطة بفصله ما يزيد عن 4 آلاف عامل وتشريدهم.

اجتماعيًا، قدمت المدينة للسودان شخصيات مؤثرة في تاريخ البلاد السياسي، الاجتماعي والثقافي. سياسيًا، بينهم عددًا من القادة الشيوعيين والعماليين، مثل الشفيع أحمد الشيخ وقاسم أمين والأكاديمي والسياسي البارز عبد الله علي إبراهيم. كما أن عددًا من المؤثرين السودانيين الذين لم يكونوا من مواليدها، إما تلقوا تعليمهم في مدراسها الصناعية أو عملوا في السكة الحديد وتأثروا بها، بينهم الزعيم إسماعيل الأزهري الذي عمل بالتدريس فيها، والشاعر محمد الحسن سالم حميد الذي درس الثانوية فيها بالإضافة لآخرين. 

وبسبب الوقوع في حبها، سخّر عدد من الفنانين والأدباء أشعارهم لها وتغنوا في جمالها وتاريخها كما تعتبر من أكثر المدن التي كتبت فيها الإصدارات الثرة التي توثق لتاريخها حتى كادت تنافس مدينة أم درمان في المجلدات.

عطبرة في أزمنة الحرب

 

لعقود ظلت مدينة عطبرة شمالي البلاد تمثل وجهة رئيسية تفد إليها العديد من القوميات، ومع نشوب حرب الخامس عشر من أبريل، شهدت المدينة موجات نزوح كبيرة باعتبارها من أكثر المدن قربًا من العاصمة السودانية الخرطوم.

واستقبلت ولاية نهر النيل في المجمل والتي تعتبر عطبرة أكثر مدنها حيوية، آلاف النازحين وتصدرت في كثير من الأحيان ترتيب أولى ولايات السودان من حيث أعداد النازحين داخليًا، مما جعل الضغط على الولاية لم يسبق له مثيل ووضعها أمام تحد كبير، خاصة اقتصاديًا.

ووفق مفوضية العون الإنساني فإن عطبرة تحوي  95 مركزًا موزعة بين الأحياء المختلفة وفي 52 جمعية-زاوية-و4 أندية رياضية و39 مدرسة فيما يبلغ عدد النازحين في المدينة أكثر من 15 ألف شخص .

 وفي بدايات الحرب عاشت-عطبرة- حالة من الحذر إذ شهدت نكسة اقتصادية، بسبب تحسب التجار من الأزمة الاقتصادية التي قد تتسبب فيها الحرب، لكن سرعان ما تدفقت الصادرات عبر الحدود البرية الشمالية ومن خلال الشرق عبر موانئ البحر الأحمر ودخلت كمية من البضائع السوق في وقت توقفت فيه جميع الشركات المحلية التي كان مقرها العاصمة الخرطوم. 

كذلك أنعشت حركة التجار النازحين من الخرطوم السوق لكنه أيضاً شهد ضغطًا كبيرًا من القادمين الجدد وما زالت المحاولات لتنظيمه بعد أن أصبح يضج بالتجار والمحال، مستمرة.

ومع دخول الحرب شهرها السادس، كانت عطبرة قد شهدت تصعيدًا من النازحين بسبب قرار الحكومة بإخلاء مراكز النزوح في الولاية من أجل بدء العام الدراسي الجديد كأول منطقة تقوم بالخطوة، وبعد اشتباك ورفض من النازحين تم فتح بعض المدارس وإخلاء النازحين منها وتوزيعهم في مدارس أخرى.

لكن السلطات التي رضخت مؤقتاً لرغبات النازحين، عاودت مضايقتهم الأسبوع الماضي بطردها 27 أسرة نازحة في مدرستين بقوة السلاح، وهددت مدارس وداخليات أخرى بمعايشتهم نفس المصير.

بوادر خطاب كراهية

 

وما إن تنفست المدينة الصعداء من تلك الأزمة حتى عاشت أحداثًا جديدة وضعت المنطقة التي يغلب علي أهلها صفة التعايش والتسامح أمام امتحان اجتماعي، فبعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة المتاخمة للخرطوم وانسحاب الجيش منها دون قتال أواخر ديسمبر الماضي، تشكلت بوادر خطاب كراهية على السطح ضرب المدينة والولاية ككل في نسيجها الاجتماعي الذي ولد من رحم السكة الحديد لعقود وظل متماسكاً، رغم الهزة العابرة. 

كما شهدت المنطقة انتشارًا كبيرًا للسلاح لأول مرة في تاريخها، إذ قبلها كان يوجد في أيدي مجموعات قبلية بسيطة في أطراف الولاية، وفي بعض مناطق التعدين، لكن مع التطورات الأمنية أصبح مشهد تجول المواطنين بالسلاح أكثر من اعتيادي تحت مرمى نظر السلطات التي فتحت الباب على مصراعيه لتقنين الأسلحة.

وتحت مظلة ما أطلق عليها بالمقاومة الشعبية، أضحت عطبرة منطقة مركزية للحشد الأهلي، كما انتشرت دعوات تدريب المدنيين على استخدام السلاح حتى وسط النساء. وبالتزامن مع حملات الاستنفار شنت الحكومة حملات اعتقال ذات خلفية عنصرية في بعض الأحيان، إذ تم استهداف العشرات من المقيمين في المدينة من أبناء أقاليم أخرى والتشدد معهم في التفتيش ربما بحجة انتمائهم للدعم السريع والتخابر معها، إلى الحد الذي جعل حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي يشكل لجنة لإطلاق سراح المحتجزين من أبناء دارفور في سجون ولايتي الشمالية ونهر النيل. 

وفي أواخر رمضان الماضي، عاشت المدينة صدمة كبيرة بتفجير مسيرة إفطارًا نظمه لواء البراء بن مالك المحسوبة على الإسلاميين في زيارة لها للمنطقة حضره عدد كبير من أبناء المدينة وعدد من عائلات قتلى الجيش ومصابيه في الحرب في تطور أمني جديد جعل اللجنة الأمنية بالولاية تمنع المواطنين من أداء صلاة العيد في الساحات والميادين العامة.

كما ما يزال المواطنون يعيشون حالة من الترقب والحذر الشديدين إلى اليوم بسبب التهديدات الكثيرة والوعيد من منتسبي قوات الدعم السريع بالهجوم على المدينة التي برزت ميدانيًا، أيضاً في ظل الحرب، عبر قوات المدفعية عطبرة ذائعة الصيت.

فيتشرات بيم – سلسلة مدن السودان

«اليونيسيف»: الهجوم على الفاشر يهدد حياة ورفاه «700» ألف طفل

4 مايو 2024 – قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف إن الخطر يتهدد حياة ورفاه 750 ألف طفل في الفاشر، وربما ملايين آخرين، في حال تم شن هجوم عسكري وشيك على المدينة.

ومنذ بدايات أبريل الماضي، تشهد مدينة الفاشر تحشيدًا عسكريًا، هو الأكبر من نوعه في الإقليم منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 في علامة أخيرة لقرب اندلاع معركة فاصلة بين الجيش والحركات المتحالفة معه ضد قوات الدعم السريع.

وأكدت المديرة التنفيذية لليونيسف كاثرين راسل، في بيان صحفي الجمعة، أن الهجوم الوشيك على الفاشر يهدد بتصعيد كارثي، داعيةً أطراف النزاع إلى التراجع بشكل عاجل عن مثل هذه المواجهة الخطيرة.

ولفتت المسؤولة الأممية إلى إن تصاعد القتال في ولاية شمال دارفور تسبب في خسائر بشرية مميتة بين الأطفال، مشيرة إلى مقتل ما لا يقل عن 43 شخصًا، بينهم أطفال ونساء، منذ تصاعد القتال في الفاشر والمناطق المجاورة قبل أكثر من أسبوعين.

وحذرت راسل من أن استمرار الهجمات، بما في ذلك استخدام الأسلحة المتفجرة في الأحياء السكنية، يشكل خطورة خاصة على الأطفال، ولن يؤدي سوى إلى نزوح وجرح وقتل المزيد منهم.

كما أشارت إلى التقارير «المروعة» التي أفادت بوقوع أعمال عنف من قبيل العنف الجنسي، وجرح وقتل الأطفال، وإضرام النيران في المنازل، وتدمير الإمدادات المدنية الحيوية والبنية التحتية خلال الهجمات الأخيرة على أكثر من 12 قرية غرب الفاشر.
وأضافت «اضطرت الأسر، بما فيها تلك التي نزحت سلفا بسبب النزاع، مرة أخرى إلى الفرار دون أن تحمل سوى القليل من الملابس التي ترتديها. هناك تقارير مثيرة للقلق العميق عن انفصال الأطفال عن عائلاتهم أو الإبلاغ عن اختفائهم».

ودعت مديرة اليونيسف أطراف النزاع إلى ضرورة بذل كل جهد ممكن لتهدئة الوضع، والسماح بالحركة الآمنة للمدنيين، بمن فيهم المرضى والجرحى، الذين يريدون الانتقال إلى مناطق أكثر أمانا، وضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية.

كما شددت على ضرورة أن تضمن أطراف النزاع وصول المساعدات الإنسانية بشكل سريع ومستدام ودون عوائق، سواء عبر خطوط النزاع داخل السودان أو عبر الحدود مع الدول المجاورة.

الوقت ينفد

في السياق، حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من أن الوقت ينفد لمنع حدوث مجاعة في دارفور، حيث يعيق تصاعد الاشتباكات في الفاشر الجهود المبذولة لتوصيل المساعدات الغذائية الحيوية إلى المنطقة.

وبحسب البرنامج الأممي، يواجه المدنيون في الفاشر وإقليم دارفور على نطاق أوسع مستويات مدمرة من الجوع، إلا أن عمليات توصيل المساعدات الغذائية كانت متقطعة بسبب القتال والعقبات البيروقراطية المستمرة.

وأوضح البرنامج أن التصعيد الأخير لأعمال العنف حول الفاشر أدى إلى إيقاف قوافل المساعدات القادمة من معبر الطينة الحدودي في تشاد، وهو ممر إنساني تم افتتاحه مؤخرا ويمر عبر الفاشر.

وفي الوقت نفسه، ذكر برنامج الأغذية العالمي أن القيود التي تفرضها السلطات في بورتسودان تمنعه من نقل المساعدات عبر معبر «أدري»، وهو الممر الوحيد الآخر القابل للاستخدام عبر الحدود من تشاد.

«مرصد بيم» ينشر التقرير الشهري لأبرز الشائعات والمعلومات المضللة في الفضاء الرقمي السوداني

  

ينشر «مرصد بيم» ، تقريرًا شهريًا،يحلل فيه أبرز الادعاءات المضللة والمزيفة التي تم نشرها خلال الشهر . يأتي ذلك، خلال حرب ضارية تدور في السودان منذ أبريل 2023 تصاحبها حرب اعلامية شرسة يرد بها التضليل وخلق أفق  عام ضابي .

يغطي التقرير التالي، الادعاءات الخاطئة والمضللة في الفضاء الرقمي السوداني، لشهر مارس «2024». كما يقدم تحليلًا مختصرًا لأبرز اتجاهات التضليل والأدوات المستخدمة فيه.

الأساليب والأدوات:

تعددت الأساليب والأدوات التي تم استخدامها في عمليات التضليل رصدنا منها الآتي:

  1. فبركة البيانات ونسبتها للفاعلين في الشأن السوداني سواء كانوا في الجانب العسكري أو المدني.
  2. نشر معلومات مضللة تتعلق بمحادثات الخارجية الرامية لإيقاف الحرب.
  3. إعادة نشر مقاطع فيديو قديمة على أنها بتاريخ حديث في سياق منفصل عن تاريخها القديم.

الفاعلون في حملات التضليل:

أشارت الدراسات والتقارير التي عمل عليها «مرصد بيم»، إلى أن هناك جهات داخلية وخارجية، فاعلة في عمليات التضليل في الفضاء الرقمي السوداني. وحددت الدراسات الفاعلين على المستوى الداخلي في فئات شملت: «جهات مناصرة للدعم السريع، جهات داعمة للجيش، وجهات ذات توجه إسلامي، وجهات تناهض الحكم العسكري». بينما أشارت الدراسة إلى أن الفاعلين الأجانب، في الفضاء الرقمي السوداني، هم: «روسيا – دولة الإمارات العربية المتحدة – مصر- إثيوبيا ». تعمل كل هذه القوى/الجهات على نشر المعلومات الزائفة والمضللة التي تخلق أفقاً ضبابيًّا حول ماهية الوضع في السودان .

وبالطبع منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل الماضي درجت حملات التضليل على تكثيف نشاطها وتنسيقه أكثر لأجندة متنوعة أهمها بالطبع التضليل نفسه وتغيب الحقيقة  أضف إلى ذلك نشر الدعاية الحربية الداعمة لأحد طرفي النزاع استغلت في ذلك كل الوسائل الممكنة والتي يمكن أن توصل المعلومات المضللة بطريقة أسرع وفيما يلي سوف نتناول بالشرح تلك الحملات والجهات التي دعمتها أو استهدفتها خلال شهر مارس المنصرم :

حملات التضليل التي استهدفت الجيش :

الحملات التي استهدفت الجيش في هذا الشهر عملت على استغلال غزارة المعلومات الواردة من المؤسسة العسكرية حتى تصنع منها ادعاءات مضللة ذات بعد جهوي يوحي بأن الجيش يتنبى سياسية جهوية معينة ويعمل على حماية السودان في أقاليم معينة ونجد ذلك جليًا  في مقطع الفيديو المضلل الذي تم فيه تحريف حديث مساعد قائد الجيش ياسر العطا حيث تمت مشاركة المقطع المضلل مع نص يفيد بالآتي  “إذا نحن توافقنا معهم عرب الوسط والشمال والشرق اوكي، واذا لم نتوافق معهم يفصلو ويشيلو دارفور ونصف كردفان وجبال النوبة والجزء الأكبر من الأنقسنا ويعملو دولة العطاوة و مرة الجنيد ومرة شنو، معليش الأخ من المحاميد ” الفيديو كان مقتطعًا إذ أن العطا كان يتحدث عن مؤامرة تلك هي أبعادها ونجد أن ذلك المقطع الانتقائي لاقى انتشارا واسعا لما حواه من محتوى حساس أثار حفيظة الكثيرين.

في سياق متصل، عملت الحملات فيما بعد على خلق تصور عن وجود خلاف داخل المؤسسة العسكرية على أساس جهوي عرقي مستغلة في ذلك نفس الادعاء السابق ولكن في هذه المرة تم صياغة الادعاء على أنه أثر مباشر لتصريح العطا فتم تداول صورتين لـ«الجزيرة السودان» تضمنا خبرًا عن انشقاقات في الجيش والحركات المسلحة بسبب تصريحات ياسر العطا. وبالطبع فإن الصور مفبركة وكان فريقنا قد بحث في مدى صحتها وتأكد من فبركتها إلا أن تزامن نشرها في أعقاب مقطع الفيديو المضلل أسهم في انتشارها بشكل واسع. ومن هنا نلاحظ أن الحملات تعمل في شكل متسق يراعي التراتبية والتوقيت الصحيح لنشر الشائعة.

حملات التضليل التي استهدفت القوى المدنية:

يلاحظ في مارس تكثيف نشاط حملات التضليل ضد القوى المدنية خصوصًا عقب التقدمات الأخيرة للجيش في مواقع مختلفة في أم درمان الأمر الذي اعتبرته بعض حملات التضليل ردًا قويًا على القوى المدنية التي نادت بإنهاء الحرب عبر الطرق السلمية ومن هنا استعرت حملات التضليل التي أريد بها اغتيال القوى المدنية سياسيًا.

 

على سبيل المثال نجد أنه تم تداول ادعاء يحوي صورة على أنها صورة لحمدوك بعد أن تم وضعه في استراحة الأمن المصري خوفًا من تعرض اللاجئين السودانيين له. 

 الادعاء مفبرك. حيث تواصل فريقنا مع عضو تنسيقية تقدم ووزير شؤون مجلس الوزراء الأسبق (عمر مانيس) الذي يظهر في الصورة ضمن الوفد المرافق لعبد الله حمدوك، وقد نفى صحة الادعاء وأكد بأن الصورة في الفندق الذي يقيم به حمدوك وليس لها أي علاقة باستراحة المخابرات المصرية.

يلاحظ أيضًا أن زيارة حمدوك الأخيرة إلى مصر طالتها الكثير من الادعاءات المضللة حيث نجد أنه قد تم تداول مقطع فيديو يوضح وصول حمدوك إلى جمهورية مصر بيد أن مقطع الفيديو مضلل. حيث جرت أحداثه في فترة رئاسة «حمدوك» لمجلس وزراء الفترة الانتقالية، وهو يوثق زيارته إلى جمهورية مصر في مارس من العام 2021 وكان في استقباله، وقتها، رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، وليس للفيديو أي علاقة بالزيارة الأخيرة التي قام بها «حمدوك» إلى جمهورية مصر.

كما عملت حملات التضليل على فبركة التصريحات ونسبها للقوى المدنية حيث نسب تصريح  لرئيس الحركة الشعبية التيار الثوري ياسر عرمان يفيد بأن الأخير صرح قائلاً “نرحب بدور الدعم السريع بموافقته على شرط الجيش وسحب قواته إلى أطراف العاصمة، وتلك مؤشرات لوقف الحرب والتوجه إلى طريق السلام”. التصريح مفبرك وكنا قد تحققنا من ذلك بيد أن توقيت نشره ساعد في انتشاره.

حملات التضليل التي استهدفت إثارة الجدل:

عملت بعض حملات التضليل على استهداف المتلقى بشكل مباشر من خلال نشر معلومات قد تقلقه وتثير الجدل حول ماهية ما يجري وأغلب تلك المواضيع تكون ذات طابع مؤثر على حياة الناس أو له وقع مباشر عليهم لذا يتفاعلون معها الأمر الذي يسهل عملية انتشارها.

من تلك الادعاءات المضللة التي استهدف بها المتلقي وأثارت جدلًا بين المواطنين على الإنترنت صورة  يظهر فيها  الرئيس المخلوع عمر حسن أحمد البشير متجولًا فيما بدا أنه مكان عام. بعد فحص الصورة تبين أنها مقتطعة من مقطع فيديو قديم كان فيه البشير في زيارة إلى مستشفى الضمان الاجتماعي بمدينة الأبيض وكان ذلك قبل خمس سنوات وليس للصور أو مقطع الفيديو أي علاقة بالأحداث الجارية، غير أن انتشارها خلق حالة من التساؤل والجدل  في أوساط المتلقين.

 

كذلك من المواضيع التي أثارت الجدل بين المواطنين بسبب كثرة الشائعات والادعاءات المضللة التي لاحقتها هي مسألة تغيير بنك السودان المركزي للعملة فئة الألف جنيه، حيث ضمن فيها اسم المحافظ الجديد.

 وكان البنك قد أوضح بأن الطبعتين ساريتين ويجوز التعامل بهما إلا أن غزارة المعلومات المضللة التي أفادت بعدم سريان الطبعة القديمة أو قرب صدور قرار من بنك السودان المركزي بإيقاف التعامل بها أقلق المواطن وزاد من نشر المعلومة المضللة، بالرغم من أن المعلومة غير صحيحة والعملة سارية بالطبعتين القديمة و الجديدة.

حملات التضليل التي استهدفت تزوير الخطابات والوثائق الرسمية:

رصدنا خلال شهر مارس الماضي العديد من الادعاءات المضللة التي تم الترويج لها من خلال نشر نص خطاب أو وثيقة تبدو رسمية وهي في الحقيقية وثيقة أو خطاب مزيف إلا أن انتشار هذا النوع من الادعاءات والأخبار المضللة سريع جدًا نسبة للدرجة العالية في تزوير شكل الوثيقة والخطاب الأمر الذي يجعل المتلقي يظن أنها صحيحة غير أنها ليست كذلك وفيما يلي سوف نستعرض الخطابات والوثائق المزيفة التي تم تداولها خلال شهر مارس الماضي: 


كان قد تم تداول نص خطابين على منصة التواصل الاجتماعي، فيسبوك، الأول منسوب لحزب الأمة، بزعامة مبارك الفاضل، يحوي نصًا موجهًا من الحزب لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي». والثاني منسوب لجهاز المخابرات العامة وموجه أيضًا لقائد قوات الدعم السريع، يسرد فيه «معلومات تفصيلية» عن «فساد» مبارك الفاضل.  الخطابان مفبركان غير أن نشرهما هدف إلى التطرق لمسألة الخلاف بين مبارك الفاضل والدعم السريع عقب تصريحات الأخير عن الدعم السريع فربما هدفت حملات داعمة للدعم السريع لاغتيال مبارك الفاضل سياسيًا من خلال ذلك الخطاب المنسوب لجهاز الأمن والمخابرات وتحدث عن فساده.

من الخطابات التي انتشرت خلال شهر مارس من قبل حملات التضليل كان الخطاب الذي حوى ادعاء رفع الحصانة عن وزير المالية بعد ضبط مخدرات بحوزة مجموعة تتبع لحركة العدل والمساواة السودانية. 

 الخطاب مفبرك. حيث ومن خلال تحليل مستوى الخطأ الذي أجراه الفريق لصورة الخطاب، اِتضح أنه غير صحيح حيث جرى إنشاؤه إلكترونيًّا، الا أن توقيت نشره عقب عدة من المقابلات التي أجراها جبريل جعل انتشاره أوسع بين الاسافير.

من الملاحظ أن هذا الخطاب وخطابات أخرى مفبركة تم نشرها في مجموعات الفيسبوك من قبل حساب باسم مصطفى سيد أحمد» «ود سلفاب» والذي يعمل بصورة مستمرة على نشر مثل هذه الخطابات والوثائق المفبركة.

 وكان «مرصد بيم» قد نشر تقريرًا مفصلًا عن تزييف الوثائق ونشرها والذي برز فيه حساب «مصطفى سيد أحمد» (ود سلفاب) كأحد الفاعلين في التضليل من هذا النوع.

حملات التضليل التي استهدفت الدعم السريع:

حملات التضليل التي استهدفت الدعم السريع خلال شهر مارس كانت قليلة حيث لاحظ فريقنا أنه قدم تم إعادة نشر محتوى مضلل كان قد نشر من قبل وتم التحقق منه إلا أن حملات التضليل أعادت نشره وهو تصريح  منسوب لمستشار الدعم السريع يوسف عزت يقول فيه يجب على الجيش السماح للدعم السريع بالخروج الآمن من العاصمة هو تصريح مفبرك، إلا أن نشره تزامن مع احتدام المعارك بين الجيش والدعم السريع في أم درمان وتقدم الجيش في بعضها الأمر الذي أسهم في انتشار الادعاء مجددًا.

تلك هي أهم الشائعات والادعاءات المضللة التي تم تداولها خلال شهر مارس والتي رصدها فريق مرصد بيم وعمل على تفنيدها .

1

ما حقيقة تصريح «يوسف عزت» يجب للجيش السماح للدعم السريع بالخروج الآمن من العاصمة؟ 

مفبرك 

https://tinyurl.com/yrp2638e

2

ما حقيقة الخطابات المتداولة «بين» حزب الأمة والدعم السريع وجهاز المخابرات العامة؟

مفبرك

https://tinyurl.com/yrafrryk

3

ما حقيقة صور خروج «البشير» من مستشفى علياء التخصصي بـ«أم درمان»؟

مضلل.

https://tinyurl.com/546zj34k

4

ما حقيقة مقطع فيديو استقبال رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك في جمهورية مصر؟

مضلل.

https://tinyurl.com/32tsa93r

5

ما حقيقة رفع الحصانة عن وزير المالية بعد ضبط مخدرات بحوزة مجموعة تتبع لحركة العدل والمساواة السودانية؟

مفبرك.

https://tinyurl.com/2zd4dzex

6

ما حقيقة ادعاء وضع حمدوك في استراحة الأمن المصري خوفًا من تعرض اللاجئين السودانيين له؟

مفبرك

https://tinyurl.com/mpsr42aj

7

ما حقيقة مقطع فيديو متداول لمساعد قائد الجيش ياسر العطا يحوي «تصريحات انفصالية»؟

انتقائي

https://tinyurl.com/3hzbsx52

8

ما حقيقة صورتين متداولتين لـ«الجزيرة السودان» عن انشقاقات في الجيش والحركات المسلحة بسبب تصريحات ياسر العطا؟

مفبرك 

https://tinyurl.com/usx26bj5

9

ما حقيقة قرارات مرتقبة لبنك السودان المركزي تقضي بإلغاء فئة الألف جنيه واعتبارها غير مبرئة للذمة؟

مفبرك

https://tinyurl.com/hht6md65

10

ما صحة تصريح «ياسر عرمان»: نرحب بـ«موافقة» الدعم السريع على شروط الجيش وسحب قواتها إلى أطراف العاصمة؟

مفبرك 

https://tinyurl.com/54n8295e