Day: October 29, 2024

«الدعم السريع» تجتاح الهلالية في أحدث حملة عنف لها شرقي الجزيرة

29 أكتوبر 2024 – قادت قوات الدعم السريع، الثلاثاء، حملة عنف ونهب، في منطقة الهلالية شرقي الجزيرة وسط السودان، خلفت 5 قتلى وعشرات الإصابات ونزوح المئات.

وأعلنت لجان مقاومة مدني، في بيانين اليوم، مقتل خمسة أشخاص وإصابة العشرات بعد هجوم شنته قوات الدعم السريع على منطقة الهلالية شرقي الجزيرة صباح اليوم واستباحتها ونهب المواطنين واعتقالهم ومنعهم من مغادرتها.

وقالت اللجان إن «مليشيا الجنجويد عقب اقتحامها مدينة الهلالية قامت بمحاصرة المواطنين داخل مسجد الشيخ أبوسقرة ومسجد الشيخ الطيب ومسيد الشيخ عبد الباسط».

فيما قال شهود عيان لـ«بيم ريبورتس» إنه تم نهب منطقة الهلالية بشكل كامل بدايةً من حي الشاطئ وحتى حي الشكرية، بعد محاصرتها من أربعة اتجاهات.

وأضاف الشهود أن المواطنين تجمعوا في ثلاثة (مسايد) أماكن لتحفيظ القرآن، فيما حوصرت النساء في مسيد الشيخ الطيب، حيث أمر الرجال فتح أبواب جميع المنازل وتركها مفتوحة وإظهار أماكن الأموال والذهب، وإلا سيتم اغتصاب النساء.

وبدايةً من 20 أكتوبر الحالي بدأت الدعم السريع حملة انتهاكات ممنهجة ضد المواطنين بشرق وشمال الجزيرة، في أعقاب انشقاق قائدها السابق بولاية الجزيرة، أبو عاقلة كيكل، وانضمامه للجيش.

ونشرت الدعم السريع قواتها في كل وحدات شرق الجزيرة: (تمبول، ريفي رفاعة، رفاعة، الهلالية وود راوة) حيث ارتكبت فيها انتهاكات واسعة، وسط غياب تام للجيش.

وأمس الإثنين قالت لجان مقاومة رفاعة، إن ـ مليشيا الدعم السريع ـ منعت المواطنين من مغادرة المدينة وتستخدمهم كدروع بشرية خوًفا من الطيران.

وأشارت إلى أن المدينة تعاني من انقطاع كامل للتيار الكهربائي والمياه أيضًا، وشح في المواد الغذائية نتيجة لنهب السوق بالكامل بواسطتها.

وجراء الهجمات المتتابعة على هذه المناطق، نزح آلاف المواطنين شرقًا، نحو حلفا الجديدة شرقي السودان، حيث ذكرت غرفة الطوارئ بالمدينة مساء أمس، أن المنطقة استقبلت قرابة 4 آلاف أسرة، بما يعادل 30 ألف شخصًا.

وكشفت الغرفة عن فتح 20 مركز إيواء جراء موجات النزوح وعيادة في مركز إيواء البيطري من قبل لجنة الطوارئ الصحية، بالإضافة إلى مطابخ مركزية لتوفير النقص من الغذاء في المراكز الجديدة وللموجودين في الشوارع.

ودفعت الأهوال التي ترتكبها قوات الدعم السريع في شرق وشمال الجزيرة جهات ومنظمات دولية ومحلية وإقليمية وأجسام سياسية عديدة للتنديد بهذه الهجمات والمطالبة بإيقافها.

بعثة تقصي الحقائق: معظم حالات الاغتصاب والعنف الجنسي والجنساني ارتكبتها قوات الدعم السريع


29 أكتوبر 2024 – قالت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان، الثلاثاء، إن قوات الدعم السريع، مسؤولة عن ارتكاب عنف جنسي على نطاق واسع، أثناء تقدّمها في المناطق التي تسيطر عليها، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي وخطف واحتجاز ضحايا في ظروف ترقى إلى مستوى الاستعباد الجنسي.

وفي أكتوبر الماضي، اعتمد مجلس حقوق الإنسان، قرارًا بتشكيل بعثة أممية لتقصي الحقائق في الانتهاكات الجسيمة التي وقعت في السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، قبل أن يمدد ولايتها في أكتوبر الحالي لعام آخر.

وأكدت البعثة في تقرير أصدرته اليوم أنها خلصت إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد أن هذه الأفعال ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بما في ذلك التعذيب؛ والاغتصاب؛ والاستعباد الجنسي؛ والاضطهاد على أسس إثنية وجنسانية متقاطعة في سياق الأفعال المذكورة أعلاه.

وأكد التقرير أنه وثق كذلك حالات نُسِبت إلى الجيش السوداني والمجموعات المتحالفة معه، مبينًا أنها تتطلب مزيدًا من التحقيق لتحديد نطاقها وأنماطها.

ومع ذلك، ذكر التقرير انه وجد أن معظم حالات الاغتصاب والعنف الجنسي والجنساني ارتكبتها قوات الدعم السريع في ولايات: الخرطوم ودارفور والجزيرة، كجزء من نمط يهدف إلى إرهاب ومعاقبة مدنيين بسبب صلاتهم المفترضة مع الطرف الآخر، وإلى قمع أي معارضة لتقدّمها.

نطاق مهول للعنف الجنسي

وقال رئيس بعثة تقصي الحقائق، محمد شاندي عثمان، لقد أذهلنا النطاق المهول للعنف الجنسي الذي نقوم بتوثيقه في السودان. إن وضع المدنييّن الأكثر حاجة، ولا سيما النساء والفتيات من جميع الأعمار، يبعث على القلق الشديد ويتطلّب معالجة عاجلة.

وكان العنف الجنسي ضد النساء بما في ذلك الاغتصاب والاغتصاب الجماعي والاستغلال الجنسي والاختطاف لأغراض جنسية بالإضافة إلى مزاعم الزواج القسري والاتجار بالبشر عبر الحدود لأغراض الجنس، بحسب التقرير حدث في الغالب في سياق غزو المدن والبلدات والهجمات على مواقع النزوح أو ضد مدنيّين فرّوا من المناطق المتأثرة بالنزاع وأثناء الاحتلال المطول للمناطق الحضرية.

وتابع التقرير «في دارفور، ارتُكبت أعمال العنف الجنسي بقسوة ملحوظة عبر استخدام الأسلحة النارية والسكاكين والسياط لترهيب أو إكراه الضحايا، مع إهانتهم بازدراء أو عنصرية أو تحيّز جنسي، والتهديد بقتلهم.»

كما استُهدف العديد من الضحايا على أسس جنسانية ولانتمائهم الإثني الفعلي أو المُفترض حتى تعرضوا في آن للضرب، أحيانا باستخدام العصي، أو للجَلد. كانت أفعال العنف هذه تتم غالبا أمام أفراد العائلة الذين كانوا هم بدورهم تحت التهديد.

وأشار التقرير إلى أنه وصل للبعثة معلومات تستدعي مزيدًا من التحقيق أن رجال وفتيان استُهدفوا أثناء الاحتجاز وتعرّضوا لأعمال عنف جنسي تضمّنت الاغتصاب والتهديد بالاغتصاب والتعري القسري وضرب الأعضاء التناسلية.

وخلصت البعثة إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ارتكبت الاغتصاب وغيرها من أشكال العنف الجنسي التي ترقى إلى انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

وشملت تلك الأفعال، استعمال العنف ضد الحياة والسلامة البدنية، ولا سيما التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية المهينة، والإساءة إلى الكرامة الشخصية، بالتحديد المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة والاغتصاب وأي شكل من أشكال الاعتداء المشين.

وأوضح التقرير أن اختطاف النساء والفتيات، وحبسهن واحتجازهن لأغراض جنسية بما في ذلك الاغتصاب والاستغلال الجنسي، أوجد ظروفًا مكّنت فيها قوات الدعم السريع من ممارسة سلطة التملّك على الضحايا المسلوبة حرياتهن أصلًا، وهذه أعمال ترقى إلى الاسترقاق الجنسي المحظور.

وقف الإفلات من العقاب ومحاسبة الجناة

وقالت الخبيرة وعضوة البعثة جوي نجوزي إيزيلو «إن النساء والفتيات والفتيان والرجال في السودان الذين يتعرضون بشكل متزايد للعنف الجنسي والجنساني بحاجة إلى الحماية. وبدون المساءلة، ستستمر دوامة الكراهية والعنف. يجب علينا وقف الإفلات من العقاب ومحاسبة الجناة».

فيما قالت الخبيرة وعضوة البعثة منى رشماوي «يجب ان تقع مسؤولية وعار هذه الأعمال المشينة على عاتق الجناة دون سواهم. سيواصل مرتكبو هذه الجرائم تمزيق السودان والتسبب بالإرهاب والخراب ما لم يتم توسيع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ليشمل جميع أنحاء السودان وإنشاء آلية قضائية مستقلة تعمل بالترادف والتكامل مع المحكمة الجنائية الدولية».

أضافت رشماوي: «وتوضّح هذه الظروف أيضا بجلاء أن الضحايا يحتاجون إلى الدعم العالج، بما في ذلك المساعدة الطبية والقانونية، وهي أمور تكاد تكون غائبة تمامًا في السودان. وينبغي على الفور إنشاء مكتب مكرّس لدعم الضحايا وجبر الضرر في سبيل مساعدتهم».

حمدوك يطلب من الحكومة البريطانية العمل على حل سلمي عاجل للنزاع في السودان

29 أكتوبر 2024 – طلب رئيس الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، عبد الله حمدوك، من الحكومة البريطانية، الاثنين، ضرورة العمل على وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب واتباع تدابير تقود لحماية المدنيين، وأهمية تنسيق جهود الوصول لوقف إطلاق النار وحل سلمي عاجل للنزاع.

وأعلنت تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية «تقدم» إن وفدها بقيادة رئيس الهيئة القيادية، عبد الله حمدوك، افتتح زيارته إلى المملكة المتحدة، بلقاء عدد من من المسؤولين الحكوميين والبرلمانيين.

وقالت في بيان إن الوفد عقد اليوم اجتماعًا موسعًا مع نائب رئيس مجلس اللوردات ووزير إفريقيا في الحكومة البريطانية راي كولينز، بالإضافة إلى عدد من أعضاء مجلسي العموم واللوردات من أحزاب العمال و المحافظين والليبراليين الديمقراطيين، تقدمتهم رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس العموم البريطاني ايميلي ثورنبيري.

وأشار البيان إلى أن حمدوك قدم شرحًا وافيًا حول تطورات الحرب في السودان، شارحًا خطورة الأوضاع وحجم المأساة الإنسانية التي تعد الأكبر على مستوى العالم، والانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها أطراف النزاع في حق المدنيين.

وأكد البيان أن حمدوك طلب من الحكومة البريطانية ضرورة العمل على وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب واتباع تدابير تقود لحماية المدنيين، وأهمية تنسيق جهود الوصول لوقف لإطلاق النار ولحل سلمي عاجل للنزاع.

وذكرت التنسيقية أن ممثلي الحكومة والبرلمان البريطاني نقلوا التزام بلادهم بالوقوف مع الشعب السوداني في محنته الحالية، وتقديرهم البالغ لدور القوى المدنية المناهضة للحرب ومساندتهم لجهودها.

وأمس قالت التنسيقة إن زيارة رئيس الهيئة القيادية إلى المملكة المتحدة تأتي ضمن جهودها للفت انتباه العالم لكارثة الحرب في السودان وحشد الدعم الدولي لمعالجة الكارثة الإنسانية التي عصفت بملايين السودانيين والعمل على إحلال السلام وإسكات أصوات البنادق في السودان.

وأوضحت أن الزيارة ستشمل لقاءات مع الحكومة البريطانية وأعضاء في البرلمان ومجلس اللوردات وعدد من المنظمات الفاعلة في الحقل الإنساني والحقوقي.

كما أضافت أنه سيلتقي بمنظمات السودانيين في بريطانيا، ويخاطب قمة إفريقيا السنوية التي تنظمها صحيفة «فاينانشيال تايمز»، وفعالية ينظمها المعهد الملكي للشؤون الدولية بعنوان: (أولويات المدنيين في إنهاء الحرب في السودان).

بكري الجاك: الانسحاب من إعلان أديس أبابا تقرره هيئة القيادة والأمانة العامة لـ«تقدم»

29 أكتوبر 2024 – أكد المتحدث الرسمي باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، بكري الجاك، أن انسحاب التحالف من إعلان أديس أبابا الموقع مع الدعم السريع، في يناير الماضي، هو أمر تقرره هيئة القيادة والأمانة العامة.

وتجئ تصريحات الجاك ردًا على سؤال «بيم ريبورتس» ما إذا كان عدم التزام قوات الدعم السريع ببنود حماية المدنيين في الإعلان السياسي سيدفعهم لإلغائه، خاصة في ظل تصاعد انتهاكاتها ضد المدنيين بولاية الجزيرة وسط السودان.

وفي يناير الماضي وقعت تنسيقية «تقدم» إعلانًا سياسيًا مع قوات الدعم السريع، بمشاركة قائدها محمد حمدان دقلو «حميدتي» في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

وقال الجاك إن الإعلان حوى مبادئ مهمة؛ مثل وحدة السودان والمواطنة المتساوية، وإصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية، مشيرًا إلى أن تنسيقية «تقدم» ترى أن هذه مبادئ ضرورية لأي حل سياسي مقبل.

الجاك: إعلان أديس أبابا كان فرصة لإحداث اختراق وبرفضه من الجيش لم يعد له قيمة

وفيما يتعلق بجزئية حماية المدنيين، في الإعلان السياسي، قال إنه لا يمكن التعويل عليها من دون توقيع الجيش على الإعلان، وأضاف «وعليه إلغاء الإعلان من طرف تقدم، من عدمه، لن يغير شيئًا في واقع الأمر».

وتابع «بالنسبة لتقدم، فإنها ترى أن الإعلان، بالإضافة إلى إعلان جدة واتفاق المنامة، يمكن أن تكون بداية للحوار حول الحل السياسي الشامل لإنهاء حالة الاحتراب».

وأردف «رغم هذا، فإن إلغاء الإعلان من طرف واحد من تنسيقية تقدم أمر تبت فيه مؤسسات تقدم من هيئة قيادة وأمانة عامة»، مضيفًا «الأجدى أن يطالب الناس بوسائل فعالة لحماية المدنيين».

ونوه إلى أن هناك فرق بين الإعلان والاتفاق، موضحًا أن الاتفاق يتضمن آليات تنفيذ وشروط جزائية في حالة إخلال أحد الأطراف بالاتفاق.

وأكد أن إعلان أديس أبابا كان فرصة لإحداث اختراق في وقته، لو أن الجيش وافق على التوقيع عليه، لافتًا إلى أنه يمكن أن يطور إلى اتفاق ولكن برفض الجيش التوقيع عليه لم يعد له قيمة.

مفاوضات من غير شروط

ونص الإعلان السياسي على وقف الحرب واستكمال الثورة السودانية والحكم المدني الديمقراطي، بالإضافة إلى تأكيده استعداد قوات الدعم السريع على الانخراط في مفاوضات مع الجيش السوداني من غير شروط لإنهاء القتال المستمر بينها.

ووفقاً لإعلان أديس أبابا، فإن «قوات الدعم السريع» مستعدة لوقف الأعمال العدائية بشكل فوري وغير مشروط عبر التفاوض المباشر مع الجيش السوداني.

وكان الإعلان قد أكد أن مشروع خريطة الطريق وإعلان المبادئ «يشكلان أساسًا جيداً لعملية سياسية تنهي الحرب في السودان»، مضيفاً أن «تقدم» ستطرح التفاهمات المتفق عليها مع «قوات الدعم السريع» على الجيش السوداني لتكون أساساً للوصول لحل سلمي ينهي الحرب.

وشدد طرفا الإعلان وقتها على أن السلام المستدام في السودان يجب أن يستند إلى وضع حد قاطع لتعدد الجيوش وتشكيل جيش واحد مهني يعبر عن الجميع وفقاً لمعيار التعداد السكاني.

وأضاف الإعلان أن «السلام المستدام في السودان يجب أن يستند على إطلاق عملية شاملة للعدالة الانتقالية».

كما اتفقت «قوات الدعم السريع» مع «تقدم» على تشكيل إدارات مدنية بتوافق أهالي المناطق المتأثرة بالحرب لإعادة الحياة لطبيعتها، وتشكيل لجنة مشتركة لوقف وإنهاء الحرب وبناء السلام.

وأكد الإعلان أيضًا الاتفاق على «القيادة المدنية للعملية السياسية مع الالتزام بمشاركة لا تستثني إلا (المؤتمر الوطني) و(الحركة الإسلامية)».

وتعهدت «الدعم السريع» أيضًا بفتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرتها، وإطلاق سراح 451 من أسرى الحرب والمحتجزين في بادرة حسن نية.

الجوع يفتك بمواطني جنوب كردفان المحاصرين بين ثلاث جبهات عسكرية 

«مع اشتداد الجوع واعتماد معظم سكان المدينة على أوراق الشجر كغذاء رئيسي، تناول ثلاثة من الأطفال أوراق نبتة تعرف بـ “بن بلاش” والتي لم يعرفوا أنها سامة، ليصابوا بالإسهال والاستفراغ المستمر، ويفارقوا الحياة بعدها» – هكذا تحدثت سماح (اسم مستعار) لـ«بيم ريبورتس» وهي تصف وضع مواطني مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان.

فتحت حرب 15 أبريل 2023 الباب واسعًا أمام الصراع المركب في ولاية جنوب كردفان بتعدد الأطراف المتحاربة، فالجيش السوداني والجيش الشعبي يخوضان حربهما الخاصة داخل الحرب الأوسع، فيما يخوضان معًا بشكل غير معلن في بعض الحالات الحرب ضد قوات الدعم السريع، فيما تحارب الدعم السريع الجميع في ولاية جنوب كردفان على رأسهم السكان.

وضع هذا الصراع المركب سكان ولاية جنوب كردفان بين ثلاث جبهات عسكرية تتشارك السيطرة على المنطقة، أثر هذا الأمر بشكل مباشر على إمدادات الغذاء والأدوية على مدينة الدلنج وهي ثاني أكبر مدن ولاية جنوب كردفان، والتي تقع على مسافة 498 كيلو مترًا جنوب غربي العاصمة السودانية الخرطوم والتي كانت تعيش أوضاعًا مستقرة، علاوة على كونها ملجأً لما يزيد على خمسة آلاف من المواطنين الذين نزحوا إثر هجوم الدعم السريع على منطقة هبيلا الزراعية (الواقعة شرق الدلنج).

لكن كل ذلك تغيَر في مطلع يناير 2024، عندما حشدت الدعم السريع قواتها في محاولةٍ لدخول المدينة، ليتصدى للهجوم كلِ من الجيش السوداني والجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية قيادة عبد العزيز الحلو، وبينما أشار الطرف الأول إلى وجود تنسيق مشترك بين الطرفين لصد الهجوم، نفت الشعبية وجود هذا التنسيق.

صورة أرشيفية من جبل "الدش" بمدينة الدلنج

الدلنج.. مدينة محاصرة ومعزولة

تأثرت مدينة الدلنج بالمعارك التي دارت بين الجيش السوداني والجيش الشعبية التابع للحركة الشعبية بمدينة كادوقلي (حاضرة ولاية جنوب كردفان) منذ أغسطس 2023، والتي أدت إلى نزوح آلاف المواطنين داخل الولاية وخارجها. علاوة على إغلاق الرابط بين الدلنج وكادوقلي، وهو وضع تعقد بعد هجوم الدعم السريع على مدينة هبيلا ومن ثم الدلنج مطلع يناير 2024، وبذلك أصبحت المدينة معزولة، الأمر الذي فرض خناقاً اقتصادياً قاسياً على المدينة، أصبحت مع معاناة المواطنين أمراً يومياً مستمراً، خاصة فيما يتعلق بالحصول على الغذاء والأدوية والخدمات الصحية.

وقالت بعض المصادر التي تحدثت لـ«بيم ريبورتس» من مدينة الدلنج، إن هناك انعدام شبه كامل للسلع الغذائية، وحتى التجار توقف عملهم بسبب عدم توافر البضائع وإغلاق الطرق من وإلى المدينة، ومعظم الأسر لا تمتلك ما تأكله فأصبحت تعتمد على أوراق الأشجار بشكل رئيسي، الأمر الذي زاد معدلات سوء التغذية وسط الأطفال بالإضافة إلى زيادة نسبة وفيات الأطفال وكبار السن”.

وتشرح سماح في ذات السياق، بأن «إغلاق الطريق وعدم توفر السيولة النقدية تسبب في ارتفاع جنوني لأسعار السلع الغذائية الرئيسية، والتي لا تستطيع معظم الأسر توفيرها أو شرائها في المقام الأول».

وأدناه جدول يوضح أسعار السلع بتاريخ 25 سبتمبر:

السلعة

السعر بالجنيه السوداني

ملوة الذرة

20 ألف 

ملوة البصل

20 ألف 

رطل الزيت

40 ألف 

كيلو الدقيق

9 آلاف 

وفي السياق نفسه، فإن معاناة سكان الدلنج لا تقتصر على عدم توافر السلع الاستهلاكية فحسب، فالجانب الصحي كذلك بالغ الصعوبة، إذ هناك ندرة في الأدوية، خاصة أدوية الأمراض المزمنة (القلب، والكلى، والسكري) علاوة على عدم توفر الأدوية والأمصال الوقائية  لتطعيم الأطفال.

 وتضيف سماح «أدى هذا الوضع إلى تسول أهل المدينة لمأكلهم، وبالرغم من عمل بعض الجهات والمبادرات والمنظمات التطوعية، مثل صدقات وصناع الخير  والنفير وللخير نسعى وأمل بلا حدود، إلا أن الوضع ما يزال كارثيًا، حيث أن حاجة الناس كبيرة للغاية».

وإن كان الوضع قاسيًا على سكان مدينة الدلنج، فإن حدته تتضاعف على النازحين إليها من منطقة هبيلا الواقعة شرقها، إذ نزح الآلاف من يعتمدون على الزراعة وتربية الماشية خالي الوفاض من كل ما بإمكانه مساعدتهم في رحلة نزوحهم، علاوة على إقامتهم في دور الإيواء، والتي تعاني هي الأخرى أشد أنواع المعاناة، وتنعدم فيها أدنى مقومات الحياة.

صورة أرشيفية من مخيم للنازحين بمدينة كادوقلي

كادوقلي.. وجه آخر للمعاناة

لا تختلف حدة الوضع كثيرًا في مدينة كادوقلي، والتي نزح إليها الآلاف حيث يواجهون شتى ضروب المعاناة؛ من ندرة في توفر الطعام ومياه الشرب، إلى جانب تدهور واسع في الأوضاع الصحية.

وهذه المعاناة يعيشها كل سكان المدينة، وتزيد وطأتها على النازحين، والمدينة مثلها مثل الدلنج تأثرت بإغلاق الطرق وعدم وصول البضائع والمساعدات الإنسانية، ما تسبب في تكرار نفس مشاهد الجوع المفزعة وسوء التغذية وموت الأطفال نتيجة تناول أوراق شجر سامة، علاوة على وفاة 19 طفلًا خلال شهر مايو الماضي فقط، نتيجة سوء التغذية والإسهالات المائية، الأمر الذي يزيد من مخاوف السكان، خاصة مع بداية الخريف وانتشار الحميات والأوبئة، بالإضافة إلى الكوليرا التي تفتك بالبلاد.

مناطق سيطرة الشعبية.. إعلان رسمي للمجاعة

في منتصف أغسطس الماضي، أعلنت الحركة الشعبية-شمال عن المجاعة بمناطق سيطرتها في إقليمي جبال النوبة والفونج الجديدة، والتي يبلغ عدد سكانهما، بحسب بيانات الحركة، (3,000,000) نسمة بعد نزوح الفارين من الحرب إليهما من الولايات الأخرى.

وأرجعت الحركة الشعبية أسباب المجاعة في تأثر الإقليمين بالحرب الدائرة، والتي أدت إلى تقلَّص المساحات المزروعة في السودان بسبب الحرب إلى (60%) مما جعل أكثر من (80%) من القوى العاملة في الزراعة يغادرون مناطق الإنتاج وأصبحوا لاجئين ونازحين، ما تسبب في فشل الموسم الزراعي السابق وعدم توفر التقاوي والوقود وقطع الغيار نتيجة لإغلاق الطرق.

صورة من مناطق سيطرة الحركة الشعبية

جوعٌ لا يذهبه تبادل الاتهامات

سبق إعلان المجاعة اختراق مهم لكنه أجهض في مهده، إذ شهدت مسألة المساعدات الإنسانية تطورًا في الرابع من مايو الماضي، عندما وقع كلٍ من نائب القائد العام للجيش السوداني، شمس الدين كباشي، ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان، عبد العزيز الحلو، اتفاقاً مبدئياً نصّ على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة في جبال النوبة، والتي تسيطر عليها القوات التابعة للطرفين، وهو ما قوبل باستحسان كبير داخل السودان، خاصة وأن الاتفاق مثل خطوة أولى نحو تحسين الأوضاع المعيشية للملايين من السودانيين المتأثرين بالصراع المستمر منذ أبريل 2023.

لكن لم تمر إلا أيام، لتتعثر جولات المفاوضات بعد أيام قليلة من بدء جولات المفاوضات نتيجة الخلافات العميقة بين الطرفين حول طبيعة الاتفاق. فقد اتهم الجيش الحركة الشعبية بإصرارها على إدخال قوات الدعم السريع كطرف في المباحثات، مما اعتبره الجيش محاولة لتبرير الانتهاكات التي ارتكبتها تلك القوات ضد المدنيين. من جانبها، ردت الحركة الشعبية باتهام الجيش بمحاولة استغلال المفاوضات ليس لإيصال المساعدات الإنسانية، بل لتأمين إمدادات عسكرية لقواته المحاصرة في مناطق كردفان، متهمة الجيش بالابتعاد عن الهدف الإنساني للمفاوضات.

 وفي خطوة مفاجئة أمس السبت، 19 أكتوبر 2024، أصدرت اللجنة الوطنية للطوارئ الإنسانية «حكومية» قرارًا أعلنت فيه التزامها بتقديم كافة التسهيلات لانسياب المساعدات الإنسانية وتقديم كل ما من شأنه أن يسهل وصولها إلى المحتاجين في كافة أنحاء البلاد.

كما كشفت اللجنة الوطنية للطوارئ عن فتح مطارات: كسلا ودنقلا والأبيض وكادقلي أمام المنظمات الدولية، بالإضافة إلى 7 معابر برية تمت الموافقة عليها مسبقًا. كما كشفت عن تواصل فعال هذّه الأيام- لم تسم الجهة- لبدء لنقل المساعدات الإنسانية إلى ولاية جنوب كردفان من مطار جوبا إلى مطار كادقلي.

وفي الوقت الذي أشارت فيه في البيان إلى أنها ستكون بهذه الخطوة قد أوفت بكل متطلبات دخول وإنسياب المساعدات الإنسانية عبر الجو والبحر، قال المتحدث باسم وفد الحركة الشعبية شمال، جاتيقو اموجا دلمان، في تصريح لـبيم ريبورتس إن “بيان مجلس السيادة السوداني الغرض منه التنصل من التزامات سابقة تمت ما بين حكومة بورتسودان ووكالات الأمم المتحدة المعنية بالإغاثة ومثلها مع الحركة الشعبية”.

 وأضاف كان يفترض أن يتم استخدام معبر جوبا الدولي لنقل مساعدات إنسانية لأربع مدن في ولاية جنوب كردفان عن طريق الإسقاط الجوي، وهي كادقلي وكاودا والدلنج وجلد وليس مدينة واحدة فقط.

وضع استمرار الحرب بأشكالها العسكرية والسياسية في مدن ولاية جنوب كردفان حياة الملايين من السكان على شفا كارثة إنسانية محققة في ظل انعدام الأمن والغذاء، ومعاناة الناس من الجوع والعوز، مما يجعلهم أكثر عرضة للأمراض الفتاكة وسوء التغذية، خاصةً الأطفال وكبار السن. ومع تفاقم  الأوضاع المأساوية وإغلاق الطرق وحصار المدن، فإن المدينة المحاصرة من قبل ثلاث قوات عسكرية، تعيش قصة مأساة يومية، تُكتب بحروف من ألم وفقدان.