9 مارس 2025 – أكد خبير دستوري أن التعديلات التي أجريت على الوثيقة الدستورية لعام 2019 تفتقد للمشروعية الدستورية، بينما وصف الدستور الانتقالي لسنة 2025 والذي أصدره تحالف السوداني التأسيسي «تأسيس»، بالباطل.
وقال الخبير الدستوري والأمين العام لتسيرية نقابة المحامين السودانيين، الطيب العباسي، في مقابلة مع «بيم ريبورتس» إن التعديلات التي أجازتها الحكومة السودانية على الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية 2019 خلال فبراير الماضي، كارثية وتفتقد للمشروعية الدستورية.
في المقابل، وصف العباسي الدستور الذي وقعه تحالف السودان التأسيسي «تأسيس» في نيروبي بالباطل والمفتقد للمشروعية الدستورية.
والثلاثاء الماضي وقع «تحالف تأسيس» بقيادة قوات الدعم السريع والحركة الشعبية-شمال وحركات مسلحة أخرى، بالإضافة إلى بعض القوى السياسية، على ما أسموه الدستور الانتقالي لسنة 2025 والذي يمهد الطريق لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع.
ونص دستور تحالف تأسيس ضمن بنود أخرى على علمانية الدولة وإلغاء الوثيقة الدستورية لسنة 2019.
وكانت الحكومة السودانية قد أجرت تعديلات في الوثيقة الدستورية 2019 بتاريخ 19 فبراير الماضي خلال اجتماع مشترك لمجلسي السيادة والوزراء.
وفي أعقاب الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع، عمر البشير في أبريل 2019، علق رئيس المجلس العسكري الانتقالي السابق، عوض ابنعوف العمل بالدستور الانتقالي لسنة 2005، لتصبح الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس 2019 بين المدنيين والعسكريين بديلًا له.
العباسي: التعديلات على الوثيقة الدستورية كارثة
عّد العباسي، التعديلات التي أجريت على الوثيقة الدستورية كارثة، معتبرًا أنها محاولة لإلباس ثوب الباطل في الحق ضمن محاولات تبيين شرعيتهم.
كما اعتبر العباسي الوثيقة الدستورية لعام 2019 صدرت بموجب اتفاق سياسي يمثله طرفان مكون عسكري ومدني هو إعلان الحرية والتغيير.
وأوضح أن هذا يعني أنها تسير عبر الطريق المرسوم من خلال فترة انتقالية بطرفين، مضيفًا «أي أنه لا يستطيع أيا منهما أن ينفرد باتخاذ أي تدابير أو إجراءات إلا بعد التداول والتوافق بينهما».
وقال إن الإجراءات التي تمت مؤخرًا في الوثيقة الدستورية مخالفة للدستور لأنه تم الاعتماد فيها على مطلع الوثيقة الدستورية، مشيرًا إلى أنه وعملاً بأحكام الوثيقة الدستورية لسنة 2019، فإن أي إجراء وتعديل فيها لا يتم وفق آلية الإلغاء والتعديل يعتبر مخالفًا للوثيقة وللنص الذي تم وضعه في الوثيقة في المادة الأولى.
ونبه إلى أن المادة التي تعطي الحق في التعديل معروفة وتحدثت عن أن منصة التأسيس التي وضعت الوثيقة وهما الطرفين المكون العسكري والمكون مدني ممثلًا في قوى الحرية والتغيير هما المخول لهما التعديل.
وواصل «إذا كان هناك جهة مخول لها التعديل فهي المكون المدني أما التعديل في المكون العسكري يتم عبر المكون العسكري أو يجتمع الطرفان من منصتي التأسيس ويتفقوا على التعديل بأي فهم من المفاهيم الدستورية».
وأوضح أن المادة 25 الفقرة 3 من الوثيقة الدستورية تتحدث عن أن أي تعديل على الوثيقة الدستورية يتم باجتماع بين مجلسي الوزراء السيادة باعتبارهم سلطة تشريعية، وأن القرارت تتخذ بالتوافق أو بأغلبية ثلثي الأعضاء ما يعني أن الاجتماع يشمل المكون المدني الشخوص الموجودين في مجلسي السيادة والوزراء وهم يشكلون 75 في المئة كجهة تشريع.
ونبه إلى أنه تم السماح لهم بحسب الوثيقة بالتعديل في ظل غياب المجلس التشريعي لمدة 3 أشهر فقط، وأضاف «بمجرد انتهاء المدة ليس لديهم إمكانية ممارسة أي إجراء أو تعديل».
وشدد على أن كيفية الإبدال والتغيير تحدثت عن أن أي إجراء بخصوص الوثيقة الدستورية لا بد أن يتم من خلال اجتماع المكونين المشكلان لها.
ولفت إلى أن أي قرارات اتخذها مجلس السيادة، حاليًا أو في السابق، باطلة في ظل غياب المكون المدني وليس لديها أي معنى.
وتابع «تم فيها الباس الباطل ثوب الحق لأنه تم الاعتماد فيها على أحكام 2019 وعُدِل في الأحكام على هوى المجلس العسكري وأتى بأشخاص ليس من حقه أن يأتي بهم وهذا سبب أساسي لانعدام المشروعية الدستورية» وفق ما قال.

أجرى اجتماع مشترك لمجلسي السيادة والوزراء تعديلات على الوثيقة الدستورية
العباسي: ما تم في نيروبي ليس لديه علاقة بأي عمل قانوني
وقال العباسي إن ميثاق تحالف السودان التأسيسي الذي تقوده قوات الدعم السريع قامت فيه بالدمج بين الاتفاق الإطاري وإعلان المبادئ سويًا، موضحًا أنه بدأ بشكل خاطئ وسيستمر خطأ.
وذكر العباسي أن ما تم في نيروبي لا يمكن أن يكون لديه علاقة بعمل قانوني، معتبرًا أنه بمثابة صب الزيت على النار، منبهًا إلى أنه سيخلق سعي مجموعات قبلية للسلطة محذرًا من أننا «موعودين بـ حروب قبلية في المستقبل».
ولفت إلى أن المساحة الجغرافية والأقاليم التي تحدث عنها دستور تحالف السودان التأسيسي ستخلق فتنة قبلية، أكثر من كونها ستجمع بين مكونات.
وأشار إلى أن التوزيع الجغرافي مخل وسيقودنا إلى الحرب الأهلية والقبلية، لافتًا إلى أن تسمية إقليم باسم بقبيلة يتنافى مع المفاهيم الدستورية المعروفة.
وأرجع محاولات تكوين حكومة موازية إلى أنه نتاج أفعال الحركة الإسلامية ومنظومة الإسلام السياسي، مشددًا على أنه يجب على السودانيين أن يلتفتوا لهذه الفتنة.

وقع تحالف السودان التأسيسي بقيادة قوات الدعم السريع في 4 مارس دستورًا في العاصمة الكينية نيروبي
الفرق بين المشروعية الدستورية والشرعية الدستورية
ودعا العباسي إلى التميير بين مصطلحي «المشروعية الدستورية» والـ«الشرعية الدستورية»، وقال إن المشروعية تعني أن النصوص الدستورية يجب ألا تخالف ما ورد في الوثيقة الدستورية وألا تعدلها إلا بما ورد في النصوص.
بينما الشرعية الدستورية، بحسب العباسي، هي الانتخابات أو الثورة الشعبية على نظام فاسد.
وأضاف «المجتمع الدولي يعترف بالحكومات التي تأتي بالشرعية الدستورية بالانتخابات أو تأتي عبر ثورية شعبية على نظام فاسد وانتفضت عليه».
وأردف «أي حكومة تأتي عبر ثورة ينطبق عليها مفهوم الشرعية الدستورية وهو المسار الثاني ويجب الالتزام بمواقيت وهيكل الدولة واحترام الأطراف التي شكلت الوثيقة وهم من صلب الثورة وأي تعديل في الوثيقة يعتبر مخالف للشرعية الدستورية التي أتت بها الجماهير».
وانتقد العباسي بعض النصوص الواردة في الوثيقة الدستورية وقال إن هناك عيوب كانت في بعضها، خاصة النصوص التي توقفت على شرط، موضحًا أن النصوص الدستورية يجب أن تكون واضحة وليس بها غموض.
واستشهد بالنص الذي يتحدث عن المحكمة الدستورية قائلاً إنه في النص المتعلق بالمحكمة الدستورية لا تستطيع أن تأتي بها إلا عبر مجلس القضاء العالي، مشيرًا إلى أن المحكمة الدستورية كانت في حكم العدم بسبب انعدامها. مضيفًا «ولأن تكوينها واقف على شرط مجلس القضاء العالي».
وتابع «الجهة الرقابية الثانية أن البرلمان لو كان موجودًا لكان أدى دور الحارس للدستور وعطل هذه القرارات»، مشيرًا إلى أن غياب البرلمان خلال الثلاثة أشهر الأولى وعدم تكوينه أثر.
وحمل العباسي جزءًا كبيرًا من المكون المدني المهادنة وعدم الصرامة في كثير من الأمور المتعلقة بالوثيقة الدستورية إبان فترة حكمهم.
وقال «كان يجب عليهم أن ينتزعوا تكوين المحكمة الدستورية والبرلمان ليمارس صلاحيته التي يملكها بنسبة 75 في المئة.. تراخي المكون المدني أعطى الفرصة للعسكر لهدم أهم ثورة سلمية لديها حق دستوري ومشروعية وكان يجب أن يحافظوا عليها بكل صرامة».
ولفت إلى أن المادة 72 من الوثيقة الدستورية تحدثت عن أن المكون العسكري بمجرد تأديته القسم عليه أن يأتي بزي مدني ويخلع البزة العسكرية وهذا لم يحدث، موضحًا أن هذا كان الاختراق الأساسي لانتزاع الشرعية بموجب فوهة البندقية بإجراءات 25 أكتوبر 2021.
وفيما يتعلق باتفاق سلام جوبا رأى العباسي أنه أيضا، وبحسب الاتفاق، فإن ما تم لا يعطي الحق للمكون المدني ولا العسكري في أن يعدل في الشخوص الذين يمثلون الحركات المسلحة في الدولة، موضحًا أنه بذلك أصبح هناك طرفًا ثالثًا وهذا الأمر يخالف اتفاق سلام جوبا وقد يكون سببًا أساسيًا في انهياره.
ويعتقد العباسي أن الانقسام والانشقاق بين الحركات المسلحة بسبب تدخل المكون العسكري وهو جزء كبير من الأسباب التي أدت لتأجيج نيران الحرب وتعدد الجيوش.
واتهم البعض بأنهم سعوا ليحدث هذا وقبلها ليكون هناك ائتلاف بين المكون العسكري والحركات المسلحة لإبعاد المكون المدني.
العباسي: إدراج المكونين المدني والعسكري قوات موازية في الوثيقة الدستورية كان خطأ
شدد على أن استبعاد عضوا السيادة السابقين الطاهر حجر والهادي إدريس أمر مخل ومخالف، وقال إنه زرع بذور فتنة، مجددًا تأكيده على أن مجلس الاتفاقية هو الوحيد المخول له بالتعديلات وأن ما تم انتهاك للمبادئ الدستورية.
وانتقد موافقة المكونين المدني والعسكري سابقًا على إدراج قوات موازية للجيش معتبرًا أن هذا خطأ من ناحية دستورية وقانونية، مضيفا «كان يجب ألا تُدرج في الدستور ووضعت بشكل خطأ»، مشيرًا إلى أن ما تم أعطى الدعم السريع شرعية مخاطبة المجتمع الدولي بسبب إدراجه في الوثيقة الدستورية.
ووصف ما يحدث في بورتسودان من الحكومة بأنه اغتصاب للسلطة وقال إن الحكومة الموازية أيضًا ليس لديها شرعية، مشددًا على أنه لا هذه ولا تلك تستحق الشرعية الدستورية.
وأكد على أن قوى الحرية والتغيير منصة التأسيس بما فيها البعث والشيوعي هي صاحبة الحق في الدستور لأنهم خرجوا بعد صراعات المحاصصة وعدم قيام المحكمة الدستورية، وقال «الثورة لديها منصة تأسيس».
مخرج السودان تأسيس حكومة مدنية وفقاً للوثيقة الدستورية وتصحيح ثقوبها
العباسي رأى أنه يجب أن يستمر الشعب في نضاله لتأسيس الحكومة الشرعية التي أتت عبر ثورة ديسمبر وعبر الانتخابات، وشدد على أن الحكومة التي أتت عبر ثورة ديسمبر يجب أن تعود لاستعادة الشرعية الثورية والدستورية، وقال إنه وفق الوثيقة فحتى استقالة حمدوك باطلة.
واعتبر أن مخرج السودان من المأزق الحالي يكمن في تأسيس حكومة مدنية وفقاً للوثيقة الدستورية يعاد فيها كثير من تصحيح الثقوب الموجودة فيها والرجوع لمنصة التأسيس بدون العيوب السابقة.
وأضاف «المكون العسكري إذا أراد السلام في السودان وتحقيق العدالة لكل هذه الانتهاكات وإيقاف الدم لا بد من الرجوع إلى مسار الدولة المدنية».

العباسي قال إنه كان من الخطأ إدراج قوات موازية في الوثيقة الدستورية