26 يوليو 2025 – أطلقت كلٌّ من تنسيقية لجان المقاومة بمدينة الفاشر ومجلس تنسيق غرف الطوارئ بولاية شمال دارفور نداءين منفصلين، الجمعة، حذّرا فيهما من تفاقم الأزمة الإنسانية داخل مدينة الفاشر المحاصَرة، مؤكدين أن الأوضاع المعيشية والصحية بلغت حد الانهيار الكامل، وسط انعدام الغذاء وتصاعد الهجمات العسكرية وغياب الاستجابة الرسمية.
ومنذ العاشر من مايو 2024، تحاصر قوات الدعم السريع مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور وآخر مدينة في الإقليم ما تزال تحت سيطرة الجيش، في محاولة لإسقاطها، مما خلف أوضاعَا إنسانيةً واقتصاديةً سيئة، في ظل تجاهل النداءات الأممية لوقف القتال في المدينة.
وقالت تنسيقية لجان المقاومة بالفاشر، في بيانها، إن المدينة «تحاصرها الحرب ويطحنها الجوع»، مشيرةً إلى أن أغلب المطابخ المجتمعية والتكايا توقفت عن العمل بعد نفاد الموارد وانقطاع الدعم، فيما لم تعُد الجهود الذاتية كافية لتأمين الطعام للمدنيين. وأضافت: «اليوم، في بعض المطابخ القليلة التي ما زالت تحاول الصمود، لم يجد العاملون بها إلا الأمباز وبقايا طحن الفول ليُطهى ويُقدَّم كوجبة وحيدة للنازحين ولأهل المدينة الذين ينتظرون الطعام ليبقوا على قيد الحياة».
وتابعت تنسيقية المقاومة في الفاشر قائلةً: «نحن الآن تحت القصف المستمر نواجه الجوع الحقيقي والعزلة التامة، ونزحف من حيّ إلى حيّ بحثًا عن الأمان ولا نجده». وأكدت، في بيانها، أنها لا تبحث عن التصفيق وإنما «عن صوت يوصل معاناتنا الإنسانية ويصرخ باسمنا في كل المنصات»، معلنةً التمسك بالمقاومة و«الحق المشروع في البقاء على الأرض». واختتمت بيانها بنداءٍ لافت جاء فيه: «لا تتركوا الناس تموت جوعًا وأنتم تنظرون».
أما مجلس تنسيق غرف الطوارئ بولاية شمال دارفور، فقد أصدر بيانًا منفصلًا، حذّر فيه من أن مستويات انعدام الأمن الغذائي داخل الفاشر «بلغت حدًا غير مسبوق»، موضحًا أن التقديرات الميدانية تشير إلى «انعدام شبه كامل للمواد الغذائية الأساسية بنسبة تصل إلى 88%».
وشدد المجلس على أن «الأزمة تجاوزت مرحلة التحذير إلى مرحلة المأساة الإنسانية الحقيقية»، مشيرًا إلى أن الأطفال والنساء –بوصفهم الأكثر ضعفًا– يعانون الجوع وسوء التغذية الحاد، ولافتًا إلى أنّ «مشاهد الهزال أصبحت مألوفة في المخيمات والمجتمعات المضيفة»، ومؤكدًا «بأسى بالغ» أنهم يشهدون «حالات وفاة فعلية بسبب الجوع وسوء التغذية».
وفي السياق نفسه، ناشد ناشطون، عبر منصات التواصل الاجتماعي، أبناء ولاية شمال دارفور وبناتها المقيمين في الخارج والمنفيين قسرًا بفعل الحرب، إلى بذل ما يمكن من دعم عاجل لإنقاذ أرواح المدنيين، مؤكدين أن المدينة «تقف على حافة المجاعة المفتوحة».
كما دعا الناشطون أبناء الولاية في المنافي والمهاجر إلى التحرك السريع لتأمين الغذاء والدعم الطبي، في ظل غياب الاستجابة الحكومية وتوقف شبكات الدعم المحلية كليًا.
وعبّر كثير من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي عن استيائهم من غياب حكومة ولاية شمال دارفور عن مشهد الأزمة، متهمين السلطات المحلية بعدم الاكتراث بما يعانيه المدنيون داخل المدينة المحاصرة. وأشاروا إلى أن «أغلب التكايا والمطابخ التي كانت تقدّم وجبات مجانية قد توقفت عن العمل نهائيًا بسبب انعدام الموارد وغياب أي دعم رسمي أو منظم».
وكانت الأمم المتحدة قد حذرت، الأربعاء، من أن الأوضاع الصحية في ولاية شمال دارفور «تتدهور بسرعة»، مع تسجيل ارتفاع حاد في إصابات الكوليرا والملاريا والحصبة، خصوصًا في مدن «طويلة» والفاشر و«كبكابية». وقال المتحدث باسم المنظمة ستيفان دوجاريك إن «انقطاع الإنترنت ونقص الاختبارات السريعة يعوقان مراقبة انتشار الأمراض»، في وقت أُغلقت فيه أكثر من 32 مرفقًا صحيًا بسبب انعدام الأمن.
وأفاد دوجاريك أن خطة الاستجابة الإنسانية الأممية وُسّعت لتشمل أكثر من 380 ألف نازح بمحلية «طويلة»، معظمهم فرّوا من مخيم «زمزم» والمناطق المجاورة منذ أبريل، لكن الخطة «تحتاج إلى 120 مليون دولار لتوفير الغذاء والرعاية الصحية والمياه والمأوى خلال الأشهر الثلاثة المقبلة».
وكانت وزارة الصحة الاتحادية قد أكدت، في تقريرها الوبائي الأسبوعي الصادر الثلاثاء، أن محليتي «طويلة» بجنوب دارفور و«بليل» في شمال دارفور سجلتا أعلى معدلات الإصابة والوفاة بالكوليرا، ضمن 1,307 حالة رُصدت في 12 ولاية خلال أسبوع واحد (12 – 18 يوليو).
كما حذّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من أن النظام الصحي في شمال دارفور «يواجه خطر الانهيار الكامل بسبب النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الجراحية واللقاحات»، مما يعرّض آلاف المرضى للخطر، لا سيما في مناطق النزوح والمعسكرات.