29 يوليو 2025 – وضع حصار مزدوج ومشدد تفرضه قوات الدعم السريع والحركة الشعبية-شمال على كادقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان المدينة على حافة أزمة إنسانية مركبة، يتداخل فيها الجوع وندرة الدواء، فيما فقد الأطفال حديثو الولادة حقهم في التطعيم. كل ذلك وسط قبضة أمنية مشددة من السلطات الأمنية.
وقبل أكثر من أسبوع اندلعت توترات أمنية في كادقلي المحاصرة منذ نحو سنتين من قوات الدعم السريع من جهة وقوات الحركة الشعبية-شمال من جهة أخرى بسبب أزمة الجوع المتصاعدة في المنطقة.
واندلعت الأحداث في كادقلي بعد خطبة ألقاها القائد العسكري «كافي طيارة» المتحالف مع الجيش هاجم فيها التجار منتقدًا تخزينهم للسلع واحتكارها مما جعل المواطنين يغضبون ويهاجمون السوق الأمر الذي تضررت منه محال الهواتف والملابس والباعة والمخازن وغيرها، وفقًا لما قاله مصدر من كادقلي ينشط في خدمة المجتمع لـ«بيم ريبورتس».
«لم تعد الأسر تعد وجباتها كما في السابق، بل تبحث عن أقل ما يسد الرمق وسط توترات وقبضة أمنية بسبب أزمة الجوع المتصاعدة. الأطفال الذين ولدوا خلال الأسابيع الماضية لم يحصلوا على تطعيماتهم، والمرضى في المستشفيات يتلقون علاجًا منتهي الصلاحية دون أكسجين»، يقول مصدر طبي من كادقلي لـ«بيم ريبورتس».
وبات الحصول على ملوة ذرة أو قطعة صابون في كادقلي يمثل تحديًا، وأصبحت التحويلات المالية الإلكتروينة خاضعة لشروط قاسية تُجبر المواطن على شراء بضاعة مضاعفة لقيمة المبلغ الذي تتسلمه، وفق ما قال المصدر الأول.
كل هذا يحدث في مدينة كانت يومًا مركزًا تجاريًا مهمًا.
أُغلقت الأسواق، وقيدت حرية المواطنين في التعبير بينما ينهار كل شيء حالياً إلا أصوات شبابٍ قرروا أن يواصلوا تقديم الطعام للأطفال والمسنين كل يوم، رغم كل شئ، وذلك وفقًا للمصدرين اللذين تحدثا إلينا من مدينة يعيش سكانها الويلات.
وأفاد المصدران أن المدينة تعيش في عزلة خانقة منذ شهر يونيو بعد أن أغلقت كل الطرق المؤدية إليها، وتوقفت الإمدادات والسلع والخدمات الأساسية، في ظل غياب تام للسلطات والمنظمات الإنسانية، ما جعل السكان يواجهون خطر الجوع والانهيار الصحي.
ووصف المصدر الأول الوضع بالكارثي، وأن الأسعار تضاعفت عدة مرات، فيما تفكك السوق المحلي تمامًا. وقال إن كيلو السكر يباع بـ45 ألف جنيه، العدس 30 ألفًا، الذرة 35 ألفًا، بينما يبلغ رطل الزيت 25 ألف جنيه، والكيلو الواحد من اللحم 35 ألفًا، في حين ارتفع سعر الوقود إلى مليون جنيه للباقة، إن وجد. كما أشار إلى انعدام سلع بالكامل مثل الرُز والبقوليات
وأكد أن الحصول على الطعام يستدعي الوقوف في صفوف طويلة دون ضمان، وأن معظم الناس يعيشون على وجبة واحدة فقط، غالبًا من الذرة، ولا توجد مساعدات تُذكر، مشيرًا إلى أن الناس بدأوا في بيع ممتلكاتهم لتوفير الحد الأدنى من الغذاء.
وفيما يخص الوضع الصحي، أوضح المصدر الثاني أن الأدوية غير متوفرة، سواء في المستشفى أو في الصيدليات، ولا توجد محاليل وريدية ولا حتى شاش أو أدوية للملاريا. بل ذهب في وصفه أبعد من ذلك قائلاً : «حتى قماش الكفن غير موجود، الموتى يُدفنون بملابسهم».
اعتقالات وقبضة أمنية
ولفت المصدر الأول إلى وجود اعتقالات وقبضة أمنية وتعمد للتكتم على الوضع وقال إن آخر هذه الحالات كن حوالي 15 امرأة شاركن في احتجاجات على الغلاء أمام منزل والي الولاية، تم اعتقالهن ونُقل بعضهن إلى أماكن احتجاز غير معروفة.
ورغم هذه الظروف، ماتزال غرفة طوارئ كادقلي تقدم وجبات إفطار لأطفال سوء التغذية وكبار السن والمرضى، في محاولة لتقليل حجم المجاعة، بدعم من شباب ومتطوعين داخل الأحياء بحسب مواطنين من كادقلي وذلك بعد أن قيدت السلطات عمل حوالي 30 منظمة كانت تعمل في كادقلي بشكل مفاجئ منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
وأوضح أن الوضع تفاقم أكثر بعد قرار السلطات إيقاف عمل المنظمات الإنسانية في الولاية ومن بينها حسب مايذكر برنامج الغذاء العالمي، والمجلس النرويجي للاجئين.
واطلعت «بيم ريبورتس» على خطاب رسمي بهذا الشأن صادر من مفوض العون الإنساني في 21 أبريل الماضي بإيقاف احدى المنظمات .
وأشار إلى أن السوق الرسمي انهار تمامًا، منذ الأسبوع الماضي وتوقفت تجارة الجملة، وتحول النشاط إلى بيع متفرق عبر باعة متجولين في بعض الأحياء ، وسط تراجع حاد في توفر السلع.
وأضاف أن السلع البديلة كانت تأتي من مدينة الدلنج قبل أن يشير إلى أن محاولات فتح طريق الدلنج لم تنجح في إنعاش المدينة، بسبب احتجاج التجار في الدلنج على الضغط الاستهلاكي من تجار كادقلي ومنعهم من التصاديق.
وعن الوضع الصحي، ذكر المصدر الثاني أن مستشفى كادقلي يستخدم أدوية منتهية الصلاحية منذ أكثر من عام، ولا توجد أسطوانات أوكسجين، وتُجرى العمليات الجراحية بتخدير موضعي باستخدام مادة الكتامين التي لها آثار جانبية تؤدي للموت وتحتاج للأكسجين المنعدم في الأصل فيما لفت هنا إلى وفاة عدد من المرضى جراء ذلك آخرهم محامية معروفة بالمدينة.
كما أن مستشفى الأطفال يعاني من غياب تام للأغذية المهمة، ما يفاقم حالات سوء التغذية.
وتحدث المصدر الأول عن حالة من الفوضى عمت المدينة مؤخرًا، بعد دعوات لكسر المخازن، ما أدى إلى موجة من النهب طالت المتاجر، مشيرًا إلى أن السوق أغلق لثلاثة أيام، من الثلاثاء وحتى الخميس الماضي قبل أن يُعاد فتحه جزئيًا الجمعة الماضي.
وعلى المستوى العسكري، تسيطر الحركة الشعبية-شمال بقيادة عبد العزيز الحلو تسيطر على مناطق واسعة شرق وجنوب كادقلي، وتمتد إلى كاودا وجلد، بينما تنتشر قوات الدعم السريع شمال غرب المدينة، في أبو زبد وأم عدارة، في حين يحتفظ الجيش بطريق الدلنج – كادقلي فقط.
وما بين الجوع والعزلة، يكافح سكان كادقلي للبقاء، دون دعم من سلطات مركزية أو منظمات، وسط واقع يومي يزداد صعوبة، وخوف متصاعد من مجاعة شاملة قد تفاقم الوضع الإنساني والأمني أكثر.