Day: August 1, 2025

بعد نهاية الصراع بين «إيران وإسرائيل»، كيف أصبحت حرب السودان تحت أنظار الأطراف الإقليمية والدولية

 ملاذ البدوي

ملاذ البدوي

مع انتهاء حرب الـ12 يومًا بين إيران وإسرائيل في يونيو الماضي، عادت الأنظار نحو ساحات الصراع غير المحسومة في الإقليم، وفي مقدمتها السودان.

 ورغم أن الحرب بين القوتين الشرق أوسطتين لم تستمر سوى أيام أياماً معدودة إلا أن تداعياتها لم تتوقف عند حدود الشرق الأوسط بل امتدت لتطال ساحات قتال أخرى، أبرزها في البلد الإفريقي المشتعل بالصراع الداخلي بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أكثر من عامين بلا أفق واضح للحل.

 حيث يعتقد أن التوتر الإقليمي الأخير أعاد ترتيب أولويات الأمن في المنطقة وطرح تساؤلات حول ما إذا كان السودان سيتحول إلى ساحة صراع غير مباشر بين طهران وتل أبيب. 

ومنذ اليوم الأول من هجوم إسرائيل على ايران جاء رد الفعل السوداني على التصعيد ببيان من وزارة الخارجية السودانية  في 13 يونيو 2025، دانت فيه  الهجمات الجوية الإسرائيلية على إيران، واعتبرتها «انتهاكًا صارخًا لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة» معلنة «تضامن السودان الكامل مع شعب إيران وحكومتها».

وفي 23 يونيو وبعد ضربات إيرانية استهدفت قاعدة «العديد» الأمريكية في قطر، أدانت الخارجية السودانية بشدة الهجوم على الدوحة معتبرة ذلك انتهاكًا لسيادتها ومخالفة صريحة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

وعكس هذا التباين ارتباكًا سياسيًا بين خطابين أحدهما متعاطف مع طهران، والآخر حريص على الحذر من الاصطفاف معها في صراع مفتوح مع الغرب.

تطبيع مجمد وعلاقة متقلبة

بالرجوع إلى علاقة الخرطوم مع «البلدين» أي إيران وإسرائيل. بالنسبة لإسرائيل فقد بدأ السودان خطوات تطبيع العلاقات مع تل أبيب في أكتوبر 2020، ضمن اتفاقات «أبراهام»، بدعم من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الأولى. 

ووقع رسميًا على الاتفاق في يناير 2021، بين وزيري العدل السوداني والخزانة الأمريكي في ذلك الوقت.

 ورغم أن هذا المسار توقف بشكل شبه كلي بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023، في ظل غياب موقف موحد من الأطراف المتحاربة، وسط انقسامات داخلية حيال العلاقة معها.

إلا أن  الخرطوم لا تزال تردد وقع خطوات الزيارة الثانية لوزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، وهو مهندس العلاقات بين البلدين منذ 2021 ـ  في آخر زيارة له للبلاد قبل شهرين من اندلاع الحرب حيث أنها لم تعتد هذا النوع من الزوار. كما أنها ماتزال تحت وطأة آثارها الدبلوماسية.

في المقابل، شهدت العلاقات مع إيران تقلبات حادة. فبعد أن كانت طهران حليفًا استراتيجيًا للخرطوم خلال حكم الرئيس السابق، عمر البشير، قطعت العلاقات رسميًا في 2016 تحت ضغط سعودي بعد إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في الخرطوم، ضمن تحول في السياسة الخارجية السودانية. 

غير أن الحرب الحالية أعادت إيران تدريجيًا إلى المشهد، عبر ما يرشح من دعم عسكري غير مباشر للجيش السوداني.

ومنذ اندلاع الحرب، تعرضت جميع الأطراف السودانية لاتهامات بتلقي دعم خارجي مباشر أو غير مباشر حيث يُتهم الجيش السوداني بالحصول على دعم تقني وعسكري من إيران، ودعم سياسي من مصر، كما تطرقت بعض التقارير الصحفية إلى دعم لوجستي من تركيا.

بينما تتهم الحكومة السودانية بقيادة الجيش الإمارات بدعم قوات الدعم السريع عسكريًا ولوجستيًا، وقدمت شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية احتجاجًا على ذلك مما خلق تصعيدًا دبلوماسيًا وسياسيًا بين البلد الخليجي وبينها، أيضًا في إفريقيا وردت تقارير تفيد باستخدام كينيا وجنوب السودان كممرات للإمداد، دون توثيق واعتراف رسمي من حكومات البلدين.

أما تل أبيب التي عرف عنها عدم ظهورها بشكل مباشر في صراعات مماثلة أو تصريحها حول ذلك إلا أن مصالحها العسكرية والاقتصادية في البحر الأحمر لا تجعلها بعيدة بشكل كبير عن المشهد السوداني نظرًا لموقع البلد الإفريقي وتأثيره في المنطقة.

 غير أن حليفتها ـ الولايات المتحدة ـ هي من تظهر بشكل رسمي ومباشر كراعي لمحاولة ايقاف الصراع وجمع الشقين المتحاربين بمشاركة الأطراف الإقليمية الضليعة في الحرب وملفها.

ولمزيد من محاولة فهم تقاطعات الحرب الإسرائيلية الإيرانية السابقة وتأثيرها على الصراع في السودان، تحدثنا إلى ثلاثة محللين سياسيين سودانيين، وضعوا صورًا متباينة لتلك التأثيرات المحتملة.

انشغال دولي وضعف المبادرات

يرى اللواء السابق في الجيش السوداني، والمحلل العسكري أمين مجذوب، أن النزاع بين إيران وإسرائيل له تأثيرات سياسية وعسكرية مباشرة على الأزمة السودانية. 

وأكد في حديث لـ«بيم ريبورتس» أن الدول الكبرى، بما في ذلك الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن، انشغلوا بمجريات هذا الصراع، ما أضعف التفاعل مع الحرب السودانية، وأدى إلى تراجع التغطية الإعلامية والاهتمام السياسي بالقضية.

وأضاف أن الانشغال نفسه طال دولاً كانت توصف بأنها داعمة لـ«مليشيا الدعم السريع» وقد يتسبب هذا في تقليص أو توقف هذا الدعم.

المحلل العسكري أمين مجذوب - مصدر الصورة: سودانية 24

أما على صعيد المبادرات، فيشير مجذوب إلى أن الأمم المتحدة لا تزال اللاعب الأكثر نشاطًا، بعد أن دعت رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان إلى زيارة إسبانيا، إلى جانب تحركات الرباعية التي اتسعت مؤخرًا لتشمل خمسة دول.

وأكد أن الحكومة السودانية قدمت شكوى رسمية ضد الإمارات إلى محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة، على خلفية دعمها المزعوم للدعم السريع. لكنه يعتقد أن الدولة الخليجية قد تعيد حساباتها في سياق بحثها عن تسوية سياسية تحفظ علاقاتها الإقليمية.

وفي مقارنة مهمة، تساءل مجذوب عن أسباب استمرار الحرب السودانية كل هذه المدة، في وقت انتهت فيه أزمات مثل النزاع بين الهند وباكستان أو إيران وإسرائيل خلال أيام معدودة.

وأشار إلى أن اتفاق جدة يجب أن يشكل أساسًا لأي تسوية واقعية، شريطة أن يتحلى الدعم السريع بروح إيجابية، بعد أن ألحق ضررًا بالغًا بالنسيج الاجتماعي والاقتصادي والصحي للبلاد.

تحالف أيديولوجي قديم

القيادي في التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة «صمود»، شهاب الدين إبراهيم، رأى أن الحرب السودانية لم تعد شأنًا داخليًا، وإنما أصبحت مرتبطة بلعبة النفوذ الإقليمي، في ظل ما أسماه «التحالف بين النظام الإيراني والإسلاميين داخل المؤسسة العسكرية».

 واعتبر أن الدعم الإيراني للجيش السوداني عبر طائرات شحن ومسيرات وخبراء من الحرس الثوري لم يكن مجرد إسناد عسكري، بل عودة إلى تحالف أيديولوجي قديم.

وقال إن هذا التحالف يسعى لإعادة إنتاج نموذج «الدولة الأمنية المؤدلجة» على غرار النظام الإيراني، وإنه قد يحول السودان إلى ساحة صراع بالوكالة تخدم أجندة طهران في البحر الأحمر ومواجهة إسرائيل، بالتوازي مع تحركات الحوثيين في اليمن.

وأشار إلى أن الإسلاميين في الجيش ينظرون إلى إيران كحليف استراتيجي يعوض الضغوط الدولية، ويوفر أدوات قمع للقوى المدنية، محذرًا من أن بعض دول الخليج قد تعيد تموضعها في المشهد السوداني لحماية مصالحها.

ويعتقد إبراهيم أن هذا المشروع الثلاثي بين العسكر والإسلاميين وطهران يهدف إلى تقويض الدولة الوطنية، وأن سيناريوهات الارتباط بطهران قد تشمل تعهدات من الإخوان داخل الجيش بتغيير القيادة لاحقًا، أو انحياز فعلي من القيادة الحالية نحو إيران.

وسط الصورة، القيادي في تحالف صمود شهاب الدين إبراهيم - مصدر الصورة: حزب المؤتمر السوداني

وأكد شهاب أن الملف السوداني لا يحظى باهتمام دولي كافٍ، وأن أي تسوية لا تراعي تعقيدات الواقع الداخلي ستقود إلى حرب جديدة أكثر خطورة.

مشروع أمريكي جديد للشرق الأوسط

لكن المحلل السياسي عبد الرحمن الغالي يرى أن التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل جاء في سياق إقليمي شهد «إضعافًا ممنهجًا لمحور المقاومة»، بعد ضربات لحماس وحزب الله والنظام السوري، ثم توج بضربة ضد إيران نفسها، ما جعل هامش المناورة أمام طهران محدودًا، وكلفة التقارب معها ـ  بما في ذلك في السودان ـ مرتفعة للغاية، بحسب الغالي.

واعتبر أن مجرد توجيه اتهام للجيش السوداني بتلقي دعم من إيران سيكون له تبعات خطيرة على العلاقات مع الغرب، لا سيما في ظل المشروع الأميركي الجديد للشرق الأوسط المعروف بـ(مشروع 2025)، الذي يضع أمن إسرائيل وتوسيع اتفاقيات التطبيع على رأس أولوياته.

ويعتقد الغالي أن هذه الاتهامات تم الترويج لها عبر منصات إعلامية إقليمية ودولية محسوبة على الدعم السريع، بهدف خلق جبهة أميركية أوروبية مناهضة للجيش السوداني، ووضعه في خانة «العدو الجديد» في الإقليم.

المحلل السياسي عبد الرحمن الغالي

إعادة تموضع الخليج غير مرتبطة مباشرةً بالتصعيد الإيراني الإسرائيلي:

وفيما يتعلق بمواقف دول الخليج، أوضح الغالي أن إعادة التموضع لا ترتبط مباشرة بالتصعيد الإيراني الإسرائيلي، بل تعود إلى تفاهمات سابقة. 

وأضاف أن السعودية قد تتعرض لضغوط للالتحاق باتفاقات التطبيع، مقابل موقف أميركي أكثر دعمًا لرؤيتها في السودان، في مواجهة النفوذ الإماراتي.

ويعتقد الغالي بأن فرص التسوية في السودان مرهونة بمدى نجاح الولايات المتحدة في التوفيق بين مصالح السعودية، والإمارات، ومصر، مشيرًا إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى إلى استثمار ملف السودان دبلوماسيًا بعد نجاحه في دفع رواندا والكونغو نحو السلام، ومحاولاته للعب دور في أزمات إيران وإسرائيل وأوكرانيا.

قانونيون ومدافعون عن حقوق الإنسان يحذرون من اتساع أزمة الوثائق الثبوتية في السودان

1 أغسطس 2025 – حذر حقوقيون وخبراء قانونيون من اتساع أزمة الوثائق الثبوتية في السودان، وسط دعوات عاجلة إلى تحالف مدني واسع لمناهضة الظاهرة، وتكثيف حملات المناصرة والضغط على الآليات الدولية لحماية الحق في حرية التنقل، وتيسير حصول المواطنين على الأوراق الرسمية.

جاء ذلك خلال ندوة على الإنترنت نظمها تحالف المدافعين عن حقوق الإنسان وهو تحالف ائتلافي يضم أكثر من 40 منظمة مجتمع مدني سودانية وعشرات الحقوقيين بعنوان: «الحرمان من الوثائق الثبوتية وحرية التنقل بين القوانين والممارسة»، تحدث فيها الخبير في القانون الدولي محمد عبد السلام ورئيسة قسم حكم القانون والمساءلة بمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في السودان.

وأكدت رئيسة حكم القانون والمساءلة بمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في السودان إسعاف خليفة أن «الحق في التنقل مكفول للأشخاص المتواجدين قانونيًا داخل أراضي الدولة بموجب المادة 12 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ولا يجوز حرمان أي شخص من الدخول إلى بلده أو مغادرته تعسفيًا».

ولفتت إلى أن «حرمان أي شخص من جواز السفر يعد انتهاكًا لحقوقه في العلاج والتنقل، لا سيما إن تعذر عليه مغادرة البلاد»، مشيرة إلى أن السودان رغم توقيعه علي المادة 12 إلا أنه لم يصادق حتى الآن على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي، والذي يتيح للأفراد تقديم شكاوى إلى اللجنة الدولية لحقوق الإنسان بشأن انتهاك المادة 12 الخاصة بحرية التنقل.

وتنص المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على 4 بنود تشمل حرية الأفراد في التنقل واختيار مكان إقامتهم وحرية مغادرة أي بلد بما في ذلك بلدانهم ،وعدم تقييد الحقين السابقين واخيرًا عدم حرمان أي شخص تعسفياً من الدخول إلى بلده.

وشددت المسؤولة بلجنة حقوق الإنسان على أن أي قيد على حرية التنقل يجب أن يكون مبنيًا على قانون واضح، ومتناسبًا مع الأهداف المشروعة مثل الأمن القومي، ويُطبق على الحالات بشكل فردي لا تعميمي.

كما أكدت أن مبدأ «عدم جواز حرمان الشخص من دخول بلده» يُعد من الحقوق غير القابلة للتقييد، ولا توجد أي ظروف استثنائية تبرر انتهاكه.

وأضافت: «الحواجر البيروقراطية التي تتخذها الدول، خاصة في حالات الصراع، تتجاوز الأن كل الحدود».

توثيق 9 حالات نمطية والبدء في منح وثائق بديلة

وأوضحت أن اللجنة وثقت في تسع حالات نمطية ما وصفته بممارسات تعسفية، مثل اشتراط نماذج غير مبررة، وطلب معلومات دقيقة عن مسار السفر، وفرض رسوم باهظة أو تأخيرات طويلة وتعطيل واشتراط تقديم ضمانات مالية أو دعوات رسمية من دولة المقصد، فضلًا عن فرض قيود إضافية على أفراد أسر دون غيرهم، أو استخدام أساليب ترهيب كالعنف ورفض منح الجوازات لأسباب ترتبط بالآراء السياسية أو اعتبار مقدم الطلب «يسئ لسمعة الدولة».

واعتبرت اللجنة هذه الممارسات انتهاكًا واضحًا لمبادئ المساواة وعدم التمييز، لكونها تستهدف فئات بعينها بناءً على العرق أو الموقف السياسي.

ولفتت إلى أن بعض المنظمات الإقليمية كالاتحاد الإفريقي ومفوضية اللاجئين بدأت بالفعل في منح وثائق بديلة أو حماية خاصة للأشخاص الذين حُرموا من جوازات السفر لأسباب سياسية.

تفعيل أدوات المناصرة

فيما دعا الخبير في القانون الدولي محمد عبد السلام إلى ضرورة تفعيل أدوات المناصرة، والتواصل مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك المقررين الخاصين المعنيين بالهجرة والاتجار بالبشر، وكذلك لجنة تقصي الحقائق المتوقع أن تقدم تقريرًا مفصلًا عن الأوضاع في سبتمبر المقبل.

كما أكد علي أهمية الضغط من أجل الحماية القانونية، خاصة في ظل سياسات الدول المضيفة غير الصديقة للاجئين والمهاجرين، مع تزايد خطاب الكراهية من تيارات اليمين المتطرف في أوروبا، وتفاقم الانتهاكات ضد السودانيين في دول الجوار.

وأشار عبد السلام إلى أن «غياب الوثائق لا يعني فقط تعطيل إصدار جوازات السفر، بل يحمل آثارًا واسعة تطال الحق في التعليم، والحق في التنقل، والحق في العمل، وحتى الحق في الملكية وتكوين الأسرة»، مؤكدًا أن ذلك يمثل خرقًا للمواثيق الدولية التي صادق عليها السودان، والتي تحظر خلق أوضاع انعدام جنسية بحكم الواقع أو القانون.

أزمة عديمي الجنسية

وأوضح الخبير الحقوقي أن فئة «بدون» أي عديمي الجنسية في السودان نشأت على نطاق واسع بعد انفصال جنوب السودان، حيث عدلت الحكومة السودانية المادة 10 من قانون الجنسية لعام 1994 (المعدل في 2005) لتسقط «حكمًا ونصًا» الجنسية عن كل من تُصنف أصولهم بأنها جنوبية، ما تسبب في تجريد الآلاف من السودانيين من جنسيتهم، بمن فيهم أشخاص وُلدوا ونشأوا في السودان ولم يعرفوا بلدًا سواه.

وأكد أن المشكلة تعود إلى جذور قانونية وهيكلية، مشيرًا إلى أن القوانين السودانية لم تُراعِ حق الانتقال أو الازدواج في الجنسية بعد الانفصال، كما أن السجل المدني – بعد تعديله في 2011 – تحول إلى أداة تصنيف عرقي، بإدراج الأفراد ضمن قبائل ومجموعات سكانية، بعضها صُنف على أنه «جنوب سوداني»، ما حرم كثيرين من الحصول على بطاقات الهوية وشهادات الميلاد، وأعاق تسجيل الزواج والتعليم، وأدى إلى آثار نفسية وقانونية خطيرة على الأسر والأطفال.

وأضاف عبد السلام أن أزمة الوثائق تشمل أيضًا فئات مثل العائدين من مناطق اللجوء، خصوصًا من جنوب السودان، الذين لا يُعترف بهم لا في السودان ولا في الجنوب، إلى جانب القبائل الرحل على الحدود مع غرب السودان وتشاد وقبائل النيل الأزرق، الذين حُرموا من الأوراق الثبوتية بسبب نمطهم المعيشي والتنقل الدائم أو لأسباب إثنية. وأكد أن المشكلة تمس جوهر الحق في الهوية، وأن الوثائق ليست مجرد أوراق، بل ترتبط مباشرة بالحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

معاناة المواطنين

وتناولت الندوة معاناة العديد من المواطنين، خاصة في مناطق النزوح واللجوء، من صعوبات تتعلق بالحصول على شهادات الميلاد والبطاقات القومية، ما أدى إلى حرمان أطفالهم من التعليم أو التسجيل للامتحانات، فضلًا عن تعقيدات تتعلق بالتحويلات المالية.

كما تحدث ناشطون سياسيون عن منعهم من استخراج جوازات سفرهم بسبب خلفياتهم السياسية.

وحذر عبد السلام من أن استمرار حالة الانهيار في الدولة السودانية، وظهور سلطات موازية متمثلة في مجموعة «تأسيس»، سيُعقد من مسألة استخراج الوثائق، خاصة وأن السجل المدني عند الجيش في ظل عدم وجود اعتراف دولي بجماعة تأسيس مشيرًا إلى أنها لا تستطيع عمل سجل مدني وأوراق ثبوتية قوية ومعتمدة لمواطنيها مالم يتم الاعتراف بها دولياً كحكومة.

توصيات ومذكرة للجنة حقوق الإنسان

وأكد حقوقيين خلال الندوة أنهم سلموا خطاب معنون إلى الخبير المستقل المعني بحقوق الإنسان في السودان رضوان نويصر، وإلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة مطلع الأسبوع الماضي تضمن انتهاكات منهجة للحق في الوثائق الثبوتية وحرية التنقل في السودان.
وفي ما يخص المعالجات، شدد المتحدثون على ضرورة تحرك المجتمع المدني في حملات مناصرة منسقة، تشمل التواصل مع المقررين الخاصين المعنيين بحرية التنقل والاتجار بالبشر، إلى جانب دعم عمل الخبير المستقل المعني بحقوق الإنسان في السودان.

ودعوا إلى تنشيط أدوات الحماية الدولية المتاحة، بما فيها اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، رغم بطء إجراءاتها، مؤكدين أن المجتمع المدني عليه لعب دور محوري «ليس من منطلق سياسي بل من منظور حقوقي»، لضمان تمكين المواطنين من حقوقهم الأساسية دون تمييز.

وخلصت الندوة إلى أن الحرمان من الوثائق الثبوتية ليس مجرد خلل إداري، بل يعكس أزمة سياسية وقانونية تتطلب تدخلًا عاجلًا من الهيئات الدولية، والعمل على تفكيك التشريعات والسياسات التي تؤسس للتمييز وحرمان المواطنين من هوياتهم وحقوقهم الأساسية.

خبير سوداني: الاعتراف بالحكومات يستند إلى معايير محددة في القانون الدولي

1 أغسطس 2025 – قال الخبير السوداني في القانون الدولي، محمد عبد السلام، إن الاعتراف الدولي بالحكومات لا يتم إلا استنادًا إلى معايير محددة، تشمل «احترام حقوق الإنسان، والقدرة على حفظ الأمن، والاعتراف بحقوق الأقليات»، موضحًا أن الاعتراف يرتبط بمسألتين في القانون الدولي هما: «الاعتراف بالدولة، والاعتراف بالحكومة».

والسبت الماضي أعلن تحالف السودان التأسيسي «تأسيس» بقيادة قوات الدعم السريع، تشكيل حكومة موازية في غرب البلاد.

وأوضح عبد السلام خلال ندوة نظمها تحالف «المدافعين عن حقوق الإنسان في السودان» على الإنترنت يوم الخميس بمشاركة قانونيين وصحفيين وممثلي منظمات مجتمع مدني، أن الوثائق الصادرة عن كيانات غير معترف بها لا تُعد قانونية في المحافل الدولية.

وفي مقارنة قانونية، أشار عبد السلام إلى تجارب مثل (صوماليلاند)، و(الصحراء الغربية) وغيرها، وهي كيانات انفصلت عن دولها لكنها لم تحصل على اعتراف دولي واسع، مما جعل الوثائق الصادرة عنها عديمة الأثر القانوني خارج نطاق سيطرتها.

وحذّر عبد السلام من أن البلاد تواجه خطر «الانقسام الفعلي» مع تصاعد الصراع المسلح وغياب السيطرة الموحدة للدولة مما ينذر بالانهيار.

ولفت إلى أن من يمتلك السجل المدني حاليًا هي الحكومة في بورتسودان، ما يعني أن المواطنين في مناطق النزاع – مثل دارفور وكردفان – سيواجهون صعوبات متزايدة في الحصول على الوثائق والخدمات بناء على اتهامهم بأنهم حواضن الدعم السريع.

وكانت قيادات من تحالف «تأسيس»، قد تحدثت في تصريحات عن نية الحكومة الموازية إنشاء سجل مدني خاص بها وطباعة وثائق ثبوتية وجوازات سفر، في ظل ما وصفوه بـ«حرمان المواطنين في مناطق سيطرة الدعم السريع من الحصول على وثائق من بورتسودان».

بيع الوهم

وحول هذه الخطوات، أشار عبد السلام إلى أنها تصطدم بالإطار القانوني الدولي، الذي يُلزم أن تصدر الوثائق من سلطة معترف بها حتى تكتسب القوة القانونية.

وقال: «حتى الآن، لا توجد دولة واحدة اعترفت بتأسيس كحكومة شرعية أو منحتها حق التصرف الدبلوماسي»، مشددًا على ضرورة توخي الحذر من «بيع الوهم بشأن صلاحية الوثائق الصادرة من كيانات لا تحظى باعتراف دولي».

تقييد حرية الحركة

داخليًا، أوضح عبد السلام أن العبور وحرية الحركة بين مناطق السيطرة المختلفة أصبحت مصطدمة بقيود قانونية وأمنية، على رأسها قوانين الأمن الوطني، والتي تسمح بإيقاف الأشخاص الذين لا يحملون أوراقًا ثبوتية.

وأضاف «إذا لم يستطع الشخص إثبات وضعه القانوني، فلن يتمكن من الحصول على وثيقة رسمية»، مشيرًا إلى أن هذا الوضع يسهم في تكريس التمييز القائم على الهوية.

وأشار إلى أن إثبات الهوية في الظروف الراهنة «سيفتح الباب أمام تمييز على أساس الهوية، وهي مسألة محرمة قانونًا لكنها تواجه غيابًا فعليًا للسيادة وانعدام حلول قانونية في الوقت الحالي».

وكان مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، قد أصدر بيانًا الثلاثاء أدان فيه بشدة إعلان حكومة موازية في السودان، واعتبر أن الخطوة تهدد وحدة البلاد وسلامتها الإقليمية.

ودعا المجلس جميع الدول الأعضاء والمجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف أو دعم الكيان الجديد.