
بعد نهاية الصراع بين «إيران وإسرائيل»، كيف أصبحت حرب السودان تحت أنظار الأطراف الإقليمية والدولية

ملاذ البدوي
مع انتهاء حرب الـ12 يومًا بين إيران وإسرائيل في يونيو الماضي، عادت الأنظار نحو ساحات الصراع غير المحسومة في الإقليم، وفي مقدمتها السودان.
ورغم أن الحرب بين القوتين الشرق أوسطتين لم تستمر سوى أيام أياماً معدودة إلا أن تداعياتها لم تتوقف عند حدود الشرق الأوسط بل امتدت لتطال ساحات قتال أخرى، أبرزها في البلد الإفريقي المشتعل بالصراع الداخلي بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أكثر من عامين بلا أفق واضح للحل.
حيث يعتقد أن التوتر الإقليمي الأخير أعاد ترتيب أولويات الأمن في المنطقة وطرح تساؤلات حول ما إذا كان السودان سيتحول إلى ساحة صراع غير مباشر بين طهران وتل أبيب.
ومنذ اليوم الأول من هجوم إسرائيل على ايران جاء رد الفعل السوداني على التصعيد ببيان من وزارة الخارجية السودانية في 13 يونيو 2025، دانت فيه الهجمات الجوية الإسرائيلية على إيران، واعتبرتها «انتهاكًا صارخًا لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة» معلنة «تضامن السودان الكامل مع شعب إيران وحكومتها».
وفي 23 يونيو وبعد ضربات إيرانية استهدفت قاعدة «العديد» الأمريكية في قطر، أدانت الخارجية السودانية بشدة الهجوم على الدوحة معتبرة ذلك انتهاكًا لسيادتها ومخالفة صريحة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وعكس هذا التباين ارتباكًا سياسيًا بين خطابين أحدهما متعاطف مع طهران، والآخر حريص على الحذر من الاصطفاف معها في صراع مفتوح مع الغرب.
تطبيع مجمد وعلاقة متقلبة
بالرجوع إلى علاقة الخرطوم مع «البلدين» أي إيران وإسرائيل. بالنسبة لإسرائيل فقد بدأ السودان خطوات تطبيع العلاقات مع تل أبيب في أكتوبر 2020، ضمن اتفاقات «أبراهام»، بدعم من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الأولى.
ووقع رسميًا على الاتفاق في يناير 2021، بين وزيري العدل السوداني والخزانة الأمريكي في ذلك الوقت.
ورغم أن هذا المسار توقف بشكل شبه كلي بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023، في ظل غياب موقف موحد من الأطراف المتحاربة، وسط انقسامات داخلية حيال العلاقة معها.
إلا أن الخرطوم لا تزال تردد وقع خطوات الزيارة الثانية لوزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، وهو مهندس العلاقات بين البلدين منذ 2021 ـ في آخر زيارة له للبلاد قبل شهرين من اندلاع الحرب حيث أنها لم تعتد هذا النوع من الزوار. كما أنها ماتزال تحت وطأة آثارها الدبلوماسية.
في المقابل، شهدت العلاقات مع إيران تقلبات حادة. فبعد أن كانت طهران حليفًا استراتيجيًا للخرطوم خلال حكم الرئيس السابق، عمر البشير، قطعت العلاقات رسميًا في 2016 تحت ضغط سعودي بعد إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في الخرطوم، ضمن تحول في السياسة الخارجية السودانية.
غير أن الحرب الحالية أعادت إيران تدريجيًا إلى المشهد، عبر ما يرشح من دعم عسكري غير مباشر للجيش السوداني.
ومنذ اندلاع الحرب، تعرضت جميع الأطراف السودانية لاتهامات بتلقي دعم خارجي مباشر أو غير مباشر حيث يُتهم الجيش السوداني بالحصول على دعم تقني وعسكري من إيران، ودعم سياسي من مصر، كما تطرقت بعض التقارير الصحفية إلى دعم لوجستي من تركيا.
بينما تتهم الحكومة السودانية بقيادة الجيش الإمارات بدعم قوات الدعم السريع عسكريًا ولوجستيًا، وقدمت شكوى رسمية إلى الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية احتجاجًا على ذلك مما خلق تصعيدًا دبلوماسيًا وسياسيًا بين البلد الخليجي وبينها، أيضًا في إفريقيا وردت تقارير تفيد باستخدام كينيا وجنوب السودان كممرات للإمداد، دون توثيق واعتراف رسمي من حكومات البلدين.
أما تل أبيب التي عرف عنها عدم ظهورها بشكل مباشر في صراعات مماثلة أو تصريحها حول ذلك إلا أن مصالحها العسكرية والاقتصادية في البحر الأحمر لا تجعلها بعيدة بشكل كبير عن المشهد السوداني نظرًا لموقع البلد الإفريقي وتأثيره في المنطقة.
غير أن حليفتها ـ الولايات المتحدة ـ هي من تظهر بشكل رسمي ومباشر كراعي لمحاولة ايقاف الصراع وجمع الشقين المتحاربين بمشاركة الأطراف الإقليمية الضليعة في الحرب وملفها.
ولمزيد من محاولة فهم تقاطعات الحرب الإسرائيلية الإيرانية السابقة وتأثيرها على الصراع في السودان، تحدثنا إلى ثلاثة محللين سياسيين سودانيين، وضعوا صورًا متباينة لتلك التأثيرات المحتملة.
انشغال دولي وضعف المبادرات
يرى اللواء السابق في الجيش السوداني، والمحلل العسكري أمين مجذوب، أن النزاع بين إيران وإسرائيل له تأثيرات سياسية وعسكرية مباشرة على الأزمة السودانية.
وأكد في حديث لـ«بيم ريبورتس» أن الدول الكبرى، بما في ذلك الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن، انشغلوا بمجريات هذا الصراع، ما أضعف التفاعل مع الحرب السودانية، وأدى إلى تراجع التغطية الإعلامية والاهتمام السياسي بالقضية.
وأضاف أن الانشغال نفسه طال دولاً كانت توصف بأنها داعمة لـ«مليشيا الدعم السريع» وقد يتسبب هذا في تقليص أو توقف هذا الدعم.

أما على صعيد المبادرات، فيشير مجذوب إلى أن الأمم المتحدة لا تزال اللاعب الأكثر نشاطًا، بعد أن دعت رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان إلى زيارة إسبانيا، إلى جانب تحركات الرباعية التي اتسعت مؤخرًا لتشمل خمسة دول.
وأكد أن الحكومة السودانية قدمت شكوى رسمية ضد الإمارات إلى محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة، على خلفية دعمها المزعوم للدعم السريع. لكنه يعتقد أن الدولة الخليجية قد تعيد حساباتها في سياق بحثها عن تسوية سياسية تحفظ علاقاتها الإقليمية.
وفي مقارنة مهمة، تساءل مجذوب عن أسباب استمرار الحرب السودانية كل هذه المدة، في وقت انتهت فيه أزمات مثل النزاع بين الهند وباكستان أو إيران وإسرائيل خلال أيام معدودة.
وأشار إلى أن اتفاق جدة يجب أن يشكل أساسًا لأي تسوية واقعية، شريطة أن يتحلى الدعم السريع بروح إيجابية، بعد أن ألحق ضررًا بالغًا بالنسيج الاجتماعي والاقتصادي والصحي للبلاد.
تحالف أيديولوجي قديم
القيادي في التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة «صمود»، شهاب الدين إبراهيم، رأى أن الحرب السودانية لم تعد شأنًا داخليًا، وإنما أصبحت مرتبطة بلعبة النفوذ الإقليمي، في ظل ما أسماه «التحالف بين النظام الإيراني والإسلاميين داخل المؤسسة العسكرية».
واعتبر أن الدعم الإيراني للجيش السوداني عبر طائرات شحن ومسيرات وخبراء من الحرس الثوري لم يكن مجرد إسناد عسكري، بل عودة إلى تحالف أيديولوجي قديم.
وقال إن هذا التحالف يسعى لإعادة إنتاج نموذج «الدولة الأمنية المؤدلجة» على غرار النظام الإيراني، وإنه قد يحول السودان إلى ساحة صراع بالوكالة تخدم أجندة طهران في البحر الأحمر ومواجهة إسرائيل، بالتوازي مع تحركات الحوثيين في اليمن.
وأشار إلى أن الإسلاميين في الجيش ينظرون إلى إيران كحليف استراتيجي يعوض الضغوط الدولية، ويوفر أدوات قمع للقوى المدنية، محذرًا من أن بعض دول الخليج قد تعيد تموضعها في المشهد السوداني لحماية مصالحها.
ويعتقد إبراهيم أن هذا المشروع الثلاثي بين العسكر والإسلاميين وطهران يهدف إلى تقويض الدولة الوطنية، وأن سيناريوهات الارتباط بطهران قد تشمل تعهدات من الإخوان داخل الجيش بتغيير القيادة لاحقًا، أو انحياز فعلي من القيادة الحالية نحو إيران.

وأكد شهاب أن الملف السوداني لا يحظى باهتمام دولي كافٍ، وأن أي تسوية لا تراعي تعقيدات الواقع الداخلي ستقود إلى حرب جديدة أكثر خطورة.
مشروع أمريكي جديد للشرق الأوسط
لكن المحلل السياسي عبد الرحمن الغالي يرى أن التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل جاء في سياق إقليمي شهد «إضعافًا ممنهجًا لمحور المقاومة»، بعد ضربات لحماس وحزب الله والنظام السوري، ثم توج بضربة ضد إيران نفسها، ما جعل هامش المناورة أمام طهران محدودًا، وكلفة التقارب معها ـ بما في ذلك في السودان ـ مرتفعة للغاية، بحسب الغالي.
واعتبر أن مجرد توجيه اتهام للجيش السوداني بتلقي دعم من إيران سيكون له تبعات خطيرة على العلاقات مع الغرب، لا سيما في ظل المشروع الأميركي الجديد للشرق الأوسط المعروف بـ(مشروع 2025)، الذي يضع أمن إسرائيل وتوسيع اتفاقيات التطبيع على رأس أولوياته.
ويعتقد الغالي أن هذه الاتهامات تم الترويج لها عبر منصات إعلامية إقليمية ودولية محسوبة على الدعم السريع، بهدف خلق جبهة أميركية أوروبية مناهضة للجيش السوداني، ووضعه في خانة «العدو الجديد» في الإقليم.

إعادة تموضع الخليج غير مرتبطة مباشرةً بالتصعيد الإيراني الإسرائيلي:
وفيما يتعلق بمواقف دول الخليج، أوضح الغالي أن إعادة التموضع لا ترتبط مباشرة بالتصعيد الإيراني الإسرائيلي، بل تعود إلى تفاهمات سابقة.
وأضاف أن السعودية قد تتعرض لضغوط للالتحاق باتفاقات التطبيع، مقابل موقف أميركي أكثر دعمًا لرؤيتها في السودان، في مواجهة النفوذ الإماراتي.
ويعتقد الغالي بأن فرص التسوية في السودان مرهونة بمدى نجاح الولايات المتحدة في التوفيق بين مصالح السعودية، والإمارات، ومصر، مشيرًا إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى إلى استثمار ملف السودان دبلوماسيًا بعد نجاحه في دفع رواندا والكونغو نحو السلام، ومحاولاته للعب دور في أزمات إيران وإسرائيل وأوكرانيا.