قانونيون ومدافعون عن حقوق الإنسان يحذرون من اتساع أزمة الوثائق الثبوتية في السودان

1 أغسطس 2025 – حذر حقوقيون وخبراء قانونيون من اتساع أزمة الوثائق الثبوتية في السودان، وسط دعوات عاجلة إلى تحالف مدني واسع لمناهضة الظاهرة، وتكثيف حملات المناصرة والضغط على الآليات الدولية لحماية الحق في حرية التنقل، وتيسير حصول المواطنين على الأوراق الرسمية.

جاء ذلك خلال ندوة على الإنترنت نظمها تحالف المدافعين عن حقوق الإنسان وهو تحالف ائتلافي يضم أكثر من 40 منظمة مجتمع مدني سودانية وعشرات الحقوقيين بعنوان: «الحرمان من الوثائق الثبوتية وحرية التنقل بين القوانين والممارسة»، تحدث فيها الخبير في القانون الدولي محمد عبد السلام ورئيسة قسم حكم القانون والمساءلة بمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في السودان.

وأكدت رئيسة حكم القانون والمساءلة بمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في السودان إسعاف خليفة أن «الحق في التنقل مكفول للأشخاص المتواجدين قانونيًا داخل أراضي الدولة بموجب المادة 12 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ولا يجوز حرمان أي شخص من الدخول إلى بلده أو مغادرته تعسفيًا».

ولفتت إلى أن «حرمان أي شخص من جواز السفر يعد انتهاكًا لحقوقه في العلاج والتنقل، لا سيما إن تعذر عليه مغادرة البلاد»، مشيرة إلى أن السودان رغم توقيعه علي المادة 12 إلا أنه لم يصادق حتى الآن على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي، والذي يتيح للأفراد تقديم شكاوى إلى اللجنة الدولية لحقوق الإنسان بشأن انتهاك المادة 12 الخاصة بحرية التنقل.

وتنص المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على 4 بنود تشمل حرية الأفراد في التنقل واختيار مكان إقامتهم وحرية مغادرة أي بلد بما في ذلك بلدانهم ،وعدم تقييد الحقين السابقين واخيرًا عدم حرمان أي شخص تعسفياً من الدخول إلى بلده.

وشددت المسؤولة بلجنة حقوق الإنسان على أن أي قيد على حرية التنقل يجب أن يكون مبنيًا على قانون واضح، ومتناسبًا مع الأهداف المشروعة مثل الأمن القومي، ويُطبق على الحالات بشكل فردي لا تعميمي.

كما أكدت أن مبدأ «عدم جواز حرمان الشخص من دخول بلده» يُعد من الحقوق غير القابلة للتقييد، ولا توجد أي ظروف استثنائية تبرر انتهاكه.

وأضافت: «الحواجر البيروقراطية التي تتخذها الدول، خاصة في حالات الصراع، تتجاوز الأن كل الحدود».

توثيق 9 حالات نمطية والبدء في منح وثائق بديلة

وأوضحت أن اللجنة وثقت في تسع حالات نمطية ما وصفته بممارسات تعسفية، مثل اشتراط نماذج غير مبررة، وطلب معلومات دقيقة عن مسار السفر، وفرض رسوم باهظة أو تأخيرات طويلة وتعطيل واشتراط تقديم ضمانات مالية أو دعوات رسمية من دولة المقصد، فضلًا عن فرض قيود إضافية على أفراد أسر دون غيرهم، أو استخدام أساليب ترهيب كالعنف ورفض منح الجوازات لأسباب ترتبط بالآراء السياسية أو اعتبار مقدم الطلب «يسئ لسمعة الدولة».

واعتبرت اللجنة هذه الممارسات انتهاكًا واضحًا لمبادئ المساواة وعدم التمييز، لكونها تستهدف فئات بعينها بناءً على العرق أو الموقف السياسي.

ولفتت إلى أن بعض المنظمات الإقليمية كالاتحاد الإفريقي ومفوضية اللاجئين بدأت بالفعل في منح وثائق بديلة أو حماية خاصة للأشخاص الذين حُرموا من جوازات السفر لأسباب سياسية.

تفعيل أدوات المناصرة

فيما دعا الخبير في القانون الدولي محمد عبد السلام إلى ضرورة تفعيل أدوات المناصرة، والتواصل مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك المقررين الخاصين المعنيين بالهجرة والاتجار بالبشر، وكذلك لجنة تقصي الحقائق المتوقع أن تقدم تقريرًا مفصلًا عن الأوضاع في سبتمبر المقبل.

كما أكد علي أهمية الضغط من أجل الحماية القانونية، خاصة في ظل سياسات الدول المضيفة غير الصديقة للاجئين والمهاجرين، مع تزايد خطاب الكراهية من تيارات اليمين المتطرف في أوروبا، وتفاقم الانتهاكات ضد السودانيين في دول الجوار.

وأشار عبد السلام إلى أن «غياب الوثائق لا يعني فقط تعطيل إصدار جوازات السفر، بل يحمل آثارًا واسعة تطال الحق في التعليم، والحق في التنقل، والحق في العمل، وحتى الحق في الملكية وتكوين الأسرة»، مؤكدًا أن ذلك يمثل خرقًا للمواثيق الدولية التي صادق عليها السودان، والتي تحظر خلق أوضاع انعدام جنسية بحكم الواقع أو القانون.

أزمة عديمي الجنسية

وأوضح الخبير الحقوقي أن فئة «بدون» أي عديمي الجنسية في السودان نشأت على نطاق واسع بعد انفصال جنوب السودان، حيث عدلت الحكومة السودانية المادة 10 من قانون الجنسية لعام 1994 (المعدل في 2005) لتسقط «حكمًا ونصًا» الجنسية عن كل من تُصنف أصولهم بأنها جنوبية، ما تسبب في تجريد الآلاف من السودانيين من جنسيتهم، بمن فيهم أشخاص وُلدوا ونشأوا في السودان ولم يعرفوا بلدًا سواه.

وأكد أن المشكلة تعود إلى جذور قانونية وهيكلية، مشيرًا إلى أن القوانين السودانية لم تُراعِ حق الانتقال أو الازدواج في الجنسية بعد الانفصال، كما أن السجل المدني – بعد تعديله في 2011 – تحول إلى أداة تصنيف عرقي، بإدراج الأفراد ضمن قبائل ومجموعات سكانية، بعضها صُنف على أنه «جنوب سوداني»، ما حرم كثيرين من الحصول على بطاقات الهوية وشهادات الميلاد، وأعاق تسجيل الزواج والتعليم، وأدى إلى آثار نفسية وقانونية خطيرة على الأسر والأطفال.

وأضاف عبد السلام أن أزمة الوثائق تشمل أيضًا فئات مثل العائدين من مناطق اللجوء، خصوصًا من جنوب السودان، الذين لا يُعترف بهم لا في السودان ولا في الجنوب، إلى جانب القبائل الرحل على الحدود مع غرب السودان وتشاد وقبائل النيل الأزرق، الذين حُرموا من الأوراق الثبوتية بسبب نمطهم المعيشي والتنقل الدائم أو لأسباب إثنية. وأكد أن المشكلة تمس جوهر الحق في الهوية، وأن الوثائق ليست مجرد أوراق، بل ترتبط مباشرة بالحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

معاناة المواطنين

وتناولت الندوة معاناة العديد من المواطنين، خاصة في مناطق النزوح واللجوء، من صعوبات تتعلق بالحصول على شهادات الميلاد والبطاقات القومية، ما أدى إلى حرمان أطفالهم من التعليم أو التسجيل للامتحانات، فضلًا عن تعقيدات تتعلق بالتحويلات المالية.

كما تحدث ناشطون سياسيون عن منعهم من استخراج جوازات سفرهم بسبب خلفياتهم السياسية.

وحذر عبد السلام من أن استمرار حالة الانهيار في الدولة السودانية، وظهور سلطات موازية متمثلة في مجموعة «تأسيس»، سيُعقد من مسألة استخراج الوثائق، خاصة وأن السجل المدني عند الجيش في ظل عدم وجود اعتراف دولي بجماعة تأسيس مشيرًا إلى أنها لا تستطيع عمل سجل مدني وأوراق ثبوتية قوية ومعتمدة لمواطنيها مالم يتم الاعتراف بها دولياً كحكومة.

توصيات ومذكرة للجنة حقوق الإنسان

وأكد حقوقيين خلال الندوة أنهم سلموا خطاب معنون إلى الخبير المستقل المعني بحقوق الإنسان في السودان رضوان نويصر، وإلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة مطلع الأسبوع الماضي تضمن انتهاكات منهجة للحق في الوثائق الثبوتية وحرية التنقل في السودان.
وفي ما يخص المعالجات، شدد المتحدثون على ضرورة تحرك المجتمع المدني في حملات مناصرة منسقة، تشمل التواصل مع المقررين الخاصين المعنيين بحرية التنقل والاتجار بالبشر، إلى جانب دعم عمل الخبير المستقل المعني بحقوق الإنسان في السودان.

ودعوا إلى تنشيط أدوات الحماية الدولية المتاحة، بما فيها اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، رغم بطء إجراءاتها، مؤكدين أن المجتمع المدني عليه لعب دور محوري «ليس من منطلق سياسي بل من منظور حقوقي»، لضمان تمكين المواطنين من حقوقهم الأساسية دون تمييز.

وخلصت الندوة إلى أن الحرمان من الوثائق الثبوتية ليس مجرد خلل إداري، بل يعكس أزمة سياسية وقانونية تتطلب تدخلًا عاجلًا من الهيئات الدولية، والعمل على تفكيك التشريعات والسياسات التي تؤسس للتمييز وحرمان المواطنين من هوياتهم وحقوقهم الأساسية.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع