انهيار الأسواق وانعدام الدواء يدفعان الآلاف للنزوح والهجرة العكسية من «كادقلي»

18 أغسطس 2025 – دفع الحصار المشدد الذي تفرضه قوات الدعم السريع والحركة الشعبية-شمال على كادقلي عاصمة جنوب كردفان أعدادًا كبيرة من السكان إلى النزوح داخل المدينة وخارجها، بالإضافة إلى «هجرة عكسية» نحو مناطق سيطرة الشعبية، حسبما ذكرت مصادر لـ«بيم ريبورتس».

ويواجه سكان كادقلي ندرة حادة في السلع بالتوازي مع ارتفاع الأسعار إلى مستويات كبيرة، حيث يتزامن ذلك مع توقف المستشفيات عن تقديم خدماتها الأساسية ونفاد الأدوية.

وتسيطر الحركة الشعبية-شمال على مناطق واسعة شرق وجنوب كادقلي، وتمتد إلى كاودا وجُلد، بينما تنتشر قوات الدعم السريع شمال غرب المدينة، في أبو زبد وأم عدارة، في حين يحتفظ الجيش بطريق الدلنج – كادقلي فقط.

وتشير إفادات ميدانية استمعت إليها «بيم ريبورتس» إلى استمرار انعدام وانهيار السلع الموجودة في سوق المدينة.

وقال مصدر إن ملوة العيش تُسعر حتى يوم السبت بـ40 ألف، وملوة السمسم 120 ألف، ملوة الملح 120 ألف (وأحيانًا منعدمة)، وكيلوجرام السكر والدقيق 50 ألف، بينما ملوة الفول السوداني 40 ألف، ورطل الزيت 50 ألف؛ بالإضافة إلى ملوة الذرة والرز والعدس، مع تغيب سلع أخرى تماما عن الرفوف.

ويزيد الوضع سوءًا تحول التعامل في الأسواق إلى المقايضة مع شح النقد وصعوبة الخدمات البنكية وتذبذب الشبكة.

إسقاط سيولة نقدية في كادقلي

فيما ذكر مصدر آخر تحدث إلى «بيم ريبورتس» من داخل كادقلي أنه تم إسقاط سيولة نقدية (كاش) جويًا في المدينة قبل يومين وكان قدر المبالغ 20 ترليون جنيه، مشيرًا إلى أنه جرت عملية إسقاط ثانٍ يوم الأحد مبلغ 15 ترليون، لافتاً إلى أن المبالغ بالعملة القديمة نسبة لعدم وصول العملة الجديدة إلى المناطق المحاصرة، فيما توقع إسقاط ثالث يشمل دقيق فقط.

وقال المصدر الأول، وهو ناشط في المدينة، إن المبالغ التي تم إسقاطها أدخلت إلى بنك السودان المركزي بينما قال إنه من المحتمل أن تكون حصرًا على منسوبي القوات المسلحة فقط وسط تضجر المواطنين المنتظرين ومضاعفة نسب العمولة في التعامل عبر بنكك إن وجد مع ضعف وتذبذب الشبكة.

صحيًا أشار أحد المصادر إلى أن القطاع الصحي في حالة انهيار متواصل وأن المستشفيات الخمسة في المدينة — المرجعي، الأطفال، التعليمي، والشرطة والسلاح الطبي — «لا توفر أي خدمات».

وأشار إلى استمرار إغلاق مجمع العمليات، وتوقف المعامل وفحوص الدم وبنك الدم، وتعطّل خدمات الغسيل الكلوي والسكري والأمراض النفسية.

وأضاف حتى لبن للأطفال حديثي الولادة «انعدم»، ما يفاقم خطر وفاة الرضع. وتابع «أيضاً تفاقم سوء التغذية بين الأطفال، وارتفعت حالات الإسهال التي قد تكون مرتبطة بالكوليرا، مع تسجيل إصابات ومضاعفات في أماكن مثل سجن كادقلي وفق المصدر نفسه».

ولفت المصدر إلى أن الأبعاد الاجتماعية للحصار بدورها كانت مروعة: إذ كشف عن وجود نحو 5 آلاف طفل متسول يتجولون في الأسواق بحثًا عن الطعام والشراب، وظهور حالات ابتزاز وتحرُش جنسي مقابل توفير الطعام، وارتفاع معدلات الطلاق والحمل المبكر بين الفتيات،وهي ظاهرة تطعن في النسيج الاجتماعي للمدينة وغريبة عليها كما يقول.

13 مركز إيواء

ووفق المصدر فتضم المدينة 13 مركز إيواء تستوعب آلاف النازحين: نازحو لقاوة بمعسكر الميناء البري (511 أسرة)، والأسر النازحة من الخرطوم (2,000 أسرة)، ونازحو الريف الشرقي بمعسكر منظمة الهجرة الدولية (360 أسرة)، ونازحو أم درمز وقيق الخيل وبرنو بمعسكر استاد مرتاح (1,000 أسرة)، والعائدون من القرى (268 أسرة)، ونازحو كيق كتدامرو بمزرعة الدواجن كولبا (165 أسرة)، ولاجئو جنوب السودان (340 أسرة)، إلى جانب المجتمع المضيف.

ولا يقف النزوح عند حدود المدينة؛ فقد أكد المصدران «هجرة عكسية» منظمة باتجاه مناطق الحركة الشعبية، نظمها التنسيق مع الإدارات الأهلية بعد أن وجدت الحركة استجابة إنسانية من الشعبية في ظل تراجع الاستجابة الحكومية.

في المقابل، أصبح الوصول إلى مناطق تحت سيطرة الجيش صعبًا —على سبيل المثال طريق الدلنج — مما اضطرهم إلى المشي عبر الجبال لتفادي نقاط الاشتباك (الرهد، السميح) غربي كردفان معرضين أنفسهم للتوهان والإصابات ونقص الماء والغذاء.

وعلى صعيد الإنتاج الزراعي، يشير المصدر إلى أن الموسم الزراعي «غير مبشر» قائلاً :«الأرض جافة وبعض المحاصيل احترقت بسبب تغير المناخ، والمشروعات الزراعية الصغيرة تنتج محاصيل بسيطة لا تكفي».

وتابع: «أضيفت تعقيدات نقدية جديدة فبعد الإسقاط الجوي للسيولة النقدية أدى ذلك لانفتاح (نفاجات) من مناطق سيطرة الدعم السريع حيث دخلت سلع السوق السبت وأصبحت تُباع فورًا بأسعار عالية».

ورغم وجود 25 بعثة دولية و12 وكالة و105 منظمة وطنية و50 مبادرة محلية، تؤكد الإفادات عجز هذه الجهات عن تغطية الحاجات بسبب القيود الأمنية وإغلاق أغلبها بواسطة الحكومة ونُدرة السيولة.

وطالبت المصادر السلطات بزيارة الأسواق للتحري عن المتاجر والمهربين، وفتح ممرات إنسانية آمنة فورًا، وإدخال قوافل الغذاء والدواء، وبتدخل طبي عاجل لمعالجة سوء التغذية وحالات الإسهالات (الكوليرا)، وحماية الأطفال والفتيات من الاستغلال.

وقبل حوالي 30 يومًا اندلعت توترات أمنية في كادقلي المحاصرة منذ نحو سنتين من قوات الدعم السريع من جهة وقوات الحركة الشعبية-شمال من جهة أخرى بسبب أزمة الجوع المتصاعدة في المنطقة.

واندلعت الأحداث في كادقلي بعد خطبة ألقاها القائد العسكري «كافي طيارة» المتحالف مع الجيش هاجم فيها التجار وتخزينهم للسلع واحتكارها مما جعل المواطنين يغضبون ويهاجمون السوق الأمر الذي تضررت منه محال الهواتف والملابس والباعة والمخازن وغيرها، مما انتهى بإغلاق السوق وتدمره بالإضافة إلى تقييد حركة التجارة من مدن قريبة مثل الدلنج وفقًا لمصادر من كادقلي تحدثت معها بيم ريبورتس قبل أسبوعين.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع