14 أكتوبر 2025 – لأكثر من خمسمائة يوم تعيش مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور على حافة الجوع والعطش نتيجةً للحصار المشدد الذي تفرضه قوات الدعم السريع ما أدى بدوره إلى خلو الأسواق من السلع التي شهدت تضاعفًا في الأسعار إلى مستوياتٍ غير مسبوقة.
تشير مصادر محلية إلى أن أزمة الجوع في المدينة قد تفاقمت حتى باتت جزءًا من الحياة اليومية للسكان، وهو ما أكدته تنسيقية لجان المقاومة في الفاشر في بيان، حيث بات «علف الحيوانات» مصدرًا أخيرًا يتقاسمه المواطنون للغذاء قبل أن يختفي من الأسواق. في وقت جددت فيه التنسيقية انتقادها لوقوف مؤسسات الدولة عاجزة، وانتظار الإنزال الجوي للمساعدات دون جدوى.
وفي لقاء مع «بيم ريبورتس»، أوضّح محمد خميس دودوة المتحدث باسم مخيم زمزم للنازحين (حوالي 12 كيلومتراً جنوب الفاشر)، أن سعر كيلو الأرز واللبن المجفف في مدينة الفاشر قد بلغ 400 ألف جنيه سوداني. ضمن ارتفاع جنوني للأسعار شمل الدقيق بـ380 ألف جنيه، والسكر بـ200 ألف جنيه. في حالة من تمدد الجوع خلقتها ندرة المعروض من السلع في الأسواق حتى أمس الإثنين جراء الحصار.
ووفقاً لدودوة، تصطدم هذه الأسعار أيضًا بواقع انعدام السيولة النقدية داخل المدينة، حيث يشترط الدفع بالعملة الورقية، بينما يؤدي الاستبدال بالنقد إلى اقتطاع نسبة تصل إلى نصف المبلغ المحوّل في الكثير من الأحيان.
وأدت الندرة وانعدام السلع الغذائية وتوقف السوق مباشرة إلى عجز غالبية «التكايا» عن تقديم الوجبات المجانية حيث لم تبق في الفاشر سوى تكيتان تعملان بشكل متقطع، تعتمدان على تبرعات متفرقة من أبناء المدينة في الخارج، وهما «تكية مبادرة العمل الإنساني، وتكية الفاشر».
طرق مميتة
ويشير دودوة إلى أن توقف الأسواق تمامًا قد جعل الفاشر تعتمد بشكل أساسي على ما تبقى من المخزون المنزلي، أو ما يُهرّب بالتسلل ليلًا عبر طرق مختلفة مثل مليط وطويلة، إلا أنها جميعًا طرق محفوفة بخطر الاعتقال أو القتل. مضيفاً أن قوات الدعم السريع قد أغلقت جميع الطرق المؤدية إلى المدينة بما في ذلك دار السلام وطويلة.
بدورها، أعلنت قوات الدعم السريع في وقت سابق فتح مسار إنساني لمرور المواطنين أكثر من مرة، إلا أن مقاطع انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أشارت إلى تعرض الكثير من النازحين إلى خارج المدينة للتفتيش والإذلال، وفي أحيانٍ كثيرةً للموت.
ويعلق دودوة على انتهاكات قوات الدعم السريع لنازحي المدينة بالقول: «إذا كان الشخص النازح هزيل الجسد، يتم تصويره ويقدمون إليه القليل من الطعام أمام الكاميرات بغرض السخرية باعتبار الضحية نموذجًا للجوع في المدينة، حيث تمنع وصول المساعدات». أما إذا كان الفار من الفاشر بصحة جيدة، فيتم أخذه قسريًا إلى مراكز علاجية في مخيم زمزم، وأبو زريقة للتبرع بالدم لجرحى قوات الدعم السريع، وفقًا لدودوة.
معركة مستمرة
وتحاصر قوات الدعم السريع مدينة الفاشر منذ أبريل 2024، حيث تدور مواجهات مستمرة بينها وبين الجيش والقوة المشتركة المسيطرة على المدينة، لكنها شددت وتيرة الحصار منذ 6 أشهر. حيث ارتكبت مجازر وصفت بـ«المفزعة» ضد المدنيين في معسكرات النزوح القريبة من الفاشر في زمزم وأبو شوك. بينما تصعب حركة النزوح وتمنع دخول المساعدات الإنسانية، إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى مقتل 300-1500 شخص في أبريل الماضي.
ويشير دودوة إلى أن الأوضاع المأساوية في الفاشر لا تقتصر فقط على نقص الغذاء والموت اليومي جراء القصف، بل يمتد إلى المياه التي أصبحت سلعة بعيدة عن متناول كثيرين، وأوضح أن الحصول على المياه تحول إلى «معركة أخرى»، إذ بات الوصول إلى مصادرها مغامرة خطيرة، مشيراً إلى أن مراكز الضخ على وشك التوقف.
وأضاف: «أصحاب التناكر لا يجرؤون على التحرك بسبب القصف المستمر، ما أدى إلى ارتفاع سعر جالون المياه إلى نحو 3 آلاف جنيه، وأصبح الحصول عليها أمراً نادراً حتى في الأحياء الراقية».
ليال دموية
كانت ليلتا يومي الأحد والإثنين الماضيتين الأكثر دموية منذ ضرب الحصار على الفاشر، إذ استُهدفت أحياء المدينة بمئات القذائف، وفقًا لدودة، مشيرًا إلى أن المستشفيات والمساجد ومراكز الإيواء تحولت إلى أنقاض.
وكان أكثر من 60 شخصًا قد لقوا مصرعهم بينهم نحو 20 طفلًا في استهداف طائرة مسيرة تتبع لقوات الدعم السريع مركز إيواء دار الأرقم بجامعة أم درمان الإسلامية، وهي حادثة لاقت إدانات واسعة محليًا وإقليميًا ودوليًا.
وفي أحدث الهجمات على المدينة، أعلنت تنسيقية لجان المقاومة بالفاشر أمس، مقتل الطبيب عمران إسماعيل آدم، أثناء أداء عمله، بعد أن استهدفت الدعم السريع العيادة التي يعمل بها.
وقالت التنسيقية بأنه رحل وهو يحمل سماعته وأمانته، كضحيةً لانتهاكات تُضاف إلى سجلٍ طويل من الاستهداف الممنهج للأطباء والمستشفيات في الفاشر.
نداءات متكررة
وتتعالى أصوات الأهالي بنداءاتٍ متكررة دون استجابة في ظل الجوع والحصار والقصف، فيقول دودة بصوت محبط :«لقد ناشدنا المجتمع الدولي مرارًا، لكن حتى المناشدات نفسها انتهت، لأننا ببساطة نعيش تحت ضغط الموت فقط».
ويضيف: «لم تعد هناك أي وسيلة سوى إنهاء الحصار أو تنفيذ تدخل جوي إنساني حقيقي، يجب التعامل مع القوات التي تطوق المدينة، أو إسقاط المساعدات من الجو بما في ذلك الغذاء والدواء للنازحين والمواطنين المحاصرين في منازلهم».
وأردف: «كثيرون لا يستطيعون مغادرة الفاشر، الناس هنا بحاجةٍ ماسة إلى تدخلٍ عاجل اليوم قبل الغد منهم الجرحى وكبار السن والأطفال».