19 أكتوبر 2025 – قضت هيئة محلفين فيدرالية أمريكية، الجمعة، بأن بنك «بي إن بي باريبا» الفرنسي ساعد حكومة السودان السابقة في ارتكاب جرائم إبادة جماعية، من خلال تقديم خدمات مالية انتهكت العقوبات الأمريكية.
وأمرت هيئة المحلفين الفيدرالية في مانهاتن، بحسب ما أوردت وكالة رويترز، البنك الفرنسي بدفع مبلغ إجمالي قدره 20.5 مليون دولار لثلاثة مدعين سودانيين شهدوا بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت في ظل حكم الرئيس السابق عمر البشير.
وقال محامو المدعين الثلاثة، الذين يقيمون حاليًا في الولايات المتحدة، إن الحكم يفتح الباب أمام أكثر من 20 ألف لاجئ سوداني في الولايات المتحدة للحصول على مليارات الدولارات من التعويضات من البنك الفرنسي.
وقال بوبي ديتشيلو، محامي المدعين: «عملاؤنا فقدوا كل شيء في حملة تدمير غذّتها الدولارات الأمريكية التي سهّلها بنك بي إن بي باريبا، وكان ينبغي إيقاف ذلك منذ البداية».
في المقابل، قال متحدث باسم بي إن بي باريبا إن الحكم «يجب أن يُلغى عند الاستئناف»، مضيفًا أن البنك «يعتقد أن القرار يتعلق بالمدعين الأفراد الثلاثة فقط ولا ينبغي أن يكون له تطبيق أوسع».
وأضاف المتحدث: «يعتقد بي إن بي باريبا أن هذه النتيجة خاطئة بشكل واضح، وهناك أسباب قوية جدًا للطعن في الحكم الذي يستند إلى تشويه في تطبيق القانون السويسري ويتجاهل أدلة مهمة لم يُسمح للبنك بتقديمها».
وجاء الحكم بعد محاكمة استمرت خمسة أسابيع أمام قاضي المقاطعة الأمريكية ألفين هيلرشتاين، الذي كان قد رفض العام الماضي طلبًا من البنك لطرح القضية قبل المحاكمة.
وركزت المحاكمة على ما إذا كانت الخدمات المالية التي قدمها البنك الفرنسي سببًا طبيعيًا وكافيًا للأضرار التي عانى منها الناجون من التطهير العرقي والعنف الجماعي في السودان.
وكان القاضي هيلرشتاين قد كتب في قراره العام الماضي أن هناك حقائق تظهر العلاقة بين الخدمات المصرفية لبنك بي إن بي باريبا والانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة السودانية، مؤكدًا أن البنك لعب دورًا مباشرًا في تمويل نظام البشير رغم علمه بالعقوبات المفروضة عليه.
وجاءت القضية في إطار دعوى قضائية جماعية رفعها مواطنون أمريكيون من أصول سودانية، فرّوا من مجتمعاتهم في دارفور وجبال النوبة وجنوب السودان، وهي المناطق التي شهدت أسوأ حملات التطهير العرقي خلال حكم البشير.
وقد اعترفت حكومة الولايات المتحدة رسميًا عام 2004 بأن الصراع في دارفور يمثل إبادة جماعية في حين واصل المجتمع الدولي تحقيقاته بشأن الجرائم التي ارتُكبت بحق المدنيين في تلك الفترة.
وكان بنك بي إن بي باريبا قد اعترف عام 2014 بالذنب أمام السلطات الأمريكية، ووافق على دفع غرامة قياسية بلغت 8.97 مليار دولار لتسوية اتهامات بتحويل مليارات الدولارات لصالح كيانات سودانية وإيرانية وكوبية خاضعة لعقوبات اقتصادية أمريكية بحسب التقرير .
وقاد عمر البشير السودان منذ عام 1989 حتى الإطاحة به في عام 2019، وأُصدر بحقه مذكرتا توقيف من المحكمة الجنائية الدولية في عامي 2009 و2010، بتهم تتعلق بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور.
وبحسب تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية ومحلية، فقد شهدت دارفور بين عامي 2003 و2008 عمليات قتل جماعي واغتصاب وحرق للقرى وتهجير قسري استهدفت مجموعات الفور والزغاوة والمساليت، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 300 ألف شخص وتشريد أكثر من مليوني مدني.
وكانت قوات «الحكومة السودانية وميليشيات الجنجويد» التي أصبحت لاحقًا النواة الأولى لقوات الدعم السريع قد نفذت حملات قصف وهجمات أرضية ضد المدنيين في تلك المناطق.
محاكمة كوشيب وإحياء ذاكرة الضحايا
وفي 6 أكتوبر الجاري أدانت المحكمة الجنائية الدولية القائد السابق لميليشيا الجنجويد علي محمد علي عبد الرحمن، المعروف باسم علي كوشيب، في 27 تهمة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ليصبح أول مسؤول يُدان عن الجرائم التي ارتُكبت في دارفور.
واستمعت المحكمة إلى قرابة 80 شاهدًا من الناجين، تحدثوا عن عمليات اغتصاب وقتل جماعي وتدمير قرى بأكملها في غرب دارفور خلال عامي 2003 و2004، حيث قال أحد الشهود وقتها : «كانت البلدة كلها تحترق، الجثث في الشوارع، والنساء يُسقن عنوة».
ويُنظر إلى الحكم على كوشيب بوصفه خطوة مهمة في طريق العدالة الدولية، وقد أعاد تسليط الضوء على الجرائم التي ارتُكبت بدعم مالي ولوجستي من حكومة البشير، وهي ذات الفترة التي اتُّهم فيها بي إن بي باريبا بتقديم خدمات مصرفية ساعدت النظام على تجاوز العقوبات وتمويل عملياته العسكرية.