مبادرة حكومة إدريس لوقف إطلاق النار على طاولة مجلس الأمن.. وتحذيرات من انهيار الدولة بفعل «التدخلات الخارجية»
كامل إدريس يطرح «مبادرة السودان للسلام» أمام مجلس الأمن
أكد رئيس الوزراء المعيّن في السودان، كامل إدريس، في خطابه أمام مجلس الأمن الدولي بنيويورك، أن السودان يواجه «أزمة وجودية» نتيجة الحرب التي تشنها ما أسماها «المليشيا المتمردة»، مشيرًا إلى أنّ الأمل نفسه بات محاصرًا، ومستعرضًا المبادرة التي طرحتها حكومته، قائلًا إنها نابعة من الداخل وتهدف إلى استعادة سلطة الدولة وحماية المدنيين.
وعقد مجلس الأمن الدولي جلسةً مفتوحةً، مساء أمس، لمناقشة الوضع في السودان، وذلك بعد مرور ألف يوم على اندلاع النزاع، تلبيةً لطلب من الحكومة السودانية.
وتتضمن المبادرة التي طرحها إدريس أربع خطوات أساسية، تبدأ بالإعلان عن وقف شامل لإطلاق النار تحت رقابة مشتركة (أممية، وإفريقية، وعربية)، يتزامن مع انسحاب «الدعم السريع» من المناطق المحتلة وتجميع مقاتليها في معسكرات محددة. كما تشمل المبادرة نزعًا شاملًا لسلاح «الدعم السريع» بمراقبة دولية، وتدابير لبناء الثقة تضمن مساءلة المتورطين في جرائم الحرب وإعادة دمج الأفراد غير المتورطين في الحياة المدنية عبر عمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.
وشدّد إدريس على أن المبادرة تقوم على مبدأ «لا سلام دون مساءلة، ولا استقرار دون سلطة وطنية واحدة»، مؤكدًا أن الحكومة لا تسعى إلى الإفلات من العقاب، بل إلى «سلام عادل» يستند إلى القانون الدولي. ودعا مجلس الأمن إلى الاضطلاع بدور فاعل في دعم المسار المقترح.
كاميرون هدسون يتهم أعضاء بمجلس الأمن وجهات خارجية بإمداد «الدعم السريع» بأسلحة متطورة
حذر الباحث بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS)، كاميرون هدسون، مجلس الأمن الدولي من أن السودان يواجه خطر «التقسيم والانهيار»، نتيجة صراعٍ تحوّلَ من حرب تقليدية إلى صراع «مدول بالكامل»، تُستخدم فيه أحدث تقنيات القتل في القرن الحادي والعشرين.
وأوضح هدسون، خلال إحاطته في الجلسة التي طالبت بها الحكومة السودانية، أن أسلحة من نحو 12 دولة تُستخدم في حرب السودان، لافتًا إلى أن الإمارات العربية المتحدة تتحمل المسؤولية الأكبر عبر «جسر جوي عسكري واسع» يزود قوات الدعم السريع بالعتاد من خلال دول مجاورة. كما كشف عن معلومات تشير إلى نشر مئات من «المرتزقة الكولومبيين» لدعم العمليات القتالية لـ«المليشيا».
وأبرزت إحاطة هدسون تحولًا خطيرًا في نوعية السلاح، يشمل «مسيرات الكاميكازي» وأنظمة الألياف الضوئية التكتيكية، مشيرةً إلى أن هجمات «الدعم السريع» الأخيرة بالمسيّرات على مدينة عطبرة عطلت الكهرباء في الجزء الشرقي من البلاد، فيما لا يزال مصير نحو 150 ألف شخص في الفاشر مجهولًا، وسط تقارير عن مقابر جماعية لإخفاء حجم الجرائم المرتكبة منذ أكتوبر الماضي.
وحثّ هدسون مجلس الأمن على تجاوز «الغموض الدبلوماسي» واتخاذ «قرارات ملموسة»، تشمل: توسيع حظر توريد الأسلحة ليشمل جميع أنحاء البلاد، وتوفير تمويل مباشر لغرف الطوارئ المحلية، محذرًا من أن فشل المجلس في التحرك سيحول حرب السودان إلى «مقدّمة» لهزات إقليمية كبرى تطال تشاد وإثيوبيا وجنوب السودان والبحر المتوسط.
موسكو تجدد دعمها لشرعية الحكومة السودانية وتحمل «الدعم السريع» مسؤولية معاناة المدنيين
أعلن نائب المندوب الدائم الأول للاتحاد الروسي لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، عن موقف بلاده الحازم أمام مجلس الأمن الدولي، سمّى فيه قوات الدعم السريع صراحةً بوصفها الطرف الرئيس المسؤول عن التصعيد العسكري وتدمير البنية التحتية في السودان.
وقال بوليانسكي، في كلمته أمام المجلس، إن الحكومة السودانية والقوات المسلحة تبذلان «جهودًا ملموسة» لاستعادة الاستقرار، مشددًا على أن «الدعم الشعبي» للحكومة هو العنصر الحاسم في الحفاظ على كيان الدولة. وفي المقابل، حمّل «الدعم السريع» المسؤولية الكاملة عن تقويض آليات الحكم المحلي وتوسيع رقعة النزاع، مما فاقم المعاناة الإنسانية.
وانتقد المندوب الروسي ما وصفها بمحاولات بعض أعضاء مجلس الأمن تحويل النقاش من الأسباب الجذرية والجرائم التي ارتكبتها «التشكيلات المتمردة» إلى التركيز الحصري على النتائج الإنسانية. ورأى أنّ التغاضي عن أفعال الجهات المسؤولة مباشرةً عما يجري يسهم في إطالة أمد الأزمة وتكريس الإفلات من المسؤولية.
كما جدد بوليانسكي رفض روسيا القاطع لأيّ مساس بوحدة السودان أو محاولة التشكيك في شرعية الحكومة القائمة عبر إنشاء «هياكل سلطة موازية»، محذرًا من أن هذا المسار قد يؤدي إلى تفكك الدولة.
وشدد المندوب الروسي على أن أيّ تسوية سياسية يجب أن تستند إلى رؤية الخرطوم نفسها وموقفها من سبل تجاوز الأزمة، معربًا عن أمله في أن تسفر جهود المبعوث الأممي رمطان لعمامرة عن مقترحات «لا تمس الحق السيادي للشعب السوداني في تقرير مستقبله».
الجزائر تشدد على رفض «السلطة الموازية» بالسودان وتدعو إلى ملاحقة «ممولي المرتزقة»
جدّد ممثل الجزائر بمجلس الأمن الدولي الرفض القاطع لأي محاولات تهدف لإقامة «سلطة حاكمة موازية» في السودان، محذرًا من أن هذه الخطوات تقوض كيان الدولة السودانية وتعرضها لمخاطر التفتيت.
وأكد المندوب الجزائري، في كلمته أم مجلس الأمن، أن الفظائع المرتكبة لا يمكن أن تمر دون عقاب، مشيرًا صراحةً إلى المجازر التي نفذتها قوات الدعم السريع في الفاشر والجنينة ومخيم «زمزم» وود مدني وإقليم كردفان، وواصفًا إياها بـ«أبشع الجرائم التي تستوجب المحاسبة الدولية».
وانتقد المندوب الجزائري، بشدة، قيام «الدعم السريع» ببث جرائمها علنًا، مما يفرض على مجلس الأمن استخدام أدوات المساءلة، بما فيها العقوبات والتحقيقات الجنائية.
وشددت الجزائر على أن المساءلة يجب أن تشمل كل من يمول أو يسهل ارتكاب هذه الجرائم، وعدّ من يزودون الأطراف بالسلاح والمرتزقة والطائرات المسيّرة مشاركين في «ذبح الشعب السوداني».
كما أدان المندوب الهجمات الأخيرة بالمسيّرات التي استهدفت قاعدة «يونيسفا» في كادُقلي، وأدت إلى مقتل ستة من حفَظَة السلام البنغلاديشيين، مطالبًا بتحقيق شامل لضمان المساءلة.
واختتمت الجزائر بيانها بنداء مباشر إلى المجتمع الدولي للتحرك العاجل، مؤكدةً أن الوقت قد حان لضبط النفس والانخراط في حوار وطني يفضي إلى سلام مستدام.
الصين تدعو إلى وقف فوري للقتال في السودان وتحذّر من التدخلات الخارجية
دعا المندوب الصيني الدائم لدى الأمم المتحدة، فو سون، جميع أطراف النزاع في السودان إلى الوقف «الفوري وغير المشروط» للأعمال العدائية، والانخراط في مسار سياسي عبر الحوار والتفاوض، بما يخدم «المصالح الأساسية للشعب السوداني»، وذلك خلال مداخلة رسمية في جلسة مجلس الأمن.
وشدد المسؤول الصيني على ضرورة حماية المدنيين وضمان سلامة موظفي الأمم المتحدة ومؤسساتها، محذرًا في الوقت نفسه من أيّ دعم عسكري خارجي للجماعات المسلحة داخل السودان، وداعيًا إلى احترام سيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه.
وأكد سون أن على المجتمع الدولي دعم الحكومة السودانية في تنفيذ خارطة طريقها السياسية، ومساندة السودانيين في بلورة مسارات التنمية وبناء المؤسسات بما يتوافق مع ظروفهم الوطنية، «دون فرض حلول خارجية»، معربًا عن رفضه لأيّ خطوات قد تؤدي إلى الانقسام أو توظيف الأزمة في سياقات جيوسياسية.
وفيما يتصل بالأزمة الإنسانية المتفاقمة، شدد المندوب الصيني على أن ضمان وصول المساعدات الإنسانية على نحو مستدام ومنظم يظل «أولوية عاجلة» في ظل اتساع رقعة الاحتياجات الإنسانية.
الأمم المتحدة: الطرفان غير راغبين في التوصل إلى حلول والصراع اتخذ طابعًا إقليميًا
أفاد مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ، خالد خياري، بأن الصراع في السودان بدأ يأخذ «أبعادًا إقليمية معقدة»، مشيرًا إلى تمركز القتال في ولاية كردفان وانسحاب وحدات من الجيش السوداني إلى دولة جنوب السودان. وحذّر خياري من أنه في حال يُتصدَّ لهذه التطورات فقد «ينخرط جيران السودان في صراع إقليمي داخله وحوله».
وقال خياري، في إحاطة أمام مجلس الأمن، إن الطرفين ما يزالان غير راغبين في التوصل إلى حلول وسط، وفشلا في حماية السكان رغم قدرتهما على وقف القتال لحماية عائدات النفط. ولفت إلى أن المبعوث الشخصي للأمين العام إلى السودان، رمطان لعمامرة، يتواصل مع طرفي النزاع لتشجيعهما على الانخراط في مناقشات بشأن «تدابير ملموسة وقابلة للتنفيذ»، لتهدئة العنف وتعزيز حماية المدنيين في السودان.
وأوضح خياري أن التركيز ينصبّ حاليًا على دعم «حوار سوداني شامل بقيادة الاتحاد الإفريقي»، من شأنه أن يمهد الطريق لانتقال سياسي «موثوق وشامل بقيادة مدنية». وأضاف: «لدعم هذه الجهود، يعكف مكتب المبعوث الشخصي على إعداد وثيقة توافقية تهدف إلى تجميع الرؤى التي طرحتها الجهات الفاعلة السياسية والشخصيات البارزة في السودان».
وأشار مساعد الأمين العام للأمم المتحدة إلى الاستعدادات لعقد الاجتماع التشاوري الخامس بشأن تعزيز تنسيق مبادرات السلام، والذي يُتوقع أن يُعقد في القاهرة في أوائل عام 2026. وحثّ، في ختام إحاطته، على توجيه رسالة واضحة وموحّدة، وهي أن «كل من يساهم في إذكاء هذه الحرب سيُحاسب».
«أوتشا»: هجمات مستمرة على كردفان قيّدت العمل الإنساني واحتياجات دارفور هائلة
قالت مديرة العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إديم وسورنو، إن «وحشية الصراع في السودان لا تعرف حدودًا»، لافتةً إلى أنّ الهجمات المستمرة في ولايات كردفان «قيّدت بشدة» وصول المساعدات الإنسانية، ومشيرةً إلى إصابة سائق شاحنة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي بـ«جروح خطيرة» في غارة في شمال كردفان.
وأوضحت المسؤولة الأممية أن الاحتياجات الإنسانية تظل «هائلة» في جميع أنحاء دارفور، مع تواصل التقارير عن انتهاكات جسيمة تشمل: القتل الجماعي والعنف الجنسي عقب سقوط الفاشر. وجددت الدعوة إلى وقف تدفقات الأسلحة التي تغذي هذه «الحرب الكابوسية»، مع اقتراب مرور ألف يوم على اندلاعها.