27 يونيو 2024 – نفى الوزراء السوداني السابق ورئيس تنسيق القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، عبد الله حمدوك، التقارير التي تتحدث عن «دور خبيث» للإمارات في السودان، والتي تتهم بدعم قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني منذ 15 أبريل 2023.
ومع ذلك، أشار تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة الصادر في يناير الماضي إلى دعم دولة الإمارات العربية المتحدة للدعم السريع. كما نشرت صحف أمريكية وغربية أخرى تقارير أشارت إلى دعم أبوظبي للقوات.
ورداً على سؤال حول دور الإمارات، قال حمدوك في مقابلة حصرية مع صحيفة «ذا ناشيونال» الإماراتية، أمس “الإمارات كانت دائماً داعمة للسودان، وهناك الكثير من الروابط والعلاقات في التاريخ”.
وتحدث حمدوك بإسهاب عن كيف نمت الجالية السودانية في الإمارات وتعتبر البلاد “قوة خير في السودان”. وأضاف: “نتطلع ليس فقط إلى الإمارات ولكن إلى السعودية وقطر والكويت لمساعدتنا في إعادة بناء السودان عندما تتوقف هذه الحرب”.
في وقت دعا حمدوك، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة في السودان، حيث يواجه أكثر من 25 مليون شخص خطر المجاعة والجوع، وأجبر نحو 10 ملايين للنزوح داخليًا، يعيشون في “معاناة تفوق الخيال”. وحذر حمدوك من أن “الناس قد يموتون من الجوع أكثر من الرصاص”.
تحدث حمدوك عن المعارك في جميع أنحاء البلاد بين الجيش وقوات الدعم السريع، وأكد أن القتال في الفاشر، عاصمة شمال دارفور التي تقبع تحت الحصار لأسابيع، يمثل “كارثة تفوق الخيال”.
حروب مطولة
وكان حمدوك في أوسلو مؤخرًا كجزء من مناقشات للتوسط لإنهاء الحرب في السودان، حيث تحدث إلى “ذا ناشيونال” عن الحاجة إلى حل سياسي في البلاد. وأوضح أن “أزمة السودان اليوم ليست جديدة؛ حيث بدأت الحرب الأولى في السودان عام 1955، قبل الاستقلال مباشرة، تلتها حروب مطولة”.
وقال حمدوك “مات مليونان في الحرب الأهلية، وبلغ عدد ضحايا الإبادة الجماعية في دارفور أكثر من 300 ألف، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، كما مات العديد في جبال النوبة وجنوب كردفان، لدرجة أنه لا يعرف حتى عدد القتلى في تلك الحرب”. ولكن يعتقد حمدوك أن الاختلاف في الحرب الحالية هو أنها “بدأت في المركز وانتشرت بسرعة لتشمل البلاد بأكملها”.
ويرى حمدوك أنه “لا يوجد طريق عسكري للنصر من أي جانب، سواء كان الجيش السوداني أو الدعم السريع. ومن المهم للغاية أن يتم التوصل إلى حل من خلال الحوار السياسي الذي يعالج الأسباب الجذرية للحرب: قضايا التهميش، وعدم التطوير، وإصلاح مشكلات البلاد التي استمرت لنحو 70 عامًا”.
وتحدث رئيس الوزراء السابق عن “مفارقة” السودان بعدم وجود دستور دائم منذ عام 1956. وقال “نحن نحكم بدساتير مؤقتة. نحو 60 عامًا من الحكم العسكري أفسدت البلاد ونريد وضع حد لذلك، نود أن نرى هذه الحرب كآخر حرب”.
وأوضح حمدوك أن “الطريقة الوحيدة المضمونة للضغط على الطرفين، إلى جانب النفوذ الذي يمكن ممارسته عليهم من قبل الجيران والمجتمع الدولي، هو الشعب السوداني نفسه”. ويدعو حمدوك، إلى تكوين “أوسع جبهة ممكنة ضد الحرب وتوحيد المشهد المدني والسياسي والمجتمع المدني ضد الحرب، وأضاف أنه “في تلك اللحظة سيدرك كلا الجانبين أنه لا يوجد مكان للاختباء، وأنه يكفي، وعلينا أن نقطع خسائرنا ونوقف هذه الحرب اليوم”.
تقدم ليست القوة الوحيدة
وأضاف حمدوك في حديثه عن تحالف القوى الديموقراطية المدنية تقدم “نحن لا ندعي أننا القوة الوحيدة في المشهد، ونناشد الآخرين ونقبلهم بأذرع مفتوحة”. وقال عن المؤتمر التأسيسي لتقدم أن بعض الذين حضروا المؤتمر كانوا مجموعات مسلحة مثل حركة تحرير السودان – الشمال، بقيادة عبد العزيز الحلو، ما أثار انتقادات من بعض المجموعات المدنية.
وأضاف “حركة تحرير السودان – شمال هي مجموعة مسلحة لم تعمل أبدًا مباشرة في السياسة. ووجودهم في الاجتماع أعطاهم فرصة للارتباط بمجموعات أخرى، للتحدث مع أشخاص لم يكن لديهم فرصة حتى لمصافحتهم. ساعد ذلك في خلق بيئة ذاب فيها الكثير من الجليد بفضل الاجتماع والمصافحة والقدرة على المناقشة والتفاعل حول الاختلافات ومناقشة قضايا الدين، الدولة، والمواطنة، وقضايا التهميش بمختلف أسبابه سواء كانت العرق، أو الثقافة، أو أي شيء آخر”.
وأكد أن بابه مفتوح لأي شخص يرغب في العمل من أجل حل سياسي في البلاد. وقال: “لا نريد وضع شروط، لكن نقول إن أي شخص يوافق على نظام ديمقراطي، للحكم المدني، ويعارض الحرب، هو مرحب به”.
حمدوك: البرهان قال لي كيف يمكنك الاجتماع مع المتمردين
كذلك تحدث حمدوك عن الانتقادات التي صاحبت لقائه قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، في أديس أبابا في يناير، وقال أن قادة “تقدم” كتبوا إلى البرهان ودقلو في ديسمبر الماضي لطلب لقاء. “استجاب حميدتي، والتقينا به في وقت مبكر من هذا العام ووقعنا معه إعلان أديس، وهو وثيقة حول كيفية إيقاف الحرب، وحماية المدنيين، وله مبادئ واسعة تشمل الحفاظ على وحدة البلاد، وتكوين جيش واحد وكل القضايا”.
وأضاف حمدوك أن البرهان لم يستجب للدعوة، وقال “عندما انتهى الاجتماع مع حميدتي، اتصل بي البرهان قائلاً، كيف يمكنك الاجتماع مع المتمردين؟ أخبرته أننا كتبنا إليك ونحن سعداء باللقاء معك في أي وقت قريب”، وقال حمدوك أن هذا الاجتماع لم يحدث جزئيًا لأن البرهان أصر على الاجتماع في بورتسودان، لكن حمدوك رفض، قائلاً: “بورتسودان في زاوية بعيدة من البلاد، إذا كنت تعمل من قصر الدولة في الخرطوم، كنت سآتي لرؤيتك غدًا”.
ويفضل حمدوك الاجتماع خارج السودان، على أرض محايدة. وكانت رسالته إلى البرهان هي: “لنقطع خسائرنا. ونوقف معاناة شعبنا. أنت حكومة الأمر الواقع اليوم، على الرغم من عدم اعتراف الكثير من الناس بك بسبب الانقلاب، وليس فقط الحرب، ولا تزال عضوية السودان معلقة من الاتحاد الأفريقي”.
وأكد حمدوك أن “الاتحاد الإفريقي يعلق أي دولة تأتي إلى السلطة من خلال انقلاب غير دستوري. وما فعله البرهان في عام 2021 كان انقلابًا غير دستوري على السلطة. ولهذا السبب فإن عضوية السودان معلقة في الاتحاد الأفريقي، ومنذ ذلك الوقت، لا توجد حكومة شرعية”.
تفكيك دولة الحزب الواحد
أما عن دور الإسلاميين في السودان، قال حمدوك أنهم حكموا البلاد لأكثر من 30 عامًا؛ وكانوا راسخين جيدًا في مؤسسات الدولة، لكن أكثر من ذلك في الأجهزة الأمنية، والجيش، والشرطة والاستخبارات. وكانت انتقادات حمدوك للإسلاميين واضحة حيث قال: “لا يمكنك التحدث عن نظام ديمقراطي عندما يسيطر حزب واحد على قطاع الأمن، إنها وصفة للكارثة”.
ويرى حمدوك أن الحل المقبول هو “إعادة هيكلة هذه المؤسسة وتفكيك دولة الحزب الواحد، لصالح دولة الأمة”. ويدعو إلى إعادة إنشاء مؤسسات الدولة على أساس دستور وطني. وأوضح أنه بعد إزالة البشير، كان هناك جهد للقضاء على سيطرة الإسلاميين على الدولة، بالإضافة إلى استعادة الأصول المسروقة “وهذا ربما يكون أحد الأسباب التي جعلتهم يحاربون ويدبرون الانقلاب، لأن هناك رقابة على سلطتهم سواء في الجيش أو الاقتصاد”.
كذلك دعا حمدوك القوى الإقليمية والدولية إلى “مساعدتنا في خلق بيئة للعملية السياسية المدنية لمعالجة الوضع الراهن” مؤكداً أن أي شيء خلاف ذلك سيكون مضراً ولن يحل الحرب. وأضاف “لا يمكن لأي كمية من الأسلحة التي تُزوَّد لأي طرف أن تساعده على الفوز، لا يوجد انتصار. والسؤال الأكبر هو ما هو الانتصار على جثث شعبك؟ هذا غير منطقي”.
وفيما يتعلق بالتدخل الأجنبي في السودان، أشار حمدوك إلى أن العنصر الجديد في الحرب هو العامل الإيراني، وأوضح أن لإيران علاقات قوية مع الرئيس المخلوع عمر البشير، لكن تدخل إيران في السودان توقف “لفترة” بعد الإطاحة بالبشير، ولكن “لقد أعادوا إقامة تلك العلاقة مع الحرب”.
وأكد حمدوك أن التأثير الإيراني من خلال الحوثيين في اليمن ربما يشير إلى رغبتهم في إقامة قاعدة في غرب البحر الأحمر كجزء من استراتيجيتهم في المنطقة. وأضاف: “لديهم حلفاء في كل مكان، من العراق إلى سوريا وحزب الله، وكل هذا يبدو وكأنه دائرة. لذلك أعتقد أن هذا هو الدافع لوجودهم في السودان، وربما يكون مدخلاً للقارة”.
محادثات جدة
وعن محادثات جدة، قال حمدوك: “كنا متفائلين جداً، لقد بدأوا على المسار الصحيح ولكن سرعان ما توقفوا ولم نصل إلى أي مكان”. وأشار إلى أن أحد الأمور التي ربما لم تُدرك من البداية هي مسألة هيكل المحادثات، مضيفاً: “كانت هناك نوايا حسنة من السعودية والولايات المتحدة، ولكن يمكن أن تحقق نتائج أفضل إذا تم توسيعها قليلاً بوجود مصر والإمارات، كما حدث عندما ذهبوا إلى المنامة”.
وأضاف حمدوك: “لكي تنجح محادثات جدة، نحتاج إلى إعادة النظر في الأطراف المشاركة، نحتاج إلى وجود أشخاص يمكن أن يكون لهم نفوذ على كلا الجانبين”.
وأكد حمدوك على أهمية أن تولي الدول اهتماماً بالسودان والعمل على إنهاء الحرب. وأشاد بالاجتماع الإنساني الدولي الذي عقد في باريس في أبريل الماضي والذي نظمته فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي وقال إن الاجتماع “جاء في الوقت المناسب، حيث شعرنا نحن السودانيون بأن قضيتنا مهملة من العالم، كان اجتماعاً ممتازاً”.
وأشار حمدوك إلى أن عدداً من الدول والمنظمات، بما في ذلك الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والإيقاد والمملكة العربية السعودية والإمارات ومصر والولايات المتحدة وكينيا والنرويج وآخرين، قد التزموا بـ “إعلان المبادئ” الذي يدعو إلى إنهاء الحرب ويحث “جميع الجهات الأجنبية على التوقف عن تقديم الدعم المسلح أو المواد للطرفين المتحاربين والامتناع عن القيام بأي إجراء يزيد من التوترات ويؤجج الصراع”.