Category: تحقيقات

سبائك الدم: كيف يهرّب ذهب السودان الذي يموّل حربه الطاحنة

تم تحديث هذا التحقيق في 25 مايو 2025

«في الحدود التشادية يتسلم وسطاء وشركات، الذهب المهرب من مناجم جبل عامر بشمال دارفور ومناجم أغبش وأكثر من عشرة مناجم أخرى في منطقة سنقو بولاية جنوب دارفور في غربي السودان، ومن ثم يذهبون به إلى مدينتي أبشي وأدري ومنها إلى أنجمينا وهناك تستخرج له أوراق رسمية باعتباره ذهبًا تشاديًا، قبل أن يصدر عبر مطار أنجمينا إلى مطار دبي لتكون دولة الإمارات العربية المتحدة محطته النهائية». يقول (محمد) -اسم مستعار- وهو تاجر ذهب سوداني على صلات واسعة بالحكومة السودانية وحكومات في دول الجوار وزار معظم مناجم الذهب في البلاد وذهب بنفسه في رحلات تهريب عديدة، في مقابلة مطولة مع «بيم ريبورتس» في تحقيق أجرته عن مسارات تهريب ذهب السودان ووجهته النهائية خلال عامين من الفوضى في ظل حرب مدمرة.  

ويُشعل الذهب في السودان تنافسًا محمومًا في الحصول على الموارد بين الحكومة والجماعات المسلحة في جميع أركان هذا البلد الإفريقي الذي تعصف به حرب دموية دخلت عامها الثالث، حيث كان وما زال الذهب يمثل أحد أبرز مصادر تمويلها.

بعد استقلال جنوب السودان في يوليو 2011 وذهاب أكثر من ثلثي النفط مع البلد الجديد، بدأ السودان في مضاعفة إنتاجه من الذهب والاعتماد عليه في محاولة لتعويض فقدانه الذهب الأسود (النفط).

وخلال سنوات معدودة أصبح الذهب موردًا رئيسيًا ومصدرًا كبيرًا لرفد الخزانة العامة بمليارات الدولارات. لكن مع ذلك، لم تستفد منه البلاد بشكل كبير نسبة لعمليات التهريب الكبيرة والواسعة التي تتم سواء عبر المنافذ الرسمية للبلاد مثل المطارات والموانئ البرية الحدودية أو البحرية. أو من خلال عمليات تهريب سرية، من المناجم المنتشرة في شمال وغرب وشرق وجنوب البلاد، سواء من خلال المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة أو جماعات مسلحة، حيث تسبب الانقسام السياسي والعسكري بعد الحرب في إعادة تقسيم وترسيم مناجم الذهب في السودان والبلاد نفسها، بناء على خريطة السيطرة العسكرية للأطراف المتحاربة خاصة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في شرق وشمال وغرب البلاد. 

قادتنا هذه الخارطة العسكرية الجديدة في السيطرة على مناجم الذهب إلى تتبع مسارات تهريبه، حيث تمكنّا عبر مصادر عليمة، من تحديد المسارات النشطة لتهريب الذهب في شمال وشرق وجنوب غرب وغرب البلاد والتي ترتبط بأربع من دول جوار السودان، وهي دول: تشاد، جنوب السودان، ومصر وليبيا، بالإضافة إلى دولتي جوار إقليمي هما كينيا وأوغندا، فيما تمثل دولة الإمارات العربية المحطة النهائية لمعظم الذهب المهرب من السودان. 

التحقيق كشف أيضًا أن معظم الدول المذكورة تضاعفت صادراتها من الذهب خلال عامين من الحرب، في مقابل انخفاض صادرات البلاد الرسمية من الذهب. 

ويبدو أن عمليات التهريب المتعاظمة للذهب خلال عامين من الحرب قد أثارت قلق الحكومة السودانية، أخيرًا. حيث أعلن مدير الجمارك السودانية، صلاح أحمد إبراهيم،  خلال اجتماعه مع المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، محمد طاهر عمر، في 26 أبريل 2025، عن (خطة محكمة) تشمل عمليات الرقابة لمنافذ ومعابر البلاد باستخدام الطيران المسير والأجهزة الحديثة، مؤكداً قدرة قوات الجمارك على إحباط عمليات التهريب. 

وتتم عمليات تهريب الذهب المحمية بالسلاح في دارفور غربي السودان عبر شبكات واسعة تضم مسلحين ووسطاء دوليين وشركات، يسلك فيها المهربون طرقًا معقدة وسط مخاطر جمة. 

«يحمل رجال مسلحون على متن دراجات نارية ذهب السودان المهرب من جنوب دارفور وصولًا إلى الجنينة في غرب دارفور ومنها إلى أدري التشادية عبر عدة منافذ. هناك على جانبي الحدود أيضًا، يتحرك التجار والوسطاء بعربات دفع رباعي مسلحة، وآخرون أيضًا يعبرون إلى الأراضي التشادية تحت حماية عناصر مسلحة من الدعم السريع في خدمة مدفوعة الثمن»، يقول (محمد). 

ويضيف «يصل المهربون أيضًا من مناجم جبل عامر في شمال دارفور عبر كورنوي وغيرها من المناطق الصغيرة في مسارات معقدة ومحمية بالسلاح إلى الأراضي التشادية المكتظة بالوسطاء والشركات التشادية والأجنبية مثل الشركات الإماراتية، والذين ما إن يستلمون الذهب المهرب، حتى يذهبوا إلى أبشي ومنها إلى العاصمة أنجمينا ومن مطارها إلى مطار دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة». 

وتمثل منطقة سنقو بجنوب دارفور أيضًا مسارًا ثانيًا لتهريب الذهب إلى جنوب السودان. 

وتوجد في سنقو عدد من المناجم، بالإضافة إلى منطقة كفيا كنجي على الحدود مع جنوب السودان، حيث يتم تهريب الذهب وسط فوضى أمنية عالية، في رحلته إلى جوبا عاصمة جنوب السودان ومنها إلى كينيا وأوغندا. 

ليست دارفور وحدها، ففي مناطق جنوب كردفان الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية-شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو تنشط أيضًا عمليات تهريب الذهب من مناجم التعدين التقليدية إلى وجهات خارجية عدة. 

أما في شمال السودان، يتم استخدام طرق التهريب الصحراوية القديمة نفسها التي يهرب بها البشر لتهريب الذهب انطلاقًا من منطقة أبوحمد أكبر أسواق الذهب، في مسارات يعرفها المهربون جيدًا، وصولًا إلى الحدود المصرية، سواء في شلاتين التي تحتلها القاهرة، أو قرب معبر أرقين أو أسوان.

على جانبي الحدود السودانية – المصرية، يترجل المهربون من سياراتهم مسنودين بشبكة حماية أمنية مسبقة، حيث الأدلاء ينتظرونهم على سيارات الأجرة، ثم يعبرون إلى الأراضي المصرية محملين بذهب السودان. 

أما بالنسبة لشرق السودان، في بورتسودان أقصى شمال شرق البلاد، يتسلم التجار ذهبهم في السوق الشعبي، ثم لا يأخذون وقتًا طويلا، حتى يسلمهم له المهربون في أسوان المصرية. 

وهكذا يبدو ذهب السودان بعد عامين من الحرب، تحت قبضة من شبكات المصالح العابرة للحدود، وهو يلمع في بلدان أخرى تمنحه منشأها.

من النفط إلى الذهب: تحولات الاقتصاد السوداني بعد الانفصال

شكّل انفصال جنوب السودان في يوليو 2011 ضربة قوية للاقتصاد السوداني، إذ فقد السودان نحو 70% من احتياطي النفط، المقدر بحوالي 6 مليارات برميل، والذي كان يقع في أراضي الجنوب. منذ بدء استخراج النفط في عهد الرئيس جعفر النميري 1969-1985، أصبح النفط المورد الأساسي لتمويل الموازنة العامة، كما مثّل الصادر الرئيسي للدولة. ففي عام 2011، شكّل النفط 75.6% من صادرات السودان، بعائد بلغ 7.3 مليار دولار.

لكن بعد الانفصال، تراجعت صادرات النفط في عام 2012 إلى 955 مليون دولار فقط، ما أدى إلى انخفاض إجمالي عائد الصادرات إلى 3.4 مليار دولار مقارنة بـ9.7 مليار في العام السابق.

يوضح الشكل (1) مساهمة صادرات الذهب مقارنة بصادرات النفط في ميزان المدفوعات خلال الفترة من 2011 إلى 2024. وميزان المدفوعات هو سجل إحصائي يبين حركة الأموال الناتجة عن التبادل التجاري والمعاملات المالية بين السودان والدول الأخرى خلال فترة معينة..

يُظهر الشكل التراجع الحاد لصادرات النفط حتى أصبحت تمثل 0.85% فقط من إجمالي الصادرات بحلول عام 2021، بينما حافظ الذهب على مستويات شبه مستقرة خلال الفترة ذاتها، مما جعله المصدر الأساسي للنقد الأجنبي بعد عام 2011.

بناءً على ذلك، توجهت الدولة نحو تعزيز إنتاج الذهب لتعويض خسارة النفط وسد العجز في النقد الأجنبي. ويوضح الشكل (2) ارتفاع إنتاج الذهب بين عامي 2012 و2017، حيث بلغ ذروته في عام 2015 بإنتاج 107.3 طن، ما جعل السودان يحتل المرتبة الثالثة في قائمة أكبر منتجي الذهب في إفريقيا.

الشكل رقم (1): مساهمة صادر الذهب والبترول في ميزان المدفوعات خلال الفترة من 2011 إلى 2024

التهريب والانهيار النقدي: أسباب تراجع الذهب رغم وفرة الإنتاج

لم يدم نمو السودان في إنتاج الذهب طويلًا؛ فبدءًا من عام 2018، شهد إنتاج الذهب تراجعًا حادًا، ليصل إلى 35.7 طن فقط في عام 2020، وهو أدنى مستوى منذ 2011. وقد أثار هذا الانخفاض المفاجئ تساؤلات عديدة، خاصة بعد أن كشفت وزارة المعادن في أغسطس 2018 أن الفاقد من إنتاج الذهب خلال النصف الأول من العام نفسه بلغ 48.8 طن.

في تقرير نشرته «سكاي نيوز»، صرّح وزير المعادن حينها، محمد أحمد علي، بأن بنك السودان لم يشترِ سوى 10% فقط من الكمية المنتجة خلال شهري يونيو ويوليو، وافتقد لمنافذ فعّالة في مناطق الإنتاج. كما أشار اللواء طارق شكري، المسؤول في هيئة الأمن الاقتصادي، إلى أن الفاقد في إنتاج الذهب “كبير”، داعيًا إلى معالجته بدلًا من التركيز على زيادة الإنتاج.

رغم أن عمليات التهريب كانت قائمة قبل عام 2018، إلا أن تفاقم الأزمة النقدية وانخفاض قيمة الجنيه السوداني بنسبة 63.8% في العام نفسه، دفع المعدنين التقليديين إلى تهريب الذهب للحصول على سعر أفضل في السوق الموازية، مقارنة بسعر الدولار الرسمي الذي كان يُلزمهم به بنك السودان. ومع غياب الرقابة، وعدم وجود آلية فعالة لحصر الذهب المنتج، فقد السودان نحو 50% من إنتاجه في عام 2019، واستمر التراجع في الأعوام التالية، دون أن يستعيد مستويات الإنتاج السابقة.

الشكل رقم (2): يوضح الشكل إنتاج الذهب وصادراته خلال الفترة من 2011 إلى 2023، حيث يُظهر العلاقة بين المؤشرين. فقد كانت الدولة تصدّر في المتوسط نحو 33% من الذهب المنتج خلال الفترة من 2011 إلى 2018، لترتفع النسبة إلى نحو 61% خلال الفترة من 2019 إلى 2021

تأثير الحرب ومحاولات التعافي: قراءة في واقع الذهب عام 2024

زاد الوضع سوءًا مع اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، ما فاقم الأزمات الاقتصادية القائمة. أشار تقرير (تطورات الاقتصاد السوداني للعام 2023) الصادر عن بنك السودان المركزي إلى أن معدل النمو الاقتصادي تراجع إلى سالب (18.3%)، مقارنة بـ سالب (2.5%) في عام 2022. واعتُبر “تعطيل سلاسل التوريد المحلية والإقليمية، وتأثر إنتاج وتصدير الموارد الطبيعية مثل الذهب” من أبرز أسباب هذا التراجع.

ورغم هذه التحديات، ظهرت بوادر أمل في يناير 2025، حين أعلن وزير المالية أن السودان أنتج 64 طنًا من الذهب في عام 2024. ورغم أن هذا الرقم لا يرقى لمستويات إنتاج الذهب بين عامي 2013 و2018، إلا أنه يُعد بداية إيجابية لوقف التدهور.

وأشار المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية محمد طاهر عمر، إلى أن هذه الزيادة تعود إلى تسهيل الإجراءات للشركات العاملة في قطاع الذهب، من خلال نافذة موحدة لتقليل البيروقراطية، وخفض الرسوم المفروضة. كما أعلنت الدولة خفض رسوم الامتياز إلى 18%، ورسوم إعادة طحن مخلفات التعدين إلى 20%، بهدف دعم الشركات النظامية.

مع ذلك، لا تزال التحديات قائمة، إذ اعترف عمر بأن 48% من صادرات الذهب لا تزال خارج القنوات الرسمية، مما يتطلب مزيدًا من الرقابة، وتفعيل نوافذ حكومية لشراء الذهب من المعدنين التقليديين، واستخدام تقنيات حديثة لمكافحة التهريب، وافتتاح مكاتب مراقبة في المعابر والمطارات الواقعة ضمن المناطق الآمنة.

ويُشكّل تهريب الذهب في السودان أحد أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه الدولة، حيث يؤدي إلى فقدان خزينة الدولة لموارد مالية ضخمة حيث قدر بعض المختصين خسائر السودان المالية من الذهب المهرب بحوالي 7 مليارات دولار سنويًا كان من الممكن تحصيلها عبر القنوات الرسمية، مما ينعكس سلبًا على الموازنة العامة ويضعف قدرة الحكومة على تمويل الخدمات الأساسية، كما يسهم التهريب في تفاقم عجز ميزان المدفوعات نتيجة خروج كميات كبيرة من الذهب دون تسجيل.

إضافة إلى ذلك، يؤدي انتشار التهريب إلى تقليل جاذبية قطاع التعدين للاستثمار المحلي والأجنبي، مما يعرقل جهود تطوير هذا القطاع الحيوي كأحد أعمدة الاقتصاد السوداني. 

ويعيش العديد من السودانيين في مناطق التعدين الأهلي على أمل الثراء من استخراج الذهب لكن بسبب تفشي التهريب وتدفق الذهب إلى الأسواق غير الرسمية تزداد أوضاعهم الاقتصادية سوءًا، كما أن العاملين في التعدين الأهلي يواجهون أيضًا مخاطر صحية بسبب أساليب التعدين غير المنظمة، ولا يحصلون على عوائد مادية مناسبة رغم الجهود الكبيرة التي يبذلونها.

كما أن المواد المستخدمة في عمليات استخراج الذهب مثل السيانيد يمكن أن يكون لها آثار صحية كارثية على العاملين وعلى السكان في المنطقة التي توجد بها المناجم وتتم فيها عمليات التعدين الأهلي، كما يستخدم المعدنون التقليديون معدن الزئبق في استخلاص ما نسبته 30% من الذهب الموجود في التربة من أجل تهريبه، ويواجهون مخاطر التسمم، في حين يتم استخلاص النسبة المتبقية باستخدام السيانيد في مصانع كبيرة، دون الالتزام بالاشتراطات اللازمة للحفاظ على سلامة الإنسان والبيئة.

من المستفيد من تهريب ذهب السودان؟

نركّز في هذا التحقيق على خمس دول رئيسية يُحتمل أن تكون لها علاقة، بشكل أو بآخر، بعمليات تهريب الذهب من السودان، بالإضافة إلى نظرة خاصة على دولة الإمارات، التي تُعدّ أحد أبرز مستوردي الذهب عالميًا، والذهب الإفريقي بشكل خاص.

يُوضح الشكل (3) إجمالي صادرات الذهب من ست دول: السودان، أوغندا، مصر، تشاد، كينيا، وجنوب السودان. تهدف هذه المقارنة إلى ملاحظة أنماط وتغيرات صادرات الذهب في هذه الدول، مع التركيز على فترة الحرب الأخيرة في السودان.

نلاحظ من الشكل وجود نمط واضح لارتفاع صادرات الذهب من الدول الأخرى بالتزامن مع انخفاض صادرات السودان، خاصة خلال عامي 2023 و2024، حيث ارتفعت صادرات مصر وأوغندا بشكل حاد، وكذلك تشاد ولكن بدرجة أقل، بينما شهدت صادرات السودان تراجعًا بنفس الحدّة. ورغم أن التزامن في ارتفاع وانخفاض الصادرات لا يعني بالضرورة وجود علاقة سببية مباشرة، إلا أن هذه الأنماط قد تشير إلى احتمالية وجود نشاط تهريب من السودان إلى هذه الدول. وسنستند إلى هذا المؤشر خلال البحث، وسندعمه بمقابلات مباشرة تهدف إلى تحديد مسارات التهريب، وحجم الذهب الذي يُهرب عبرها.

الشكل رقم (3): إجمالي صادرات الذهب من ست دول: السودان، أوغندا، مصر، تشاد، كينيا، وجنوب السودان في الفترة من 2018 إلى 2024

دور الإمارات في استقبال وتبييض الذهب الأفريقي المهرب

يوضح الجدول رقم (1) نسبة صادرات الذهب إلى الإمارات من إجمالي صادرات الذهب في الدول الست التي تركز عليها هذه الدراسة. تُظهر البيانات أن صادرات أربع من هذه الدول – وهي السودان، جنوب السودان، كينيا، وتشاد – تتجه بالكامل أو تكاد إلى الإمارات، ويستمر هذا النمط طوال فترة الرصد من 2018 إلى 2023. ويعني ذلك سيطرة شبه كاملة للإمارات على الذهب الخارج من هذه الدول.

أما الدولتان المتبقيتان، مصر وأوغندا، فقد صدّرتا أيضًا غالبية إنتاجهما من الذهب إلى الإمارات. ففي حالة أوغندا، توجهت كامل صادراتها من الذهب إلى الإمارات حتى عام 2022، بينما صدّرت مصر أغلب إنتاجها من الذهب للإمارات بنسبة تجاوزت 50% في معظم السنوات – أنظر الشكل رقم «4».

الدولة 2018 2019 2020 2021 2022 2023
السودان (%)
97.1%
97.2%
96.0%
99.0%
98.6%
99.8%
جنوب السودان (%)
100%
98%
26%
100%
100%
كينيا (%)
50.1%
24.4%
13.4%
49.2%
59.8%
89.1%
أوغندا (%)
99.8%
96.0%
100.0%
100.0%
62.3%
33.8%
مصر (%)
53.4%
66.8%
67.8%
31.8%
49.5%
50.1%
تشاد (%)
100%
100%
100%
100%
100%
100%

جدول رقم (1): نسبة صادرات الذهب إلى الإمارات من إجمالي صادرات الذهب (2018 – 2023)

المصدر: مرصد التعقيد الاقتصادي (OEC)

دور الإمارات في تجارة الذهب المُهرّب

لم تقتصر علاقة الإمارات بالذهب الإفريقي على الصادرات الرسمية، بل أصبحت أيضًا وجهة رئيسية للذهب المُهرّب. فقد أشار تقرير لمنظمة «سويس إيد» نُشر في عام 2022 إلى أن 66.5% من الذهب الذي استوردته الإمارات من إفريقيا – أي ما يعادل 40 طنًا – كان مهربًا من دول إفريقية. وذكر التقرير أن الإمارات تُساهم في “تبييض” الذهب، حيث تكتسب كميات كبيرة من الذهب المهرب صفةً قانونية بمجرد دخولها عبر الإمارات.

وأشار التقرير أيضًا إلى أن التهريب بهذا الحجم لا يتسبب فقط في فقدان العائدات الضريبية للدول، بل يُثير أيضًا مخاوف بشأن وجود اقتصاد غير قانوني يمكن استغلاله في غسل الأموال، تمويل الحروب والإرهاب، والتهرب من العقوبات.

وفي عام 2019، نشرت وكالة «رويترز» تقريرًا بعنوان «ذهب بمليارات الدولارات يُهرّب من إفريقيا»، تناولت فيه بالتفصيل دور الإمارات كوجهة رئيسية للذهب المُهرّب من القارة.

أشار التقرير أيضًا إلى وجود فروقات ضخمة بين الأرقام التي تُعلنها الإمارات حول واردات الذهب من الدول الإفريقية، وبين الأرقام التي تعلنها هذه الدول نفسها بشأن صادراتها للإمارات. ففي بعض الحالات، بلغت الفروقات نحو 1.3 مليار دولار، ما يُشير إلى نشاط تهريب أو تجارة غير قانونية.

ورغم الاتهامات، نفت وزارة الاقتصاد الإماراتية مسؤولية الدولة عن دقة بيانات التصدير للدول الأخرى، قائلة إن الإمارات لا يمكن أن تُحاسب على سجلات تصدير تصدرها حكومات غيرها.

الشكل رقم (4): إجمالي صادرات الذهب الرسمية إلى الإمارات من السودان، مصر، أوغندا، تشاد، كينيا، وجنوب السودان خلال الفترة من 2018 إلى 2023

بوجه عام، تبدو استفادة الإمارات من الذهب الإفريقي جلية، فقد استفادت من ضعف الرقابة لدى هذه الدول لتتحول إلى ثاني أكبر مركز لتجارة الذهب في العالم بقيمة تجاوزت 129 مليار دولار، وبنسبة نمو سنوي بلغت 36% في عام 2023. كما صعدت إلى المرتبة الثانية عالميًا في حجم صادرات الذهب في 2023 وفقاً لبيانات مرصد التعقيد الاقتصادي (OEC) – أنظر الشكل رقم «5».

الشكل (5): إجمالي صادرات الإمارات من الذهب بين عامي 2018 و 2023

الشكل (6): إجمالي واردات الإمارات من الذهب بين عامي 2018 و 2023

المصدر: مرصد التعقيد الاقتصادي (OEC)

الوجهة الأولى الإمارات:

الإمارات التي لطالما اتُّهمت بتزويد قوات الدعم السريع السودانية بالأسلحة سرًا عبر دولة تشاد المجاورة، وهي تهم نفتها أبوظبي بشكل قاطع وكشف تقرير داخلي مصنف (سري للغاية) اطّلعت عليه صحيفة الغارديان البريطانية عن رصد عدة رحلات شحن جوية من الإمارات استخدمت فيها طائرات نقل مسارات تُظهر محاولات متعمدة لتفادي الرصد أثناء توجهها إلى قواعد في تشاد، حيث تم توثيق عمليات تهريب أسلحة عبر الحدود نحو السودان ارتبط اسمها أيضًا بذهب السودان المهرب.

كشفت العديد من التقارير والتحقيقات الصحفية عن أن دولة الإمارات تلعب دورًا محوريًا في تهريب الذهب السوداني، إذ تصدّر كميات كبيرة من الذهب دون أن تمر عبر القنوات الرسمية للدولة، مما يعيق قدرة الحكومة السودانية على مراقبة وتحقيق الأرباح من صادرات الذهب.

وفقًا لبيانات بورصة دبي للسلع، أصبحت الإمارات العربية المتحدة ثاني أكبر مُصدّر للذهب في العالم في عام 2023، مُتجاوزًة بريطانيا.

 في عام 2023 أظهرت بيانات حصلت عليها منظمة سويس إيد أن واردات الإمارات من الذهب من تشاد الواقعة على الحدود الغربية للسودان تجاوزت بأكثر من الضعف القدرة القصوى المقدرة لإنتاج الذهب في البلاد ، مما يشير إلى أن معظم هذه الكميات كانت غير مُعلنة  ومُهرّبة عبر الحدود.

ويقول مارك أومل، الباحث في مؤسسة سويس إيد التي تقوم برصد تهريب الذهب من دول إفريقية إلى الإمارات، أنه لنفهم الحرب في السودان، يجب أن نتتبع الذهب، وسوف نصل إلى الإمارات العربية المتحدة. وكشفت تقارير الأمم المتحدة أنها صارت تمد الدعم السريع بالأسلحة وسائر اللوازم التي تحتاجها، وكثيرًا ما يحدث ذلك تحت ستار المساعدات الإنسانية.

الوجهة الثانية روسيا:

في سياق متصل، كانت هناك علاقات وثيقة بين قوات الدعم السريع وجماعة فاغنر الروسية السابقة، التي لعبت دورًا أساسيًا في تهريب الذهب السوداني مقابل تقديم الإمدادات العسكرية لقوات الدعم السريع في المراحل الأولى من الحرب.

عقب مقتل مؤسس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين في عام 2023، أُعيد تنظيم عمليات المجموعة في أفريقيا تحت إشراف وزارة الدفاع الروسية، وأصبحت تُعرف الآن باسم “فيلق أفريقيا”.

ومن خلال الشركات الوهمية والشبكات المالية المعقدة، يتم تهريب الذهب السوداني، وفي بعض الأحيان بمساعدة شبكة فاغنر الروسية من  دارفور ويُعتقد أن مجموعة فاغنر والآن “فيلق أفريقيا”، المرتبطة الكرملين الروسي، ساعدت في السابق في تأمين المعابر الحدودية واستخراج الذهب، كما ساهمت في تدريب وتزويد قوات الدعم السريع بالمعدات العسكرية. 

وذكرت بعض تقارير الأمم المتحدة أن شحنات من الأسلحة الثقيلة، كصواريخ أرض-جو محمولة تُعرف بمنظومات الدفاع الجوي المحمولة تم إرسالها عبر ليبيا بفضل فاغنر والمشير خليفة حفتر، لقوات الدعم السريع.

ومن هنا يتضح جليًا كيف ساعدت ظاهرة تهريب الذهب خصيصًا من دارفور إلى تشاد ومن ثم الإمارات وتهريب الذهب عبر جماعة فاغنر الروسية في  استمرارية الصراع الراهن حيث استعمل الذهب كخام يهرب في مقابل الأسلحة والعتاد والدعم العسكري المستخدم في الصراع الراهن.

مناجم نشطة على مدار عامين من الحرب

يحدد مسؤول سابق في الشركة السودانية للموارد المعدنية لـ«بيم ريبورتس» المناطق التي تنشط فيها أعمال التعدين حاليًا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السودانية في شمال وشرق جنوب السودان والجماعات المسلحة في غرب السودان. 

وتشمل المناطق النشطة في شمال وشرق السودان: (الانصاري، جبال النمر، نورايا، العبيدية، ابوحمد وحلفا). 

كما تشمل أكبر مناجم الذهب النشطة حاليًا مناجم أرياب وقبقبا ومناجم المغربية والعلاقي ودلقو والدويشات واورشاب ومناجم رضا وكوش في وادي العشار، في شمال وشرق السودان، بينما مناجم سنقو تعد الأبرز في أقصى جنوب غرب السودان. 

ورأى المصدر أن أبرز الأسباب التي تؤدي إلى تهريب الذهب في السودان بما في ذلك سياسات الدولة، عدم الثقة في الحكومة نفسها، والأسعار وفرق تصفية الذهب، بالإضافة إلى انهيار العملة والوضع الداخلي والحصار وسياسات البنوك، بالإضافة إلى استخدامه في عمليات شراء الأسلحة وبعد المسافة من مناطق الإنتاج للمركز عامل مهم ايضا. 

وردًا على سؤال حول جهود الحكومة السودانية في مكافحة تهريب الذهب وأبرز الخطوات التي اتخذتها خلال الفترات المختلفة، قال إن الحكومة تشتري الذهب حاليًا بأعلى من سعر البورصة وفق سعر تحفيزي، مضيفًا “للأسف الحكومة نفسها أكبر مهرب للذهب”.

مسارات تهريب ذهب نشطة في دارفور

بعد اندلاع الحرب في السودان سيطرت قوات الدعم السريع على معظم مناطق إقليم دارفور ما مكنها من السيطرة على إنتاج الذهب وتهريبه والتحكم في تجارته بالكامل.

وتتركز عمليات إنتاج الذهب في مناطق سيطرة الدعم السريع، في مناجم جبل عامر بشمال دارفور ومناجم منتشرة في منطقة سنقو في أقصى جنوب ولاية جنوب دارفور حيث يتم تهريبه عبر مسارات محلية، ثم إلى خارج البلاد، وصولًا إلى محطته النهائية في دولة الإمارات. 

تبدأ مسارات تهريب الذهب من جبل عامر في شمال دارفور مرورًا بعدة مناطق صغيرة وصولًا إلى مدينة الطينة السودانية ومنها إلى مدينة الطينة التشادية حيث يتولى استلام الذهب المهرب من السودان شركات وتجار والذين يعملون على تصديره على أنه ذهب منتج في تشاد، وبعد إيصاله إلى العاصمة أنجمينا يتم تصديره إلى محطته النهائية من مطار انجمينا إلى مطار دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة حيث مستقرة النهائي.

جبل عامر

وقال تاجر الذهب (محمد) إن الإنتاج في مناجم عامر يتم على مرحلتين؛ مشيرًا إلى أن المرحلة الأولى؛ تتم عن طريق المواطنين بشكل تقليدي، ثم بعد معالجة الذهب في المحاجر، تبدأ السيطرة عليه من شركة الجنيد المملوكة للدعم السريع حيث تتم معالجة الذهب عبر مادة السيانيد.

وقال إن الدعم السريع تقوم بتهريب الذهب عن طريق ليبيا بشكل محدود فيما يذهب معظمه حاليًا إلى تشاد، أما قبل الحرب كانت قوات الدعم السريع، تقوم بتهريبه عن طريق العاصمة السودانية الخرطوم. 

وأوضح أن المسار المفضل للتهريب عن طريق شمال دارفور هو الطريق البري عبر منطقة كورنوي بشمال دارفور ومنها إلى مدينة الطينة السودانية ثم إلى مدينة الطينة التشادية ومنها إلى مدينتي أبشي وأنجمينا التشاديتين.

وأكد أن كل هذه المسارات لا تذهب بطرق منتظمة، وفي كل مرة يتم تغيير التوقيت عبر الذهاب بمكان معين آخر وسط تأمين عال جدًا. وفي مرات كثيرة جدًا يتم تجاوز أو تغيير الطرق والمسارات المعتادة. 

«يتجنب المهربون دخول المدن أو المناطق الكبيرة، فقط يمرون عبرها أو حولها حيث يستخدم المهربون المسلحون الدراجات النارية ويتحركون في الليل، وبعد دخولهم إلى  تشاد لا يواجهون مشاكل تتعلق بالحصول على أوراق رسمية، حيث يحصلون على أوراق رسمية عبر شركات ذهب داخل تشاد، كما تساهم الحكومة نفسها في بقاء الوضع كما هو عليه لمصلحتها، عبر غض الطرف عن كل ذلك»، يقول (محمد).

وتقع منطقة جبل عامر غرب مدينة كبكابية بشمال دارفور وشرق مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور حيث تنتشر فيها مناجم عديدة، حيث تمر عملية الإنتاج باستخراج المواطنين الذهب من الآبار ومن ثم يذهب إلى الطواحين التقليدية ويغسل بمادة الزئبق.

“أما مرحلة استخلاص السيانيد تسيطر عليها الدعم السريع حيث يعتمدون عليها كما يقومون بمصادرة {لكرتة}  وهي (الذهب المستخلص) من المعدنين”، يضيف.

وتوجد أكبر مناجم الذهب في ولاية جنوب دارفور في أقصى جنوب الولاية في منطقة سنقو ومنطقة كفيا كنجي الحدودية مع جنوب السودان، وتقع هذه المناجم تحت سيطرة قوات الدعم السريع بالكامل.

في منطقة سنقو يوجد عدد من المناجم أكبرها منجم أغبش والذي يتم منه تهريب الذهب إلى دولتي تشاد وجنوب السودان عن طريق عدد من المحليات في جنوب دارفور وصولًا إلى الجنينة ومنها إلى أدري في تشاد وعدد من المناطق الحدودية الأخرى، مرورًا بمنطقة أم لباسة بجنوب دارفور، يوضح التاجر. 

ومسارات تهريب الذهب تتم عن طريق منطقة أم لباسة، وهي منطقة رئيسية في  أقصى جنوب دارفور وصولًا إلى الأراضي التشادية. 

وتتخذ الجهات المهربة مسارات سرية، حيث لا يكشف التجار مساراتهم، إذ أن بعض المهربين يذهبون عبر الطريق الرئيسي الرابط بين مدن: نيالا-نيرتتي-زالنجي وصولًا إلى الجنينة، ثم منها يعبرون إلى الأراضي التشادية عبر منطقة أدري، وحتى هناك توجد عدة طرق للوصول إلى أدري.

وفيما يتعلق بمسار جنوب السودان، يتم دخول الذهب من منطقة كفيا كنجي إلى داخل أراضي جنوب السودان، رغم أنه ليس بكميات كبيرة مثل الذهب المهرب إلى تشاد. 

وبحسب (محمد)، بالنسبة لجنوب السودان فإن بعض التجار الصوماليين يقومون بشراء الذهب المهرب وتجميعه حيث يتم إرساله بطرق عديدة إلى كينيا ومن هناك يتم إرساله إلى دولة الإمارات العربية عبر وسطاء في نيروبي ومومباسا الكينية كمحطة نهائية. 

كما يتم تهريب ذهب السودان من جنوب السودان عبر مسار أوغندا عبر الحدود البرية بشكل مستمر لكن ليس بكميات كبيرة في عملية التهريب الواحدة التي لا تتجاوز أكثر من كيلوجرام واحد.

وعبر مسار مناطق كفيا كنجي وسنقو بولاية جنوب دارفور، حيث توجد فيها عدة مناجم بينها مناجم: أغبش وتريسة ومناطق أخرى صغيرة وهم أكثر من 10 مناجم وأقل من 20.

منجم أغبش

«في وقت سابق إنه كانت توجد قوات النائب الأول لرئيس الجمهورية في جنوب السودان، رياك مشار، بالقرب من منطقة كفيا كنجي حيث توجد مناجم متداخلة حتى داخل الحدود مع جنوب السودان وما تزال تعمل»، يقول (محمد). 

وأشار إلى أن الذهب المنتج في منطقة بورو في جنوب السودان يعاد تسويقه في منطقة كفيا كنجي.

منجم شمال كفيا كنجي

منجم جديد شمال شرق كفيا كنجي

وضعف مسار جنوب السودان، مقارنة بمسار تشاد يعود إلى الفساد والهشاشة الأمنية العالية في البلاد، بحسب (محمد) والذي قال إنه أجرى اتصالات في بداية اندلاع الحرب في السودان مع الوزراء لمناقشة إمكانية جني فائدة من الذهب بالنسبة للحكومة بتأمين التجار والمسارات لتحجيم تهريب الذهب.

وأضاف (محمد) «في جنوب السودان، إذا خرجت من منطقة كفيا كنجي، وحتى تصل بأمان ستضطر إلى دفع مبالغ كبيرة جدًا، وذلك إذا لم تتعرض إلى عملية احتيال»، مشيرًا إلى أن هذا يصعب حمل كميات كبيرة من الذهب نسبة للتفلت الأمني، حتى لو كنت تحمل أوراقًا فإن رجال أمن آخرين في الغالب لن يعترفوا بتلك الأوراق، موضحًا أن جميع هذه العوامل، بالإضافة إلى الضريبة العالية، يجعل عملية التهريب صعبة.

ويتابع «هذا ما يجعل مسار تشاد في تهريب الذهب أفضل، وأن العائد من مناطق التعدين إلى مناطق البيع في تشاد عملية كبيرة نسبة لإمكانية استبدال الذهب بسلع أخرى».

لكن هذا الأمر بالنسبة لجنوب السودان ينتفي لعدم وجود مواد تموينية جيدة يمكن أن يتم تصديرها، كما أن تبادل السلع مع أوغندا عملية طويلة وقد يأخد حوالي شهر، وهذا غير مجزٍ للتاجر، لذا مسارات تهريب الذهب إلى تشاد هي الأفضل بالنسبة للتجار، فهي لا تأخذ أكثر من 4-5 أيام، يضيف.

لكن ثلاثة مصادر في شركة الجنيد التابعة لقوات الدعم السريع كشفوا عن مسار نشط لتهريب الذهب من ولاية جنوب دارفور عبر مدينة راجا في جنوب السودان والحدودية مع السودان، عبر الطائرات. 

وقال أحد المصادر الثلاثة لوكالة فرانس برس في مارس الماضي إن المنطقة الحدودية الجنوبية لدارفور وحدها تنتج ما لا يقل عن 150 كيلوجرامًا من الذهب شهريًا.

ووفقًا للمصدر يُرسل الذهب أولًا إلى مطار في مدينة راجا بجنوب السودان، “ثم يُنقل جوًا إلى أوغندا وكينيا، ثم إلى الإمارات”، والذي شارك بنفسه في الرحلة”.  

كما قدّر المصادر الثلاثة وهم مهندسون سابقون في شركة الجنيد أن أرباحها خلال الحرب لا تقل عن مليار دولار سنويًا، بناءً على الإنتاج والأسعار التقريبية للذهب.

وفي جنوب دارفور أيضًا أصبحت مدينة نيالا سوقًا كبيرًا جدا للذهب حيث تتم عمليات البيع والشراء في مناطق غير معلنة، ومن ثم يتم تجميع الذهب في السوق وبعد ذلك يتم تهريبه عن طريق نفس المسارات.
ليس الضرر في عامة مناجم الذهب السودانية اقتصاديًا، وحسب، وإنما لديه تبعاته البيئية المدمرة من استخدم مواد خطرة في استخلاص الذهب. لكن هذا الخطر يتضاعف في مناجم الذهب بولاية جنوب دارفور، حيث تجري وتتم هذه العمليات، في ومحيط، محمية الردوم الطبيعة.

جنوب كردفان

توجد عدد من المناجم في ولاية جنوب كردفان، جنوب غربي السودان، تتوزع السيطرة عليها بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية-شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، حيث يوجد مسار لتهريب الذهب المنتج هناك عبر التعدين العشوائي إلى دول خارجية.

تسيطر الحركة الشعبية-شمال والتي تقاتل الحكومة السودانية منذ عام 2011 على عدة مناجم لتعدين الذهب أشهرها وأكبرها في منطقة الليري حيث يتم استخراج الذهب بواسطة المعدنين تحت سيطرة الحركة الشعبية.

منجم أبو اصيبع شرق تلودي - الصورة مأخوذة في أكتوبر 2023

ويقول (محمد) إن مناطق الإنتاج في (جبال النوبة) في جنوب كردفان يسيطر عليها رئيس الحركة الشعبية-شمال عبدالعزيز الحلو.  

وأشار إلى أن الإنتاج في جنوب كردفان يتم بشكل تقليدي جدًا، كما لا توجد آليات كثيرة لزيادة الإنتاج. ومع ذلك، يعمل المواطنون بالطرق التقليدية حتى يتحصلوا على الذهب حيث أنها منطقة غنية بالذهب، فيما يقوم الحلو بشراء الذهب حيث يحتكر تجارته.

ومع ذلك، يسمح الحلو لبعض المواطنين في الفترات التي لا يوجد فيها اشتباكات مسلحة مثل موسم الأمطار أن ينقبوا عن الذهب و يستثمروا فيه. كما يعمل الحلو على تسريح الجنود للتنقيب عن الذهب في الأوقات التي لا توجد فيها اشتباكات.

وتابع: «تقوم الحركة الشعبية بتسويق ذهبها في كينيا»، موضحًا أن طريقة الإنتاج لم تتأثر بالحرب لأنها لا تعتمد على آليات كبيرة.

ويتم تهريب الذهب عبر الطائرات التي تهبط في المنطقة حيث يذهب معظم الذهب المنتج إلى دولة كينيا، فيما يذهب القليل منه عبر الحدود إلى دولة جنوب السودان، وفقًا لـ(محمد).

منجم شمال محلية أم دورين - الصورة مأخوذة في مارس 2025

شمال وشرق السودان

توجد عدد من المناجم في شمال وشرق السودان في ولايات البحر الأحمر ونهر النيل والشمالية، حيث تقع جميع هذه المناجم تحت سيطرة الحكومة السودانية لكن ومع ذلك يستمر تهريب الذهب بعد اندلاع الحرب إلى الجارة الشمالية للسودان جمهورية مصر العربية.

كما توجد مطاحن معالجة الذهب في منطقة أبوحمد بولاية نهر النيل والتي تُعد المركز الرئيسي لعمليات تهريب الذهب عبر الحدود البرية والنيلية إلى مصر كوجهة نهائية.

في الأصل مسار تهريب الذهب عبر صحراء منطقة أبو حمد، إلى مصر هو مسار تهريب للبشر، أو للهجرة غير القانونية إلى مصر التي تزايدت وتيرتها بعد اندلاع الحرب في السودان.

وتعج المنطقة بمهربين محترفين ولديهم خبرة قديمة في دروب الصحراء، والتي تستخدم في تهريب البشر وتهريب السلاح وغيرهما من المواد غير القانونية منذ فترات سابقة، حيث يستخدمون السيارات اليابانية رباعية الدفع في عمليات التهريب جميعها.

يبدأ مسار التهريب من أبو حمد عبر الصحراء القاحلة إلى أن يصل إلى قرب الحدود مع مصر حيث يتوقف المهربون السودانيون عند تلك النقاط قرب الحدود ثم يأتي المهربون المصريون لأخذ الذهب المهرب. وينخرط في هذه العملية في السودان تجار ومهربون وسط بعض الشبكات المرتبطة بالحكومة لكن ليس بشكل كبير.

ويقول التاجر (محمد) إن تهريب الذهب عبر شمال السودان إلى مصر تهريب بشري عبر مناطق شلاتين وبالقرب من معبر أرقين الحدودي بين السودان ومصر حيث يذهبون إلى المحافظات القريبة ومنها يذهبون إلى داخل مصر، مشيرًا إلى أن هذه المسارات أكثر ترتيبًا حيث يتم ترتيب اتصالات مع الجهات الحكومية والمخابرات الحدودية في السودان ومصر حيث يكونون على علم.

وفيما يتعلق بمركز التهريب في منطقة أبو حمد وأكبر الأسواق بولاية نهر النيل حيث توجد طواحين الذهب، أشار إلى أن بداية التهريب تكون منها حيث يشتري المهربون الذهب ويعبرون بعدة مناطق إلى حدود مصر، موضحًا أن مسارات التهريب غير منظمة حتى لا يتم اكتشافها، وأنه بعد الوصول إلى الحدود مع مصر يترجل المهربون من سياراتهم ويذهبون مسافة على الأرجل، ومن ثم يأخذون سيارات أجرة حيث ينتظرهم المهربون في الجانب الآخر الذين يكونون جاهزين.

ويؤكد أن مسارات تهريب الذهب إلى مصر هي نفس مسارات تهريب البشر، لكنه يقول إنها أكثر تنظيمًا مع وجود ترتيبات رسمية للتسهيلات وهي نفس سيارات الأجرة على الحدود. كما أشار إلى أن بعض التجار يتسلمون الذهب في سوق بورتسودان السوق الشعبي، حيث يقومون بإرسال ذهبهم من هناك إلى مدينة أسوان المصرية، موضحًا أنهم يذهبون إلى مصر ويجدون أن ذهبهم قد وصل إلى أسوان، وذلك اعتمادًا على الثقة المتبادلة، عكس ما يحدث بين التجار في دارفور.

وقال إن كميات الذهب القادم من الشمالية التي تدخل إلى مصر كبيرة جدا عند مقارنتها بمسارات التهريب الأخرى في غرب البلاد، موضحًا أنها تدخل بسهولة نسبة لوجود تنظيم عال حيث توفر الجهات الرسمية حماية لهم حتى وصولهم إلى القاهرة، عكس طرق دارفور حيث توجد مشاكل ولا يتوافر الأمن بشكل كبير.

أما بالنسبة لتدخل الجهات الرسمية في عمليات التهريب يقول إن هناك قسمين: جزء منهم يتلقى التعليمات من مسؤولين أعلى ويعمل على تنفيذها، وجزء آخر يأخذ رشى من التجار لتسهيل العملية، مشددًا على أن المسؤولين لا يدخلون في هذه العملية بأنفسهم.

ومع ذلك، يستمر الصراع في شمال وشرق السودان عبر طرق تهريب البشر بين السلطات الأمنية ومهربي الذهب.

يقول شاهد عيان سافر إلى مصر عبر طرق التهريب انطلاقًا من عطبرة، مرورًا بالصحراء وصولًا إلى مصر عن طريق مثلث حلايب المحتل، لبيم ريبورتس إن سائق العربة وشخصًا آخر معه كانا مسلحين ويحملان معهما ذهبًا ونحاسًا وأسلحة مهربة. 

وأكد المصدر أنه قد جرى تبديل فريق المهربين بكامله بعد دخول السيارة إلى الأراضي المصرية.  

في المقابل، أكد المصدر إحباط السلطات محاولة تهريب أكثر من 100 كيلو جرام من الذهب محملة على متن سيارة في مدينة عطبرة شمالي البلاد كانت في طريقها إلى مصر. 

وكشف تحقيقان لميدل آيست آي نُشرا في نوفمبر 2024 ويناير 2025 عن استمرار تهريب الذهب من السودان إلى مصر خلال الحرب الدائرة في البلاد.

مشترو الذهب

يقول التاجر (محمد) إن مسألة بيع وشراء الذهب تخضع لسيطرة رأس المال التجاري، مؤكدًا أنه لا حكومة السودان أو تشاد تشرف على ذلك، ولا توجد أي جهات منظمة في هذا الأمر.

وأضاف «هم تجار لديهم رأس مال يشترون الذهب سواء من  نيالا أو الفاشر أو الضعين أو كفيا كنجي يحملون الذهب بأنفسهم ويذهبون به إلى تشاد عبر وسطاء في تشاد مثل الشركات المسجلة والتي تقوم بدفع الضرائب لهم ومن ثم تستلم الذهب وتأخد الذهب إلى الإمارات».

وأكد أن لدى الإمارات شركات في تشاد تقوم بشراء الذهب ويتحصلون على ورق باعتباره ذهبًا تشاديًا، موضحًا عدم تدخل أي جهات في عمل هذه الشركات عند تجميع الذهب على الحدود خصوصًا في مناطق التماس بين السودان وتشاد.

ولفت إلى أن التجار يقومون بتأمين الذهب بطرقهم الخاصة، وفي حالات يستأجرون جماعات في الدعم السريع. فيما يمتلك بعضهم الأسلحة وسيارات الدفع الرباعي، حيث يصلون بطريقة منظمة ومرتبة ومؤمنة، ومن ثم يدخلون إلى تشاد إما يبيعون الذهب إلى وسطاء تشاديين، أو عادوا إلى الحدود لاستبدال أموالهم ومن ثم يعودون إلى داخل السودان مرة أخرى. 

ويصل الذهب السوداني المهرب إلى الإمارات بأوراق تشادية وإنتاج تشادي، وكذلك ينطبق الأمر على مصر، حيث تصبح بلد المنشأ وكذلك ليبيا وكينيا وجنوب السودان، حيث لا يرد اسم السودان إطلاقًا.

وأكد أن الجهات الرقابية في الدول التي يصلها ذهب السودان المهرب يستطيعون عن طريق الشفرات في الذهب أن يعلموا أنه ذهب سوداني أو قادم من السودان، حتى عند دخوله إلى آليات الفحص في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة يتم التعرف عليه بسهولة كونه ذهبًا سودانيًا وإن أتى بأوراق تشادية.

أما في جنوب السودان يسيطر تجار صوماليون على شراء الذهب من سوق النعام وجوبا بكميات بسيطة، حيث يتم إرساله إلى كينيا لكثرة الصوماليين هناك ووجود سوق مواز كبير تتم فيه عملية البيع والشراء ويجري تصديره إلى أوروبا وشرق آسيا وكندا وأسعاره أعلى من دبي والمنفذ من هناك. 

ومعظم مشتري الذهب سودانيون أو صوماليون (تجار من الدرجة الثالثة)، حيث يوجد تجار أكبر منهم في رأس المال في جوبا حيث يقومون بشراء الذهب منهم، وهؤلاء يعيدون بيعه مرة أخرى إلى صوماليين في نيروبي أو مومباسا.

وأوضح التاجر (محمد) أن جزءًا منهم يبيع الذهب في دبي لتعامله مع شركات هناك، لكن ليس بكميات كبيرة، مقدرًا الكميات بأنها لا تتجاوز 2-3 كيلوغرام للشخص الواحد في اليوم، أما المتبقى من الذهب يباع إلى تجار أكبر في كينيا. وقال إن هؤلاء لديهم طرق خاصة للتصدير خارج البلاد (أيضًا صوماليين).

فيما يصل الذهب المهرب إلى شرق إفريقيا عبر مسار طويل جدًا، بالذات المسار البري من شمال السودان، حيث توجد صعوبات كبيرة فيه. 

ومع بداية الحرب كانت توجد مجموعات لديها ارتباطات بالدوائر الحكومية في أوغندا وجزء منهم أفراد بارزين في نظام الرئيس السابق عمر البشير، بالإضافة إلى دبلوماسيين، حيث يتم تهريب كميات مقدرة عبر مطار بورتسودان.

ولا يوجد في أوغندا سوق مركزي للذهب كما أنه سوق ضعيف، لكن يوجد فيها مصفى للذهب يتبع لشركات تنتج في الكونغو وإفريقيا الوسطى.

ومع ذلك، تصل كميات من الذهب السوداني إلى أوغندا، رغم أنها كميات بسيطة ويعرفها بأنها أقل من كيلوغرام واحد، موضحًا أن الكميات الكبيرة عادة ما تكون منظمة.

كما أن هناك منتجين للذهب في شمال السودان أو جبال النوبة ومناطق كفيا كنجي، لديهم أبنائهم في أوغندا فيحملون كميات بسيطة بين 100-300 جرام يتم تمريرها في البوابات وتباع في أوغندا.

وفي مقابلة مع الزميل الباحث في ائتلاف دعاة التنمية والبيئة (ACODE) في أوغندا، بول تويبازي أوضح أنه بعد إجراء دراسات لتقييم العائدات من المعادن – وخاصة الذهب، إذا ركزنا على الذهب فقط، لوحظ أن صادرات الذهب من خلال أوغندا استمرت في الارتفاع منذ عام 2019. إذ أننا في السنة المالية 2019/2020، حصلنا على 19 مليار شلنغ أوغندي من صادرات الذهب، ومن ثم شهدنا قفزة كبيرة جداً في العام التالي، حيث ارتفعت العائدات إلى 202 مليار شلنغ أوغندي.

وأضاف “لا تزال الصادرات في ازدياد، لكن المشكلة أن حجم التصدير يرتفع بينما الإنتاج ينخفض بحسب المصادر الرسمية. وهنا يبرز السؤال: من أين يأتي هذا الذهب الإضافي؟ لأننا ننتج أقل ولكننا نصدر أكثر وأضاف عندما يصل الذهب إلى أوغندا، يتم تكريره هنا في مصافينا، ثم يُرسل إلى دبي ليُباع في السوق هناك.

تمويل الحرب عبر تهريب الذهب

تهريب الذهب رافق السودان لسنوات عديدة ولكن عقب اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023 بين الجيش والدعم السريع تفاقمت ظاهرة تهريب الذهب لعدة عوامل كان أبرزها: الإنفاق العسكري والسيولة الأمنية والأطماع الخارجية الناتجة عن الوضع في السودان والتفكك الأمني الناتج عن الحرب.

ونسبة لتلك العوامل تفاقمت ظاهرة التهريب للتمويل الحربي بالنسبة للحكومة والسودانية والجماعات المسلحة، على رأسها قوات الدعم السريع.

وذكرت مؤسسة Global Witness في تحقيق مفصل حول كيفية تمويل قوات الدعم السريع، التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والروابط المالية والاقتصادية التي تدعمها.

وسلط التحقيق الضوء على الطرق التي تستخدمها هذه القوات لتأمين المال والتوسع في العمليات العسكرية، وكيف تؤثر هذه الشبكات المالية على الاستقرار السياسي في السودان.

ومن طرق التمويل التي استحوذت عليها الدعم السريع لدعم نشاطها العسكري كان الذهب، حيث تقع مناطق تعدين الذهب في ولاية دارفور، خصيصًا منطقة جبل عامر، تحت سيطرة قوات الدعم السريع.

وتقوم قوات الدعم السريع بتهريب الذهب من مناطق الإنتاج إلى تشاد ومن ثم تواصل تلك الشحنات من الذهب المهرب رحلتها إلى الإمارات.

ومن المرجح، بحسب التحقيق أن يكون جزءًا كبيرًا من إنتاج المناطق الخاضعة لسيطرة القوات المسلحة السودانية قد هرب إلى مصر ولا تتوفر بيانات دقيقة عن كمية الذهب التي تصل من السودان إلى مصر.

وتشير أرقام بنك السودان المركزي إلى أن البلاد صدّرت ذهبًا بقيمة 16 مليون دولار فقط إلى جارتها الشمالية في عام 2024، ومع ذلك، تشير التقديرات في الواقع إلى أن صادرات الذهب غير الرسمية والمهربة إلى مصر تُمثل حوالي 60% من إنتاج ولايات الشمالية ونهر النيل والبحر الأحمر والتي عملت على زيادة إنتاجها عقب الحرب لتغطية التمويل الحربي.

ويلعب الذهب دوراً محورياً في تمويل الصراع في السودان حيث يهرب الذهب عبر مسارات محددة في شمال وغرب وجنوب البلاد، ومن هناك يجد ذلك الذهب المهرب طريقه إلى دول مثل الإمارات وروسيا وغيرها، التي ثبت تورطها في الحرب الراهنة الآن في السودان.  

أبرز تقرير صادر عن فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة بشأن السودان التأثير الخطير لعمليات تهريب الذهب على الصراع في البلاد، مشيراً إلى الدور الحاسم الذي يلعبه الذهب في تمويل الحرب، خاصة من خلال قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). وأوضح التقرير كيف اعتمدت قوات الدعم السريع على شبكات تهريب الذهب، لا سيما المسارات التي تمر عبر الإمارات العربية المتحدة، لتمويل عملياتها العسكرية، والحصول على الأسلحة، والحفاظ على نفوذها. وحدد التقرير الإمارات كوجهة رئيسية للذهب السوداني المهرّب، مشيراً إلى أن هذه المسارات تُستخدم غالباً كغطاء لدعم لوجستي أوسع، بما في ذلك شحنات الأسلحة إلى قوات الدعم السريع. كما أشار التقرير إلى ارتباطات بين تجارة الذهب التي تديرها قوات الدعم السريع ومجموعة فاغنر (التي باتت تعرف الآن باسم فيلق أفريقيا)، ما يعكس الأبعاد الجيوسياسية المعقدة للصراع في السودان.

تم دعم هذه القصة من قبل كود فور أفريكا (Code for Africa) وتم تمويلها من قبل الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ).

ذهب السودان تحت قبضة شبكات تهريب عابرة للحدود

تنشر «بيم ريبورتس» في العاشر من مايو المقبل تحقيقًا عن مسارات تهريب الذهب النشطة في السودان بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023 والذي يجري تهريبه عبر أربع من دول الجوار ودولتين إقليميتين، وصولًا إلى محطته النهائية في دولة الإمارات العربية المتحدة.

خلال التحقيق تجولت «بيم ريبورتس» مع مصادر عليمة بعمليات التهريب عبر مسارات تهريب نشطة محمية بالسلاح تضم شبكات داخلية وخارجية تكالبت على ذهب السودان، في خضم حرب خلقت فوضى أمنية بالغة، في ثالث أكبر بلد إفريقي منتج للذهب.

وبينما أعلنت الحكومة السودانية عن خطط جديدة لمكافحة التهريب في مناطق سيطرتها، كشف تحقيقنا عن ارتفاع صادرات الذهب في دول: أوغندا، تشاد، ومصر، مقابل انخفاض صادرات البلاد الرسمية من الذهب خلال عامين من الحرب، إلى قرابة نصف الإنتاج.

كذلك يتتبع تحقيقنا تصاعد إنتاج الذهب في البلاد بدايةً من عام 2012 بعد استقلال جنوب السودان في 2011 حيث أصبح بديلًا للنفط في الموازنة العامة للحكومة، بالإضافة إلى دراسة سياسات بنك السودان المركزي النقدية، في بعض الفترات، والتي أثرت سلبيًا في تزايد عمليات تهريب الذهب.

كما يرصد التحقيق أيضًا، الصراعات في السيطرة على مناجم الذهب بين المجموعات المسلحة والشركات الأجنبية، وكيف ساهم تهريبه على مدى عامين في تغذية الحرب في السودان، وكيف يغيّر الوسطاء والتجار العابرون للحدود في منشأ الذهب السوداني وتحويله إلى جنسيات الدول المهرب إليها بأوراق جديدة، رغم قدرة المعامل على كشف خصائص الذهب السوداني الجينية، لكن الشبكات المتورطة لا تأبه لذلك.

يمكنك قراءة ملخصنا حول تحقيق مسارات تهريب الذهب النشطة في السودان، من هنا:

«في الحدود التشادية يتسلم وسطاء وشركات، الذهب المهرب من مناجم جبل عامر بشمال دارفور ومناجم أغبش وأكثر من عشرة مناجم أخرى في منطقة سنقو بولاية جنوب دارفور في غربي السودان، ومن ثم يذهبون به إلى مدينتي أدري وأبشي ومنها إلى أنجمينا وهناك تستخرج له أوراق رسمية باعتباره ذهبًا تشاديًا، ومن ثم يُصّدر عبر مطار أنجمينا إلى مطار دبي لتكون دولة الإمارات العربية المتحدة محطته النهائية». يقول (محمد) -اسم مستعار- وهو تاجر ذهب سوداني كبير على صلات واسعة بالحكومة السودانية وحكومات في دول الجوار وزار عدد من  مناجم الذهب في البلاد في مقابلة مطولة مع «بيم ريبورتس» في تحقيق أجرته عن مسارات تهريب ذهب السودان ووجهته النهائية خلال عامين من الفوضى في ظل حرب مدمرة.

ويُشعل الذهب في السودان تنافسًا محمومًا في الحصول على الموارد بين الحكومة والجماعات المسلحة في جميع أركان هذا البلد الإفريقي الذي تعصف به حرب دموية دخلت عامها الثالث، حيث كان وما زال الذهب، يمثل أحد أبرز مصادر تمويلها.

بعد استقلال جنوب السودان في يوليو 2011 وذهاب أكثر من ثلثي النفط مع البلد الجديد، بدأ السودان في مضاعفة إنتاجه من الذهب والاعتماد عليه في محاولة لتعويض فقدانه الذهب الأسود (النفط).

وخلال سنوات معدودة أصبح الذهب موردًا رئيسيًا ومصدرًا كبيرًا لرفد الخزانة العامة بمليارات الدولارات. لكن مع ذلك، لم تستفد منه البلاد بشكل كبير نسبة لعمليات التهريب الكبيرة والواسعة التي تتم سواء عبر المنافذ الرسمية للبلاد مثل المطارات والموانئ البرية الحدودية أو البحرية. أو من خلال عمليات تهريب سرية، من المناجم المنتشرة في شمال وغرب وشرق وجنوب البلاد، سواء من خلال المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعات مسلحة أو تحت سيطرة الحكومة، حيث تسبب الانقسام السياسي والعسكري بعد الحرب في إعادة تقسيم وترسيم مناجم الذهب في السودان، بناء على خريطة السيطرة العسكرية للأطراف المتحاربة، خاصة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في شرق وشمال وغرب البلاد.

قادتنا هذه الخارطة العسكرية الجديدة في السيطرة على مناجم الذهب إلى تتبع مسارات تهريبه، حيث تمكنا عبر مصادر عليمة، في تحديد المسارات النشطة لتهريب الذهب في شمال وشرق وجنوب غرب وغرب البلاد والتي ترتبط بأربع من دول جوار السودان، وهي دول: تشاد، جنوب السودان، ومصر وليبيا، بالإضافة إلى دولتي جوار إقليمي هما كينيا وأوغندا، فيما تمثل دولة الإمارات العربية المحطة النهائية لمعظم الذهب المهرب من السودان.

التحقيق كشف أيضًا أن معظم الدول المذكورة تضاعفت صادراتها من الذهب خلال عامين من الحرب، في مقابل انخفاض صادرات البلاد الرسمية من الذهب.

ويبدو أن عمليات التهريب المتعاظمة للذهب خلال عامين من الحرب قد أثارت قلق الحكومة السودانية، أخيرًا. حيث أعلن مدير الجمارك السودانية، صلاح أحمد إبراهيم، خلال اجتماعه مع المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، محمد طاهر عمر، في 26 أبريل 2025، عن خطة محكمة تشمل عمليات الرقابة لمنافذ ومعابر البلاد باستخدام الطيران المسير والأجهزة الحديثة، مؤكداً قدرة قوات الجمارك على إحباط عمليات التهريب.

وتتم عمليات تهريب الذهب المحمية بالسلاح في دارفور غربي السودان عبر شبكات واسعة تضم مسلحين ووسطاء دوليين وشركات ومسؤولين حكوميين، يسلك فيها المهربون طرقًا معقدة وسط مخاطر جمة.

 «يحمل رجال مسلحون على متن دراجات نارية ذهب السودان المهرب من جنوب دارفور وصولًا إلى الجنينة في غرب دارفور ومنها إلى أدري التشادية عبر عدة منافذ. هناك على جانبي الحدود أيضًا، يتحرك التجار والوسطاء بعربات دفع رباعي مسلحة، وآخرون أيضًا يعبرون إلى الأراضي التشادية تحت حماية عناصر مسلحة من الدعم السريع في خدمة مدفوعة الثمن»، يقول (محمد).

ويضيف «يصل المهربون أيضًا من مناجم جبل عامر في شمال دارفور عبر كورنوي وغيرها من المناطق الصغيرة في مسارات معقدة ومحمية بالسلاح إلى الأراضي التشادية المكتظة بالوسطاء والشركات التشادية والأجنبية مثل الشركات الإماراتية، والذين ما إن يستلموا الذهب المهرب، حتى يذهبوا إلى أبشي ومنها إلى العاصمة أنجمينا ومن مطارها إلى مطار دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة».

وتمثل منطقة سنقو بجنوب دارفور أيضًا مسارًا ثانيًا لتهريب الذهب إلى جنوب السودان.

وتوجد في سنقو عدد من المناجم، بالإضافة إلى منطقة كفيا كنجي على الحدود مع جنوب السودان، حيث يتم تهريب الذهب وسط فوضى أمنية عالية، في رحلته إلى جوبا عاصمة جنوب السودان ومنها إلى كينيا وأوغندا.

ليست دارفور وحدها، ففي مناطق جنوب كردفان الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية-شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو تنشط أيضًا عمليات تهريب الذهب من مناجم التعدين التقليدية عبر مسار صغير إلى جنوب السودان.

أما في شمال السودان، يتم استخدام طرق التهريب الصحراوية القديمة نفسها التي يهرب بها البشر لتهريب الذهب انطلاقًا من منطقة أبوحمد أكبر أسواق الذهب، في مسارات يعرفها المهربون جيدًا، وصولًا إلى الحدود المصرية، سواء في شلاتين التي تحتلها القاهرة، أو قرب معبر أرقين أو أسوان.

على جانبي الحدود السودانية – المصرية، يترجل المهربون من سياراتهم مسنودين بشبكة حماية مسبقة تضم مسؤولين سودانيين ومصريين، حيث الأدلاء ينتظرونهم على سيارات الأجرة، ثم يعبرون إلى الأراضي المصرية محملين بذهب السودان.

أما بالنسبة لشرق السودان، في بورتسودان أقصى شمال شرق البلاد، يتسلم التجار ذهبهم في السوق الشعبي، ثم لا يأخذون وقتًا طويلا، حتى يسلمهم له المهربون في أسوان المصرية.

وهكذا يبدو ذهب السودان بعد عامين من الحرب، تحت قبضة من شبكات المصالح العابرة للحدود، وهو يلمع في بلدان أخرى تمنحه منشأها.

تم دعم هذه القصة من قبل كود فور أفريكا (Code for Africa) وتم تمويلها من قبل الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ).

تحقيق مفتوح المصدر: انتهاكات ضد المدنيين في «الدندر» بعد سيطرة الجيش على المدينة

عقب اشتعال الحرب في السودان في منتصف أبريل 2023، توسّع نطاقُها إلى ولايات عديدة من البلاد، مما ساهم في تفاقم الوضع الإنساني. ومع محاولات «الدعم السريع» توسيع نطاق سيطرتها على المدن والولايات، وسعي الجيش السوداني إلى استعادة السيطرة عليها، اشتدت الأحوال سواءً على المواطنين الذين تأثرت حياتهم بتداعيات الحرب والمعارك بين الطرفين، وما يعقبها من حملات اعتقال وتعذيب وتنكيل بالمواطنين.

وفي يوليو 2024، أعلنت قوات الدعم السريع عن سيطرتها على مدينة «الدندر» الإستراتيجية الرابطة بين ولايتي سنار والقضارف. وتقع المدينة في ولاية سنار شرقي السودان على الجهة الغربية من نهر الدندر.

وتُعدّ بوابة للسياح الراغبين في زيارة «حديقة الدندر» الوطنية. وظلت المدينة تحت سيطرة قوات الدعم السريع حتى 23 أكتوبر 2024، يوم أعلن الجيش عن استعادته السيطرة على مدينة «الدندر» عقب معارك ضارية ضد قوات الدعم السريع. وبعد سيطرة الجيش على المدينة، تصاعدت أصوات تندد بأعمال عنف يُقال إنها ارتكبت ضد مواطنين من قبل الجيش السوداني والقوات المساندة له.

وفي السياق، تحدثت العديد من التقارير عن ارتكاب الجيش السوداني لمجازر جنوبي ولاية سنار، وقتل مئات المدنيين وسجن العشرات، تحت ذريعة التعاون مع قوات الدعم السريع، وأنهم حواضن قبليّة لهذه القوات، في بلدتي «الدندر» و«السوكي»، وذلك وسط تكتم شديد وقطع شامل للاتصالات في المنطقة.

فيما نقلت بعض التقارير بيانًا عن «تجمع شباب الهوسا في السودان»، قال فيه إن «قوات تقاتل مع الجيش ارتكبت مجزرة بحق المدنيين في مدينة الدندر وقرى شرق سنار، حيث قتلت أكثر من 350 شخصًا، معظمهم من قبيلة الهوسا، بذريعة التعاون مع قوات الدعم السريع».

منهجية التحقق

رصد فريق التحقيق العديد من مقاطع الفيديو التي توثق حالات تعذيب من مدينة «الدندر» عقب بسط الجيش سيطرته على المدينة، بالإضافة إلى بيانات بشأن حالات تعذيب وقتل قيل إنها وقعت على مواطنين من قبل أفراد من الجيش، مما دفع الفريق إلى توزيع منهجية العمل على التحقيق كالآتي:

  • حفظ أكثر مقاطع الفيديو تداولًا بشأن الانتهاكات، وتحليلها.
  • تحديد المواقع الجغرافية والتحقق منها عبر مطابقة الأدلة البصرية.
  • تحليل صور الأشخاص المحتمل تورطهم في عمليات التعذيب لتحديد هويتهم.

واعتمد التحقيق كذلك، في مراحل التحليل المختلفة، على المصادر المفتوحة التي استقى منها الفريق المعلومات المرتبطة بالحادثة وتوقيتها والمعلومات التي انتشرت بشأنها.

توزيع حوادث الانتهاكات

توزعت مواقع حوادث العنف بين قسم الشرطة بوسط مدينة «الدندر» وقسم «شرطة الحياة البرية» وشملت الانتهاكات: الاعتقال والاحتجاز القسري والتعذيب.

الاعتقال: بعد أن بسط الجيش سيطرته على مدينة «الدندر»، تُداولت معلومات بشأن تنفيذ الجيش والقوات المساندة له اعتقالات في صفوف المواطنين بتهمة الانتماء إلى «الدعم السريع» أو معاونتها؛ إذ رصد فريق التحقيق مقاطع فيديو توثق الحادثة، نُشرت في الرابع والسادس من نوفمبر الماضي – مما يعني أنها حديثة ولم تُنشر قبل سيطرة الجيش على المنطقة.

  • الفيديو الأول: نُشر في الرابع من نوفمبر 2024، بعنوان «الدندر تستباح بواسطة الجيش». وتضمن المقطع إساءات لفظية من أفراد يرتدون أزياء عسكرية للجيش السوداني ضد مجموعة من الأشخاص بملابس مدنيّة، وتوجّه إليهم تُهم بالتعاون مع «الدعم السريع»، وتُمارس عليهم ضغوط للاعتراف بأنهم «دعّامة» (أي يتبعون «الدعم السريع»). وتُظهر أدلة صوتية في الفيديو أنّ هؤلاء الأشخاص كانوا محتجزين في مقر «شرطة الحياة البرية» بـ«الدندر»، كما يظهر في الفيديو شكل مميز لجدار البناية المهدمة خلف الأشخاص المحتجزين، والذي يُطابق، من خلال تحليل الفيديو، مشاهد لقسم «شرطة الحياة البرية»، مما يرجح أنه المكان الذي احتجز فيه هؤلاء المواطنين.
        الصورة رقم (1)

كما بحث فريق التحقيق في خرائط «جوجل» لتحديد موقع المبنى الظاهر في الفيديو والجدار المهدم خلف المواطنين الجالسين على الأرض فيما تتعامل معهم قوات ترتدي زي الجيش، وتبيّن أن مقطع الفيديو التقط في قسم «شرطة الحياة البرية» في «الدندر»، إذ لاحظ الفريق في صور القسم الجدار نفسه الذي ظهر في مقطع فيديو الانتهاكات، وفقًا للإحداثيات: (13°08’02″N 36°09’03″E).

        الصورة رقم (2)

تحصل فريق التحقيق أيضًا على فيديو آخر يُظهر مجموعة المعتقلين بملابس مدنية، فيما تعتدي عليهم قوة ترتدي زي القوات المسلحة السودانية لفظيًا، مع تقييدهم على الأرض وعصب أعينهم.

        الصورة رقم (3)

كتيبة «البراء بن مالك»

بدء وسم «الدندر تنتهك» في الانتشار على مواقع التواصل، مع محتوى يوثق حالات اعتقال لمواطنين وتعذيبهم. ونشر حساب على «فيسبوك»، في تمام الساعة 1:06 من صباح يوم الخميس الموافق 31 أكتوبر 2024، مقطع فيديو يظهر فيه شخص يرتدي بنطالًا من الزي الرسمي للقوات المسلحة مع قميص أسود، ويذكر خلال حديثه في المقطع كلمة «براؤون» في إشارة إلى كتيبة «البراء بن مالك» التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني.

ويبدأ المقطع بصورة شخص يجلس على الأرض ويتعرض مع آخرين –يرتدون جميعًا ملابس مدنية– للتعذيب والضرب من قبل أشخاص يرتدون زي القوات المسلحة السودانية.

وفي الثانية السادسة عشرة من الفيديو، تظهر في الخلفية بناية بطراز معماري مختلف. وبتحليل شكل البناية في الصورة رقم (4)، ومقارنته مع مقاطع فيديو أخرى من المنطقة نفسها، توصل فريق التحقيق إلى أنه مقر قسم الشرطة بوسط مدينة «الدندر» شمال غرب «سوق الدندر الكبير».

        الصورة رقم (4)

وحدد الفريق الموقع الجغرافي للمنطقة على خرائط «جوجل»، عبر البحث عن اسم القسم في الخرائط، كما هو موضح في الصورة رقم (5) – (13.335316,34.090586).

        الصورة رقم (5)

وفي الثانية السابعة والخمسين من مقطع الفيديو، تظهر مشاهد من داخل قسم الشرطة. ولمزيدٍ من التحقق قارن فريق التحقيق المشهد مع مقاطع فيديو أخرى، ولاحظ الأعمدة الداخلية المميِّزة للبناية، وتوصل إلى أنه «قسم شرطة الدندر»، كما يظهر في الصورتين (6) و(7). وداخل هذه البناية احتُجز عدد كبير من المواطنين، ووصفوا بـ«الجاهزية» في إشارة إلى أنهم ينتمون إلى قوات الدعم السريع.

        الصورة رقم (6)
        الصورة رقم (7)

الأدلة الصوتية

حوى الفيديو رقم (3) العديد من الأدلة الصوتية والمرئية منها:

  • ظهور أشخاص بملابس مدنية يتعرضون للتعذيب.
  • طلب هؤلاء الأشخاص العفو عنهم من القوة التي تعذّبهم دون أي استجابة، بل اتهامهم بمساندة «الدعم السريع» وإحضار «الرزيقات» (قبيلة ينتمي إليها بعض أفراد «الدعم السريع») إلى المنطقة.
  • تصريح أحد المسلحين في الفيديو، خلال إهانة المحتجزين لفظيًا، بأنهم ينتمون إلى كتيبة «البراء بن مالك» المساندة للجيش السوداني.

التعاون مع «الدعم السريع»

برزت في الآونة الأخيرة، ظاهرة اعتقال المواطنين وتعذيبهم، وأحيانًا تصفيتهم بتهمة التعاون مع «الدعم السريع» أو التخابر لمصلحتها، مما فاقم معاناة كثير من المدنيين، خصوصًا أولئك الذين يقطنون في مناطق تحت سيطرة «الدعم السريع». وفي حالات الفوضى التي تصاحب الحرب يصعب إثبات هذه التهمة أو التأكد من صحتها، مما يزيد من احتمال أن يُعاقب كثيرٌ من الأبرياء على أساس تُهم يصعب –إن لم يكن يستحيل– إثباتها عليهم.

ولاحظ فريق التحقيق، على سبيل المثال، في مقطع الفيديو الثالث الذي يظهر فيه أشخاص يعرّفون أنفسهم بأنهم ينتمون إلى كتيبة «البراء بن مالك» فيما يحتجزون شخصًا على أساس أنه شيخٌ يعقد زيجات لعناصر «الدعم السريع»، ولا يُعرف طبيعة المخالفة القانونية التي قد تترتب على عقد مثل هذه الزيجات –إن صحت التهمة، مما يشير إلى أنّ تُهم كثيرة يصعب إثباتها أو تأكيد مخالفتها للقانون، تُتخذ ذرائع لتهديد المواطنين وانتهاك حقوقهم.

الجانب القانوني

تصاعدت الكثير من الأصوات المنددة بعمليات الاعتقال والاحتجاز التعسفي والتعذيب بحق المواطنين في «الدندر»، لا سيما في غياب أيّ سند قانوني لتلك الاعتقالات، إذ لم يُقدّم المحتجَزون في قسم «شرطة الدندر» أو في «شرطة الحياة البرية» إلى أيّ محاكم نظامية، ولم تكن هناك أيّ إجراءات قانونية لإثبات انتمائهم إلى قوات الدعم السريع، ومع ذلك تعرضوا للضرب والتعذيب. وفيما يلي توضيح للجوانب القانونية المتعلقة بعمليات التعذيب والاعتقال التعسفي خارج نطاق القانون.

تعريف الاحتجاز التعسفي

يُعرف الاحتجاز التعسفي بأنه توقيف أي شخص أو احتجازه تعسفيًا أو حرمانه من حريته من قبل أي جهة أمنية أو عسكرية بالمخالفة للقانون ودون امتثال للمعايير الدولية الضامنة للعدالة الإجرائية، بما في ذلك مدة الاحتجاز ومكانه وجهة الاحتجاز وسلامة إجراءات التوقيف والاحتجاز وتمتع المحتجز بحق التواصل مع محاميه وأسرته وحقه في معرفة سبب الاحتجاز وحقه في معرفة التهمة رسميًا، بالإضافة إلى حقه في الدفاع القانوني وبقائه تحت سلطة القضاء الطبيعي.

وتنص المادة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه «لا يجوز إخضاع أحد للاعتقال التعسفي أو حجزه أو نفيه»، فيما تنص الفقرة الأولى من المادة التاسعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن «لكل فرد الحق في الحرية والأمان على شخصه. لا يجوز إخضاع أحد للقبض أو الاحتجاز التعسفي. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ووفقًا للإجراءات التي ينص عليها القانون».

ومن هنا يتضح أن الانتهاكات وعمليات الاعتقال التي نفذتها قوات ترتدي زي القوات المسلحة السودانية وعرفت نفسها بأنها تتبع للجيش السوداني، في منطقة «الدندر»، هي عمليات خارج نطاق القانون، إذ لم يُعرض الذين اعتقلوا على محكمة نظامية ولم يُعاملوا وفقًا للإجراءات المنصوص عليها في القانون.

ووفقًا لما سبق، يمكننا القول إن أفعال القوات المحسوبة على الجيش السوداني، من احتجاز قسري وتعذيب، تُخالف القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومع محدودية المعلومات الواردة من المنطقة وغياب المصادر الموثوقة، لم يتمكن فريق التحقيق من الوصول إلى معلومات بشأن مصير الأشخاص المحتجزين، وما إن أفرج عنهم أم ما زالوا قيد الاحتجاز.