Tag: التحول الديمقراطي

أربعة أعوام من الثورة.. هل يجيب الاتفاق الثالث مع الجيش على قضايا التحول الديمقراطي؟

صباح الاثنين، عاودت خطى قادة قوى الحرية والتغيير، السير في ردهات القصر الرئاسي بالعاصمة السودانية الخرطوم للمرة الأولى، منذ أن أطاح قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان بالحكومة الانتقالية، عبر انقلاب عسكري نفذه في 25 أكتوبر 2021. 

توقيع الاتفاق السياسي الإطاري، والذي سبقته جولات تفاوضية معلنة وغير معلنة بين الطرفين، هو ما جمع قادة الحرية والتغيير والجيش، بجانب الجبهة الثورية ومجموعات حزبية وكيانات نقابية أخرى، على صعيد القصر الرئاسي، صباحها.


وبحسب بنوده، فإن الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه، وسط حضور إقليمي ودولي واسعين، من المفترض أن يؤدي إلى تكوين حكومة انتقالية بقيادة مدنية كاملة تتمتع بصلاحيات واسعة، من بينها إدارة الشرطة والمخابرات العامة، عقب توقيع اتفاق نهائي في الأسابيع المقبلة.

ومع ذلك، لم يدخل الاتفاق الإطاري في تفاصيل موضوعات تركت للنقاش حتى التوقيع النهائي الذي سيجري التفاوض حوله خلال الأسبوعين المقبلين، وهي: (العدالة والعدالة الانتقالية، وتفاصيل الإصلاح الأمني والعسكري، وقضية إزالة تمكين النظام السابق، وإمكانية إجراء تعديلات على اتفاق سلام جوبا)

خطابات متباينة

صاحب اتفاق قادة الحرية والتغيير والعسكريين، بعد أكثر من عام على الانقلاب، ردود فعل متباينة من كل من البرهان وحميدتي، خلال كلمتيهما بمناسبة توقيع الاتفاق. فبينما قال البرهان إنهم يسعون إلى تحويل الجيش إلى مؤسسة دستورية تخضع للدستور ومنع تسيسه أو تحيزه إلى جماعة أو أيدلوجية، واعترافه بالقيادة السياسية. وأضاف قائلاً: “نحن بصدد وضع اللبنات لهذا النظام. ووضع هذه الغايات نصب أعيننا، يستوجب من السلطة المدنية عدم التدخل في الشؤون الفنية العسكرية لإنفاذ غايات الأمن القومي”. 

 

فإن حميدتي أقر، في كلمته، بأن ما حدث في 25 أكتوبر 2021م، كان خطأ سياسياً، وقال إنه فتح الباب لعودة قوى الثورة المضادة حسب تعبيره. مضيفاً أن بناء جيش قومي، مهني، ومستقل عن السياسة، يتطلب إجراء إصلاحات عميقة في المؤسسة العسكرية تؤدي إلى جيش واحد، يعكس تنوع السودان، ويحمي النظام الديمقراطي.

 

بالمقابل، أشار ممثلون لقوى الحرية والتغيير في كلماتهم أثناء الاحتفال، بأن الاتفاق غايته توحيد الشعب وبناء دولة الحكم المدني.

وقال القيادي بالحرية والتغيير، الواثق البرير، إن التوقيع يأتي في إطار إنهاء ظواهر الحكم الشمولي للأبد وتأسيس مسار انتقالي جديد أكثر فاعلية يقود البلاد لانتخابات تحقق السلام المستدام. 

 

ومع ذلك، تُثار أسئلة وسط السودانيين، حول جدوى الاتفاق الثالث بين المدنيين والعسكر منذ إطاحة نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير في أبريل 2019م. بالإضافة إلى تساؤلات أخرى متعلقة بضمانات وآليات تنفيذ الاتفاق، خاصة أنه سكت عن مصير البرهان وحميدتي وبقية أعضاء السلطة العسكرية الحاكمة الذين يطالب المحتجون بمحاكمتهم وإبعادهم من المشهد السياسي.

 

وفي خضم هذه المخاوف التي يطرحها السودانيون، تطل أسئلة أخرى حول قدرة الاتفاق على إنهاء الانقلاب واستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي، وهو الأمر الذي يعتقد محللون أنه قد يتحقق وإن كان وفق سياقات محددة.  

 

 يقول المحلل السياسي، بكري الجاك، لـ(بيم ريبورتس)، إن الاتفاق الإطاري، حسم النقاش في بعض القضايا من حيث المبدأ، غير أنه شدد على أن ذلك لا يعني اتفاق الطرفين. ويشير الجاك، إلى أن الحرية والتغيير، عبر الاتفاق الإطاري، اتجهت في مسار تحقيق رؤيتها لإنهاء الانقلاب، لكنه أكد أن إنهاء الانقلاب لن يتحقق إلا بعد التوقيع النهائي وتنفيذ بنود الاتفاق، خاصة تلك المتعلقة بخروج المؤسسة العسكرية من السياسة والاقتصاد، وتحويل السلطة لحكومة مدنية كاملة برئاسة رئيس وزراء ومجلس سيادة يرأسه مدني.

 

 وحول موقف المؤسسة العسكرية المحتمل بعيداً عن البرهان، يعتقد الجاك أنه من الصعب أن يكون للجيش رؤية مستقلة من الاتفاق الذي وقعه قائده العام، مضيفاً “يجب أن نتعامل مع المؤسسة العسكرية من منظور اقتصاد سياسي، ونقيم موقفها من تطبيق الاتفاق وتأثيره على مصالحها واستثماراتها”.

 

ويرى المتحدث الرسمي بقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، شهاب الدين إبراهيم، في إفادته لـ(بيم ريبورتس) أن الاتفاق حدد الإطار العام للقضايا التي يمكن أن تستجيب لرغبات السودانيات والسودانيين في تحقيق شروط التحول المدني الديمقراطي، وأن الاتفاق منسجم مع الرؤية التي تقدمت بها قوى الحرية والتغيير وهي مرجعية للاتفاق الاطاري أيضاً.

ويضيف إبراهيم، أن الضمان لتنفيذ الاتفاق والالتزام به يتمثل في ” وجود جبهة مدنية تضغط في اتجاه التوصل لاتفاق نهائي”.

مواقف رافضة

وفي لحظة توقيع الاتفاق نهار أمس الاثنين، كانت شوارع الخرطوم تضج بهتافات آلاف المتظاهرين الذين قاوموا انقلاب 25 أكتوبر منذ يومه الأول، ورفعت شعارات رافضة للاتفاق الإطاري خلال المواكب، ومتمسكة بشعار أن “لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية”. وليس الشارع ولجان المقاومة هما الرافضان الوحيدان للاتفاق من قوى الثورة، بل هناك كيانات وأجسام سياسية ونقابية أخرى رافضة. 

 

فالحزب الشيوعي، اعتبر الاتفاق مواصلة لما وصفها بؤامرات القوى المعادية لقطع الطريق على الثورة، وإنتاج النظام المباد في واجهة جديدة. وفي هذا السياق، يقول  السكرتير الإعلامي للحزب الشيوعي بالعاصمة القومية الخرطوم، عبد الخالق بابكر، في إفادته لـ(بيم ريبورتس): “الاتفاق لن يصمد طويلاً، وسينهار إما  بالانقسامات الداخلية للتنظيمات المكونة له، أو بحدوث انقلاب جديد ناتج من كون  تركيبته لا تقوم على مصالح حقيقية أساسية  تعبر عن الجماهير التي  تحمي السلطة، بل تقوم على مصالح مؤقتة وثانوية تفتقر لمن يحميها”. 

 

وفي السياق نفسه، يعتقد مسؤولون رفيعون بالحكومة الانتقالية السابقة، أن الاتفاق الإطاري لا يمثل مدخلاً لحل الأزمة السياسية التي تسبب فيها انقلاب 25 أكتوبر. حيث يرى عضو مجلس السيادة السابق، صديق تاور، أن الانقلاب ما زال قائماً ومتمكناً تحت سلطة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان. وقال تاور في تصريح لـ(بيم ريبورتس)، إن الاتفاق الإطاري، هو مجرد عموميات لا يمكن الاعتماد عليها في تحقيق مطالب الشعب السوداني ولن يفضي للسلطة المدنية التي يحلمون بها. 

 

ويعتقد تاور، أن فرص نجاح الاتفاق تبدو ضئيلة جدًا بل تكاد تكون منعدمة، وقال “العبرة ليست في المضمون وحده وإنما فى الإرادة الصادقة لتحقيق ذلك، وهذا ما لا يتوافر في طرف أساسى من أطراف هذا الاتفاق، وأقصد به المكون العسكري”. 

“بموجب هذا الاتفاق ليس هناك ما يشير لرجوع عن الانقلاب، فالانقلاب لا يزال قائمًا ومتمكنًا وكل السلطات والقرارات في الدولة بيد فرد واحد أحد اسمه عبد الفتاح البرهان، بلا شرعية و بلا مرجعيات مؤسسية”، يقول تاور.

 

ويضيف قائلاً “بهذه الخطوة الحرية والتغيير شرعنت الانقلاب وحققت له حلم ظل يحلم به منذ يومه الأول، و منحته صك براءة من صفة الانقلاب دون أن تضمن أي شيء، أو دون أن تؤمن الخطوة الضرورية لجعل ميزان القوى لصالح قوى الثورة، مجرد وعود لا يوجد ضمان لانتكاستها في أي وقت”.

“لا ضمانات ولا التزامات جادة أو واضحة ولا أي شيء، مجرد وعود في الهواء، هذا ما لم يجب عليه رفاقنا في الحرية والتغيير”، يتساءل عضو مجلس السيادة السابق، صديق تاور عن الاتفاق الإطاري الموقع مع الجيش.

مواقف أطراف السلام

بالنسبة لمواقف الحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا، من الاتفاق الإطاري، فقد جاءت متباينة، إذ وقعت كلا من الحركة الشعبية لتحرير السودان (فصيل مالك عقار) وتجمع قوى تحرير السودان (قيادة الطاهر حجر) وحركة جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي (الهادي إدريس) على الاتفاق الإطاري، بينما أعلنت حركة جيش تحرير السودان (مني أركو مناوي) والعدل والمساواة (جبريل إبراهيم) رفضهما التوقيع. 

 

بينما أشاد حجر وإدريس بالاتفاق الإطاري، وصف جبريل ومناوي الاتفاق “بالإقصائي” حيث يرى جبريل، أن الاتفاق لا يفضي لانتخابات حرة ونزيهة، ويشير مناوي متفقا مع الأول في رفضه، أن الاتفاق فُرض من الخارج على المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والمكون العسكري.

 

ومع ذلك يقول مصدر بحركة جيش تحرير السودان لـ(بيم ريبورتس)، إنه يجب على الحركة أن تنظر للقضية من باب الوعي بقضاياها، بجانب الحاجة الملحة لتنفيذ اتفاق السلام.

أبرز بنود الاتفاق

تكون الاتفاق من 5 بنود رئيسية هي: المبادئ العامة، وقضايا ومهام الانتقال، وهياكل السلطة الانتقالية، والأجهزة النظامية، وقضايا الاتفاق النهائي. وحدد الاتفاق الفترة الانتقالية بعامين منذ لحظة تعيين رئيس الوزراء، على أن تجرى بنهاية الفترة الانتقالية انتخابات عامة في البلاد. 

وأكد الاتفاق أيضاً، على احترام إرادة الشعب في حكومة مدنية، إضافة إلى العمل على وقف التدهور الاقتصادي وفق “منهج تنموي شامل يراعي الفقراء والمهمشين”.

 

وفيما يخص المؤسسة العسكرية؛ فإن الاتفاق نص على دمج قوات الدعم السريع في الجيش خلال جداول زمنية محددة، وحظر تكوين المليشيات والمجموعات الخارجة على القانون، وأن تخضع جميع الشركات العسكرية لرئيس الوزراء وولاية وزارة المالية، إلى جانب تنفيذ السياسات المتعلقة بإصلاح المنظومة العسكرية.

 

ونص الاتفاق أيضاً على استقلالية ومهنية مؤسسات الدولة، مثل القضاء والتعليم والقوات النظامية والتخصصية والخدمة المدنية، إضافة إلى مكافحة الفساد وإرساء مبادئ الشفافية والمحاسبة.

وجاء فيه أن “يحدد الدستور مهام المجلس التشريعي القومي، وعدد مقاعده ونسب ومعايير الاختيار، بما يضمن مشاركة النساء بنسبة 40%، إضافة إلى الشباب ولجان المقاومة وذوي الإعاقة”.

 

ويندرج داخل الاتفاق وجود مجلس عدلي مؤقت من 11 عضواً، يتم تعيينه من قبل رئيس الوزراء بترشيح من الأطراف المدنية الموقعة على الاتفاق، لاختيار رئيس القضاء ونوابه، والنائب العام ومساعديه، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، ويتم حله بانتهاء مهمته. وشدد الاتفاق على أن لا تكون هناك سلطة اعتقال أو احتجاز لجهاز المخابرات، وأن يتبع لرئيس الوزراء مباشرة، كما يحظر على قوات الشرطة ممارسة أي أعمال تجارية أو استثمارية وأن تقتصر مهمتها على إنفاذ القانون وحماية المدنيين. 

 

 

منذ ظهيرة سقوط رأس النظام البائد، عمر البشير، في 11 أبريل 2019م  والشعب السوداني يتطلع إلى ديمقراطية مستدامة، بعد تاريخ حافل بالانقلابات والحكومات العسكرية. وخلال مسار الثورة التي أوشكت على الأربع سنوات، فإن البلاد شهدت توقيع ثلاثة اتفاقات لإدارة الفترة الانتقالية، وثيقة دستورية، واتفاق إطاري آخر بين رئيس وزراء السابق عبد الله حمدوك و قائد الجيش بعد انقلابه في 25 أكتوبر 2021م.

 

وبعد مرور أكثر من عام على انقلاب 25 أكتوبر، وفشل وتخبط حكومة الأمر الواقع، ها هي تعود لتجلس على طاولة التفاوض من جديد، في عملية سياسية ذات شقين أولها الاتفاق الإطاري، آملة على حد اتفاقها أن تشمل العملية في شقها الأخير مشاركة أوسع لتطوير الاتفاق الاطاري الحالي، الذي وجد من يومه الأول رفضاً واسعاً من قوى سياسية ومدنية وما زال الجدل يثار حول شرعيته من الأساس.

هل تفلح الآلية الثلاثية في استعادة مسار التحول الديمقراطي بالسودان؟

بعد مرور 7 أشهر على انقلاب الجيش السوداني، في 25 أكتوبر الماضي، ما تزال البلاد تعيش وطأة تعقيدات سياسية كبيرة أعقبت الانقلاب الذي أنهى مسيرة سياسية كانت تهدف إلى الوصول بالبلاد إلى سلطة مدنية وتحول نحو الديمقراطية.

ورغم أن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، وصف الانقلاب، بأنه “إجراءات تصحيحية”، إلا أنه واجه موجة من الرفض الشعبي، حاول تفاديها بتوقيعه اتفاقاً مع رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي، لكنه فشل مرة أخرى، بعد استقالة حمدوك في الثاني من يناير الماضي. 

ومع الضغط الشعبي المتصاعد، واستمرار الاحتجاجات المناهضة لسيطرته على السلطة، انخرط مجلس السيادة في المشاورات التي أطلقتها بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) برئاسة فولكر بيرتس، في يناير الماضي، ولكنه سرعان ما انقلب عليها ووجه ضدها آلته الإعلامية الرسمية، على رأسها الصحيفة الرسمية للقوات المسلحة، وغيرها من الجهات غير الرسمية على شاكلة شبكات تضليل وأخبار زائفة منظمة تعمل على تشويه صورة رئيس البعثة أمام الرأي العام. 

بالتزامن مع هذه الحملات، بدأت أصوات تنادي بضرورة إدخال أطراف أفريقية أخرى لتكون جزءاً من عملية تسيير المشاورات السياسية، وتجسدت هذه المطالبات؛ بتكوين الآلية الثلاثية التي تضم اليونيتامس، والاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) في محاولة لتحقيق اختراق سياسي بين الأطراف. 

سبق الهجوم المباشر الذي شنته المؤسسة العسكرية ضد فولكر، محاولتهم استقطاب داعمين إقليميين، إذ زار قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي) إثيوبيا في 2 يناير، حيث التقى رئيس الوزراء آبي أحمد، وناقش معه سبل تعزيز التوافق بين البلدين، كما ذكر تقرير أن حميدتي سيناقش مع مسؤولين إثيوبيين “تطورات الأوضاع في السودان، والجهود المبذولة لتحقيق الوفاق الوطني”. 

ولا يبدو من الغريب، أن يتوجه حميدتي إلى إثيوبيا بالتحديد نسبة لعلاقتها القوية بمؤسستي الاتحاد الأفريقي والإيغاد، حيث يوجد مقر رئاسة الاتحاد الأفريقي في أثيوبيا، بينما يشغل وزير الخارجية الإثيوبي الأسبق، وركنه جيبيهو منصب الأمين التنفيذي  للإيغاد. 

بعد زيارة حميدتي بمدة قصيرة، بدأ أول تدخل للإيغاد كطرف في المشاورات السياسية حيث أعلن الأمين التنفيذي لمنظمة الإيغاد ، وركنه جيبيهو، في 30 يناير عبر تويتر وصوله للسودان ولقائه بسفراء الإيغاد المعتمدين لدى السودان، كما قابل في زيارته فولكر وسفراء دول الترويكا، بالإضافة إلى (حميدتي) الذي رحب بمساعي الإيغاد لإيجاد سبل للحوار المفتوح بين جميع الأطراف لاستئناف عملية الانتقال، كما التقى بقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، حيث ناقش معه الدور الذي ستلعبه الإيغاد في الحلول التفاوضية للأزمة السياسية الحالية. 

أعقبت زيارة الأمين العام للإيغاد، زيارة وفد من الاتحاد الأفريقي برئاسة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، للبلاد واستهل الوفد زيارته بلقاء حميدتي الذي قال إن السودان يرحب بأي دور يمكن أن يقوم به الاتحاد الأفريقي في سبيل تقريب وجهة النظر بين الأطراف السودانية. كما ذكر الوفد أنه التقى بالبرهان في اليوم الذي يليه، قبل أن يختتم زيارته في يوم 14 فبراير معلناً أنهم قد التقوا بأغلب الفاعلين العسكريين، والسياسيين، والمدنيين ـ دون تقديم مزيد من التفاصيل ـ  كما التقى الوفد بالمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للسودان والترويكا، وأشار موسى خلال زيارته لما وصفها بـ”المبادئ الأساسية ومسؤولية الاتحاد الأفريقي” في حل المشاكل الأفريقية من قبل الأفارقة أنفسهم، بالتعاون مع الشركاء الدوليين، ولا سيما الأمم المتحدة، وفقاً لنهج يحترم هذه المبادئ بالإضافة لسيادة الشعب السوداني في التعامل مع شؤونه.

ورغم أن الاتحاد الأفريقي كان له موقف قوي بعد وقوع الانقلاب، إذ أعلن عن تعليق عضوية السودان في 27 أكتوبر، وقد ذكر في البيان، أن التعليق سيستمر “حتى الاستعادة الفعلية للسلطات الانتقالية بقيادة مدنيين”، كما أدان الإجراءات التي قام بها الجيش واصفاً إياها بالتغيير غير الدستوري للحكومة واعتبرها أمراً غير مقبول وإهانة للقيم المشتركة والمعايير الديمقراطية للاتحاد الأفريقي. كذلك، فعلت الإيغاد، إذ أصدر الأمين التنفيذي للإيغاد وركنه جيبيهو تصريحاً صحفياً في 25 أكتوبر أدان فيه “محاولة تقويض الحكومة المدنية”، كما أبدى انزعاجه من التطورات الأخيرة، خصوصاً أن السودان هو الرئيس الحالي للمنظمة.

لكن مع مرور الوقت، باتت مواقفهم أقل حدة وقد كان هذا السلوك ظاهراً منذ تصريحات محمد حسن ود لباد في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه عن تكوين الآلية في 10 مارس الماضي، حيث أوصى من أسماهم “فصائل الشعب التي تنظم المسيرات والمظاهرات”، بأن لا يشجعوا على أي سلوك قد يسئ إلى قوى الأمن ومؤسسات الدولة في ظل هذه الظروف الجديدة السلمية المواتية للحوار على حد وصفه.

ومع بدء العملية، بدأ الحديث عن تحيزات وقبول ورفض لها، حيث رفض حزب المؤتمر السوداني، أن يكون جزءاً من الاجتماع التحضيري الأول الذي دعت له الآلية، حيث أشار في بيان له بأن “الاجتماع التحضيري لا يقود لذلك (يقصدون العودة إلى المسار الديمقراطي)، لأنه يخطئ في تعريف طبيعة الأزمة وتحديد أطرافها وقضاياها ويشرعن حجج الانقلاب التي يريد من خلالها إخفاء دوافعه وطبيعة تركيبته“. بينما قال الحزب الشيوعي في رسالة وجهها إلى الآلية بعد رفضه المشاركة في المشاورات غير المباشرة في 14 مايو، إن الآلية تقيم تفاوضا مع قوة سياسية شاركت في النظام البائد، بالإضافة إلى أنها تؤيد إفلات الجناة من العقوبات في الجرائم التي تعرض لها الثوار، وقد ردت اليونيتامس على هذه التصريحات حيث وصفتها بـ الصادمة، إذ ذكرت أنها تتناقض مع مجهوداتها.  وكان آخرها اتهام عضو مجلس السيادة السابق صديق تاور للوسيط الأفريقي بالانحياز إلى العساكر، وأنهم دخلوا منذ البداية بعقلية التسوية لصالح الإنقلابيين.

برغم التقاطعات في عمل الآلية الثلاثية، والرفض الذي جوبهت به دعواتها من قبل العديد من المكونات السياسية ولجان المقاومة، إلا أن الآلية عقدت، في الثامن من يونيو الحالي، اجتماعاً تقنياً للتجهيز للمحادثات السودانية-السودانية، وأعلنت أن الاجتماع  ناقش القواعد الإجرائية وشكل المحادثات بشأن القضايا الموضوعية، وإنشاء هيئة وطنية من شخصيات سودانية للإشراف على المحادثات السياسية.

وجرت الجلسة بحضور شخصيات بارزة من مناصري و الحزب الشيوعي السوداني، ومجموعة حقوق النساء، وتجمع المهنيين السودانيين، ولجان المقاومة.

وفي ظل مقاطعة أغلب القوى السياسية والمقاومة لعمليات الآلية الثلاثية، وسط اتهامات للقائمين على أمرها بالتحيز، فستكون بلا جدوى.

وعقب اجتماع الآلية الثلاثية، الذي قاطعته قوى الحرية والتغيير انخرط ممثليها في اجتماع مباشر مع العسكريين للمرة الأولى منذ انقلاب 25  أكتوبر الماضي، بوساطة من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميريكية، لكن سفارتي البلدين بالخرطوم، أكدتا في بيانين منفصلين، أن اللقاء بين المدنيين والعسكريين لا يعد بديلاً للآلية الثلاثية، لكن الأخيرة أعلنت تأجيل اجتماع كان من المنتظر أن يعقد اليوم الأحد بين تلك القوى المحسوبة على النظام البائد والعسكريين.

ومع وساطة الرياض وواشنطن التي أفضت إلى انخراط قوى الحرية والتغيير والعسكريين من جهة أخرى في محادثات مباشرة، وصفت بغير الرسمية، وتأكيدها من ناحية أخرى، أن هذه المحادثات لا تعد بديلاً للآلية الثلاثية، يبدو أن كثيراً من العوامل قد تلقي بظلالها على عمل الآلية الثلاثية، خاصة أن بعض أطرافها (الوسيط الأفريقي)، واجهت اتهامات بالتحيز للعسكريين.

خط زمني لمعالم العملية السياسية منذ انقلاب 25 أكتوبر: