Tag: سياسة

تحقيق لـ (بيم ريبورتس) يكشف عن شبكة في (تويتر) تُروج لمصالح الإمارات بالسودان وتهاجم قوى سياسية

أضحت مواقع التواصل الاجتماعي الوسيلة الأكثر فاعلية لممارسة الحملات الإعلامية التضليلية المنظمة، بغرض التلاعب بالرأي العام، وذلك في إطار تنويع وسائل الصراع السياسي، التي تقودها جهات محلية وإقليمية ودولية، للحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية.

في نوفمبر من العام 2022 نَشر فريق (مرصد بيم) دراسة: (بيئة المعلومات المضللة في الفضاء السوداني)، والتي سلطت الضوء على الفاعلين الدوليين في المشهد الإعلامي السوداني، ومن ضمنهم جهات تدعم مصالح دولة الإمارات العربية المتحدة في السودان، من خلال موقع (تويتر).

منذ بداية شهر فبراير لاحظ فريق (مرصد بيم) عبر متابعته لوسائل التواصل الاجتماعي، نشاط عشرات الحسابات في منصة (تويتر)، تقود الحسابات حملة تحريض ممنهجة ضد بعض القوى المدنية الفاعلة في الشأن السياسي بالسودان، بعضها حديثة النشأة، وبعضها الآخر تعتبر حسابات قديمة نسبياً، قام الفريق بالتقصي عن مجموعة الحسابات عبر أدوات تحليل شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة.

شبكة جديدة:

رصد فريق (مرصد بيم) عملية معلوماتية تستهدف السودان في منصة (تويتر). تنفذ هذه العملية المعلوماتية شبكة من الحسابات، في مسعى للتأثير على الرأي العام السوداني، عبر سلسلة من الحملات الممنهجة المتنوعة، ابتداءً من الهجوم على قوى سياسية سودانية، مروراً بدعم مصالح استثمارية لدولة الإمارات في السودان، وصولاً إلى الترويج للدور الإماراتي في السودان، باعتباره دوراً إيجابياً وداعماً للشعب السوداني.

1- استهداف قوى سياسية سودانية

ابتداء من الرابع من فبراير الجاري، نَشرت شبكة الحسابات المذكورة آنفاً عدداً من التغريدات، التي هاجمت فيها تحالف (الحرية والتغيير)، عبر عددِ من الأوسمة المختلفة.

واللافت للانتباه أن هذه الحسابات أرفقت مع تغريداتها صوراً تعود لقوى (الحرية والتغيير المجلس المركزي)، وكذلك لقوى (الحرية التغيير الكتلة الديمقراطية)، مع وجود محتوى موحد، يحرض ضدهما معاً.

عِلماً أن عدداً من التنظيمات المكونة لهذه القوى، تختلف في أجندتها السياسية، ولا يوجد رابط موضوعي بينها، لكن تم الهجوم عليها على حدٍ سواء من قبل الشبكة، التي قد تكون استخدمت أسلوب الهجوم على الجميع لإخفاء أجندتها.

ولمزيد من التقصي بشأن الشبكة، بحث فريق (مرصد بيم) عن مجموعة من الحسابات المكونة للشبكة، لاحظنا وجود نشاط لها في ديسمبر من العام المنصرم تحت وسم (#محمد_عثمان_الميرغني)، حيث تم الهجوم بصورة مكثفة على رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، بعد شهر من عودته إلى السودان، قادماً من مصر، مع ربط نشاطه السياسي بنشاط جماعة الإخوان المسلمين والجماعات المتطرفة.

أيضاً، أجرى فريق (مرصد بيم) بحثاً عن نشاط الشبكة المعنية، للتأكد بشكل أكبر من حقيقة ارتباطها بالأجندة السياسية الإماراتية. وبعد العودة إلى تغريدات بتواريخ قديمة، لاحظنا وجود نشاطِ للشبكة في يوليو من العام 2022م عبر عدد من التغريدات المنسجمة مع الدعاية الإماراتية، بمهاجمتها لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين وجماعة الحوثي اليمنية، واصفة إياهما بجماعتي الشر والفساد والتطرف والإرهاب.

كما توضح الصور أدناه:

2- ميناء أبو عمامة ومشروع الهواد الزراعي .. أجندة إماراتية اقتصادية وسياسية

بعد تحليل الأدلة المذكورة آنفاً، لاحظ فريق (مرصد بيم) أيضا وجود نشاط لعدد من الحسابات الأخرى، التي لها ارتباط مع الشبكة المذكورة عبر التفاعل أو المتابعة، حيث تتابع عدد من الحسابات بعضها بعضاً.

وحين أجرى الفريق بحثاً بشأن الحسابات المعنية، توصل إلى أنها امتداد لشبكة تدعم الأجندة الإماراتية في السودان. بينما تختلف بعض الملامح في مجمل الحسابات المكونة لها.

في فبراير الجاري نشطت الشبكة عبر عدد من الأوسمة، التي تدعم أجندة اقتصادية وسياسية إماراتية في السودان، هذا بالإضافة إلى ترويجها للدور الإماراتي في السودان، باعتباره دوراً إيجابياً وداعماً للشعب السوداني.

علي سبيل المثال نَشرت بعض الحسابات تغريدات بتاريخ 14 فبراير عن صفقة (مشروع ميناء أبوعمامة) الذي يقع على ساحل البحر الأحمر، مشيرة إلى أن المشروع يُمثل المخرج للشعب السوداني من أزمته الحالية.

عِلماً أن بتاريخ 13 ديسمبر 2022م وقعت حكومة الانقلاب اتفاقاً مبدئياً مع تحالف إماراتي يضم (شركة موانئ أبوظبي) وشركة (إنفيكتوس للاستثمار)، لإدارة وتشغيل الميناء والمنطقة الاقتصادية على البحر الأحمر.

عِلماً أن بتاريخ 13 ديسمبر 2022م وقعت حكومة الانقلاب اتفاقاً مبدئياً مع تحالف إماراتي يضم (شركة موانئ أبوظبي) وشركة (إنفيكتوس للاستثمار)، لإدارة وتشغيل الميناء والمنطقة الاقتصادية على البحر الأحمر.

ولمزيد من التقصى، بحث فريق (مرصد بيم) عن الأوسمة التي تناولتها الشبكة، وذلك عبر استخدام أدوات المصادر المفتوحة، ولاحظ وجود نشاط للشبكة فيما يخص (مشروع الهواد الزراعي)، وهو مشروع قومي كانت قد صنفته الحكومة الانتقالية برئاسة د.عبدالله حمدوك ضمن أحزمة التنمية الخمس، ووضعته على رأس قائمة المشاريع التي تم طرحها في مؤتمر باريس المنعقد في مايو 2021م.

وكان موقع (العربي الجديد)  قد أورد خبراً في 25 نوفمبر 2022م مفاده أن الحكومة السودانية أبدت موافقتها المبدئية بمنح المشروع لصالح الحكومة الإماراتية، بيد أن الخبر لم يتم تأكيده من أي جهة رسمية حتى الآن.

سمات الشبكة

تتكون الشبكة من عدد كبير من الحسابات، تجمعها ملامح عامة مشتركة، وتتباين بعض السمات الأخرى بحسب طبيعة نشاطها:

السمات العامة:

  • تتفاعل معظم الحسابات مع بعضها بعضاً بالمتابعة والإعجاب وإعادة التغريد.
  • معظم الحسابات قديمة، ويعود تاريخ إنشائها بين الأعوام 2011 – 2016م، وقد تم حذف جميع التغريدات والنشاط عموما ما قبل العام 2022م.
  • معظم الحسابات لديها نشاط عالٍ، وتغرد بصورة يومية.
  • معظم الحسابات تقوم بإعادة التغريد والإعجاب والتفاعل مع حسابات حقيقية.
  • معظم الأسماء المستخدمة أو المعرِفَة للحسابات الموجودة في الشبكة، تعتمد أسماءً غير عربية، كما أن بعضها تستخدم لغة إنجليزية ركيكة.

السمات المحددة: 

  • لاحظ فريق (مرصد بيم) أن الحسابات التي استخدمت أسلوب الهجوم الجماعي ضد بعض القوى المدنية في السودان وجماعات أخرى، تشترك في أنها تضع صوراً لفتيات مع إخفاء ملامح وجوههن، وأن الحسابات تستخدم (أسماءً مستعارةً) وغير حقيقية.
  • كما لاحظ الفريق أن الحسابات التي نشطت في الترويج للإمارات ولمصالحها الاقتصادية في السودان، استخدمت معظمها (أسماءً سودانيةً)، بالإضافة إلى صور لشخصيات سودانية حقيقية، يبدو أنهم قاموا بسرقتها.
  • على سبيل المثال، ينشط ضمن الشبكة المعنية حساب باسم (ود الكرنكي)، وحين أجرى الفريق بحثاً عن الحساب، باستخدام أدوات المصادر المفتوحة، اتضح له أن الصورة التي يستخدمها الحساب، تعود لمدرب كمال الأجسام السوداني (محمد عبد اللطيف)، الذي قُتل بدولة قطر عام 2018م.

تزامن النشر:

وجد فريق (مرصد بيم) أن معظم الحسابات المكونة للشبكة، تًنشر في زمن موحد في الحالات التي تنشط فيها عبر وسم محدد، بينما تتباين ساعات النشر في حالات التفاعل العادية.

الكلمات الأكثر استخداماً من قبل الشبكة:

تعزيز

تحالف

التعاون 

المشترك

والعمل

الشعب

والوفاق

يريدون

الشيخ

السياسية

والأمن

المرحلة

بتحقيق

المصلحة

والوحدة

مدنية

تعطيل

النهائية

السودان 

 

الأوسمة الأكثر استخداماً:

#لاللحرية_والتغيير

#السودان_في_قلب_الإمارات

#كفى_لفوضى_الحرية_والتغيير

#محمد_بن_زايد_البرهان

#الحرية_والتغيير_كتلة_خاينة

#الإمارات_و_السودان_يد_واحدة

#كفى

#محمد_بن_زايد_و_البرهان

#السودان

#الامارات

بناء على ما ذُكر، يتضح من خلال المحتوى العام لهذه الحسابات الممتدة بأعداد لم يتم حصرها، أنها تعمل ضمن شبكة ضخمة، تستهدف دعم أجندة سياسية واقتصادية لدولة الإمارات في السودان، بالإضافة إلى ممارستها التحريض ضد القوى المدنية عبر الهجوم على عدد من الأطراف الفاعلة في الشأن السياسي، باستخدام أسلوب (السلوك الزائف المنسق)، وبنهج جديد ومتطور ومعقد في عمليات التضليل المنظم.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، الجدول أدناه يعرض أمثلة لبعض حسابات الشبكة، التي تتبع الأنماط المذكورة آنفاً:

م

اسم الحساب 

Twitter ID

1

أبنة الأكابر 

466437283

2

سحابة الحب 

388695188

3

عازفة الأمل

738048259

4

سارة مصطفي

856752005678641152

5

صاحبة الصون و العفاف

2599431164

6

z 1

1558744887134228480

7

إيمان رمضان 

446826561

8

Amiraa

2373222295

9

زهرة الشتاء 

2908042405

10

زينب 

216233263

11

طبيبة الاحساس

2866441590

12

هدير

283383505

13

Radwa Hossam

1664450078

14

|||| 

2416935278

15

توليب حاتم 

780445206541774848

16

m

381416798

17

خاطفة الانظار

973460168

18

المهرة 

2852044576

19

ايمان النرجسية 

380790556

20

طبيبة الاحساس

2866441590

21

عازفة الأمل

738048259

22

لغز الحياة

729137041473081344

23

ملكة المشاعر 

1540286448

24

نجمة الليل

2298786608

25

Gamela

2780039096

26

هاجر مسعد 

2431434175

27

الجميلة المستحيلة 

1092039378

28

المهاجرة 

2231715829

29

Tasneem

99911347

30

Show makers

1941917660

31

Batoul Ahmed

868863363953991680

32

وجود بشير

2287836360

33

نرمين الطارق 

197570906

34

MOHAMED IDRES

197570906

35

Ahmed Al-Rifai

2316724304

36

ابتهال بانقا

4313016412

37

زاهية مصباح

315548733

38

ود الكرنكي

370062325

39

اعتكاف الشايقي

237732285

40

نهى إدريس|noha idress

433228848

41

GH

1377503557

42

لميس السدراني

1377503557

43

adam 

3337631413

44

افنان الضو

558771779

45

خوجلي الشايقي

2262696464

46

مروة بت بابكر

608679282

47

Dalia Mousa

918806537136570370

48

مغاني تاج الدين

4618765416

49

الوافر احمد المسلمي

882400722

50

Talal Akram

3102406429

كيف يحاول العسكر احتواء الإدارات الأهلية وتوظيفها لخدمة أجندتهم السياسية؟

لم يكن رفض مجلس شورى الأمرأر بشرق السودان، لسيارات أهداها لهم قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قبل عدة أسابيع، سوى مؤشر جديد، لمحاولات قديمة معلنة من المجلس العسكري الانتقالي وحميدتي على وجه الخصوص، لاستمالة الإدارات الأهلية والعمل معها، منذ الإطاحة بالرئيس المخلوع، عمر البشير، عبر ثورة شعبية في أبريل 2019 م. 

وتكثفت هذه المحاولات، لتحويل الإدارات الأهلية، إلى حاضنة سياسية للمجلس العسكري، عقب فض اعتصام القيادة العامة بالمقار الرئيسية للجيش السوداني في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، في 3 يونيو 2019 م. ومع انقلاب 25 أكتوبر الماضي، عادت المحاولات الحثيثة مرة أخرى، للاحتماء بالإدارات الأهلية، لتثبيت السلطة العسكرية من ناحية، واستبقائها نشطة كحاضنة سياسية، للاستعانة بها في أية انتخابات محتملة.   

ويحاول المجلس العسكري، ممثلاً في القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي) من الجانب الآخر، فيما يشبه عملية تنافسية، تثبيت وجودهما في السلطة، وفتح نافذة لمستقبل سياسي من خلال احتواء الإدارات الأهلية وتوظيفها في خدمة أجنداتهما السياسية.

مساومة في الحقوق

وفي هذا الإطار، التقى البرهان، يوم الثلاثاء الماضي، ضمن لقاءات مستمرة، وفداً من الإدارة الأهلية قادم من ولاية جنوب دارفور، والذي أشاد خلال لقائه بهم، بما وصفها بــ”الأدوار المتعاظمة التي ظلت تضطلع بها الإدارات الأهلية في بسط السلم والأمن المجتمعي ونشر ثقافة السلام”. 

وفي بلدٍ تعاني أريافه انعداماً للخدمات، يظل الحديث عن التنمية مدخلاً أساسياً، لاختراق الإدارات الأهلية بتقديم وعود تنموية. حيث أكد البرهان، أثناء استقباله، لإدارات أهلية قادمة من محلية عد الفرسان بولاية جنوب دارفور، على “ضرورة توفير الخدمات الضرورية لكافة الولايات والمحليات وتحسين معاش الناس”. 

ومع عجز الدولة المستمر، عن حماية مجتمعات الريف وحل مشاكلها التنموية والخدمية، دعا البرهان، لأهمية، ما وصفها بــ“وحدة الصف والتماسك المجتمعي وضرورة نبذ العنف والتفرقة، بما يضمن استتباب الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية المستدامة”. 

فيما قال ناظر عموم بني هلبة، التوم الهادي عيسى دبكة، إن الوفد جاء ليؤكد دعمهم لعملية الحوار الجامع من أجل تحقيق “تطلعات” الشعب السوداني، داعياً الأحزاب والقوى السياسية لما وصفها بتغليب المصلحة الوطنية وتحكيم صوت العقل وإعلاء روح التسامح من أجل تحقيق السلام والحرية والعدالة المنشودة.

محاولات حميدتي لصناعة قاعدة شعبية

ومنذ انقلاب 25 أكتوبر الماضي، أصبح المجلس العسكري، وخصوصاً حميدتي يعمل بشكل علني، فيما يبدو أنها، محاولات لخلق قاعدة انتخابية شعبية، بالتحالف مع الإدارات الأهلية للانتخابات المحتمل قيامها في العام المقبل، من طرف واحد. 

في مارس الماضي، زار حميدتي ولاية البحر الأحمر لمدة 5 أيام، كان طابع الزيارة الأساسي؛ هو عقد لقاءات مع قادة الإدارات الأهلية، بجانب زيارات للموانئ وإصدار قرارات بشأنها، أيضاً تحدث عن مشكلة المياه في مدينة بورتسودان، حيث قدم وعوداً بحلها، مقدماً نفسه في صورة رجل دولة يسعى لحل قضايا شعبه.

خلال زيارته إلى بورتسودان، وبعدها، نشطت حملات ترويجية على وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، تشيد بقراراته وكونه قادر على حل مشاكل شرق السودان المستعصية، والتي يتحالف مع أطرافها المتناقضة جنباً إلى جنب.

أجندة قديمة في قوارير جديدة!

عمل حميدتي المستميت مع الإدارات الأهلية، لجعلها حاضنة سياسية واجتماعية، على حساب الأحزاب السياسية المدنية وتجمع المهنيين السودانيين ولجان المقاومة، بدأ بعد أيام من فض اعتصام القيادة العامة بالخرطوم. ففي يونيو 2019م، تم تجميع عدد كبير من الإدارات الأهلية من أنحاء البلاد المختلفة بمعرض بري، شرقي العاصمة السودانية الخرطوم، لتفويض المجلس العسكري الانتقالي الذي استولى على السلطة، لتشكيل حكومة تكنوقراط.

ونشر الموقع الإلكتروني للقصر الجمهوري، في يوم 18 يونيو 2019م، خبراً عن تفويض الإدارات الأهلية في عموم السودان، المجلس العسكري الانتقالي، بتشكيل حكومة تكنوقراط من الكفاءات السودانية لإدارة الفترة الانتقالية.

وجاء إعلان الإدارات الأهلية، بتفويض المجلس العسكري الانتقالي، في البيان الختامي لملتقى الإدارات الأهلية في عموم السودان، بالخرطوم والذي أشار الخبر، إلى حضور أكثر من (٧) آلاف من قيادات الإدارة الأهلية من كل أنحاء البلاد.

وقال حميدتي، خلال مخاطبته ختام الملتقى، إن البلاد تحتاج في الوقت الراهن إلى الإسراع في تكوين حكومة من الكفاءات السودانية إلى حين قيام انتخابات حرة ونزيهة في “أقرب وقت”.  

وأضاف “أن هذا اليوم هو يوم نصر، لأنه جمع الإدارات الأهلية التي تضم كل مكونات الشعب السوداني” على حد قوله. متابعاً: “الإدارات الأهلية تمثل برلمان السودان ومجالسه التشريعية في ظل غياب البرلمان المنتخب”، مطالباً قيادات الإدارة الاهلية بالعمل جنباً إلى جنب مع المجلس العسكري في “هذه المرحلة”، باعتبارهم “أصحاب إرث راسخ” في تقديم الحلول للقضايا من خلال الأعراف السودانية التي أصبحت مُعترف بها عالمياً، وفق قوله.

من جهتها، أشادت الإدارات الأهلية في البيان الختامي للملتقى بدور القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى، في دعم الثورة وانحيازها للشعب، وفوضت المجلس العسكري الانتقالي لتشكيل الحكومة الانتقالية والإسراع بقيام انتخابات تفضي إلى حكومة منتخبة، فضلاً عن اتخاذ كافة القرارات التي تفضي لاستقرار البلاد.

ودعت الإدارات الأهلية، في بيانها الختامي، إلى “الشروع الفوري” في مفاوضات سلام مع الحركات المسلحة لتحقيق الاستقرار بالبلاد. وسلمت الإدارات الأهلية بالبلاد في ختام الملتقى، حميدتي، ما سمتها وثيقة عهد وميثاق، أكدت فيها وقوفها مع المجلس العسكري.

كيان سياسي

في تلك الفترة التي تلت فض اعتصام القيادة العامة، بدأ المجلس العسكري الانتقالي، توجهاً واضحاً في محاولة تشكيل كيان سياسي، يعمل من خلاله على إدارة الدولة وشؤون الحكم بعد تباطؤه في تسليم السلطة للمدنيين. حيث تم الإعلان عن حزب جديد تحت مسمى “الحزب الأهلي السوداني”، بمباركة حميدتي الذي عبر عن ترحيبه بالكيان الجديد، وأنه يعوّل في المستقبل على رجالات الإدارة الأهلية والطرق الصوفية في تحقيق الأمن والاستقرار بالسودان.

مشهد قاتم بالشرق من صنع حميدتي

بالعودة إلى رفض مجلس شورى الأمرار، السيارات التي أهداها لهم (حميدتي)، ندد المجلس بالخطوة. وقال في بيان، “إن هذه السيارات ليست مكرمة وإنما اساءة بالغة لنا ولا يمكن تقبلها”. مضيفاً “هذا المسلك مرفوض بالنسبة لنا وإساءة بالغة لا يمكن تقبلها، وهذه ليست مكرمة يمكن تقبلها وإنما تدنيس لدماء شهداء البجا”.

ويعتقد ناشط في قضايا شرق السودان تحدث لـ(بيم ريبورتس)، أن حميدتي، يحاول من خلال نفوذه مع قادة أطراف الإقليم الرئيسية أن يوازن وجوده في السلطة، لكن هذا الأمر يشكل خطراً كبيراً إذا ما شعر بأن وجوده في السلطة المركزية بات محل شكوك، إذ بإشارة منه يمكن أن يشعل الشرق. 

ورغم أن قضية شرق السودان، واضحة المعالم، يقول الناشط، إلا أن حميدتي لا يريد حلها لاستخدامها كورقة سياسية يحافظ بها على موقعه في أي تسوية مقبلة. 

بيان مجلس شورى الأمرأر بشرق السودان

وقال في هذه الحالة، يمكن أن يُشكل خطراً كبيراً على الشرق، باعتبار علاقاته الوثيقة مع الأطراف المتناقضة والوعود التي قدمها للجميع، لحل مشاكل الإقليم، إذ يتعامل معه الجميع ليس بصفته الشخصية ولكن كممثل للدولة.  

أيضاً يسيطر حميدتي على تنظيمات كانت موالية للنظام البائد بولاية البحر الأحمر، مثل مؤتمر البجا بقيادة موسى محمد أحمد، كذلك يسيطر على ما يسمى بتجمع المهنيين (المركز العام)، في ولاية البحر الأحمر.

أبعاد جيوسياسية وإقليمية تتفاعل في أزمة الشرق، حيث منح مجلس السيادة، الرئيس الإرتري، أسياس أفورقي، الضوء الأخضر، للتعاطي مع قادة الإقليم، حيث ينشط في محاولة ترك كلمته في الأزمة.

تاريخ الإدارة الأهلية

وتعود نشأة الإدارة الأهلية إلى عهد السلطنات السودانية القديمة، وارتبطت بتاريخ نشأة مملكة الفونج ومملكة التنجر ومملكة الفور، حسب بعض المؤرخين.

وعقب إطاحتها بالحكم التركي – المصري، في عام 1885م، استصحبت الدولة المهدية، التكوين القبلي الذي يمثل روح الإدارة الأهلية، وعملت على تكريس ذلك النظام وأسبغت على زعماء الإدارات الأهلية الألقاب والرتب وأصبحوا أمراء.

ليأتي بعدهم البريطانيون، عقب احتلالهم البلاد في عام 1898م ويستمروا في ذلك النمط الإداري، في حكمهم للسودان، بل عملوا على تهجينه وتطويره مع ما يتماشى ورغبتهم في إحكام قبضتهم على البلاد، فعملوا على تعزيز دور قادة الإدارات الأهلية  بالترهيب والترغيب والرشاوى ومنحهم الامتيازات وشكلوا عاملاً مشاركا في إدارة البلاد.

بعد إجلاء الاستعمار البريطاني في عام 1956م دخلت الإدارة الأهلية مرحلة جديدة في نموها، إذ انقسمت كياناتها بين القوى الحزبية الطائفية وشكلت ذلك النسيج الضارب الجذور في خلايا الدولة السودانية.

غير أن الإدارات الأهلية، تاريخياً، ظلت ترى الدعوة للديمقراطية والحداثة خطراً يهدد امتيازاتها التاريخية المادية والمعنوية الموروثة، وبالتالي أصبحت ذلك الحليف الطبيعي لأنظمة الاستبداد، حيث تبدي تخوفها من كل نزعة نحو المستقبل والتغيير، خاصة التحديث في هيكل الدولة القديمة المتوارث.

توظيف في الحروب الأهلية

وشهدت عقود النظام البائد الثلاثة في الحكم، تمدد نسيج الإدارة الأهلية في جهاز الدولة وعصره الذهبي، ولم يقم المجلس العسكري الحالي، سوى بإعادة إحيائه مجدداً. أيضاً وظف النظام البائد، الإدارات الأهلية ضمن الحروب الأهلية، حيث عمل مع قياداتها لمده بالمتطوعين للقتال ومساندة الجيش، قبل أن تتحول إلى شيء أشبه بالعمليات التجارية، حيث كانت تتم عبر مقاولات مباشرة، بين بعض شيوخ الإدارات الأهلية وبين مسؤولي نظام الإنقاذ المخلوع، حيث يتلقوا عوائد مالية نظير كل شخص يتم إرساله إلى مناطق العمليات العسكرية. أيضاً كانوا يتلقوا أموالاً وامتيازات أخرى نظير تجميع حشود مصنوعة لاستقبال مسؤولي نظام الإنقاذ المخلوع.

لكن هذه العمليات، عملت من جانب آخر على تفكيك النسيج الاجتماعي، من خلال عمليات استنفار المجموعات للانخراط في الحروب. وتمثل بعض الإدارات الأهلية، امتداداً للنظام البائد، ويتم استخدامها حالياً من قبل المجلس العسكري، لخلق حالة من الاضطرابات والتناقضات السياسية والاجتماعية، في مشهد البلاد القاتم.

كيف تراجع المركزي عن سياسة تعويم الجنيه السوداني تحت غطاء الأخبار المضللة ؟

مع تزايد حدة الأزمة الاقتصادية التي أعقبت انقلاب 25 أكتوبر، أعلنت (اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية) برئاسة قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في السابع من مارس المنصرم، “توحيد سعر صرف” الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية. 

بينما كان من المنتظر، أن يُسهم القرار، حسب بيان لبنك السودان المركزي في استقرار سعر الصرف، شهد سوق العملات الأجنبية الرسمي والموازي، حالة من الاضطرابات، كان على رأسها تراجع كبير لقيمة الجنيه السوداني. 

والخميس قبل الماضي، بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه في نافذة (بنك الخرطوم) (647) جنيهاً للشراء و(651.8) للبيع، فيما تراوح سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه في السوق الموازي بين (680) و(720) جنيهاً، ضمن سياسة البنك السودان المركزي التي قضت بتعويم الجنيه.

لكن، بعد نحو 3 أسابيع من إقرارها، تراجع البنك المركزي عن سياسة (توحيد سعر الصرف)، بعد رحلة انهيار متسارع للجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي، انخفض فيها سعر الصرف لـ(800) جنيه لكل دولار أمريكي، بالسوق الموازي.

وكانت الحكومة الانتقالية، برئاسة رئيس الوزراء السابق، عبدالله حمدوك، وحدت سعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية في فبراير 2021م، وهي السياسة التي ساهمت في استقرار سعر الصرف لنحو 8 أشهر، بعد استقبال قدر من المساعدات والهبات الأجنبية، بالإضافة إلى تحويلات المغتربين.

في خضم نشاط إعلامي صاحب قرار تعويم الجنيه، بدأ الترويج لإستقبال بنك السودان المركزي لودائع بمليارات الدولارات، حيث تداول مستخدمون بمواقع التواصل الاجتماعي منشورات عديدة تتحدث عن حصول بنك السودان المركزي على وديعة مليارية.

وجدت هذه المنشورات والأخبار تفاعلاً كثيفاً بين السودانيين، حيث رحب البعض بالخطوة، فيما نبّه آخرون إلى عدم صحتها.

كانت وكالة السودان للأنباء ـ سونا، في قلب تفاعلات الأخبار التي تتحدث عن أموال في طريقها إلى خزينة بنك السودان المركزي، حيث نشرت يوم الخميس قبل الماضي، خبراً عن اقتراب جنوب السودان من إكمال دفع مبلغ 3.2 مليار دولار للسودان.

عنونت وكالة الأنباء الرسمية خبرها كالتالي:

“جنوب السودان تقترب من إكمال دفع المبلغ المستحق للخرطوم وقدره (3.2 مليار دولار)”.

في الوقت الذي يشير فيه عنوان الخبر، إلى أن هناك مبلغ 3.2 مليار دولار في طريقه إلى خزينة بنك السودان المركزي، تنفي تفاصيل الخبر المنشور هذا الإدعاء.

تقصى فريق البحث حول مبلغ الـ 3.2 مليار دولار الذي نقلت خبره (سونا)، ووجد أنه جزء من تسوية، بين السودان وجنوب السودان أطلق عليها (الترتيبات المالية الانتقالية) التزمت بموجبها جوبا بدفع مبلغ 3.028 مليار دولار، بواقع (15 دولار) لكل برميل يتم تصديره عبر الأراضي السودانية.

مصدر ببنك السودان ينفي لـ (بيم ريبورتس)

نفى مصدر مسؤول في بنك السودان المركزي لـ(بيم ريبورتس) استقبال خزينة البنك المركزي لأي دعم إقليمي، أو أي وديعة في حساباته الخارجية أو الداخلية. 

من ناحية أخرى، قال المصدر، إن بنك السودان المركزي، أوقف مزادات النقد الأجنبي في الثامن من مارس المنصرم، وقرر تخصيص النقد الأجنبي للمصارف من البنك عبر غرفة التعامل بالنقد الأجنبي، وهي طريقة بديلة لتخصيص الموارد للمستوردين عبر المزادات.

وأضاف المصدر، أن “غرفة التعامل بالنقد الأجنبي كان قد تم تجريبها في عهد رئيس وزراء النظام المخلوع معتز موسى وأثبتت فشلها”. 

وتابع “حينها، خفض بنك السودان سعر الصرف من 18 إلى 47.5 جنيه للدولار، بالرغم من ذلك، فشل البنك المركزي في الوفاء بطلبات المستوردين”.

شبكة من الحسابات والمواقع تتداول منشور الوديعة:

وجد فريق البحث في (بيم ريبورتس) أن الخبر الذي نشرته (وكالة الأنباء الرسمية) مقتبس من موقع (فرصة في السودان- Chance in Sudan) الذي أعاد صياغة خبر صحيفة (الشرق الأوسط). 

بمقارنة محتوى خبري موقع (فرصة في السودان) و(سونا)، لم نجد اختلافاً، سوى إيراد سونا لتفاصيل وخلفيات أكثر.

باستخدام أداة (Page source) في متصفح الإنترنت، وجد فريق البحث في (بيم ريبورتس) أن الخبر المنشور على موقع (فرصة في السودان) قبل موقع (وكالة الأنباء الرسمية) بثلاث ساعات. 

الصورة (1) توضح تاريخ و وقت نشر الخبر في موقع (فرصة في السودان)، أما الصورة (2) فتعرض تاريخ و وقت نشر الخبر في موقع (سونا) حسبما يوضح الموقع.

صورة (1)
صورة (2)

باستخدام الكلمات المفتاحية المذكورة في الخبر، وجدنا أن الخبر المنشور في صحيفة (الشرق الأوسط) نفسه، تمت إعادة صياغته من لقاء صحفي أجرته صحيفة (اليوم التالي) مع المدير التنفيذي لشركة (نايل بت) بجنوب السودان، شول دينق طون، بتاريخ 22 مارس 2022م.

 

صورة للقاء الصحفي مع (شول دينق طون) في 22 مارس

لاحظ فريق البحث في (بيم ريبورتس)، أنه قد تم ذكر مبلغ الـ(3 مليارات دولار) وأرقام أخرى ذات قيمة تقارب الـ(3 مليارات دولار) في العديد من الصفحات المهتمة بالشأن السوداني، حتى قبل أن تنشره وكالة الأنباء الرسمية. 

أدناه بعض الأمثلة لبعض الصفحات التي ذكرت هذا المبلغ:

وجد فريق البحث في (بيم ريبورتس) أن الصفحة بالصورة رقم (3) كانت خاملة عن النشر منذ أوائل فبراير الماضي، وكان آخر منشور لها يخص القصة الشهيرة للطفل المغربي (ريان)، مما يشير إلى أن هذه الصفحة قد نشطت مجدداً من أجل نشر هذا الخبر.

Picture_7
صورة توضح خمول الصفحة عن النشر منذ الخامس من فبراير 2022م

بالإطلاع على تاريخ صفحة (الخبر السريع)، وجدنا أنها كانت تسمى بـ”الصفحة الرسمية للعميد أمن/ محمد حمدان دقلو – حميدتي”، و من ثم تم تغيير اسمها إلى عدة أسماء متعلقة بالدعم السريع حتى تغير أخيراً لـ”الخبر السريع”.

صورة توضح تاريخ تغير إسم الصفحة

بعد انتشار هذه المنشورات والأخبار، و تراجع بنك السودان المركزي عن سياسته المعلنة بـ(توحيد سعر الصرف) عقب تدخله في تحديد سعر الصرف، تراجعت قيمة العملات الأجنبية أمام الجنيه السوداني، حيث بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي بالسوق الموازي (600 جنيه سوداني) ، فيما بلغ سعر الصرف في بنك الخرطوم (576 جنيها سودانيا) أمس الخميس.

أيضاً تم توظيف جولات خارجية قام بها قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، أشيع خلالها حصول البلاد على منح ومساعدات مالية، في وقت لم تعلن تلك الدول التي زارها البرهان عن شيء من هذا القبيل، وانحصرت تصريحاتها في إبداء رغبتها في الاستثمار بالبلاد. 

حسب تقصي (بيم ريبورتس)، يتضح أن قرار تدخل البنك المركزي مجددا في تحديد سعر الصرف، بعد السقوط الحر الذي مارسه الجنيه السوداني، سبقته حملات على وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام الأخرى. ركزت كل هذه الحملات التضليلية على أن هناك احتياطي كبير من العملات الأجنبية موجود أو قادم إلى خزينة البنك المركزي.