مبادرة حمدوك.. سانحة جديدة أم شراء للوقت؟

مبادرة حمدوك.. سانحة جديدة أم شراء للوقت؟

وتعترف المبادرة بأن من أسباب دواعي إطلاقها، هو تنامي الخلافات في صفوف المدنيين (تحالف الحرية والتغيير)، ووجود فجوة بين المدنيين والعسكريين (تصريحات عائشة موسى بعد استقالتها من مجلس السيادة)، فضلاً عن مخاوف من نشوب صراع (عسكري – عسكري) في ظل تزايد الأحاديث عن وجود خلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتعثر عمليات إدماج جيوش الحركات المسلحة ضمن عملية (الترتيبات الأمنية).

ويزيد من تعقيدات المشهد المحلي، ارتفاع وتيرة التحركات المناوئة للحكومة من قبل عناصر النظام البائد الذين يقول مجلس الوزراء إنه يملك شواهداً على تورطهم في إثارة الاضطرابات القبلية، وليس نهاية بالأزمة الاقتصادية وحالة الغلاء التي يعاني منها غالبية الشعب السوداني.

وإزاء هذا المشهد، تحث المبادرة على ضرورة إصلاح القطاع الأمني والعسكري، وتحقيق العدالة، وحلحلة الأزمة الاقتصادية، وإنجاز ملف السلام، وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو ومحاربة الفساد، وتوحيد السياسة الخارجية بما يتماشى مع مبدأ السيادة الوطنية، فضلاً عن تكوين المجلس التشريعي (البرلمان).

ويطالب كثيرون في مقدمتهم عميد الصحافة السودانية، محجوب محمد صالح، بالعمل على إنجاح المبادرة باعتبارها سانحة أخيرة لإحداث اختراق في الساحة، ويحذر من أن فشلها قد يقود إلى تفكيك البلاد.

وتكتسي المبادرة قوة حجم التأييد الذي حصلت عليه، ويتضمن القوى السياسية، والقوى الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان، ومكونات عسكرية كقوات الدعم السريع، بجانب قوى أهلية وشعبية من شاكل الحركات الصوفية والإدارات الأهلية.

وخاطبت المبادرة في نصوصها جذور الأزمة التي تعترض مسار الحكومة الانتقالية، وتحدثت بجرأة ووضوح عن الاختلالات في مستوى العلاقات بين مكونات الحكم المختلفة. 

ويزيد من زخمها، كونها فتحت المجال أمام تحقيق توافق وطني واسع حول السياسات الحكومية للمرحلة المقبلة، ومنحت رئيس الوزراء القدرة على التحرك بديناميكية أكبر.

 في المقابل، هناك مخاوف على المبادرة من كونها انطلقت من منصة شخصية، ولم تتم إجازتها عبر البرلمان أو من خلال عملية استفتاء شعبي، وتخلو من آليات تنفيذ واضحة، ولا توجد جداول زمنية لإنفاذها، وحتى التوجيه الوحيد الصادر فيها للأطراف الحكومية بتكوين المجلس التشريعي بغضون شهر، انتهى من دون إنفاذ.

وتمتد المخاوف لتصل إلى قدرة المدنيين في الولاية على ملفات من شاكلة إصلاح المؤسسة العسكرية، في ظل تمسك العسكر بتولي هذا الملف، مع التأمين على منح قوات الدعم السريع وضعية خاصة في فيما يلي ملف الترتيبات الأمنية.

وفي ظل مناداتها بتوسيع المظلة السياسية تبرز مخاوف من إمكانية تجاوز قوى الحرية والتغيير لصالح تكوين كتلة انتقال جديدة، ربما تضم في ثناياها قوى شاركت نظام المخلوع عمر البشير حتى سقوطه، من واقع مقابلات لرئيس الوزراء مع نجل رئيس الحزب الاتحادي الديموقراطي (جعفر).

 

وانهالت الإشادات بالمبادرة، حيث أعلنت وزارة الخارجية الأميركية دعمها، واعتبرتها فرصة لتعزيز الوحدة الوطنية وتسريع خطوات تشكيل المجلس التشريعي، وإصلاح القوات المسلحة، ودمج القوى الأخرى في جيش محترف.

وأنضم لركب المؤيدين عضو مجلس السيادة الانتقالي، وقائد قوات السريع الجنرال محمد حمدان دقلو الذي رحب بالمبادرة وتعهد بالالتفاف حولها.

بينما رأى حزب الأمة القومي، على لسان أمينه العام، فضل الله برمة ناصر، إن المبادرة التي أطلقها مجلس الوزراء هي المفتاح لحل كل القضايا الخلافية في السودان.

وغير بعيد من هذا الموقف قال حزب المؤتمر السوداني في بيان، إن المبادرة تمثل خارطة طريق قابلة للتطبيق ويمكن أن تمهد لتصحيح المسار لو توافرت الإرادة السياسية الكافية.

بدوره قال الناطق الرسمي باسم التجمع الاتحادي، جعفر حسن إن المبادرة تأتي في إطار تواصل الجهاز التنفيذي مع الشعب، وهو شئ محمود ينبغي أن تتمثله حكومة الفترة الانتقالية بعد الاتفاق التام في ما ينبغي طرحه على الشعب.

وغير بعيد من هذا الموقف، قال القيادي بالحزب الاتحادي الديموقراطي الأصل، بخاري الجعلي، إن مبادرة رئيس الوزراء تتسم بالقومية وتتجاوز مسألة الخلاف بين العسكريين والمدنيين وتهدف لتسوية سياسية شاملة.

ووصف الحزب الشيوعي السوداني، المبادرة بالإيجابية، ولكنه أبدى عليه عدد من التحفظات، وقال في بيان مطول: “مفهوم المبادرة يعني طرح قضايا محددة لمناقشتها وتداولها للوصول لنتائج إيجابية. ذلك يتطلب أولاً تمهيد وتحضير المناخ المناسب والضروري للتنفيذ، وهذا ما لم نجده بين فقرات وبنود المبادرة ولا من خلال أداء الحكومة خلال الفترة الإنتقالية”.

ومن جانب المعترضين، يبرز حزب البعث السوداني، الذي وصف مبادرة رئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك اعتراف بالفشل في إدارة ملفات الفترة الانتقالية. أما التحالف الاقتصادي لقوى ثورة ديسمبر فقال في بيان إن “أخطر ما جاء في مبادرة رئيس الوزراء هو تقوية التوجه الحكومي الراهن لمعالجة المشكلات الاقتصادية عبر السياسات الخارجية”.

وفي ذات المدار، قال عبد الوهاب أحمد سعد، الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المشارك في نظام البشير حتى سقوطه في 2019،، إن المبادرة خطاب تبريري وتعبر عن موقف شخصي لجهة عدم تحمل المسؤولية تجاه الفشل من قبل رئيس الوزراء.

وعلى أرض الواقع، دفعت المبادرة قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية نواحي توقيع إعلان سياسي، وتكوين هياكل مشتركة. وتعمل حالياً على تقريب القوى المتباينة في الائتلاف الحاكم بالتواصل مع رئيس الوزراء، كما أنهت –على الأقل في العلن- أي حديث عن وجود خلافات داخل المكون العسكري، بحسب التأكيدات والزيارات المستمرة بين قيادات الجيش والدعم السريع.

وبعد مرور أكثر من شهر على إطلاقها، تتوافر فرص كبيرة لنجاح المبادرة، وبدرجة أقل أصوات رافضة أو ترى عدم قدرة المبادرة على إحداث الاختراق من واقع عجزها في حمل أطراف الحكومة على تشكيل المجلس التشريعي في الزمن الذي حددته، ما قد يبقي الأوضاع على حالها، والمشهد على ما هو عليه قبل إطلاق المبادرة في 22 يونيو 2021. 

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع