كيف سيطرت خوارزميات مارك ورفاقه على حياتنا؟

ربّما لاحظت أن معظم المحتوى الذي تراه على فيسبوك أو تويتر يشبه ما يراه أصدقائك أو عائلتك أو حتى زملائك في العمل. لكن هل تساءلت يوماً؛ لماذا لا يعرف شخص ما على الجانب الآخر من الكوكب شيئاً عن مقاطع الفيديو والأخبار الرائجة لدينا؟ لنعد صياغة الاستفهام؛ من يغذّي تايم لاين فيسبوك والاختيارات التي تظهر على واجهة صفحاتنا الشخصية؟ كيف غدت مواقع التواصل أقرب إلى اهتماماتنا الشخصية؟ من يهديها أسرارنا الشخصية وميولنا واتجاهاتنا لتتعرف بصورة مخيفة على ما نريده؟ لماذا باتت النسخة التي نراها للكون كما لو أنها منسّقة بشكل غير مرئي لتعزيز المفاهيم والتصورات التي نحملها حول قضايا العالم المختلفة؟

لماذا نرى ما نراه على مواقع التواصل؟

في المبتدأ يجدر التذكير أن تكلفة تشغيل منصة مثل فيسبوك ليست رخيصة بالتأكيد، ومع ذلك فهي مجانية لجميع المستخدمين. إذن، هل تساءلت يوماً كيف يكون ذلك ممكناً؟ الجواب هو أننا لا ندفع مبلغ مقابل استخدامها لأن المعلنين من مختلف أنواع الشركات يدفعون مقابل نشر إعلاناتهم على هذه المنصات، التي أصبحت مجدية أكثر من وسائل الإعلام الأخرى، وتوفّر مرونة عالية في تكلفة الإعلان حسب احتياجات وميزانية المُعلن؛ إذ يمكنك دفع 5 دولارات أو 50.000 دولار في الأسبوع مقابل الإعلان على فيسبوك. في المقابل تضمن المنصة للمُعلن ان الإعلان سوف يُنشر لمن يهمهم الأمر.

"إذا كنت لا تدفع مقابل السلعة، فإذاً أنت السلعة"

دانيال هوفرمان Tweet

حسناً؛ ما الذي ينبغي أن ننتبه إليه أيضاً؟ إليكم الإجابة: في العصر الرقمي انفتحت الأبواب أمام كمية هائلة من البيانات الموجودة على الإنترنت، والتي يشار إليها باسم “البيانات الضخمة” Big Data. ووفقاً لإحصاءات عام 2019 يتم إرسال 294 مليار بريد إلكتروني في اليوم الواحد، وزهاء 500 مليون تغريدة، 65 مليار رسالة على واتساب، وحوالي 4 بيتابايت (4 مليار غيغابايت) من البيانات على فيسبوك. ومع وضع كل ذلك في الاعتبار؛ لا تزال مواقع التواصل الاجتماعي تريد منك قضاء أكبر قدر ممكن من الوقت على منصاتها. لذا من الضروري بالنسبة لهم ضمان فاعلية الطرق التي يصنف بها هذا الكم الهائل من المحتوى ليتناسب خصيصاً مع اهتمامات المستخدم. أفضل طريقة للقيام بذلك هي تدريب مواقعهم على فهم كل مستخدم على  ، ليس فقط اهتماماته وما يعجبه، ولكن أيضاً ما يحفزه بما يكفي للتفاعل والمشاركة مع المنشورات؛ بما في ذلك ما يعتبر مستفزاً أو مثيراً للجدل بالنسبة له. ويتم ذلك عن طريق استخدام خوارزميات التعلم الآلي (Machine Learning Algorithms).

مؤشر تفاعلي يوضح الوقت الذي يقضيه الفرد على شبكات التواصل في جميع أنحاء العالم

كيف تعمل الخوارزميات؟

هي برامج تعتمد على قواعد معيّنة في الرياضيات والمنطق لتتمكن من التنبؤ بنوع من المخرجات باستخدام مدخلات معيّنة. كلّما زادت هذه المدخلات (البيانات) زادت دقة تنبؤ الخوارزمية.

على سبيل المثال، عندما تقوم بالتسجيل لأول مرة في يوتيوب، قد تلاحظ أن مقاطع الفيديو الموصى بها للمشاهدة ليست مثيرة للاهتمام حقاً بالنسبة لك، ولكن بمجرّد أن تبدأ بالنقر فوق مقاطع الفيديو، فإنها تُعدّل على الفور؛ بناءً على ما تقوم بالتفاعل معه أو البحث به. بالتالي يتم تحسين البيانات المُدخلة للخوارزميّة شيئا فشيئاً، ليتم تغطية مختلف المواضيع ذات الأهمية بالنسبة لك.

وماذا عن زيادة أرباح الشركات؟ هنا ربما تتجلّى أهمية هذه الخوارزميات، إذ تحكي الإعلانات التي تظهر لكل مستخدم الكثير. مثلا إذا كنت مهتماً بمعرفة نوع المعلومات التي يتم جمعها عنك لهذا الغرض، يمكنك زيارة إعدادات فيسبوك من حسابك الشخصي والتحقق من فئات الإعلانات كما موضع في الصورة أدناه:

وبالعموم تعتمد معظم المنصات على بعض العوامل المشتركة في التنبؤ باهتماماتك المحددة، مثل الموقع الجغرافي، سجل البحث، والحسابات التي تتفاعل معها أو تراسلها. ومع ذلك، لا يزال لكل منصة طريقتها الخاصة في تحديد ما يناسب جمهورها. إليكم جانباً من شفرات كل تطبيق.

فيسبوك

خلال فترة الحجر الصحي، أعقاب اندلاع جائحة كورونا العام الماضي؛ صُنفت المنصة الزرقاء على أنها الموقع الأكثر ادماناً بعد تيكتوك ويوتيوب. ومع وجود أكثر من 2.8 مليار مستخدم في جميع أنحاء العالم، واجه التطبيق انتقادات ومخاوف واسعة النطاق بشأن خصوصية البيانات. عليه وجّهت الشركة اهتمامها بصورة مكثّفة تلقاء محاربة الأخبار الزائفة والمحتوى المسيّس والمضلل، ابتغاء الحد من التأثيرات السلبية المحتملة على المستخدمين. في الداخل على سبيل المثال كانت بيم ريبورتس قد أعدّت تقريراً ضافياً حول تأثير هذه المواقع على الرأي العام في السودان.

بشكل عام يمكن القول إنّ فيسبوك يعطي الأولوية للمشاركات الواردة من الأصدقاء والعائلة، ولكنه يحتوي أيضاً على أكثر الخوارزميات تعقيداً مع استخدام عوامل متعددة في تحليل تفاعلات المستخدم:

  • يتم تقييم المنشورات تقييم مبدئي بناء على إشارات الترتيب المحددة مسبقاً من مهندسي فيسبوك. 
  • بعد ذلك، يتجاهل المنشورات التي من غير المحتمل أن يتفاعل معها المستخدم، بناءً على سلوكه السابق. كما أنه يقلل من ترتيب المحتوى الذي لا يرغب المستخدمون في مشاهدته (مثل الروابط المضللة “click bait”، أو المعلومات المغلوطة، أو المحتوى الذي أشاروا إلى أنهم لا يحبونه).
  • لاحقاً تُعطى الأولوية للمحتوى من الحسابات والصفحات التي عادة ما تتفاعل معها أو تعلق عليها أو تراسلها.
  • يأخذ في الاعتبار ايضاً وقت الشاشة (مقدار الوقت الذي تقضيه في قراءة منشور أو مشاهدة مقطع فيديو).
  • يتم ترتيب أنواع الوسائط ومصادرها (صور، فيديوهات، منشورات مكتوبة…) بحيث يكون لدى المستخدم مجموعة متنوعة من المنشورات للمرور خلالها.
  • يأخذ في الاعتبار عدد وطول التعليقات على المنشور.
  • لا يهتم كثيراً بالترتيب الزمني للمنشورات.

مؤشر تفاعلي يوضح عدد المستخدمين النشطين (بالملايين) لمنصات التواصل الاجتماعي

تويتر

على الرغم من أن عدد المستخدمين النشطين شهرياً يبدو ضئيلاً مقارنةً بفيسبوك –330 مليون– إلا أن تويتر ربما كان مُستخدماً من قبل العديد من الشخصيات العامة المؤثرة والصحفيين والسياسيين. تكمن أكبر قيمة لتويتر في طبيعة “الأخبار الحيّة” التي تسمح بتحديثات سريعة حول “ما يحدث الآن” كما يوحي شعارهم. 

  • تويتر يعطي خيارين لعرض التغريدات: اما بالترتيب الزمني، أو أعلى التغريدات.
  • خوارزمية تويتر تعطي الأولوية بصورة عامة للتغريدات التي نُشرت مؤخراً (خلال الـ24 ساعة الماضية).
  • يتم عرض التغريدات الحائزة على أكبر قدر من التفاعل من المستخدمين الذين تتابعهم.
  • يفضّل المحتوى الحاصل على اعادة تغريدات وتعليقات بدلاً من الإعجابات.

إنستغرام

هذه المنصة هي المفضلة لدى المصممين والمصورين بسبب طابعها البصري، أي أنّها تعتمد على الصور والفيديوهات، وتعطي مساحة وخيارات للتصميم والإبداع البصري. إنستغرام أيضا يُستخدم كأداة تسويق من قبل المسوّقين وأصحاب الأعمال، وعادة ما يتم التسويق عبر المؤثرين ومدوّنين الفيديو Vloggers.

إنستغرام يُعطي الأولوية لــ:

  • المشاركات التي حصلت على أكبر عدد من الإعجابات.
  • المنشورات الحديثة جداً (التي تم إنشاؤها في غضون دقائق من تسجيل دخول المستخدم).
  • المنشورات من علامات التصنيف “الهاشتاقات” التي يتابعها المستخدم.
  • يُعتقد أنه يعامل محتوى العلامات التجارية ومحتوى المستهلكين على قدم المساواة.

 

لماذا تعتبر الخوارزميات مثيرة للجدل؟

يُحذر الكثير من المختصين أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تقوم بتصفية الأخبار التي لا نحبها. ومن هذا المنطلق نشأ مصطلح “فقاعات التصفية” Filter Bubbles من الكاتب والناشط الأمريكي إلاي باريزر، وهو يعرف كحالة من العزلة الفكرية أو الأيديولوجية التي قد تنجم عن الخوارزميات التي تغذينا بالمعلومات التي نتفق معها، بناءً على سلوكنا السابق وسجل البحث الخاص بنا.

المصدر: nbcnews

هذا المصطلح عادة ما يقارن بمصطلح آخر يعرف بــ”غرف الصدى” Echo Chambers، وهذا يحدث عندما نتعرض بشكل مفرط لأخبار معينة، مما قد يؤدي إلى تشويه تصورنا للواقع لأنّنا نرى الكثير من جانب واحد، ولا نرى ما يكفي من الجانب الآخر ومن ثم نبدأ في التفكير أن الواقع على هذا النحو.

هذه الفُقّاعات تمنع الكثير من الأشخاص من عرض الآراء على الجانب الآخر، وقد تتفاقم هذه المشكلة عندما نفترض أن كل شخص آخر في مجتمعنا يرى نفس المحتوى ولديه نفس المعتقدات، مما قد يؤدي بدوره إلى زيادة الاستقطاب والتحيز والتأثير على الديمقراطية وتقبل الآخر. تم التعبير عن هذه الظاهرة في الفيلم الوثائقي الشهير لعام 2020 “The Social Dilemma” والذي شارك فيه العديد من خبراء التكنولوجيا الذين أعربوا عن قلقهم بشأن الشبكات الاجتماعية وتأثيرها على تركيبة المجتمعات والأنظمة الديمقراطية.

هل بالإمكان تدارك العطب؟

طبقاً لتوصيات مختصين فإنه ينبغي تنظيم هذه المواقع، وفقاً للوائح ومعايير تضمن خصوصيّة البيانات وتنوع المحتوى السياسي والإخباري، لكن قبل ذلك؛ علينا كمستخدمين الاضطلاع بواجبات التوعية ومحاربة الشائعات وخطاب الكراهية، مع بسط الوعي الرقمي -ما أمكن- وسط مجتمعاتنا المحلية، ففي العصر الرقمي الذي نعيشه أضحى نشر المعلومات الخاطئة ومشاركتها أسهل من أي وقت مضى، أسرع من أي حقبة مضت.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع