كيف استخدمت القوات الحكومية الإغتصاب سلاحاً في السودان؟

أنباء صادمة تداولتها المواقع الأخبارية في السودان، عن وقوع جرائم عنف وانتهاكات جنسية ارتكبتها قوات عسكرية حكومية بمحيط القصر الرئاسي في الخرطوم، إبان تفريق مظاهرات 19 ديسمبر، الأحد الماضي.

وأكدت مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية بالسودان، سُليمى اسحق، تلك الأنباء، وقالت إن الوحدة وثقت 8 حالات اغتصاب، منها حالة واحدة ببلاغ رسمي بينما حصلت باقي الحالات على مساعدات طبية ودعم نفسي.

وفي السياق نفسه، طالبت مفوضية حقوق الإنسان الحكومية في السودان، بفتح تحقيق رسمي حول ادعاءات عنف جنسي، ودعت النساء اللواتي تعرضن للانتهاكات إلى التقدم ببلاغات رسمية حتى لا يفلت الجناة من العقاب.

لم تكن حوادث العنف والانتهاكات الجنسية التي ترتكبها القوات الحكومية في السودان حالات فردية أو معزولة، فقد سبق أن أكدت جماعات حقوقية و وسائل إعلام إن القوات الحكومية ارتكبت جرائم مماثلة إبان تصاعد المظاهرات السلمية في الخرطوم، وكذا خلال الحرب في إقليم دارفور

ففي سياق المظاهرات السلمية، سبق أن ارتكبت قوات الأمن جرائم عنف وانتهاكات جنسية خلال المظاهرات المناهضة لنظام البشير في العام 2011م، وكذلك خلال فض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو 2019م.

قضية صفية إسحق

تعرضت صفية إسحق، الطالبة الجامعية- وقتها- وإحدى الفاعلات في حركة المقاومة اللاعنفية الذائعة حينها (حركة قرفنا)، للخطف والإغتصاب الجماعي من قبل ثلاثة من عناصر جهاز الأمن والمخابرات الوطني، بتاريخ 13 فبراير 2011م، إبان تنظيم حركة قرفنا لمظاهرات سلمية واسعة النطاق بالخرطوم في يناير 2011م.

كانت حادثة صفية إسحق نقطة فارقة في تاريخ العنف والانتهاكات الجنسية ضد النساء، فقد تحدَّت صفية الكثير من المخاوف وتحدثت علناً عن التجربة التي تعرضت لها ، على شريط فيديو، نُشِر على موقع يوتيوب، واعتبرت تلك اللحظة منعطفاً تاريخياً كسر حاجز الصمت حول العنف والانتهاكات الجنسية في السودان.

وخلال فض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو 2019م، وُثقت العديد من حالات العنف الجنسي والإغتصاب.

تحجيم مشاركة النساء

تقول الأستاذة ناهد جبر الله مديرة مركز سيما للتدريب وحماية حقوق المرأة والطفل، لـ(بيم ريبورتس) ان

 "القوات الحكومية تستخدم سلاح الإغتصاب بهدف الترويع وتحجيم مشاركة النساء في الحراك الثوري". 

ناهد جبرالله

وتضيف: ” لكن عزيمة النساء في وضع حد نهائي لمثل هذه الفظائع لن تنكسر، وسيدفعنا ذلك للمزيد من المشاركة وتنظيم أنفسنا لمواجهة هذه الجرائم”.

شواهد عديدة تؤكد ما ذهبت إليه ناهد، في تصاعد الاحتجاج والمقاومة ضد هذه الجرائم، فقد انتظمت مظاهرات نسائية حاشدة، الخميس الماضي، في العديد من مدن السودان احتجاجاً وتنديداً بجرائم العنف والانتهاكات الجنسية التي تُتهم بها القوات الحكومية.

وبحسب الأستاذة تهاني عباس، السكرتير العام لمبادرة (لا لقهر النساء)، فقد انتظمت المظاهرات النسائية في كل من الخرطوم، الخرطوم بحري، أمدرمان، الأبيض ، عطبرة، كادوقلي، نيالا، ود مدني، بورتسودان، والنيل الأزرق.

وقالت تهاني لـ (بيم ريبورتس) أن “هذه المظاهرات والوقفات الاحتجاجية كانت للتنديد ورفض جرائم الإغتصاب، و إبراز التضامن مع الناجيات من جرائم العنف الجنسي والإغتصاب”، وأضافت: “سلّم المتظاهرون مذكرة للمكتب القطري للمفوض السامي لحقوق الإنسان بالسودان تطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية للتحقيق في جرائم العنف الجنسي والإغتصاب، وتقديم الجناة للعدالة”.

الإغتصاب سلاحاً في حرب دارفور 

تناولت العديد من التقارير الإعلامية والحقوقية، قضية العنف الجنسي والإغتصاب إبان الحرب في دارفور، وأكدت منظمات  حقوقية إن القوات الحكومية ومليشيات الجنجويد التابعة لها استخدمت الإغتصاب سلاحاً  خلال الحرب في إقليم دارفور.

و رداً على هذه التقارير، أعلنت الأمم المتحدة عن تشكيل لجنة تقصي دولية للتحقيق حول انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها جميع الأطراف بدارفور. أنشئت لجنة التحقيق الدولية، في سبتمبر 2004م، وخلصت اللجنة في تقريرها الذي قدمته إلى الأمين العام للأمم المتحدة في فبراير 2005م، إلى أن “الاغتصاب والأشكال الأخرى من العنف الجنسي التي ارتكبها الجنجويد وجنود الحكومة في دارفور كانت منظمة وعلى نطاق واسع”. 

وأورد تقرير لجنة التقصي الدولية، الذي استند على مقابلات ميدانية مع الناجيات، إلى أن “اللجنة توصلت إلى وقوع أعمال اغتصاب واسعة النطاق وأشكال أخرى من العنف المرتكب ضد النساء والفتيات في جميع ولايات دارفور الثلاث”. 

ووفقاً للتقرير نفسه، فإن ” اغتصاب كل ضحية على حدة كان في أغلب الأحوال متعدداً، أي قام به أكثر من رجل واحد، وكان مصحوبا بأشكال عنف شديدة أخرى، منها الضرب والجلد. وذكرت التقارير أنه في بعض الحالات، تعرض النساء للاغتصاب علنا، وفي بعض الحوادث، تعرضت النساء كذلك للتعنيف القاسي”.

وذكر التقرير ثلاثة أنماط من العنف الجنسي والإغتصاب،  ارتكبت على نطاق واسع، وبينتها كالتالي:

أولا: حدثت خلال الهجمات على القرى اعتداءات متعمدة ضد النساء والفتيات، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي.

ثانيا: اختطفت النساء والفتيات، وحبسن لعدة أيام تعرضن خلالها للاغتصاب المتكرر. 

ثالثا: استمر الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي خلال الفرار وكذلك التشريد، بما في ذلك عندما كان النساء يخرجن من البلدات ومواقع المشردين داخليا لجمع الحطب أو إحضار المياه. وفي مناطق محددة، وقعت عمليات اغتصاب أيضا داخل البلدات. وأصبحت بعض النساء والفتيات حوامل نتيجة للاغتصاب.

وعن الذين ارتكبوا تلك الجرائم، أورد التقرير أنه “في معظم الحالات، أبلغ عن ضلوع الجنجويد. وفي حالات كثيرة، زُعم أيضا ضلوع الجنود. وأبلغ عن وجود حالات قليلة من ارتكاب المتمردين لأعمال الاغتصاب والعنف الجنسي”.

وأشار التقرير إلى أن لجنة التقصي “تعتبر أن من المحتمل وجود حالات كثيرة لم يُبلَّغ عنها بسبب حساسية القضية والعار المرتبط بالاغتصاب”.

وفي تقييمها القانوني لجرائم العنف الجنسي والإغتصاب، قالت  اللجنة  إن “الإغتصاب يمكن أن يكون جريمة حرب، عندما يرتكب إبانَ صراع مسلح دولي أو داخلي، أو جريمة بحق الإنسانية (سواء اقترف في زمن الحرب أو السلم) إذا كان يشكل جزءا من هجوم واسع الانتشار أو منهجي ضد المدنيين؛ ويمكن أيضا أن يشكل إبادة جماعية”.

وعرَّفت اللجنة الاغتصاب بأنه

"أي تعد جسمي ذي طبيعة جنسية يرتكب بدون رضى المجني عليه، أي باستعمال القوة أو الإكراه، مثل الذي يحدث نتيجة الخوف من العنف أو الإرغام أو الحبس أو استغلال ظروف قسرية".

واعتبرت اللجنة ان ” أي عمل خطير من أعمال العنف الجنساني يُقحم الضحية في عمل ذي طبيعة جنسية باستعمال القوة أو التهديد باستعمال القوة ضد الضحية أو شخص آخر أو باستغلال ظروف قسرية، بمثابة جريمة حرب أو جريمة بحق الإنسانية”.

تجدر الإشارة، إلى أنه بناءاً على تقرير لجنة التقصي الدولية بشأن دارفور، الذي أشرنا إليه أعلاه، والذي خلص إلى ارتكاب القوات الحكومية والمليشيات التابعة لها جرائم عنف جنسي وإغتصاب ممنهج وواسع النطاق بما يرقى إلى أن يعتبر جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، فقد أحال مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة قضية دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت أمراً بالقبض على الرئيس المخلوع عمر البشير، ومعاونيه بسبب الجرائم المرتكبة في دارفور، بما في ذلك جرائم العنف الجنسي والإغتصاب.

مراجع:

تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة:

https://undocs.org/pdf?symbol=ar/s/2005/60

منظمة العفو الدولية: الإغتصاب سلاحاً في الحرب- العنف الجنسي والعواقب المترتبة عليه: 

https://www.amnesty.org/ar/wp-content/uploads/sites/9/2021/06/afr540762004ar.pdf

تمكين ضحايا العنف الجنسي من الوصول إلى القضاء- تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، 29 يوليو 2005م:

https://www.ohchr.org/Documents/Countries/darfur29july05_ar.pdf

بيان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية السيد لويس مورينو أوكامبو إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عملاً بقرار المجلس رقم 1593) 2005م: 

https://www.icc-cpi.int/NR/rdonlyres/5FB179B7-1398-4573-803E-B4DCCC5FFFAF/143667/LMO_20070607_ar.pdf

قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1593 (2005):

https://undocs.org/ar/S/RES/1593(2005)

شهادات حية، ضحايا العنف الجنسي في السودان، مبادرة النساء الفائزات بجائزة نوبل:

https://nobelwomensinitiative.org/wp-content/uploads/2014/03/Survivors-Speak-Out-Sudan-Arabic.pdf?ref=218

قائمة مرجعية لمنع ومعالجة العنف الجنسي المتصل بالنزاعات ضد الرجال والفتيان: 

https://allsurvivorsproject.org/wp-content/uploads/2019/12/Checklist-Arabic.pdf

توصيات منظمة العفو الدولية حول نشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بالسودان: 

https://www.amnesty.org/fr/wp-content/uploads/sites/9/2021/06/afr540252005ar.pdf

هيومن رايتس ووتش: رجال بلا رحمة، تقرير يوثق حالات الاغتصاب والعنف الجنسي بدارفور:

https://www.hrw.org/ar/node/280756/printable/print

تقرير البعثة الرفيعة المستوى عن حالة حقوق الإنسان في دارفور: 

http://hrlibrary.umn.edu/arabic/AR-HRC/AHRC4-64.pdf

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع