(ترس الشمال).. كيف تشكلت حركة المقاومة وما مطالب المحتجين؟

قبل أكثر من 15 عاماً، بدأت تتشكل ملامح حركة مقاومة سلمية مدنية ضد النظام البائد، في مناطق شمال السودان. برزت أولاً خلال مناهضة فرض نموذج “التنمية بالقوة” الذي تبناه النظام آنذاك، فإنشاء سد مروي الذي بدأ العمل به في العام 2003م واكتمل في العام 2009م، لم يكن محل ترحيب السكان المحليين، الذين تخوفوا أن يفقدهم السد أراضيهم الزراعية والسكنية، ويدمر حيواتهم وقراهم ويهجر سكانها إلى المجهول. فذاكرة الشمال مثخنة بجراح تهجير أهالي وادي حلفا منذ القِدم.

وقد كان أن تحققت تلك المخاوف، إذ تسبب إنشاء سد مروي في تهجير نحو 75 ألف من سكان المناطق المحيطة بمنطقة السد أو المتأثرة بإنشائه.

أهملت الحكومة مطالب السكان المحليين ولم تهتم بقضايا التعويض العادل لهم، وأثار ذلك حفيظة المواطنين الذين بدأوا في تشكيل حراك احتجاج سلمي رافض لإنشاء السد، واجهته السلطة بالقوة والعنف المفرطين. فـفي العام 2006م نظم مناهضو سد مروي تظاهرات سلمية في منطقة وادي العرقوب، بأمري، إحدى المناطق المتأثرة بإنشاء سد مروي، واجهتها الشرطة بالرصاص الحي وقتلت ثلاثة من المحتجين، وجرحت نحو 40 آخرين، واعتقلت القوات الأمنية العشرات من أهالي المنطقة.

وفي العام 2007م، أعادت الحكومة ذات السيناريو في منطقة “كدنتكار” بكجبار شمالي مدينة دنقلا، إذ أعلنت الحكومة عن خطتها لإنشاء سد بمنطقة كجبار، وأيضاً رفض الأهالي قيام السد، ونظموا تظاهرات سلمية للتعبير عن رفضهم، وواجهتها الشرطة بالقمع واستخدمت لتفريقها الرصاص الحي، وقتلت أربعة مواطنين، وأصيب نحو 15 آخرين، واعتقل العشرات من المواطنين.

كان الحراك الرافض لإنشاء السدود بالولاية الشمالية -في منطقتي كجبار ودال- تقوده اللجنة الشعبية لمناهضة سد كجبار، التي توسعت لاحقاً لتستوعب الحراك الرافض لإنشاء السدود في الولاية الشمالية، خاصة عندما أعلنت الحكومة البائدة عن تخطيطها لإنشاء نحو عشرة سدود بشمال السودان، حددت منها كجبار ، ودال، والشريك.

تحولت حركة مناهضة السدود إلى حركة مطلبية متماسكة ذات نهج واضح في عمل المقاومة السلمية، فلم تقتصر المطالب فقط في توفير الخدمات الأساسية والسكن الملائم لمتضرري السدود، بل إلى لفت النظر إلى تجاهل الحكومات لحقوق الأهالي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإلى رفض “فرض التنمية بالقوة”، وإلى رفض نهب الأراضي والثروات.

شكلت حركة مناهضة السدود بذرة المقاومة السلمية الأولى في شمال السودان، التي توسعت لاحقاً لتلفت النظر إلى نهب ثروات البلاد بأكملها، وليس نهب ثروات الشمال فقط.

حركة المقاومة السلمية عقب ثورة ديسمبر

أتاحت مساحة الحريات التي انتزعها الشعب السوداني عبر ثورة ديسمبر المجيدة، ظهور أشكال جديدة من تنظيمات المقاومة. فبجانب ميلاد لجان المقاومة في القرى والأحياء والقرى، تشكلت العديد من الأجسام المطلبية، والحقوقية وكيانات الطلاب والمهنيين، وتجمعات عائلات شهداء ثورة ديسمبر، ولجان التغيير والخدمات، ولجان متأثري سد مروي، والاتحادات المناطقية، وخلافها من الكيانات المدنية.

لم تنفصل حركة المقاومة السلمية بمدن وقرى الولاية الشمالية عن الحراك الثوري الذي انتظم جميع أرجاء السودان المناهض لانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م، وكانت لجان المقاومة بالولاية الشمالية تنظم مسيراتها السلمية ووقفاتها الاحتجاجية بالتزامن مع جداول الحراك الثوري الذي تقوده لجان المقاومة بكافة مدن السودان.

الحراك المناهض للسياسات الاقتصادية

أخذت أشكال المقاومة السلمية التي انتظمت الولاية تنحى باتجاه المطالب والحقوق الاقتصادية والسياسية بشكل متزايد، نتاج ما أفرزته ثورة ديسمبر من عمل مشترك وتفاكر متواصل بين لجان المقاومة والكيانات المدنية الأخرى بالولاية المترامية الأطراف، فانتظمت في أرجاء كثيرة من الولاية اعتصامات سلمية خلال العامين الماضيين، رفعت العديد من المطالب للمسؤولين، وحركت راكد الواقع بمختلف أشكال المقاومة السلمية.

في مطلع العام 2022م، فوجيء سكان الولاية بتطبيق زيادات كبيرة على أسعار الكهرباء، وطُبقت التسعيرة الجديدة للكهرباء فوراً على استهلاك القطاع الزراعي، كما شملت التسعيرة الجديدة زيادات كبيرة للاستهلاك المنزلي أيضاً.

كان قرار تطبيق الزيادات الكبيرة على أسعار الكهرباء بمثابة الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات السلمية الواسعة، في الولاية، الرافضة للسياسات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة، والمتمثلة في زيادات أسعار الكهرباء، وخلافه من إجراءات رفع الدعم الحكومي عن السلع والخدمات الأساسية، فقد مست هذه الزيادات عصب حياة الناس هناك، إذ أن اقتصادهم وسبل كسب عيشهم تعتمد بالأساس على الزراعة، ونظراً لارتفاع أسعار الجازولين وانعدامه في كثير من الأحيان، أصبحت الزراعة تعتمد كلياً على الكهرباء، وبالتالي فإن زيادة أسعار الكهرباء للقطاع الزراعي تعني عملياً تعطيل الموسم الزراعي الحالي، خاصة وأن الزيادات الجديدة طُبقت أثناء الموسم، وبدون أي تحوطات مسبقة من قِبل المزارعين.

مسألة الكهرباء نفسها في الولاية، تعتبر أحد مسببات الغبن، فالولاية التي خسرت الكثير من الأرواح والممتلكات وسبل العيش خلال مرحلة إنشاء سد مروي، لم تستفد من كهرباء السد بالصورة المثلى والمتوقعة، فقد وعدت الحكومة السابقة سكان الولاية بإعفائهم من رسوم الكهرباء لمدة عامين، ووعدت بتوفير الكهرباء للمشاريع الزراعية، لكنها لم تف بوعدها.

بعد أن أصبحت التسعيرة الجديدة للكهرباء واقعاً مفروضاً على المزارعين وأصحاب المشاريع الزراعية وكافة السكان المحليين، وبعدما بات الموسم الزراعي مهدداً بالفشل والخسائر، تحرك بعض المزارعين وملاك المشاريع الزراعية ورؤساء إدارات المشاريع والفاعلين لمجابهة المشكلة التي تهدد موسم زراعتهم، وحياتهم وسبل عيشهم.

انتظم الحراك في مناطق متفرقة من الولاية شاسعة الحدود، ففي أقاصي شمال الولاية (مناطق: دنقلا، والقولد، والحفير، والبرقيق) انتظم المزارعون ولجان المقاومة في حراك مناهض لزيادات الكهرباء تخللته مطالب أخرى.

حدود الولاية الشمالية

وفي المناطق الجنوبية للولاية (مدن: مروي، وكريمة، ونوري) أيضاً قاد المزارعون ورؤساء إدارات المشاريع الزراعية ولجان المقاومة حراكاً واسعاً بمطالب عديدة على رأسها قضية أسعار الكهرباء، وأيضاً في أواسط الولاية (مناطق: الدبة، قنتي، الغابة، الحامداب) بدأت التحركات المناهضة لأسعار الكهرباء.

كان يوم 8 يناير نقطة بداية التنسيق لعمل سلمي مقاوم، إذ نظم عدد من مزارعي محلية الدبة اجتماعاً بالمدير التنفيذي للمحلية، وطلبوا منه التدخل لحل مشكلة تسعيرة الكهرباء الجديدة، لكن المدير التنفيذي رد على تلك الدعوات بأنه لا يمكنه فعل شيء.

في هذه الأثناء، اقترح بعض ممثلي لجان المقاومة والتغيير والخدمات إغلاق طريق شريان الشمال عند منطقة الملتقى لتوصيل صوتهم وإعلان رفضهم لزيادة أسعار الكهرباء.

إغلاق محطة الملتقى وإعلان الاعتصام

في يوم 9 يناير أغلق المحتجون من خلفيات متنوعة (لجان مقاومة، لجان تغيير وخدمات، مزارعون، ملاك ومديرو مشاريع زراعية، ومواطنون مناهضون لزيادات أسعار الكهرباء) طريق شريان الشمال القاري الرابط بين السودان ومصر، عند محطة الملتقى.

تقع محطة الملتقى في محلية الدبة، جنوبي مدينة الدبة، وهي محطة التقاء طرق رئيسة -على طريق شريان الشمال- تربط بين شمال الولاية وجنوبها، وبين الخرطوم والولاية الشمالية وجمهورية مصر.

في ذات الوقت، كانت لجان مقاومة محلية مروي ولجان مزارعين بالمشاريع الزراعية بمحلية مروي تعمل على إعداد مذكرة مطالب لتقديمها إلى والي الولاية، وأيضاً كان هناك حراكاً واسعاً في المناطق الشمالية بالولاية (مناطق دنقلا وما جاورها).

عندما أغلق المحتجون الطريق القومي عند محطة الملتقى، تداعت لجان المقاومة والمناهضين من كافة أرجاء الولاية لدعم هذا الإغلاق، وسارعت لجان مقاومة محلية القولد إلى دعوة أعضائها ومواطني الولاية للتضامن مع المحتجين عند محطة الملتقى، وتنفيذ اعتصام مناهض للسياسات الاقتصادية، ورافض لزيادات الكهرباء.

خلال الإغلاق بمحطة الملتقى، جرى تنسيق سريع بين المحتجين، اُعلن على إثره تنفيذ اعتصام مفتوح بالملتقى.

بعد إغلاق الطريق لمدة ثلاثة أيام، وتنفيذ الاعتصام بنجاح، زار والي الولاية الشمالية محيط منطقة الاعتصام وطلب الاجتماع بمندوبين لمناقشة موضوع الإغلاق، إلا إن طلبه قوبل بالرفض، إذ أن “سكان هذه الولاية قد سئموا من اجترار الوعود الزائفة التي لا تتحقق”، حسبما يقول أحد منظمي الإعتصام لـ(بيم ريبورتس).

واتفق المحتجون على مذكرة مطالب مكتوبة، كما اتفقوا على أن اي نقاش يكون حول تنفيذ المطالب، لا فتح الطريق.

ما المطالب التي رفعها المحتجون؟

تعاني الولاية الشمالية منذ عقود طويلة من سوء الإدارة ونهب الأراضي وفساد المسؤولين، هذه المعاناة الطويلة خلقت وحدة في المواقف والرؤى، وتنوع في المطالب. فالولاية بمساحتها الشاسعة يتفق أغلب سكانها على أن نهب أراضيهم وخيراتها هو السبب الرئيس في تردي أحوالهم المعيشية.

تنوعت المطالب المرفوعة من اللجان المطلبية والمقاومة، لكن تنوع هذه القضايا لا يفصلها عن بعضها البعض إلا بمقدار ما يضمن مصالح سكان كل منطقة. ففي المناطق الجنوبية للولاية، كانت أبرز المطالب هي حقوق المتضررين من سد مروي، مثل إنشاء ترعتي سد مروي اللتين وعدت بهما الحكومة السابقة سكان المناطق الجنوبية وأخلفت الوعد. أما في المناطق الشمالية، فكانت أهم المطالب تتركز في منع الأضرار الصحية الناجمة عن التعدين الأهلي، واتفقت جميع المناطق على بعض المطالب مثل توفير الخدمات الحكومية من إنشاء المدارس والمشافي، بجانب منع تصدير المواد الخام السودانية إلى خارج البلاد، وكذلك تخفيض أسعار الكهرباء.

في يوم 12 يناير، ومع تصاعد الحراك بالولاية وانتظام الاعتصام بمنطقة الملتقى، أعلنت تنسيقية لجان مقاومة محلية مروي، أنها توافقت مع مواطني المنطقة، ومزارعيها، ولجان التغيير والخدمات، وإدارات المشاريع الزراعية على المطالب التالية:

  • استلام حصة الإقليم من عائدات السد بأثر رجعي وكل النسب المنصوص عليها .
  • إلغاء تعرفة الكهرباء الجديدة والرجوع للتعرفة ما قبل السابقة.
  • استلام عائدات التعدين بواسطة حكومة الولاية.
  • إيقاف الشاحنات المصرية التي تُهرب خيرات بلادنا من مواشي ولحوم حية وذهب وصمغ وخلافه.
  • إلزام الحكومة بإعادة تٱهيل طريق شريان الشمال الذي خربته تلك الشاحنات وٱودى بحياة أهالينا على طول الطريق.
  • حل مشاكل أهالينا بقرية (كولقيلي) ٱسفل السد وتعويضهم عن أراضيهم التي جرفها الهدام.
  • سفلتة طريق السد (أم سرح) لتسهيل عبور أهلنا المناصير بالخيار المحلي.
  • تشييد مستشفى بتلك القرى حتى لا يموت أطفالنا بلسعات العقارب وهم في الطريق لأقرب مستشفى.
  • رفض من يدعوا تمثيل الإقليم ونرفض وجودهم بأي شكل من الأشكال، فالذين يمثلوننا نختارهم من داخل التَرس.

في يوم 25 يناير، أعلنت لجنة (ترس كبري الحامداب)، المطالب التالية:

  • إلغاء زيادة أسعار الكهرباء الجديدة.
  • إعفاء مشاريع الولاية الزراعية من الكهرباء تعويضاً لخسائر الموسم الحالي.
  • إعطاء الولاية الشمالية نصيبها من كهرباء سد مروي.
  • إعطاء الولاية الشمالية نصيبها من عائدات التعدين.
  • تطبيق معايير السلامة على شاحنات البضائع بإنشاء نقاط موازين على الطريق القومي.
  • وضع تعامل واحد متفق عليه ملزم لدخول الشاحنات لحدود السودان ومصر.
  • إصدار قرار يمنع تصدير أي خام سوداني إلا بعد إدخاله في صناعات تحويلية.
  • إنشاء منطقة تجارية حرة.
  • البدء في صيانة طريق شريان الشمال.
  • البدء في إنشاء ترعتي سد مروي.

في يوم 6 فبراير، أعلنت (لجنة ترس مشو)، و(تنسيقية لجان مقاومة وحدة الحفير) مطالبها، وتمسكت بإغلاق طريق  شريان الشمال (دنقلا – أرقين) عند منطقة حفير مشو، إلى حين تحقيق كل المطالب التي أعلنتها، وهي:

  • إعادة تأهيل طريق شريان الشمال بما يطابق المواصفات الهندسية
  • إيقاف استخدام مادة السيانيد (المحرمة) في عمليات التنقيب 
  • أيلولة أموال شركات التعدين بالولاية لخزينة الولاية مع اخذ نسب المناطق في الاعتبار.
  • تخفيض أسعار مدخلات الإنتاج الزراعي (كهرباء، سماد، محروقات الآليات الزراعية … الخ).
  • منع وتجريم تصدير أي خام سوداني إلا بعد إدخاله في صناعات تحويلية للاستفادة من القيمة المضافة.
  • عمل ميزان بالمعابر حفاظا على سلامة الطريق والمواطنين.
  • إنشاء مسلخ بالولاية للاستفادة من الثروة الحيوانية و تقليل نسب العطالة.
  • إنشاء مستشفى مؤهل (واحد على الأقل) بالولاية بما يطابق المعايير.

 وطالب المحتجون في (ترس البرقيق) بـ:

  • إلغاء مسار الشمال.
  • تمكين الشاحنات السودانية من نقل البضائع من معبر وادي حلفا إلى داخل السودان أسوةً بما تقوم به السُلطات المصرية من منع الشاحنات السودانية الدخول إلى الأراضي المصرية وتفريغ شحنتها في المعبر.
  • تقنين الصادرات السودانية إلى جمهورية مصر والتي لوحظ أنها تهرب مقدرات الشعب السوداني إلى دول الجوار من معادن نفيسة وخلافه.
  • المطالبة بحصة الولاية ومحلية البرقيق من عائدات التعدين.

يلاحظ المتتبع أن هذه المطالب لا تكاد تنفصل عن بعضها البعض، إلا بمقدار تباعد مساحات الولاية وطبيعة وخصوصية مشكلات كل منطقة، لكنها تتفق جميعها في مطلب رئيس: حقوق الناس الاقتصادية والاجتماعية، وحقهم في اختيار من يمثلهم.

من يُعرقل تحقيق مطالب أهل الشمال؟

بعد أن توحد الناس خلف هذه المطالب المعلنة، وأفلحوا في إغلاق الطريق القاري الرابط بين السودان ومصر (طريق شريان الشمال) عند محطة الملتقى وعدد من النقاط الأخرى، وجرت اتصالات بين لجان المناطق لتدعيم الإغلاق.

في هذه الأثناء، حاول البعض كسر تلك الوحدة بإجراء اتصالات سرية مع عضو مجلس السيادة أبو القاسم برطم، الذي أعلن بدوره في مؤتمر صحفي، يوم 12 يناير، “تجميد زيادات أسعار الكهرباء“.

“هذا الإعلان كان بمثابة نقطة فارقة في الاختبار والفرز بين أصحاب المطالب الحقيقية وبين متسلقي القضية والانتهازيين”، يقول أحد الشباب الذين يقفون على التروس بمنطقة كبري الحامداب لـ(بيم ريبورتس)، ويضيف: “بعد إعلان برطم لقرار التجميد، تحرك بعض أعوان برطم بمنطقة الدبة وأعلنوا أنهم قرروا رفع الترس بمنطقتي الملتقى والحامداب، لكن لأنهم لا وجود لهم في الأرض، فقد ظل ترس كبري الحامداب باقياً، على الرغم من أنهم أعلنوا عن رفعه”.

ويشير إلى أنه “بعد تشييد ترس كبري الحامداب، فقد تدنت أهمية ترس الملتقى، وتداعى غالبية المحتجين إلى ترس كبري الحامداب، لأن الكبري يعتبر أهم نقطة حيوية بالمنطقة ولا يمكن للشاحنات العابرة للحدود أن تمر بأي جهة أخرى خلاف هذا الكبري”.

قرار التجميد.. الخطة الأولى لتقسيم وحدة الحراك

كان الهدف من إعلان قرار تجميد زيادة أسعار الكهرباء هو بداية خطة الحكومة لتفكيك وحدة الحراك وعرقلة جهود تحقيق المطالب، ففي أعقاب إعلان مجلس السيادة عن قرار تجميد زيادات أسعار الكهرباء، مباشرة استخدمت الحكومة وسائل إعلامها وأعوانها المحليين لإظهار أن الناس منقسمون إلى فريقين، أحدهما يوافق على قرار التجميد والآخر رافض له. لكن في حقيقة الأمر أن الذين أغلقوا الطريق وأعلنوا مطالبهم من الترس، لم يخدعهم قرار تجميد أسعار الكهرباء.

ففي الوقت الذي أعلن فيه أعوان برطم أنهم رفعوا اعتصامهم وفتحوا الطرق، بادرت لجان المقاومة إلى عقد مخاطبات جماهيرية بعدد من المناطق، أوضحت فيها بأن “قرار زيادات أسعار الكهرباء صادر بالأساس من جهات تنفيذية، ومجلس السيادة لا يحق له التدخل في القرارات التنفيذية، علاوة على أن التجميد هو محاولة لشراء الوقت والتلاعب بالقضية، فلا رجوع عن إغلاق الطرق إلا بإلغاء الزيادة نهائياً وتنفيذ كافة المطالب المعلنة”، حسب المخاطبات.

وفي رد فعل أكثر جذرية، أعلنت (تنسيقية لجان مقاومة محلية مروي) بأنها لا تعترف بحكومة فاقدة للشرعية، وقالت في بيان لها، اطلعت عليه (بيم ريبورتس): “نحن لا نعترف أصلاً بالمجلس الانقلابي والحكومة غير الشرعية”، وأضافت أن قرار تجميد زيادات أسعار الكهرباء “لا يعنينا في شيء”، وأعلنت مواصلتها لإغلاق الطريق حتى تتحقق كافة المطالب المُعلنة.

وشرحت التنسيقية في بيانها، أن مسألة تجميد زيادات أسعار الكهرباء الهدف منه “الترويج لبرطم”.

وتشير متابعات (بيم ريبورتس)، إلى أن عضو مجلس السيادة أبو القاسم برطم يواجه رفضاً شعبياً واسعاً في الولاية الشمالية، فقد سبق أن حاول برطم إغلاق طريق شريان الشمال بالتزامن مع إغلاق ميناء بورتسودان الذي قاده (تِرك) للتضييق على الحكومة الانتقالية وقتها، وكان (برطم) ينسق ويتعاون مع (تِرك) ومع أعوان محليون بالولاية الشمالية لإغلاق طريق شريان الشمال، لكن لجان المقاومة -حينها- أفشلت خطته، وأكسبته رفض أهل الولاية.

خدعة قرار تجميد أسعار الكهرباء

مع مرور الأيام، ومواصلة الإغلاق، اتضح أن قرار تجميد زيادات أسعار الكهرباء هو بالفعل “محاولة لشراء الوقت” كما قالت لجان المقاومة، إذ أن الحكومة لم تلتزم بقرار التجميد، وطبقت الزيادات الجديدة، على الرغم من تصاعد الاحتجاجات.

هذا التجاهل الرسمي لمطالب المحتجين، أدى إلى توسيع رقعة الحراك وانتشاره بكافة مناطق الولاية.

توسع الحراك على امتداد الولاية الشمالية

  • بدأ الإغلاق يوم 9 يناير في محطة الملتقى، بمحلية الدبة، ومع مرور الوقت توسعت نقاط الإغلاق وتشييد التروس الجديدة بنحو أكثر من 15 نقطة إغلاق على امتداد مناطق الولاية.

وقد تداعت لجان المقاومة بالمدن والقرى إلى تشييد التروس الجديدة وزيادة نقاط الإغلاق، ودعم التروس القائمة وتقويتها وتنظيم لجانها.

كما ساهمت الاتحادات والروابط والجمعيات الأهلية في مساندة التروس، وانتشار نقاط الإغلاق بالولاية.

  • ففي يوم 11 يناير أعلن (اتحاد أبناء المحس) في بيان بأنه “سيعمل على تحويل الاعتصامات القائمة |في الولاية| ضد زيادات الكهرباء إلى اعتصامات دائمة لاسترداد السلطة المدنية الكاملة، في كل السودان”.
  • وفي يوم 13 يناير، أعلنت (تنسيقية لجان مقاومة محلية مروي) تتريس الطريق القومي، إلى حين الاستجابة لمطالب أهل الولاية المعلنة.
  • وفي يوم 18 يناير، أعلنت (لجان مقاومة محلية البُرقيق) عن “إغلاق طريق شريان الشمال رفضاً للحكومة الانقلابية والمجازر التي حدثت في حراك 17 يناير في حق بنات وأبناء الشعب السوداني في الخرطوم والولايات”.
  • وفي يوم 22 يناير، أعلنت (تنسيقية لجان مقاومة وحدة الحفير)، عن تتريس الطريق القومي، “منعاً لتهريب خيرات البلاد”.
  • وفي يوم 23 يناير، أعلنت (لجان المقاومة بمحلية دلقو) عن إغلاق طريق السليم- حلفا في محلية دلقو  “رفضاً لزيادات الكهرباء”.
  • وفي يوم 24 يناير، أعلنت (لجان المقاومة بمنطقة الحفير) عن بدء إغلاق طريق دنقلا- أرقين في منطقة مشو، وطالبت بعائدات الولاية من التعدين.
  • وفي يوم 25 يناير، أعلنت (لجان مقاومة القولد) عن بدء إغلاق طريق شريان الشمال عند البوابة الجنوبية لمدينة القولد عند (كبرى مشروع رومي البكري الزراعي) وقالت في بيان “سيستمر التصعيد حتى سقوط الانقلاب العسكري ومشاركيه، وحتى إسقاط جبايات الكهرباء ومنفذها وزير المالية الانقلابي” – طبقاً للبيان.
  • بحلول يوم 30 يناير كانت هناك 9 نقاط إغلاق بالولاية الشمالية، على طول الطريق القاري الرابط بين السودان وجمهورية مصر.

مع تزايد نقاط الإغلاق، بدأت عملية تنظيم واسعة للتروس، وتم تشكيل لجان بكافة التروس، كما تم الإعلان عن ضوابط ومعايير لتنظيم الإغلاق.

يقول أحد منظمي لجنة ترس الحامداب لـ(بيم ريبورتس) “منعاً للتلاعب بقضايا الولاية ومطالب سكانها شكلت لجان المقاومة، والمزراعين، وكافة الرافضين لزيادات أسعار الكهرباء لجان للتروس، وبدأت عملية الإغلاق بصورة منتظمة ومنظمة”.

تنظيم نقاط إغلاق الطرق ولجان (التروس)

يقول أحد أعضاء تنسيقية لجان مقاومة الولاية الشمالية، لـ(بيم ريبورتس)، بعد الإعلان عن توسيع نقاط الإغلاق (مناطق التتريس) خصوصاً في المناطق الحيوية مثل الكباري والجسور، وتشكيل لجان للتروس، حددت تلك اللجان ضوابط ومعاييرعلنية ومتفق عليها لتنظيم التروس، على النحو التالي :

  • يسمح بمرور البصّات السفرية والعربات الخاصة وعربات النقل الداخلية  والإسعاف .
  • يسمح بمرور البصات القادمة من معبري أرقين وأشكيت التي تحمل بضائع بصحبة راكب .
  • يمنع مرور الشاحنات المصرية العابرة بالطريق ( وارد وصادر).
  • يمنع مرور الشاحنات والدفارات السودانية  التي تحمل البضائع ماعدا البلح والخضروات والفواكه والبصل .

ويواصل بالقول: “كانت هذه المعايير بمثابة نقلة في تنظيم التروس، وتهدف إلى الحفاظ على موارد البلاد، وفي نفس الوقت الحفاظ على حقوق مستخدمي الطريق القومي، كما أنها من ناحية ثالثة تهدف إلى فضح المتلاعبين بقضايا المنطقة، والذين يحاولون ليلاً ونهاراً فض التروس أو تفكيك وحدة وتماسك الحراك”.

من يسعى إلى تفكيك وحدة الحراك؟

كان قرار مجلس السيادة المتعلق بتجميد زيادات الكهرباء، الخطوة الأولى في سعي الحكومة إلى تفكيك وحدة الحراك في الشمالية- كما أشرنا آنفاً- . فانتشار التروس على مساحات شاسعة بطول الطريق القومي، وترابط اللجان ودعم السكان المحليين للإغلاق، دفع بالحكومة إلى ابتدار آليات جديدة لتفكيك وحدة الحراك.

فبعد إعلان مجلس السيادة قرار تجميد زيادة أسعار الكهرباء (القرار الذي لم يتم تنفيذه)، كان أعوان عضو مجلس السيادة أبو القاسم برطم قد أعلنوا عن ميلاد جسم أطلقوا عليه (تجمع مزارعي الولاية الشمالية) وأعلنوا عن مطلب وحي وهو التراجع عن زيادات أسعار الكهرباء، وفي واقع الأمر أن “هذا الجسم لا وجود له على الأرض، وهو أحد الآليات التي استخدمتها السلطة لتفكيك وحدة الحراك” ، كما يقول أحد أعضاء مجلس إدارة مشروع أمري الزراعي.

بعد 17 يوماً من الإغلاق، أُعلِن عن ميلاد هذا الجسم، وبحسب لجان المقاومة ولجان المزارعين بالمنطقة، فإن “هذا الجسم هو صنيعة برطم، وتم الإعلان عنه في محاولات أعوان برطم وأعضاء المؤتمر الوطني المحلول لسرقة الحراك وتسلقه، ومن ثم إفشال الحراك في تحقيق مطالب أهل الولاية”.

في يوم 6 فبراير أعلن (تجمع مزارعي الولاية الشمالية) عن رفع التروس وإنهاء الإغلاق وجاء الإعلان في وكالة السودان للأنباء (الرسمية)، على الرغم من أن الوكالة لم يسبق لها تناول أخبار حراك الشمالية، وورد الإعلان على لسان رضا السيد، الذي وصفته الوكالة بأنه “رئيس تجمع مزارعي الولاية الشمالية”

فمن هو رضا السيد؟، ومن يعاونه في صناعة جسم يسعى لتفكيك وحدة حراك الشمالية؟

يجيب على هذه الأسئلة أحد أعضاء لجان المقاومة بمنطقة الدبة، وتوصلت (بيم ريبورتس) إلى معلومات متطابقة من عدد من المصادر، تتفق مع إفادة عضو بلجان مقاومة الدبة، حول بعض الأشخاص الذين يقفون خلف (تجمع مزارعي الولاية الشمالية) :-

  • رضا السيد الأنور الإدريسي: من أسرة دينية، بمنطقة الغابة بالولاية الشمالية، أحد أبرز معاوني أبو القاسم برطم، وتعاون معه -سابقاً- لإغلاق طريق شريان الشمال إبان فترة إغلاق شرق السودان، وتربطه علاقات مع بعض قيادات الدعم السريع.
  • حافط فتحي: من منطقة الكرد، جنوب مدينة الدبة، عضو بحزب المؤتمر الوطني المحلول، صاحب توكيلات غاز بمحلية أمبدة/أمدرمان، وصاحب محطات بترولية بمحلية الدبة/الولاية الشمالية.
  • معتصم مجذوب أحمد: من منطقة الجابرية، رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول بمحلية الدبة، حتى لحظة سقوط البشير، متهم بالتلاعب في بيع أراضي حكومية لمصلحته الخاصة.

بحسب تقصيات (بيم ريبورتس) يقف هؤلاء الأشخاص وآخرين خلف الكيان المصنوع الذي يسمى بـ(تجمع مزارعي الشمالية)، والذي يحاول صناعته أبو القاسم برطم، بالتعاون مع أعضاء حزب المؤتمر الوطني المحلول، لتفكيك وحدة حراك الشمال.

نقاط الإغلاق على الطريق القومي (شريان الشمال)

منذ يوم 9 يناير، بداية الإعلان عن إغلاق طريق شريان الشمال، وحتى اليوم، توسعت نقاط الإغلاق بصورة كبيرة، خاصة مع المحاولات المستمرة من قبل الحكومة وأعوانها لفتح الطرق وفض التروس.

هنالك نقاط إغلاق حيوية ورئيسة، مثل النقاط التي تقع على الجسور والكباري، وكانت هذه النقاط هي الأكثر مهاجمة من قبل الحكومة وأعوانها، وهي التي عطلت حركة الشاحنات على الطريق القومي تماماً، كما توجد نقاط إغلاق فرعية تساعد على تعطيل حركة الشاحنات، ويستخدمها المحتجون كنقاط مُساعِدة.

فيما يلي تُوضح (بيم ريبورتس) أبرز مناطق نقاط الإغلاق (التروس) على امتداد الولاية، وفقاً للترتيب الجغرافي من الجنوب إلى الشمال:-

  1. ترس تنقاسي: عند منطقة تنقاسي، على الطريق القومي الرابط بين مروي والخرطوم.
  2. ترس القرير: بمنطقة القرير، عند تقاطع القرير  في الطريق الرابط بين مدينتي مروي وعطبرة.
  3. ترس القرية 4: بمنطقة القرية 4 في أمري الجديدة، على الطريق القومي الرابط بين مدينتي الخرطوم ومروي.
  4. ترس الملتقى: محطة الملتقى، بمحلية الدبة، على الطريق القومي الرابط بين السودان ومصر، تدنت أهميته عقب انشاء ترس كبري الحامداب، وانتقل الحادبين من حراسه إلى تروس أخرى بالحامداب والجابرية.
  5. ترس كبري الحامداب: عند منطقة الحامداب بمحلية الدبة، على جسر رئيس بالطريق القومي الرابط بين السودان ومصر، تم الاعتداء على الترس، يوم الأربعاء 9 فبراير، وفضه بواسطة مدنيين مسلحين يتعاونون مع أبو القاسم برطم، تحت مسمى اتحاد المزارعين. تم تحويل الترس مباشرة إلى كُبري الجابرية، وقالت اللجنة المنظمة للترس في بيان انها ستعيد تشييده من جديد.
  6. ترس كبري الجابرية: منطقة الجابرية، بمحلية الدبة، جنوبي مدينة الدبة، على الطريق القومي الرابط بين السودان ومصر. تم تدشينه عقب فض ترس كبري الحامداب، يوم 9 فبراير. تم فضه بالقوة بواسطة الشرطة وعناصر مدنيين موالين لحزب المؤتمر الوطني المحلول، صباح 10 فبراير. وأعلنت لجنته عن عزمها إعادة إنشاءه مرة أخرى.
  7. ترس الغابة: بمدينة الغابة، على الطريق القومي الرابط بين السودان ومصر. تم تدشينه يوم 11 فبراير، عقب فض ترس كبري الجابرية. 
  8. ترس القولد: عند كبري مشروع رومي البكري الزراعي، بمدخل مدينة القولد، على الطريق القومي الرابط بين السودان ومصر.
  9. ترس سورتود: عند قرية سورتود، شمال مدينة دنقلا، على الطريق القومي، تم تدشينه يوم 10 فبراير، عقب دهس أحد الثوار بالمنطقة بواسطة سائق شاحنة مصري الجنسية.
  10. ترس الحفير: على طريق دنقلا – أرقين ، قبالة منطقة حفير مشو، حاولت قوات عسكرية مشتركة فضه أكثر من مرة، ولكن في كل مرة يُعاد تشييده من جديد.
  11. ترس البرقيق: منطقة البرقيق ، محلية البرقيق، على الطريق القومي.
  12. ترس دلقو: على شارع السليم – حلفا، بمنطقة دلقو.
  13. ترس كويا:  بمنطقة كويا، شمال مدينة دنقلا، على الطريق القومي.
  14. ترس صواردة: على طريق السليم –اشكيت، قبالة منطقة صواردة.
  15. ترس عبري: بمنطقة عبري، محلية عبري، شمال مدينة دنقلا، على الطريق القومي.

من بين نقاط الإغلاق الـ15 المُبيّنة في الخريطة التفاعلية رقم (2) أعلاه، توجد نقاط إغلاق مستديمة، ونقاط إغلاق مؤقتة، ونقاط إغلاق اندمجت مع أخرى نسبة للقرب الجغرافي، أو تدني أهميتها، أو الهجوم عليها من قبل المتفلتين المدعومين من أبو القاسم برطم.

تعتبر نقطة إغلاق كوبري الحامداب (ترس كبري الحامداب) أحد نقاط الإغلاق المهمة بالمناطق الجنوبية للولاية، وتأتي أهمية هذه النقطة نظراً لأنها أقيمت عند الجسر الوحيد بالمنطقة الذي يعبر أحد قنوات الري (ترعة) بمشروع أمري الزراعي، ويستحيل عبور الشاحنات العابرة للحدود شمالاً أو جنوباً دون المرور بهذا الجسر.

ونظراً لأهمية هذه النقطة، فقد كانت أول النقاط التي استهدفتها الحكومة ودعمت متفلتين لفضها بالقوة.

وشمالاً، تعتبر نقطة الإغلاق بمنطقتي (عبري) بمحلية عبري، و(حفير مشو)، بوحدة الحفير الإدارية، شمال دنقلا (ترس مشو) من النقاط المهمة باعتبارها أولى نقاط الإغلاق من ناحية الشمال.

فيما يتعلق بالصادرات التي عطلتها نقاط الإغلاق، تقول لجان التروس إنها أوقفت شحنات كبيرة من المواد الخام، مثل السمسم، الكركدي، البصل، علاوة على توقيف شاحنات محملة بإناث الإبل وإناث المواشي.

وبحسب بيان صادر عن لجنة (ترس مشو)، فإن عدد من هذه الشاحنات تتبع لقوات الدعم السريع.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع