كيف ساهمت المعلومات المضللة في تصاعد أعمال العنف بكرينك؟

في أواخر الأسبوع الماضي، ارتفع مؤشر التوترات الأمنية في ولاية غرب دارفور المضطربة منذ سنوات، بعد مقتل شخصين.

سرعان ما تحولت تلك التوترات إلى أعمال عنف دموية أدت إلى مقتل أكثر من 200 حسب والي الولاية، فيما حصرت لجنة أطباء السودان المركزية 176 حالة قتل منذ بداية هجوم مسلح على منطقة كرينك (80 كلم) شرقي مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، يوم الجمعة الماضي.

لاحقاً، امتدت أعمال العنف إلى مدينة الجنينة، حيث سقط قتلى وجرحى، فيما شهدت، مساء وليل الاثنين الماضي، بعض أحياء المدينة اشتباكات مسلحة.

خلفت الأحداث أيضاً، أكثر من 200 جريح، و نزح الآلاف بداخل وخارج مدينة الجنينة وسط أوضاع إنسانية صعبة، فاقمها التوقف التام للمسشتفيات بمدينة الجنينة بعد الهجوم عليها بواسطة مسلحين. 

وبالتزامن مع استمرار تطورات أعمال العنف على الأرض، بمحلية كرينك، نشطت العديد من المواقع الالكترونية على الانترنت، لا سيما الصفحات والحسابات الشخصية بموقعي التواصل الاجتماعي (فيسبوك) و(تويتر) في نشر وتداول عشرات الصور ومقاطع الفيديو وادعت أنها متعلقة بالأحداث الجارية في (كرينك)، الأمر الذي ساهم في تصاعد أعمال العنف.

كانت غالبية الصور والفيديوهات التي راجت بمواقع التواصل الاجتماعي، محل شكوك، فيما راجت أيضاً معلومات مضللة حول الهجمات والتوترات على الأرض.

فحص فريق (بيم ريبورتس) الادعاءات الرائجة حول الصور ومقاطع الفيديو المتداولة، وأنشأ مكتبة لحصر بعض الصور ومقاطع الفيديو التي تحققنا من أنها ليست ذات صلة بأحداث كرينك الأخيرة، وأنها استخدمت لأغراض التضليل.

كانت أول مقاطع الفيديو الرائجة على انها مشاهد من أعمال العنف بكرينك، هو مقطع الفيديو الذي نشرته صفحة (قناة دارفور الفضائية) على موقع (فيسبوك) والتي يتابعها أكثر من 42 ألف متابع، وجد فريق البحث في (بيم ريبورتس) أن مقطع الفيديو هذا قد تم تصويره بتاريخ 25 يناير 2022م، في مدينة أبشي بجمهورية تشاد المجاورة. يتضح ذلك من خلال تطابق إطار الفيديو في الثانية (00:20) مع لقطة شاشة من نفس الفيديو موجودة بموقع منظمة (هيومن رايتس ووتش) عن أحداث عنف بمدينة أبشي التشادية.

لقطة شاشة من الفيديو المتداول
لقطة فيديو في 25 يناير/كانون الثاني 2022 تظهر مركبة عسكرية في مدينة أبيشي

في واقعة أخرى، ادعت صفحة (The mail) التي يتابعها ما يزيد عن  52 ألف متابع، ان صورة المقبرة الجماعية التي نشرتها، هي مقبرة لضحايا أحداث كرينك الراهنة. أرفقت الصفحة تعليقاً على هذه الصور والأحداث قائلة: 

“أحداث كرينك بولاية غرب دارفور تخلف وراءها عشرات المقابر الجماعية وصمت تام لقادة سلام جوبا. الرحمة والمغفرة للضحايا وعاجل الشفاء للجرحى”

بالتحقق من صورة المقبرة الجماعية التي ادعت الصفحة المذكورة بأنها لضحايا أحداث كرينك الأخيرة، وجد فريق البحث، أن الصورة لمقبرة جماعية نتيجة هجوم في (نيجيريا) بتاريخ 15 أغسطس 2021م.

لقطة شاشة توضح تاريخ نشر الصورة

يشير فريق البحث في (بيم ريبورتس) إلى أن الصفحة المذكورة تُدار من قبل الصحفي (سامر بول) من جمهورية جنوب السودان حسبما تذكر الصفحة.

أيضا، نشرت صفحة (جرن الأخبار) التي يتابعها 20,430 من رواد موقع (فيسبوك)، صورة ادعت أنها “مراسم تشييع لثلاث جثث نتيجة هجوم على رُحّل قرب كرينك”. وجد فريق البحث في (بيم ريبورتس) أن الصورة قد نُشرت في وقت سابق بموقع (دارفور 24) ضمن أحداث كرينك في ديسمبر 2021م.

لقطة شاشة توضح تاريخ نشر الصورة قديماً

بالإضافة إلى هذه الصفحات، نشر حساب باسم (حبيب آدم جمعة)، يبلغ عدد متابعيه 8,811، صورة لطفلة وسط ما يبدو أنها مقبرة، مدعياً أن “هذه الطفلة قد فقدت والدها وإخوتها”. بالتقصي عن الصورة، وجد فريق البحث أن الصورة ملتقطة بأحد مخيمات اللاجئين بدولة كينيا في عام 2011م.

مخيم داداب للاجئين بكينيا - تصوير: آندي هول\أوكسفام.

نشرت صفحة (ملامح سودانية) التي يتابعها نحو 110 آلاف متابع، صورة لطفلة تقف مذهولة أمام منازل مشتعلة بإحدى القرى، وعلقت الصفحة على الصورة قائلة:

“ملامح سودانية كرينك غرب دارفور تنزف”

وجد فريق البحث أن الصورة مفبركة بدمج صورتين مع بعضهما البعض. فقد وجدنا أن الخلفية التي تظهر خلف البنت تعود لصورة حريق بمحلية “كلمندو” جنوب شرق مدينة الفاشر، في عام 2017م.

لقطة شاشة توضح تاريخ نشر الصورة قديماً

صفحة (New Sudan NNS) التي يتابعها 103 آلاف متابع، نشرت بيانا لـ(هيئة محامي دارفور) عن أحداث كرينك. أرفقت الصفحة مع البيان صورة لتجمع بشري أمام منازل مشتعلة. وجد فريق البحث أن الصورة تعود لتفجير بدولة الكاميرون في ديسمبر الماضي.

لقطة شاشة توضح تاريخ نشر الصورة قديماً

أيضاً، نشرت العديد من الصفحات صورة لرجل متكئ على حائط وسط كومة من الرماد. إثنتين من هذه الصفحات مذكورة أعلاه مثل صفحة (The Mail) و (New Sudan NNS).

وجد فريق البحث في (بيم ريبورتس)، أن الصورة المتداولة تم التقاطها بقرية (دليج) بمحلية وادي صالح، في ولاية وسط دارفور، و تم نشرها في 13 يونيو 2019م.

لقطة شاشة توضح تاريخ نشر الصورة قديماً

أيضا، نشرت صفحة (Meram Alamin) الصورة أدناه مرفقة مع تعليق على أحداث كرينك، و تم تداول الصورة بكثافة من قبل مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي.

وجد فريق البحث أن الصورة ملتقطة بتاريخ 11 يونيو 2002م في منطقة (ليلونقوي) بملاوي.

بموازاة إغراق مواقع التواصل الاجتماعي بالصور ومقاطع الفيديو المفبركة والمضللة، أيضاً نشطت العديد من المواقع الإخبارية الإلكترونية والصفحات والحسابات الشخصية بموقع (فيسبوك) في إغراق الموقع بالمعلومات المضللة والمغلوطة.

وعلى سبيل المثال، روجت العديد من المواقع الإخبارية الإلكترونية، وكذا الصفحات والحسابات الشخصية بموقع (فيسبوك) منشوراً  يحمل تصريحاً منسوباً لوالي ولاية غرب دارفور، يقول بأن “الوضع بالولاية خارج السيطرة”، وادعت الحسابات الشخصية والصفحات بأن المنشور منقول عن تصريح لوالي الولاية أدلى به لـ(راديو دبنقا).

لاحقاً، نفى راديو دبنقا الخبر المنسوب إليه، مؤكدا ألا صلة له بهذا الخبر الذي وصفه بالـ”مفبرك”.

المواقع التي روجت معلومات مضللة بشأن الأحداث في كرينك:

تقصى فريق البحث في (بيم ريبورتس) حول مصدر الخبر المفبرك، والرائج على نطاق واسع،  وجدنا أن الخبر المفبرك قد نشرته المواقع الإلكترونية التالية:

  1. رسال نيوز.
  2. الرائد نت.
  3. سودان ديلي نيوز.
  4. الراية نيوز.
  5. تسامح نيوز.

توصل فريق البحث في (بيم ريبورتس) إلى أن موقعي (الراية نيوز) و (سودان ديلي نيوز) قد حذفا المحتوى المفبرك لاحقاً، ولكن محرك البحث (قوقل) أوضح أنهما قد نشرا الخبر من قبل كما هو موضح بالصورتين أدناه.

صورة (1)
صورة (2)

تشير (بيم ريبورتس) إلى أن فريقها البحثي قد توصل في تقرير سابق إلى أن موقع (الرائد نت) متورط في الترويج لدور الدعم السريع إقليمياً.

كما يشير فريق البحث إلى ارتباط موقع (الراية نيوز) بنشاط جهاز المخابرات العامة على الانترنت. فقد أعاد حساب جهاز المخابرات العامة على موقع (تويتر) تغريد عدد من التغريدات المنشورة بحساب (الراية نيوز) على (تويتر) عدة مرات، على عكس ما هو متبع عرفياً بأن تكون مؤسسات الدولة هي مصدر المعلومة، لا أن تستقي الأخبار من المؤسسات الإعلامية وتروج لها.

حسابات تعزز خطاب الكراهية:

بالبحث عن محتوى الخبر المتداول أعلاه على موقع (فيسبوك)، توصل فريق البحث في (بيم ريبورتس) إلى حساب يروج للخبر المفبرك، على نطاق واسع بعدد من المجموعات.

أيضا، وجدنا أن الحساب نفسه، بجانب ترويجه للمعلومات المضللة، ينشط أيضاً في الترويج لخطاب الكراهية بين مكونات المجتمع بولاية غرب دارفور. يحمل الحساب اسم (Mona Assil)، وهو حساب مغلق ولا يتيح معلوماته إلا لأصدقائه. بالبحث عن المحتوى الذي ينشره الحساب، وجدنا أنه يركز على النشر بالمجموعات المتعلقة بمدينة الجنينة، وينشط في الترويج للمعلومات المضللة وخطاب الكراهية. 

صورة توضح مثالا لخطاب الكراهية الذي ينشره الحساب

اندلع العنف بولاية غرب دارفور هذه المرة على خلفية مقتل شخصين من أحد المكونات الاجتماعية بالمنطقة، وتصاعدت وتيرة العنف على الأرض عقب الترويج واسع النطاق للمعلومات المضللة والمغلوطة عن الأحداث. وبدلاً من أن تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لخلق مساحات للتقارب والتفاهم في بلد يذخر بالتنوع، يتم استخدامها كوسيلة لخلق المزيد من الشقاق والتباعد.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع