هل اختلقت وسائل إعلام أفريقية موالية لروسيا قصة سقوط طائرة أسلحة بريطانية متوجهة لدارفور ؟

نشر موقع (نوفيلبلوس) الذي يبث من دولة أفريقيا الوسطى، في الثامن عشر من مايو الماضي، خبراً حول حادث تحطم طائرة في مطار (بيراو) بجمهورية أفريقيا الوسطى بتاريخ 15 مايو 2022م.

وذكر الخبر، أن الحادث الذي “عطل الحياة الهادئة” في بلدة (بيراو) جعل المواطنين يتداولون صوراً ومقاطع فيديو للحادث على الانترنت، لافتاً إلى أن الطائرة كانت تحاول الهبوط في المطار القريب من نقطة (أم دافوق) الحدودية مع السودان. ونوه الخبر إلى أن السلطات بأفريقيا الوسطى فتحت تحقيقاً في هذا الحادث.

بعد يوم واحد من نشر موقع (نوفيلبلوس) الخبر، أي في السادس عشر من مايو، نشر موقع (ليدرشيب) النيجيري، خبر اختفاء طيار نيجيري يُدعى (تيري دانيال) بعد انطلاقه في مهمة سرية من مطار (جالينقو) في نيجيريا، حسبما أفاد الموقع. وأضاف الموقع على لسان المتحدث باسم عائلة وأصدقاء الطيار الذي يُدعى (يوسف جوشوا)، وهو زميله، أن عائلة (تيري) تأمل في أن يرشدهم أحد إلى موقع ابنهم. وذكر (جوشوا) أن آخر تواصل له مع (تيري) كان قبيل إقلاعه بالطائرة في 15 مايو 2022م، مشيراً إلى أن كل ما يعلمه عن الرحلة هي أنها سرية ولن تكون خاضعة للتتبع عبر الرادار، وتم دفع ضعف المبلغ المقابل لتشغيل هذه الرحلة. 

أشار (جوشوا) أن (تيري)، حسبما قال الموقع، قد أخبره بأنه من المفترض أن يهبط بطائرته بأحد المطارات بجمهورية أفريقيا الوسطى، وذكر أنه قلق بسبب عدم سماع أي أخبار عنه لمدة يومين.

لاحقاً، في الحادي والعشرين من نفس الشهر، نشر موقع (نبض السودان) خبراً يتعلق بسقوط نفس الطائرة. لكنه أضاف رواية أخرى بخصوص الطيارين عندما قال إن (تيري) قد أخبر (جوشوا) بأن “المهمة مرتبطة بأشخاص (بريطانيين)، يشتبه في أنهم من الجيش البريطاني”. وادعى موقع (نبض السودان)، أن الطائرة التي سقطت محملة بكمية كبيرة من الأسلحة، وأن وجهتها النهائية في (دارفور).

لم يمر وقت طويل، حتى أعاد موقع (المراسل) – المهتم بشؤون السودان- نشر نفس الخبر المنشور مسبقاً في موقع (نبض السودان)، وبنفس الصيغة، قبل أن يقتبس موقع (آفريك ميديا) الكاميروني نفس الخبر باللغة الإنجليزية، مع الإشارة إلى أن موقع (المراسل) قد ذكر أن الطائرة بريطانية، بحسب ما أشار إليه.

أيضا، نشر موقع (إمكانات إفريقيا الوسطى) الخبر، مع إضافة أن بعض المصادر الأمنية قد قالت إنه “من المحتمل أن تكون الطائرة بريطانية”.

عملية التحقق

للتأكد من مدى صحة خبر حادثة سقوط الطائرة من عدمه، تواصل فريق البحث في (بيم ريبورتس) مع سلطة الطيران المدني بجمهورية أفريقيا الوسطى، الذي رد عبر البريد الإلكتروني بأنه “ليس لديهم الإذن بالرد في هذا الصدد”. وعليه، مضى الفريق في التحقق من صحة ما نشرته المواقع المذكورة أعلاه، فتوصلنا إلى النتائج التالية:

  • ذكر موقع (نوفيلبلوس)، أن سكان (بيراو) قد تناقلوا مقاطع فيديو وصوراً للحادث. بالبحث بالكلمات المفتاحية -باللغتين الانجليزية والفرنسية- عن مقاطع فيديو وصور متعلقة ببلدة (بيراو)، لم نجد أي نتائج متعلقة بالحادث قيد التحقيق.
  • وقع الحادث -حسب الإدعاء- يوم 15 مايو، ونشر موقع (ليدرشيب) النيجيري خبر اختفاء الطيار يوم 16 مايو، أي بعد يوم واحد من الحادث. حيث ذكر (جوشوا) صديق الطيار المفقود بأنه قلق بسبب غيابه لـ(يومين) فيما لم يمضِ على غيابه سوى يوم واحد فقط، مما يثير التساؤلات حول مدى صحة تماسك الرواية المذكورة.
  • حذف موقع (ليدرشيب) الخبر من قاعدة بياناته، وهو ما أثار المزيد من الشكوك حول صحة الخبر.
  • ذكرت معظم المصادر؛ ان مطار (بيراو) قريب من نقطة (أم دافوق) الحدودية بين الدولتين. وجد فريق البحث في (بيم ريبورتس)، أن المسافة بين معبر (أم دافوق) الحدودي ومطار (بيراو) تبلغ (69.17 كيلومتر) تقريباً، اي ما يقارب المسافة بين مطار الخرطوم الدولي و منطقة (قَرّي).
  • وجد فريق البحث أن موقع (آفريك ميديا) يدعم روسيا الاتحادية، حسبما ذكر موقع (أفريكا ريبورت) في تحقيق حول وسائل الإعلام الروسية الناشطة في القارة الأفريقية.
  • ذكر موقع (نبض السودان) أن (جوشوا) قد ذكر أن (تيري) مُكلف بهذه المهمة من قبل بريطانيين يُشتبه بأنهم من الجيش البريطاني. نقل الموقع الخبر من موقعي (نوفيلبوس و ليدرشيب)، ولم تُشر هذه المواقع أي إشارة إلى أن (تيري) قد كُلِّف من قبل بريطانيين. وعليه، فإن موقع (نبض السودان) تعمد إضافة الفقرة المتعلقة ببريطانيا لأغراض غير معروفة.

لاحظ فريق البحث، أن مواقع (نبض السودان) و (المراسل) و (برق السودان) نشرت الخبر للترويج للرواية المتعلقة بتدخل بريطانيا في الشؤون السودانية عبر تزويد الأطراف بالأسلحة، حيث ختمت تغطيتها لخبر سقوط الطائرة بالعبارات التالية:

“وبربط الحدثين ببعضهما، أي اختفاء تيري وتحطم الطائرة البريطانية في بيراو، نجد أن الطائرة التي تحطمت هي نفسها التي أقلع بها تيري، كما أن تصريحات جوشوا كشفت النقاب عن مؤامرة وتخطيط غامض تقوم به بريطانيا في السودان من خلال سرية المهمات والرحلات التي كانت تنطلق من نيجيريا باتجاه دارفور، خاصة وأن الطائرة المحطمة كانت تحمل كميات معتبرة من الأسلحة.” أيضا، وجد فريق البحث في (بيم ريبورتس)، أن موقع (إمكانيات أفريقيا الوسطى) يروج لدور روسيا الاتحادية في أفريقيا. فقد عقد الموقع مقارنة بين الدور الروسي والدور الفرنسي في أفريقيا، وروج للدور الروسي، باعتبار أن الأفارقة أصبحوا لا يريدون الوجود الفرنسي بالقارة.

للتأكد أكثر، استخدم فريق البحث في (بيم ريبورتس) تقنيات المصدر المفتوح للعثور على أي أدلة قد تؤدي إلى نتائج جديدة. وجد الفريق أن موقع (كوربيو نيوز أفريقيا الوسطى) قد نشر تقريرا يفند فيه الرواية المذكورة بعد تواصله مع سكان بيراو، والسلطات المدنية والعسكرية بالمنطقة، الذين نفوا بدورهم وقوع أي حادث تحطم طائرة بالمنطقة.

بالبحث في صفحة السلامة الجوية بمنتدى (طريق الطيران) التي تؤرشف جميع حوادث الطيران حول العالم، لم نجد أي خبر يشير إلى وقوع الحادث المذكور بالمواقع هذه.

تشير (بيم ريبورتس)، إلى أن حوادث الطيران تلقى اهتماماً خاصاً، بالإضافة إلى الرواج الذي تلقاه في وسائل الإعلام العالمية لما تحمله من كوارث وخسائر في الأرواح.

الخلاصة

تشير النتائج التي بيناها أعلاه، إلى ما يدفع على الاعتقاد بأن المواقع الالكترونية التي نشرت الخبر، تعمل ضمن شبكة من وسائل الإعلام الإفريقية والسودانية الموالية لروسيا تتعاون فيما بينها، من أجل تمرير خبر مفبرك تؤثر به على الرأي العام، لخلق رواية معينة، تمهد بها لحدث معين متعلق بالوجود الروسي والبريطاني بالسودان. المُرجح، أن هذه المواقع تمهد للإشارة إلى أن بريطانيا تعمل على إشعال الوضع في دارفور، عبر إمداد بعض الجهات بالأسلحة.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع