كيف تسعى شبكات إعلامية روسية للتلاعب بالمحتوى العربي على (تويتر) ؟

بالتزامن مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، ظهرت مئات الحسابات الناطقة باللغة العربية على موقع تويتر والتي انشئت حديثاً، وانضمت لحسابات قديمة نسبياً.

وتنخرط جميع هذه الحسابات -الحديثة والقديمة نسبياً- في حملات ترويج ودعاية لموسكو، بجانب نشر معلومات مغلوطة ومضللة عن وقائع الحرب الجارية هناك منذ أشهر، وبنظرة سريعة على أنشطة هذه الحسابات يبدو أنها شبكات روسية تعمل ضمن حملة منسقة تسعى للترويج لوجهة نظر موسكو.

والمثير للإنتباه، أن جميع هذه الحسابات الناطقة باللغة العربية، والداعمة لروسيا، في تناولها للحرب، تتبنى إبراز سردية “الحرب العادلة”، وتعيد تكرار رواية موسكو بأنها “تخوض حرباً عادلة للدفاع عن مصالحها ومصالح الدول الفقيرة، مقابل الدول الغربية التي تهيمن على العالم تحت (لافتة النظام العالمي الجديد)”.

ووضعت الحرب الدائرة في أوكرانيا، الدول الغربية، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، في مواجهة مباشرة مع روسيا، بعدما فرضت واشنطن وعدة عواصم غربية أخرى حزمة عقوبات مشددة على موسكو.

كما أثر الغزو الروسي لأوكرانيا، على انسياب إمدادات القمح للعالم، حيث تُعد كييف وموسكو من بين أكبر مصدري القمح في العالم، وألقت هذه الأزمة بظلالها على الدول الفقيرة، خاصة بالقارة الأفريقية، حيث يتمدد الوجود الروسي منذ سنوات في دول القارة، والسودان بصفة خاصة.

وتظهر غالبية الحسابات – موضوع التقصي – بشكل رئيسي تحت عنوان: (الأحداث)، مثلاً يوجد حساب باسم (الأحداث الأمريكية) و(الأحداث الصينية) و(الأحداث الروسية)، كما توجد حسابات أخرى بأسماء روسية، ينخرط فيها أشخاص يدّعون أنهم صحافيون وإعلاميون ودبلوماسيون روس.

وتتأسس منهجية النشر التي تستخدمها هذه الحسابات، على توزيع أخبار مغلوطة أو مختلقة أو مجتزأة، فيما يتم في حالات عديدة؛ أن تنشر هذه الحسابات المتنوعة نفس المحتوى، على الرغم من أنه يُفترض ألا يكون هناك رابطاً موضوعياً بين حساب يتناول الأخبار الأمريكية، وآخر يتناول الأخبار الروسية على سبيل المثال.  

أيضاً تنشر الحسابات أخباراً عن المعدات الحربية والعسكرية الروسية.

كما تعمل ،ايضاً، هذه الحسابات، في بعض الحالات، على إعادة نشر تغريدات لمنصات صحفية روسية رسمية مثل (RT) عربي، وعلى سبيل المثال، أعاد حساب (الأحداث الأمريكية) نشر فيديو لمسيرة في القدس يوم 4 يونيو الحالي، الذي نشرته أولاً الوكالة الرسمية الروسية. 

كما تتبنى هذه الحسابات، في بعض الحالات، نشر أخبار لا يوجد رابط موضوعي في تناولها بشكل عام بالنسبة لنشاطها الأساسي في النشر، مثلاً تناول حساب تحت اسم (عاجل||الحرب||News) والذي ينشط بشكل أساسي في أخبار الحرب الأوكرانية، ويتابعه أكثر من 14 ألف شخص، خبراً عن إساءة أعضاء في الحكومة الهندية للدين الإسلامي والتي أدانها حكام مسلمون رسمياً، لكن الحساب تعمد إثارة النعرات الدينية بالإساءة والاستخفاف بأحد الأديان الهندية، وهو الأمر الذي يعزز الإعتقاد بأن هذه الحسابات  تستهدتف بصورة خاصة التأثير على الناطقين بالعربية في تويتر، علاوة على انه بالأساس يؤجج نبرة الكراهية بين مختلف شعوب العالم.

أيضاً تعمل هذه الحسابات، كمنصات إعلامية عسكرية لروسيا، وذلك بنشر بعض الهجمات الروسية على أوكرانيا، كما تعمل على تلميع صورة الروس، من خلال نشر قصص إنسانية لهم مع أسرى أوكرانيين. 

من بين الحسابات التي تعمل على نشر الدعاية الروسية بكثافة، حساب باسم (أحداث سياسية)، كما ينشط الحساب في نشر أخبار مضللة وكاذبة عبر نسبتها إلى صحف أميركية أو مسؤولين أوكرانيين أو أوروبيين. وفي هذه التغريدة على سبيل المثال، علّقت عدة حسابات عليها، بنفس وجهة النظر، دون أن يكون هنالك رابطاً موضوعياً بينها، ما يرجح أن هذه الحسابات تعمل ضمن شبكة اعلامية واحدة ذات نشاط منسق. 

في الغالب تسارع حسابات – إما جديدة أو غير واضحة المعالم- بإعادة نشر تلك التغريدات، أو التعليق عليها وفق الدعاية والمصالح الروسية.

على سبيل المثال، في يوم 26 مايو المنصرم، نشر حساب باسم (الأمبراطورية الروسية)، يتابعه أكثر من 16 ألف شخص، منشوراً عن ما زعم إنها “عملية خاصة ونوعية  للقوات الروسية استولت بموجبها على طائرات مسيرة أمريكية نوع (كاميكازي) كانت بحوزة الجيش الأوكراني”، وعلى الفور سارع 122 حساباً آخر  بأعادة نشر التغريدة، فيما نشرها كـ “كوت تويت”، حساب باسم (خالد) يضع صورة الرئيس الروسي، فلادمير بوتين، تحت عنوان (ممتاز)، وانخرط المعلقون في الإشادة (بالانتصار الروسي) على الولايات المتحدة. غالبية الحسابات التي علقت أو أعادت النشر، هي حساب جديدة وغامضة.

وفي مثال آخر، نشر حساب باسم (قوات الشيشان) أنشئ في أبريل الماضي ويتابعه أكثر من 8 آلاف شخص، صورة، في يوم 6 يونيو الحالي، عن (المطبخ الروسي)، كان قد نشرها حساب باسم (المراسلة العسكرية الروسية)  والذي أنشئ في أبريل الماضي أيضاً ويتابعه نحو 10 آلاف شخص في نفس اليوم. ويتابع حساب (قوات الشيشان) 5 حسابات فقط على تويتر وهي: (الأعلامية الروسية، كاسندرا كوزلوف، استراتيجي ، روسيا اليوم و أحداث سياسية). كل هذه الحسابات باستثناء حساب (أحداث سياسية) و(كاسندرا كوزلوف)، أنشئت عقب الغزو الروسي لأوكرانيا وكلها مرتبطة بروسيا.

وينشط حساب (استراتيجي) الذي أنشئ في شهر أبريل الماضي، ويتابعه أكثر من 28 ألف شخص، بشكل خاص في الشأن التونسي، لكنه يتبنى بشكل كبير الرواية الروسية بشأن الحرب في أوكرانيا.

وعلى سبيل المثال، نشر حساب باسم (الأحداث الروسية) – وهناك حسابات كثيرة بنفس الاسم- أنشئ في فبراير الماضي، أول تغريدة له في يوم 24 فبراير ادعى فيها سقوط مدينة (خاريكيف) الأوكرانية بيد القوات الروسية غداة الغزو الروسي لأوكرانيا.  كما نشر الحساب يومها عشرات التغريدات الداعمة لروسيا، وأغلب التغريدات تحتوي على معلومات مضللة.

أيضاً نشر نفس الحساب، يوم 25 فبراير الماضي، صورة عقد فيها مقارنة بين لاجئتين سورية وأوكرانية بالتعليق التالي: ” نفس الموقف، لكن ليس التعاطف.. اللهم أنصر الإسلام والمسلمين وبلاد المسلمين”.  رغم أن روسيا ضالعة في الحرب السورية التي قتل فيها مئات الآلاف.

من بين الحسابات التي تروج للحرب الروسية على أوكرانيا، حساب باسم الرئيس الشيشاني (رمضان قديروف) الموالي لموسكو، أنشئ في فبراير الماضي تزامناً مع بداية الحرب، ويتابعه أكثر من 76 ألف شخص، حيث دعا في تغريدة يوم 6 يونيو الحالي، إلى استمرار الحرب “حتى ترفع الولايات المتحدة والغرب جميع العقوبات عن روسيا ويعتذروا على ذلك حسب قوله”.

أعاد حساب باسم القوات الشيشانية نشر تغريدة حساب (رمضان قديروف)، ويوم 6 يونيو أيضاً نشر حساب باسم (إيلينا كوسوجروف) – ويتابعه أكثر من 94 ألف شخص وأنشئ أيضاً في فبراير الماضي – نشر تغريدة قال فيها إن “روسيا تعلن حالة التأهب القصوى والجاهزية للصواريخ البالستية العابرة للقارات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت”. تدعي صاحبة الحساب أنها تعمل صحافية في وكالة (اسبوتنيك الروسية).

كذلك يوجد حساب باسم (كاركتير ـ Caricature) أنشئ في مارس الماضي ويتابعه نحو 5 آلاف شخص، حيث درج على نشر كاريكاتيرات من وكالات صحفية روسية رسمية تروج للحرب ضد أوكرانيا مثل وكالة (اسبوتنيك الروسية).

عدد الحسابات باللغة العربية التي تتبنى وجهة النظر الروسية قد لا يكون حصره ممكناً، من بين هذه الحسابات، حساب باسم (سافينوفا ياكوشينا) – أنشئ في مارس الماضي ويتابعه أكثر من 3 آلاف شخص- يدعي من يقف وراءه أنها دبلوماسية روسية، وينشط الحساب في نشر أخبار الحرب الأوكرانية، ونشر أخبار ينسبها إلى وزارة الخارجية الروسية أو أية حكومة أخرى في العالم. 

يتضح من خلال المحتوى العام لهذه الحسابات غير المحصورة، بجانب ارتباطها ببعضها البعض، في إعادة نشر التغريدات أو التعليق، وإنشاء غالبيتها بالتزامن مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، أنها تعمل ضمن شبكة واحدة تعمل على ترويج وجهة النظر الروسية بشأن الحرب ضد أوكرانيا في محاولة للتأثير على ملايين الناطقين باللغة العربية بموقع تويتر، وخاصة بعد أن قيد موقع تويتر الحسابات الرسمية والإعلامية الروسية مع بداية غزوها لأوكرانيا ، في 24 فبراير الماضي.

وما يعزز الاعتقاد بأن هذه الحسابات تعمل ضمن شبكة روسية تستهدف التأثير على الرأي العام والناطقين بالعربية في تويتر، التصرفات الروسية السابقة والموثقة في مثل هذه الأمور، ومن بينها الحادثة الأشهر في عام 2016م، عندما حاولت شبكات روسية التأثير على مجرى الانتخابات الأمريكية، وهو الأمر الذي أثار جدلاً كبيراً في أوساط الرأي العام هناك.

ومع تنامي النفوذ الروسي في الدول الأفريقية في السنوات الماضية، أعلنت شركة فيسبوك (ميتا لاحقاً)، في السنوات الثلاث الأخيرة تفكيك عدة شبكات كانت تعمل على نشر الأخبار المضللة في عدد من الدول على رأسها السودان.

وفي العام 2019م أعلنت شركة فيسبوك، أن شبكة تضليل روسية استهدفت السودان وشملت 20 حساباً مختلفاً و18 صفحة، بعضها انتحل صفة منظمات إخبارية.

ولاحقاً في أكتوبر 2021م، أعلنت شركة فيسبوك إزالة 116 صفحة ، و666 حسابًا، و69 مجموعة  بجانب 92 حسابًا على “انستقرام”  تعمل ضمن شبكة تستهدف التأثير والتلاعب بالرأي العام في السودان.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع