الذكاء الاصطناعي … فصل جديد من حروب التضليل الإعلامي في الفضاء الرقمي السوداني

في خضم الحرب المستمرة في السودان منذ منتصف أبريل الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تضاربت الروايات حول حقيقة الحرب وأهدافها، بدءًا من إطلاق الرصاصة الأولى والتي تبادل الطرفان الاتهامات بشأن مسؤوليتها.

امتد تضارب الحقائق من مسؤولية بدء المعارك إلى السيطرة على الأرض، ثم توالت الأحداث واستمر طرفي الصراع على الأرض في حربهما الإعلامية الموازية لتعزيز رواياتهما، أو لمهاجمة خصومهما السياسيين والعسكريين. وفي سبيل تحقيق ذلك، تنشط عشرات الحسابات والصفحات على منصات التواصل الاجتماعي تناصر طرفي الصراع وتنشر معلومات مضللة ومفبركة تستهدف الرأي العام السوداني والدولي.

بينما كانت أساليب وأدوات التضليل طيلة الأشهر الماضية من الحرب تقليدية، انتقلت في مارس إلى مرحلة جديدة من التضليل باستخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب الإعلامية الموازية للحرب على الأرض بين الجيش والدعم السريع.

في هذا السياق، نشر حساب (Jonny Gould) وهو صحفي ومقدم برامج بقناة Talk Tv البريطانية في 14 فبراير الماضي على منصة إكس مقطع فيديو صوتي مدعيًا أنه مكالمة مسربة تجمع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان ونائب رئيس هيئة الأركان – عمليات خالد عابدين الشامي، يفيد محتوى الصوت بأن البرهان أمر الشامي باحتلال بيوت المواطنين واستخدامها لأغراض عسكرية (قناصة).

صاحب المقطع الصوتي ادعاء يصف البرهان بأنه رئيس جماعة الإخوان المسلمين في السودان وبأنه في تلك المكالمة يأمر من أسماهم بـ(إرهابيه) بمهاجمة المدنيين، ونشر القناصة واحتلال المباني. وقال “هل سيدعو العالم إلى وقف إطلاق النار الآن وحماية الأبرياء في السودان؟” مضيفا “لا. لأن إسرائيل ليست متورطة”، حيث تم مشاركة المقطع من قبل مجموعات مناصرة لإسرائيل واتهام المؤسسات الدولية بأنها تهتم فقط بانتهاكات إسرائيل وتغض النظر عن الانتهاكات والجرائم الأخرى في العالم.

جوني قولد الذي قام بنشر المقطع هو مذيع تلفزيوني وصحفي رياضي ومعلق سياسي بريطاني مناصر لإسرائيل و التطبيع بين إسرائيل والإمارات. قام فريقنا بفحص الصوت عبر استخدام أداة (AI Voice Detector) لكشف الصوت المولد بالذكاء الاصطناعي وبحسب النتائج فأن الصوت مفبرك حيث تم تخليقه عبر الذكاء الاصطناعي.

أول من قام بإعادة تغريد المقطع الصوتي المفبرك حساب باسم (أمجد طه) وهو كاتب وخبير سياسات إماراتي مؤيد للتطبيع بين الإمارات وإسرائيل. وبحسب منشوراته على منصة إكس يدعم إسرائيل في حربها على غزة كما يهاجم جماعة الإخوان المسلمين في السودان وفلسطين ودول أخرى.

بعد 10 دقائق فقط تم نشر المقطع الصوتي المفبرك بواسطة حساب مناصر للدعم السريع باسم (ود البحير) مدعيًا أن الصحافة البريطانية والأمريكية كشفت عن أخطر تسجيل لمكالمة مسربة لمخطط البرهان بقتل المدنيين بحسب الادعاء، وأشار الحساب إلى حساب الصحفي الأمريكي @DrEliDavid ، بحثنا في حسابه ولم نجد التسجيل منشورًا في نفس اليوم أو ربما تم حذفه، ليعاود الحساب نشره مرة أخرى في اليوم التالي.

وأضاف الحساب الذي يحمل اسم (ود البحير) أن التسجيل يأتي ضمن سلسلة من التسجيلات التي سيقومون بنشرها لاحقًا. 

ثم توالت مجموعة من الحسابات التي تناصر الدعم السريع على منصة إكس بنشر مقطع الفيديو أو إعادة نشره من الصحفي البريطاني (جون).

وفي اليوم التالي، تم تداول المقطع الصوتي المفبرك. من قبل شخصيات سياسية مثل عضو لجنة إزالة التمكين السابق صلاح مناع على حسابه في منصة إكس مع ادعاء يصف فيه قائد الجيش البرهان بقائد مليشيا علي – كرتي (الأمين العام للحركة الإسلامية السودانية).

تضليل التضليل

نشر حساب باسم (أبي) في الخامس عشر من مارس وفي رد على تغريدة صلاح مناع على منصة إكس، مقطعًا صوتيًا قمنا بفحصة عبر استخدام أداة (AI Voice Detector) وبحسب النتائج فأن الصوت مفبركًا تم تخليقه عبر الذكاء الاصطناعي، يفيد المحتوى المشار إليه بأنه تسريب لاجتماع ضم قائد الدعم السريع (حميدتي) مع قيادات من قوى الحرية والتغيير وتقدم. ويظهر في المقطع صور وأصوات قائد الدعم السريع (حميدتي) ووزير شؤون مجلس الوزراء السابق خالد عمر يوسف، ورئيس الحركة الشعبية التيار الديمقراطي ياسر سعيد عرمان.

حيث أضاف الحساب الذي نشر التغريدة محتوى يفيد بأنه قام بتزييف ذلك المقطع الصوتي بصورة مقصودة وبأنه تمت صناعته بصورة ركيكة محذرًا من اتخاذ هذه الأساليب.

لكن مع ذلك، تم تداول الفيديو المزيف المشار إليه ونشره لاحقًا تلفزيون السودان القومي في اليوم التالي، مع ادعاء يفيد بأن المكالمة جمعت خالد عمر يوسف وياسر عرمان وحميدتي قبل بدء الصراع في 15 أبريل الماضي، وأنهم كانوا يخططون لتدمير البلاد، مضيفا أن الحقيقة تكشفت الآن للجميع.

وفي اليوم نفسه تم نشر الفيديو في عدد من المواقع الإخبارية والحسابات والصفحات المؤيدة للجيش على منصتي فيسبوك وإكس، مع ادعاءت تخدم ذات الرواية القائلة بأن حميدتي وقوى الحرية والتغيير نسقوا قبل 15 أبريل لقيام الحرب.

نشر المقطع أيضًا حساب باسم (ياسر محجوب الحسين Yasir Elhussein) وهو صحفي سوداني ورئيس تحرير سابق ونائب أمين عام اتحاد الصحفيين الأسبق. 

في سياق متصل، نشر حساب باسم Noor Dahri – نور ڈاہری في 22 مارس الماضي مقطع فيديو صوتي مع ادعاء يفيد بأنه مكالمة لقائد الجيش البرهان الذي وصفة بزعيم جماعة الإخوان المسلمين في السودان وهو يأمر جنوده بمهاجمة المدنيين.

وأكد كذلك على الرواية نفسها التي نشرها الصحفي البريطاني (جون) في الفيديو الأول المفبرك، وهي أنه لا يهم وقف إطلاق النار طالما إسرائيل غير متورطة. 

نور داهاير يعرف نفسه وفق معلوماته على إكس بأنه المدير التنفيذي لمركز ITCT في بريطانيا وهي مؤسسة تعرف نفسها بأنها تتصدى لخطابات التطرف الإسلامي، وتقدم تقارير بحثية متعمقة وخدمات استشارية. وهو مؤيد للصهيونية وداعم لإسرائيل وللتطبيع بين إسرائيل والإمارات وفق منشوراته على منصة إكس. 

الملاحظ، في الأمر أن جميع الفيديوهات المفبركة التي استهدفت الجيش السوداني، تحمل ادعاء يؤكد رواية الدعم السريع الإعلامية القائلة بأنه يقاتل جماعة الإخوان المسلمين في السودان، وأن الأخيرة هي من تتحكم في قرار الجيش السوداني. 

شارك الفيديو المعني مجموعة من الحسابات المناصرة للدعم السريع مدعين أنه التسجيل الثاني للبرهان وهو يأمر جنوده بأن يقوموا بتدمير منازل المواطنين بالأسلحة الثقيلة.

ختاما عملت الحسابات التي تقصى منها فريقنا على نشر معلومات مفبركة استهدفت الجيش السوداني وعززت من رواية الدعم السريع الإعلامية القائلة بأنه يقاتل جماعات إسلامية في السودان اختطفت قرار الجيش، الحسابات التي قامت بنشر الادعاء مناصرة للفكر الصهيوني وإسرائيل كما تداولت الادعاء حسابات تناصر التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، أيضاً ربطت الحسابات بين أحداث حرب إسرائيل على غزة والحرب السودانية عبر معلومات مفبركة بالكامل.

عملت الحسابات المناصرة للدعم السريع على نشر المقاطع الصوتية المفبركة على نطاق واسع مع ادعاء مختلف تهاجم عبره قائد الجيش السوداني وتعزز من رواية الدعم السريع.

وفي السياق نفسه، تقصى فريقنا من مقطع الفيديو المفبرك الذي نشره تلفزيون السودان القومي على أنه مكالمة تجمع قائد الدعم السريع وقيادة القوى المدنية الديمقراطية تقدم، حيث أن المقطع مخلق بالذكاء الاصطناعي، وتم تداوله من قبل حسابات ومنصات مناصرة للجيش السوداني، مع ادعاء يخدم رواية تتبناها المنصات المناصرة للجيش، وهي أن الدعم السريع وقوى الحرية والتغيير متحالفان من قبل 15 أبريل وأنهما السبب الرئيسي للحرب الدائرة اليوم.

يتضح من كل ذلك أن طرفي الحرب في السودان  أضحيا يستخدمان أساليب وأدوات أكثر تطورا لصناعة المعلومات الكاذبة والمضللة منها الذكاء الاصطناعي لتعزيز رواياتهم و التأثير على الرأي العام الداخلي والخارجي.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع