كيف تشكل الإضرابات المطلبية مشهداً جديداً من الثورة السودانية؟

عشرات المطالب رفعها آلاف الموظفين والموظفات والعمال والعاملات على امتداد السودان، منذ مطلع العام الحالي، فمن مطلب زيادة الأجور إلى تحسين بيئة العمل، والترقيات الوظيفية وليس إنتهاءاً برفض الإعتداءات المتكررة على الكوادر الصحية والطبية بأماكن عملهم، تشكلت خارطة الإضرابات المطلبية المتصاعدة في عدد من القطاعات الوظيفية والعمالية، التي شهدتها عدد من ولايات السودان المختلفة.

ولتحقيق هذه المطالب، انتظم العمال والموظفين بقطاعات مؤسسية وعمالية عديدة في إضرابات عن العمل، تتباين مطالبها إلا أنها تتفق في المطالبة بحقوق العمال والموظفين الاقتصادية والمهنية.

وتشكل المطالب الاقتصادية فصلاً جديداً من فصول الثورة السودانية، التي انطلقت في أواخر العام 2019م، رافعة شعارات ومطالب سياسية، طغت على المطلب الاقتصادي.

وتأتي بعض هذه الإضرابات مشتركة بين عمال مدن كثيرة موزعين على ولايات مختلفة، مثل إضراب العاملين في الخزانات، والذي شارك فيه نحو 718 عاملاً بسدود كل من: الرصيرص، وسنار، وخشم القربة، وستيت، وجبل أولياء، ومروي. وجاء هذا الإضراب احتجاجاً على تباطؤ الجهات الحكومية في إعادة العمال للعمل في شركة التوليد المائي والطاقات المتجددة بعد أن تم نقلهم إلى وزارة الري والموارد المائية.

بينما هناك اضرابات نظمتها وتنظمها قطاعات ولائية بصورة مستقلة عن قطاعات الولايات الأخرى، مثال ذلك إضراب عمال سكك حديد عطبرة، بولاية نهر النيل،  في مارس المنصرم، والذي كان مطلبه الرئيس تطبيق هيكل الرواتب المعدل، علاوة على الاحتجاج على تأخير الرواتب. 

ومثلما تتباين مطالب الإضرابات، كذلك تتباين آجالها الزمنية، ففي حين حققت بعض الإضرابات مطالبها واعلن منظموها عن رفعها، مثل إضراب المعلمين المعروف بـ (إضراب الكرامة)، الذي نظمته لجنة المعلمين السودانيين وانتظم كل البلاد، ورُفع بعد أن حقق مطالبه المتعلقة بتحسين شروط الخدمة ورفع الأجور بالإضافة إلى إجازة تعديلات في قيمة البدلات للمعلمين والمعلمات في مرحلتي الأساس والثانوي، إلا إن هناك إضرابات ظلت متواصلة لفترات طويلة، مثل إضراب العاملين بمؤسسات التعليم العالي، الذي بدأ منذ  5 يونيو 2022م وما يزال مستمراً.

وعلاوة على إضرابات قطاعات التعليم العام والعالي، والسكك الحديدية، والخزانات، كانت الإضرابات بالقطاع الطبي والصحي معلماً بارزاً في خارطة الإضرابات المطلبية، واشهرها إضراب الكوادر الطبية في ولاية شمال كردفان، الذي بدأ منذ شهر مايو الفائت، وما يزال مستمراً، ويشمل هذا الإضراب مستشفى الأبيض التعليمي بالإضافة إلى كافة المراكز الصحية بمدينة الأبيض، ويطالب المضربون بتطبيق الهيكل الراتبي للعام 2022م، ويحتجون على تردي أوضاع الخدمات الطبية والصحية.

وشهدت إضرابات الكوادر الطبية توسعاً كبيراً، وشملت شمال السودان وجنوبه، وغربه وشرقه، وكان أحدثها إضراب العاملين بمستشفى ربك، بولاية النيل الأبيض، الذي بدأ السبت الماضي 9 يوليو، إثر تهديدات مدير عام وزارة الصحة بالولاية للأطباء بالطرد من سكنهم الحكومي، بعد اعتراضهم على ضعف حوافز عيد الأضحى.

وتأتي هذه الإضرابات كنتيجة للوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه السودان بعد انقلاب 25 أكتوبر، إذ تفاقمت الضائقة المعيشية، وأصبحت أكثر قسوة وظهر تأثيرها على حياة المواطنين. 

فعقب الانقلاب فقد السودان 40 في المئة من الإيرادات، بالإضافة إلى فقده لكل المنح والدعم الذي كانت تقدمه جهات دولية مانحة للحكومة الانتقالية. كل ذلك جعل حكومة الأمر الواقع في السودان ووزير المالية جبريل إبراهيم يقر أن موازنة العام 2022م ستعتمد على “جيب المواطن” وهو ما ظهر في مشروع موازنة 2022م ومن بعدها انعكس في أرض الواقع على شكل سياسات اقتصادية شكلت عبئاً على المواطن.

ونتيجة لاعتماد الموازنة على الضرائب، والتي زادت بنسبة 145% مقارنة بالعام 2021م شهدت الأسواق السودانية ارتفاعاً هائلاً في أسعار السلع الاستهلاكية والتموينية، بالإضافة للوقود والمحروقات.

مثلما تعكس هذه الإضرابات، التي تشمل قطاعات متعددة، حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، توضح بنفس القدر إتجاه قطاعات عمالية ومهنية فاعلة إلى الثورة على هذه الأوضاع بطريقتهم وأدواتهم، وهي الإضراب عن العمل، كوسيلة للضغط على حكومة الأمر الواقع بعد إنقلاب 25 اكتوبر.

خارطة زمنية للإضرابات في السودان منذ مطلع العام 2022:

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع