ما دور الحركة التعاونية في تحسين حياة الأسر السودانية؟

“الحركة التعاونية هي؛ مجموعة الجمعيات والاتحادات والمؤسسات التي ينشئها و يديرها أعضاؤها وفقاً لمبادئ التعاون ونظمه لتحقيق أهدافهم الاقتصادية والاجتماعية، بجانب أنها حركة شعبية شورية تؤدي نشاطها في تكامل ووحدة وفقاً لسياسة الدولة ونهجها ومواثيقها”، هكذا يُعرف قانون التعاون لعام 1999م، الحركة التعاونية، مشيراً لدورها المهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وترسيخ قيم التكافل ومبادئ الديمقراطية في المجتمع.

وتعود جذور الحركة التعاونية في السودان، إلى أواخر عشرينات القرن الماضي، وكان أول تمظهر منظم لها بظهور جمعيات التسليف الزراعي بدلتا طوكر شرقي البلاد، سبقت تكوين أول جمعية تعاونية بمبادرة شعبية في عام 1937م سميت بالشركة التعاونية. ثم اتخذت الحركة شكلها القانوني في عام 1948م بعد تقديم مذكرة لحكومة الاحتلال البريطانية، تعلن عن صدور أول قانون للتعاون والذي اكتمل في عام 1952م. (1)

ومع ذلك، شهدت حركة التعاونيات تقلبات كثيرة مع اختلاف الأنظمة الحاكمة في البلاد، لكن مثلت حقبة نظام مايو 1969م فترة ازدهار الحركة التعاونية، حيث اعتمدت الدولة على التعاونيات في الإصلاح الزراعي، وحولت عدد من المصانع المؤممة للحركة، وساهم ذلك في مضاعفة عدد التعاونيات إلى 9 أضعاف مما كانت عليه في الفترة بين عامي 1954م – 1955م، وتواصل العدد في الارتفاع حتى بلغ 10 آلاف منظمة تعاونية في 2007م. (1)

وتعتبر التعاونيات، إحدى وسائل تخفيف الأزمات الاقتصادية وتحسين المستوى المعيشي للأعضاء المنتسبين إليها، وذلك عن طريق زيادة دخلهم الحقيقي بمختلف الوسائل الإنتاجية والتسويقية الاقتصادية. ويكمن سبب فاعلية التعاونيات، في تحقيق ذلك، هو أن الهدف النهائي لها ليس تحقيق الربح، بل تعتبر وسيلة لتحرير أعضائها من السيطرة الاجتماعية والاستغلال الاقتصادي اللذين يتمتع بهما المسيطرون على المواقع الاستراتيجية في المجتمع.

في الدول النامية، يتعدى دور التعاونيات البعد الاقتصادي الذي يتمثل في توفير فرص العمل والمعيشة ومصادر الدخل، حيث تمثل التعاونيات مؤسسات ترتكز على  رأس المال البشري وتساعد في تعزيز العدالة والمساواة الاجتماعية. كما أنها مؤسسات ديمقراطية يديرها الأعضاء، مما يعزز من دورها الريادي في المجتمعات لتحقيق التنمية المستدامة.

وبالعودة إلى الحركة التعاونية في البلاد، شكلت حقبة النظام البائد (نظام الإنقاذ) 1989م – 2019م، ضربة كبيرة لها، بعدما توقف نشاط المنافذ التعاونية المخصصة لتوزيع حصص السلع المدعومة، مصحوبة بسياسات الخصخصة صاحبه تحول اهتمام الدولة إلى القطاع الخاص، وتنامي تدخل الجهات الحكومية المعنية بالتعاون في شؤون التعاونيات، مما أفقدها استقلاليتها وذاتيها، كما شهدت أيضاً توسع بنك التنمية التعاوني الإسلامي، على حساب حساب أصول الجمعيات التعاونية ودورها في الريف والحضر، خاصة الجمعيات الإنتاجية والحرفية والزراعية. (1)

الحركة التعاونية بعد الثورة

لكن، بعد ثورة ديسمبر في عام 2018م، حاولت الحكومة الانتقالية، التي شكلت في أعقاب إطاحة نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، في أبريل 2019م، إعادة الحركة التعاونية للواجهة حيث عملت وزارة التجارة والصناعة على العودة للجمعيات التعاونية للحد من ارتفاع السلع والخدمات، حيث عرضت رؤيتها في تكوين جمعيات تعاونية بمواصفات ومقاييس عالمية تعتمد على الموارد الذاتية. (1)

بعد تعيينه مستشاراً للتعاون وشؤون التعاونيات في وزارة الصناعة والتجارة الاتحادية في الحكومة الانتقالية الأولى. صرح الخبير الفاتح العتيبي في ذلك الوقت، أن رؤية الوزارة تتمثل في “تكوين جمعيات سودانية أصيلة بمواصفات ومقاييس تعاونية عالمية، تعتمد على الموارد الذاتية بناءً على قانون التعاون ولكن في إطار مفهوم ومبادئ والقيم التعاونية العالمية وذلك بالدخول للمنظومة العالمية للاستفادة من الميز والحقوق العالمية”.

وأوضح العتيبي أن الوزارة تعمل على توسيع المشاركة الشعبية من كل قطاعات المجتمع في تنفيذ رؤية الوزارة، كما ستعمل الجهات الإدارية المختصة على التثقيف والتوعية لهذه القطاعات. مضيفاً أن الحكومة قامت بحل الاتحادات التعاونية التي أنشأتها الحكومة السابقة لتغولها على الاتحادات التعاونية المنتخبة، وتم تعيين لجان تسييرية لإعادة هيكلة الاتحادات والاستعداد لانتخابات صحيحة تأتي بقيادة تعاونية منتخبة، كما تم حل مجلس إدارة المركز القومي للتنمية والتدريب التعاوني، وتعيين إدارة جديدة مصحوبة بلجنة تسييرية تعمل على إعادة هيكلة إدارة التعاون وترفيعها لوكالة للتعاون باختيار كفاءات.
وأشار العتيبي، إلى أن الطريق لتحقيق هذه الرؤية ملئ بالمصاعب، حيث تمثل المفاهيم الخاطئة التي يتم على أساسها تكوين التعاوينات أحد المشكال وتطلب عدم تمرير الجهات المسؤولة لهذه الأخطاء، عليه قامت الوزارة في ذلك الوقت بإصدار قرار يغضي بإيقاف تكوين الجمعيات التعاونية قبل ستة أشهر وبعدها أصدر قراراً لاحقاً بإلغائه وفتح المجال لتكوينها على الأسس والضوابط الصحيحة التي وضعتها الوزارة.

أنواع الجمعيات التعاونية

تنقسم الجمعيات التعاونية للأنواع الآتية

  1. الجمعيات التعاونية متعددة الأغراض، وهي: التي تباشر جميع فروع النشاط الاقتصادي والاجتماعي.
  2. الجمعيات التعاونية الاستهلاكية، وهي: التي تعمل على البيع بالتجزئة، للسلع الاستهلاكية التي تشتريها أو التي قد تقوم بإنتاجِها بنفسها أو بالتعاون مع الجمعيات التعاونية الأخرى.
  3. الجمعيات التعاونية الزِراعية الإنتاجية، وهي: التي تنشأ للقيام بإنتاج السلع الزِراعية وتخزينها وتحويلها وتسويقها، وكذلك مد الأعضاء عن طريق البيع أو الإيجار بما يحتاجونه من أدوات زراعية للمساعدة على زيادة الإنتاج الزراعي، سواء كانت هذه الأدوات من صنع الجمعية أو من صنع الغير.
  4. الجمعيات التعاونية المهنية، وقصد بها: تلك الجمعيات التي يكونها صغار أو متوسطو الحال، من المنتخبين المشتغلين بمهنة معينة، بقصد خفض نفقات إنتاجهم، وتحسين ظروف بيع منتجاتهم.
  5. الجمعيات التعاونية للخدمات، وهي: التي تقدم لأعضائها خدمات بطريقة تعاونية، كجمعيات الإسكان التعاونية والجمعيات التعاونية المدرسية والجمعيات التعاونية للنقل والمواصلات وجمعيات الكهرباء التعاونية، وغيرِها من الجمعيات.
  6. البنوك التعاونية والفدراليات التعاونية الخاصة بالتمويل والادخار والتسليف والاقراض وهي: التي يكنها الاعضاء من اجل تقديم كافة الخدمات المتعلقة بالتمويل والادخار والتسليف والاقراض.

أسباب اضمحلالها في فترة حكم الإنقاذ البائد

  • توجه الدولة 

واجهت التعاونيات في ظل النظام البائد، عقبات تمثل أكبرها في توجه الدولة المناهض للتعاونيات، وانعكس هذا التوجه في إصدار التشريعات المناهضة للتنمية التعاونية (قانون الضرائب، قانون الجمارك، الرسوم المختلفة، …) وإلغاء الإعفاءات والمزايا المتعلقة بالتعاونيات. بالإضافة إلى ذلك، وضعت هذه التشريعات العديد من القيود علي التعاونيات مما أثر في استقلاليتها وحريتها. كذلك، واجهت التعاونيات أزمة أخرى تمثلت في مصادرة ممتلكاتها وأصولها، بدايةً من المركز القومي لتدريب التعاونيات وحتى مقار ومخازن الجمعيات من دون تقديم تعويض، كما تجاهلت الدولة رغبات التعاونيين في إصدار التشريعات المناسبة والتي تضمن العلاقة بين التعاونيات وأجهزة الدولة. 

أيضاً، استمرت الهمينة الحكومية على المؤسسات التعاونيية وسيطرتها على الهيئات الحكومية وتوجيه امورها دون أن تقوم بأي حركة جادة في سبيل تحسين أوضاعها حتى سقوط النظام. 

  • ثقافة التعاونيات

من ناحية أخرى، مثلت الثقافة التعاونية الرسمية والشعبية، أحد معوقات التطور التعاوني، حيث يسود التصور الخاطئ عن التعاون والخلط بينها وبين أجهزة الدولة في أذهان متخذي القرار في قمة أجهزة الدولة، والموظفين، والجماهير، وحتى بعض القيادات التعاونية. وقد ساهم الإعلام الرسمي في مرحلة من المراحل في ترسيخ هذه الأفكار، الأمر الذي أدى إلى ضعف الثقة في الفكرة التعاوني وفي المنظمات التعاونية. 

  • الهيكل التنظيمي

عانت أيضاً الحركة التعاونية من مشكلات أخرى، مثل حالة الجمود التي ضربت الكثير من الهياكل التنظيمية والإدارية للتعاونيات، بحيث أصبحت مختلة وغير متوازنة، بالإضافة لعدم وجود أي نظم إحصائية أو قواعد بيانات يُعتمد عليها في إدارة وتخطيط قطاع التعاونيات. كذلك، ساهم ضعف الهياكل الإدارية في إضعاف أنشطة التدريب والتثقيف التعاوني وأصبحت شكلية في معظم الأحيان، كما تزايدت الأعباء المالية من نفقات جارية واستثمارية بسبب غياب المصادر التمويلية المناسبة التي تواجه التعاونيات مع تقلص حجم مواردها وإلغاء معظم المزايا التي كانت تتمتع بها. 

  • الضعف العام

رغم تاريخها القديم في البلاد، إلا أن التعاونيات لم تكن منيعة ضد الضعف والترهل الذي أصاب الكثير من القطاعات في النظام البائد، وصاحب هذا الترهل ضعف في الإنتاجية وسيطرة البيروقراطية والفساد وتغليب المصالح الفردية على المصلحة العامة. وقد أدت هذه الظروف مجتمعة على عزوف الأعضاء عن المشاركة في الأنشطة التعاونية بشكل اختياري، وفقدانهم الثقة في التعاونيات كمنظومة والقدرة على إصلاحها، وقد تمدد هذا العزوف إلى المواطنين بمستوياتهم المختلفة، حيث أصبحوا يترددون في اختيار التعاونيات كبديل لمواجهة مشاكلهم المختلفة وإيجاد الحلول لها عبر التعاونيات.  

  • التغيرات في السياسة الاقتصادية

ومن ناحية السياسات الحكومية، مثل تغير توجه السياسيات الاقتصادية للدولة بالأخض الزراعية منها على التعاونيات، حيث تغير توجهها نحو تسيير سياسة التحرير غير المتوازنة للقطاع التعاوني، واعتماد آليات السوق الحر في توجيه الموارد، مما أدى إلى تغيير البيئة الاقتصادية التي كانت تعمل فيه التعاونيات. كما واجهت التعاونيات مجموعة من التغييرات الإضافية نتيجة إلغاء الدعم وكثير من الامتيازات، تحرير سعر الفائدة، والتحرير النسبي لسعر الصرف وغيرها من الإجراءات التي دفعتها لإعادة النظر في أساليب عملها واستراتيجياتها حتى تستطيع الاستمرار، الأمر الذي أثر في أداء التعاونيات في مختلف القطاعات.

مع تاريخها المتأرجح صعوداً وهبوطاً، حسب الأنظمة السياسية الحاكمة، وجه انقلاب 25 أكتوبر الماضي، ضربة جديدة للحركة التعاونية، بعدما بدأت الحكومة الانتقالية خطوات في إعادة الحياة إليها.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع