ما أسباب إقامة (حميدتي) في إقليم دارفور؟

للمرة الأولى منذ دخوله النادي السياسي، عقب الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع، عمر البشير في أبريل 2019م، عبر منصب نائب رئيس المجلس العسكري المحلول، ولاحقاً كعضو لمجلس السيادة الانتقالي في أغسطس من نفس العام، أعلن قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) عن تغيير مقر إقامته من الخرطوم، إلى إقليم دارفور غربي البلاد.

في الثامن عشر من يونيو الماضي، وصل حميدتي إلى مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، قبل أن ينخرط في إجراء -ما أسماها- “مصالحات مجتمعية”، بعد دورات من العنف الدموي خلّف مئات القتلى وتسبب في نزوح الآلاف وحرق المنازل ودمار المزارع.

أعلن حميدتي وقتها، أنه سيبقى في دارفور لمدة 3 شهور، ولكن بعد نحو 3 أسابيع، عاد إلى العاصمة الخرطوم، حيث بقي عدة أيام، قبل أن يعود مرة أخرى في يوليو الماضي.

عاد حميدتي إلى الخرطوم، عقب أيام من بيان أصدره القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، أعلن فيه خروج المؤسسة العسكرية من العملية التفاوضية، وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة. وهو الأمر الذي أكده حميدتي في بيان منفصل لاحقاً، مثلما أعلن تأييده سابقاً في كلمة متلفزة لانقلاب 25 أكتوبر الماضي الذي نفذه البرهان.
بينما كان حميدتي يقود ما سماها بالمصالحات بين المجموعات السكانية في ولاية غرب دارفور، زار كل من ولايتي شمال و وسط دارفور، أثناء وجوده في شمال دارفور، زار إحدى قواعده العسكرية بمنطقة (الزرق)، حيث أدلى بتصريحات مثيرة حول امتلاكه سلاح مدرعات.

خلال وجوده في دارفور، بين يونيو وأغسطس، أدلى حميدتي بالعديد من التصريحات والبيانات حول التطورات السياسية الجارية في البلاد، كما زار جمهورية تشاد في خضم توترات حدودية بين البلدين، حيث وصل إلى أنجمينا في أعقاب زيارتها من قبل وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم ياسين، وحاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي.

وصل حميدتي إلى أنجمينا أيضاً، بعد أيام من زيارة وزير الدفاع التشادي إلى الخرطوم ولقائه القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، و عقدهما مباحثات حول تنشيط القوات المشتركة السودانية ـ التشادية بعد انتقال قيادتها إلى السودان.

وتأتي الزيارات السودانية ـ التشادية المتبادلة، في خضم أزمة بين أنجمينا وحميدتي، بعدما أنشأت في الأشهر الماضية، مجموعة من قوات الدعم السريع بوابة، بالقرب من معسكر خزان “كارياري” للاجئين في الحدود السودانية ـ التشادية، حيث درجوا على مضايقة المواطنين السودانيين والتشاديين الذين يعملون في التجارة والتعدين الأهلي، لذلك تم اعتقالهم من قبل الجيش التشادي وتحفظ عليهم في السجون.
ورغم أن بعض النافذين بذلوا جهوداً لعلاج المشكلة بين حميدتي والحكومة التشادية لإطلاق سراحهم لكن جهودهم ومساعيهم فشلت ما أدى لتوسط حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي بحكم علاقته بالحكومة التشادية. ومن بين تداعيات محاولة طي الخلاف، جاءت زيارة وزير الدفاع التشادي للخرطوم بالمقابل زيارة حميدتي لتشاد، على أمل رأب الصدع بينه والحكومة التشادية.
أيضاً تأتي زيارة وزير الدفاع التشادي، في خضم شكوى ضد حميدتي بادعاء أنه يدعم المعارضة التشادية.
غير أن حميدتي قال خلال عودته إلى الخرطوم في العاشر من أغسطس الحالي، حول زيارته إلى أنجمينا إنه أجرى خلالها مباحثات مع الجانب التشادي، حول أهمية تأمين الحدود المشتركة بين البلدين. مضيفاً أنه “تم التأكيد على ضرورة تمكين القوات المشتركة السودانية -التشادية من الاضطلاع بدورها لحماية وتأمين الحدود ومنع تسلل المتفلتين عبر الحدود”.
في زيارته الأولى إلى دارفور، رافق حميدتي، كلاً: من عضوي مجلس السيادة الذي أعاد تشكيله البرهان في الحادي عشر من نوفمبر الماضي، الهادي إدريس والطاهر حجر، كانا يظهران برفقته، لكن حميدتي ظل المتحدث الرئيسي في كل تلك الفعاليات.
ومع أن حميدتي، بدا منخرطاً في قضايا إقليم دارفور، أظهر في مقابلة مع قناة (بي بي سي ـ العربية)، في الأول من أغسطس الحالي، انتقادات مبطنة لرئيسه البرهان حول سوء الوضع السياسي والاقتصادي ما بعد انقلاب 25 أكتوبر.
“الإجراءات التي قام بها المكون العسكري في أكتوبر الماضي فشلت تماماً لأسباب لن أفصح عنها الآن”، يقول حميدتي في المقابلة. مضيفاً “الأوضاع الاقتصادية والأمنية باتت أسوأ مما كانت عليه قبل الإجراءات”. وأكد حميدتي في تصريحاته التي فهمت على أنها انتقادات للبرهان، أنه زاهد في السلطة ولن يترشح لأي منصب، مشيراً إلى أن قادة السلطة العسكرية جادون في قضية الانسحاب من العملية السياسية والتفرغ للمهام الأمنية.

في مقابلته، مضى حميدتي للحديث حول الجيش الموحد، قائلاً إنه لا مانع لديه في دمج قوات الدعم السريع، في الجيش في إطار تشكيل جيش قومي ومهني.
وأضاف: “حققنا الكثير من الإنجازات في غرب دارفور على مستوى توفير الأمن والمصالحات القبلية اتصالاتنا ما زالت مستمرة مع قوى الحرية والتغيير وخلافاتنا معهم حول كيفية إدارة البلاد”. لكن، المتحدث باسم منسقية النازحين واللاجئين، آدم رجال، أحصى عشرات القتلى الذين قتلوا بالرصاص أثناء إقامة حميدتي بدارفور، بالإضافة إلى مقتل نحو 20 شخصاً على الحدود السودانية ـ التشادية.
ومع أن حميدتي ذهب إلى دارفور تحت لافتة تحقيق المصالحات بين المكونات الاجتماعية المتقاتلة، إلا أن ذلك لم يكن سوى تغطية لأهداف أخرى غير معلنة، كانت على رأس أجندة زيارته إلى إقليم دارفور. مع استمرار التظاهرات المناهضة للحكم العسكري، وسقوط قتلى برصاص القوات الأمنية، وبقاء الأزمة السياسية من دون حل يلوح في الأفق، قرر حميدتي المغادرة إلى دارفور للابتعاد مما يحدث في الخرطوم، ولقطع الطريق أمام أي توافق بين قوى الحرية والتغيير والسلطة العسكرية، كذلك كان الهدف إبعاد عضوي مجلس السيادة الذي شكله البرهان، الطاهر حجر والهادي إدريس المنضوين في تحالف مع الحرية والتغيير.

لكن، الهدف المباشر لإقامته في دارفور، كان تقديم نفسه كزعيم سياسي على مستوى السودان عامةً ودارفور على وجه الخصوص، حيث نصحه مستشاروه بأن الطريق لترشحه في أي انتخابات محتملة يبدأ من تبني توحيد القيادة الدارفورية تحت زعامته.
“لدى الدعم السريع، تنسيقيات داخل جميع مكونات دارفور تعمل على استقطاب الدعم السياسي له وتحسين صورته في الإقليم الذي اكتوى بنار الحرب”، يقول مصدر مطلع على زيارة حميدتي إلى دارفور لـ(بيم ريبورتس).
“ربما تكون زيارته إلى إقليم دارفور لها علاقة بالترتيب لانتخابات قادمة ومحاولة خلق حاضنة سياسية واجتماعية” يقول المتحدث الرسمي باسم حركة جيش تحرير السودان، بقيادة عبد الواحد النور.

ويضيف محمد عبد الرحمن الناير لـ(بيم ريبورتس) “إن زيارة حميدتي ومجموعته إلى دارفور، وما يتحدثون عنه حول عقد مُصالحات بين القبائل، للأسف انهم يقرأون من نفس كتاب البشير”. مثل هذه المعالجات لن تحقق الهدف المنشود بهذه الطريقة. فالأزمة في الخرطوم وليس في دارفور، فالحكومة عبر أجهزتها الأمنية هي من تؤجج النيران والحروب القبلية وتسلح المجموعات العرقية”.

ورأى الناير أنه لا بد أن تكون هنالك حكومة جادة وغير منحازة تقوم بواجبها في جمع السلاح من أيدي المواطنين، وتطرد المستوطنين في أراضي المواطنين، وأن يكون هناك سلام دائم وعادل ومستدام، وتعاد هيكلة كافة مؤسسات الدولة وفق أسس جديدة. مشيراً إلى أن هذا الأمر لا يتأتى إلا بعد انتصار الثورة وإسقاط الإنقلاب، وتكوين حكومة انتقالية مدنية تعبر عن الشعب السوداني وثورته الظافرة.

وقال: “ما قام به حميدتي ومجموعته هو تبديد للموارد وأموال الدولة، ولا يعالج الازمة، فهو ذات المنهج الذي اتبعه النظام البائد وعقد عشرات المؤتمرات المماثلة، وظلت الأزمة ماثلة والنزيف مستمر”.
خلال عودته إلى الخرطوم يوم الأربعاء الماضي، أطلق حميدتي اتهامات جديدة على جهات ـ لم يسمها ـ قال إن لديها مخططات خبيثة تستهدف تماسك النسيج الاجتماعي، مضيفاً “نحن مدركون لهذه المخططات وسنكشف عن من يقف وراءها”.

سواء أن بقى حميدتي في اقليم دارفور لثلاثة أشهر أم لا، تظل تحركاته بالإقليم المنكوب، تحت لافتة المصالحات، هي تحركات أبعد ما تكون عن تلك اللافتة المرفوعة في وجه وسائل الإعلام، لكنها ذات أهداف أخرى من بينها البحث عن قاعدة شعبية أو حاضنة اجتماعية تساهم في تحقيق طموحاته السياسية عبر شراء أصوات الناخبين في أي انتخابات مقبلة.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع