كيف تسببت فيضانات السودان بخسائر كارثية في الأرواح والممتلكات؟

استيقظ سكان مدينة المناقل، في صبيحة 16 أغسطس الجاري، على واقع لم يألفوه من قبل، إذ اجتاحت سيول مفاجئة المدينة ومحيطها، ودفعت بسكانها إلى العراء.

لم تشهد مدينة المناقل، في التاريخ القريب، سيول بهذه الكيفية. “سألنا كبار السن في المنطقة هل مَرّ عليهم مثل هذا السيل، هناك من يقول قبل 80 سنة، وآخرون يقولون 60 سنة. لكنني طوال حياتي (48 سنة) لم أر مثل هذا السيل”، يقول محمد عبد الله، أحد سكان منطقة (الكرميت) بمحلية المناقل، ولاية الجزيرة.

والمناقل ليست وحدها في مواجهة هذه المأساة، فعلى امتداد البلاد استيقظت مدن وقرى عديدة، لتجد نفسها خارج خارطة اليابسة، وقد تحولت مساحاتها إلى نهر جرف كل شئ.

فقد اجتاحت السيول والفيضانات 15 ولاية من بين ولايات السودان، البالغ عددها 18 ولاية، وتسببت في مقتل 99 شخصاً وخلفت 93 إصابة حتى يوم أمس، الأحد 29 أغسطس. وبلغ عدد المتأثرين والمتضررين من الأمطار والفيضانات نحو 226.179 شخصاً منذ مايو وحتى تاريخ اليوم. ويبدأ موسم الأمطار في السودان في شهر يونيو ويستمر عادةً حتى سبتمبر، وتكون ذروة هطول الأمطار والفيضانات ما بين شهري أغسطس وسبتمبر.

وبحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة، يوم أمس، الأحد 29 أغسطس، فإن أكثر الولايات تضرراً هي القضارف (45,270 نسمة) وسط دارفور (39,448) وجنوب دارفور (30,677) والنيل الأبيض (26,592) وكسلا (25,890) ونهر النيل (15,722) وغرب دارفور (15,504). كما تأثرت ولايات أخرى بدرجات متفاوتة وهي: غرب كردفان (5,855)، وجنوب كردفان (5,765)، وشمال كردفان (4,410)، وشرق دارفور (3,650)، وسنار (3,164)، والجزيرة (2,250)، والخرطوم (1,296)، وشمال دارفور (686).

الكارثة الإنسانية في مدينة المناقل، لم تحدث من قبل، فمنذ تأسيس مشروع الجزيرة في العام 1925، كانت قنوات المشروع تشكل حماية للمدينة. “في الماضي، كانت الأمطار الغزيرة تتسبب في القليل من السيول، التي ربما تستمر ليوم أو أثنين ثم تجف المياه، دون حدوث أي أضرار. لكن هذه المرة، استمر تدفق المياه لنحو خمسة عشر يوماً ولم يتوقف جريان الماء بعد” – هكذا يقول محمد عبد الله، في إفادته لـ (بيم ريبورتس) عن السيل الذي ضرب منطقة المناقل بولاية الجزيرة.

وكانت القنوات والترع، خلال السنوات الماضية، تشكل شبكة حماية قوية ضد السيول والفيضانات القادمة من مناطق بعيدة، لكنها لم تصمد هذا العام. حيث تدفقت المياه خارج قنوات الري وخرجت عن السيطرة، وانهارت السدود الترابية. لتجتاح المياه قرى المناقل، وتحولها لجزر سابحة وسط الماء، مما اضطر السكان إلى هجرتها بالكامل إلى مناطق أخرى نشداناً لسلامتهم.

وفي الفترة ما بين 16 إلى 19 أغسطس الحالي، تسببت السيول في نزوح ما يزيد عن الـ 2,500 شخص وهم يشكلون 17 قرية ضمن محلية المناقل، بالإضافة إلى الكنابي التابعة لها. ويقيم النازحون حالياً في أربعة مدارس حكومية واستاد رياضي للناشئين.

وشرقاً، امتد تأثير السيول والفيضانات ليجتاح ولاية كسلا، شرقي السودان، إذ ارتقت أرواح سبعة أشخاص، أمس الأحد، في أحدث موجة فيضانات لنهر القاش، وشهد النهر ارتفاعاً في مناسيب المياه خلال الأربعين يوماً الأخيرة نتيجة لتدفق أمطار غزيرة من الهضاب الأرترية. وبالإضافة إلى الخسائر في الأرواح فإن هناك أكثر من 36 قرية تحاصرها المياه ولا يمكن الوصول إليها بحسب لجنة الطوارئ المحلية بكسلا. وشهدت الولاية انهيار أكثر من 4 آلاف منزل جراء السيول.

وتنذر كارثة السيول والفيضانات الحالية بأزمة كبيرة ، في جميع أنحاء البلاد، فيما يتعلق بانتشار الأمراض وانعدام الأمن الغذائي، ويأتي القلق من انهيار 2500 مرحاض واختلاط مخلفاتها مع المياه الجارية، الأمر الذي يشكل خطراً يفاقم من تفشي الأمراض، ومن جهة أخرى فإن المرافق التي تقدم الخدمات الصحية لم تسلم من الانهيار، حيث تهدم  500 مرفق صحي.

ويزداد هذا الخطر في ولاية نهر النيل، شمالي السودان، حيث جرفت السيول مخلفات التعدين المليئة بالزئبق والسيانيد (مواد كيميائية ضارة تستخدم في عمليات التعدين) إلى مجاري المياه، مما يهدد بكارثة بيئية كبيرة، خاصة وأن هذه المواد الكيميائية لا تذوب في المياه، ولها مخاطر صحية كبيرة على الجهاز التنفسي والكثير من الأمراض.

ومع هذه الأوضاع المأساوية فمن المتوقع أن يتأثر حوالي 460,000 شخص بالفيضانات خلال هذا العام، وهو رقم مرتفع للغاية مقارنة مع الأعوام الماضية، والتي كان عدد المتأثرين فيها 314,500 شخص (عام 2021)، ومتوسط 388,600 شخص ما بين أعوام 2017 إلى 2021.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع