هل تشكل (دورات الصيدلة الوظيفية) خطراً على حياة السودانيين ؟

عشرات الحكايا والقصص يتداولها السودانيون في لقاءاتهم لوقائع تدور أحداثها بالعديد من الصيدليات، حول صرف أدوية ومستحضرات طبية بخلاف التي كتبها الطبيب المُعالج لطالب العلاج في ورقة وصفة الدواء (الروشتة)، وكل قصة تكاد تقود  إلى كارثة صحية أو تنهي حياة إنسان، بسبب استخدام دواء خاطئ.

وخلال الأسابيع الماضية، كتب أحد مستخدمي موقع فيسبوك، شهادة شخصية حول صرف مستحضر طبي خاطئ لطفل عمره خمسة أشهر، وقال انه كان يحمل روشتة لحليب خاص بالرضع (فري لاكتوز) إلا أن الصيدلي قدم له زجاجة مشروب دوائي، وقال له يجب على المريض تناول ثلاثة ملاعق كل مساء.

فتحت هذه القصة، الباب واسعاً أمام العشرات من المتضررين من صرف أدوية خاطئة، ودفعتهم لسرد العديد من القصص المماثلة، اتفق أغلبهم على مراجعة أكثر من صيدلية عند شراء الدواء او المستحضر الطبي المطلوب، وعدم الوثوق بأول دواء يصرفه الصيدلي.

تنتهي أغلب تلك الحكايات بالاتفاق على أن السبب المباشر في ذلك هو أن أغلب أصحاب الصيدليات يفضلون توظيف خريجي دورات الصيدلة الوظيفية، من حملة شهادات الثلاثة أشهر.

ودورات الصيدلة الوظيفية هي دورات تقام بمراكز تدريب، تعمل بموجب ترخيص من قبل الإدارة العامة للتدريب، و تتراوح مدة الكورس بين شهر الى ثلاثة أشهر، وهي متاحة للجميع من حاملي الشهادات الثانوية، والجامعية، و ليست حصرا على طلاب التخصصات الطبية.

بالرغم من أن الشهادات التي يحصل عليها المتدرب من هذه الدورات لا تخوله لمزاولة مهنة الصيدلة الا أنها انتشرت مؤخراً بصورة ملحوظة و ازداد عدد الراغبين في الانضمام إليها ، يعزى ذلك للتجاوزات التي يرتكبها ملاك الصيدليات بتوظيف حاملي شهادات دورات الصيدلة الوظيفية كصيادلة أو مساعدي صيادلة.

ومن المتعارف عليه بموجب القوانين السارية بالبلاد، أن مزاولة مهنة الصيدلة، تقتضي الحصول على رخصة من المجلس الطبي السوداني و لا يحق لأي شخص ممارسة المهنة دون أن يكون مسجلاً بسجل المجلس الطبي.

وفي هذا السياق، تقول الطبيبة الصيدلانية، شذى صلاح الدين، لــ(بيم ريبورتس)، “لقد مررت بكثير من  الاخطاء الفادحة و التي غالبا ما يتضح بعدها أن الموظف في الصيدلية ليس صيدلياً يحمل رخصة صيدلي و لكنه يحمل شهادة الثلاث أشهر، لأن أصحاب الصيدليات يفضلون توظيف حاملي شهادات تلك الكورسات لعدة أسباب تعود جميعها لتقديمهم العامل المادي و الاستثماري على بقية العوامل، ومنها أن حاملي شهادات تلك الكورسات يقبلون برواتب زهيدة مقارنة برواتب الصيادلة، و أنهم اكثر جرأة من الصيادلة في صرف الادوية مما يسهل عملية البيع و يجعلها تمر بسلاسة، لان الصيدلي يطرح كثير من الأسئلة ويتأنى في صرف الأدوية الاعتيادية كالمضادات الحيوية و غيرها، و أنه يضع في الحسبان جميع العوامل كعمر المريض وحالته الصحية، أو إذا كان يتلقى علاج آخر الى جانب العلاج المطلوب ذلك لمعرفة الصيدلي بجدية المسألة و إدراكه لخطورة التجاوزات الطفيفة التي قد تسبب مشاكل صحية يمكن أن تؤدي إلى وفاة الشخص”.

و تعزي شذى هذه المشكلة لانعدام الرقابة و تهاون الجهات المسؤولة، و على حد قولها: “أن الادارة العامة للصيدلة ليست صارمة بخصوص الصيدليات إذ أنها تجري جولات ميدانية في أوقات محددة خلال العام بغرض المتابعة و غالبا ما يتدخل جانب المحسوبية والوساطة في تفعيل العقوبات إذا تم الإخلال بأحد القوانين المتعلقة بالصيدليات مثل توظيف شخص لا يحمل رخصة صيدلي من المجلس الطبي السوداني”.

و تشير شذى، الى أن الغرامة التي تفرضها الجهات المسؤولة زهيدة جدا و أن أصحاب الصيدليات يفضلونها مقارنة براتب الصيدلي.

وفيما يتعلق بالتأهيل المطلوب لمزاولة مهنة الصيدلة، فتبدو مدة الثلاثة أشهر – التي يتلقى فيها موظفي الصيدليات الكورس التدريبي – غير منطقية إذا قورنت بالفترة التي يقضيها طالب بكالوريوس الصيدلة بالجامعات، والتي تتراوح بين 4 – 5 سنوات، ومن ثم الحصول على رخصة مزاولة المهنة، أو ثلاث سنوات لطلاب دبلوم الصيدلة، وبعدها الحصول على رخصة مساعد صيدلي و التي بدورها تشير للمسؤولية العظيمة التي تقع على عاتق الصيدلي و مدى خطورة وأهمية موقعه الذي يجعله المسؤول الأول عن الممارسات الدوائية الآمنة حيث يعتمد الصيدلي على معرفته بالعلاجات المصنعة وآثارها الجانبية المحتملة التي قد تسبب مشاكل صحية للمريض بالاضافة لدوره الأساسي في تعزيز الصحة العامة ورفع الوعي المجتمعي بشأنها.

لكن الصيدليات اليوم تحكي واقعا مختلفا في تجاوز صارخ للقوانين التي تقوم عليها مهنة الصيدلة، و كغيرهم من المهنيين يحتاج الصيادلة لقوانين و تشريعات تنظم وتحافظ على مهنة الصيدلة و تحول دون المساس بمصداقية ومهنية الصيدلي.

وفي هذا الصدد يعمل العديد من الصيادلة على نشر الوعي بخطورة هذه الظاهرة ومحاربتها و الحد منها بكل الطرق الممكنة لما فيها من تهديد للمهنة و حياة الأشخاص .   

يقول رئيس فرعية الخرطوم بالهيئة النقابية لصيادلة المجتمع، هاني نبق، لــ(بيم ريبورتس) : “أن فرعيات الهيئة النقابية تعمل جاهدة لمحاربة الكورسات التي تتيح للأشخاص العمل كصيادلة بعد 3 أشهر فقط من التدريب، و في جهودنا لمجابهة هذه الازمة توجهنا لعدة جهات منها المجلس الطبي السوداني و المجلس القومي للأدوية والسموم حيث طالبنا بزيادة الغرامة المفروضة على التجاوزات، و تشديد الرقابة عليها و قد تلقينا الكثير من الوعود حول هذه القضية، طالبنا الادارة العامة للتدريب بايقاف هذه الكورسات بصفتها غير قانونية و لا تجيز لأي أحد أن يعمل كصيدلي او مساعد صيدلي”.

و أشار نبق الى ان النقابة تعزي هذه المشكلة لانعدام الرقابة و الإفلات من العقاب، حيث ان العقوبات قد تصل الى حد سحب الرخصة ولكن تلك القوانين لم تطبق على ارض الواقع، بالاضافة الى ان الاشخاص الذين يحملون شهادات هذه الكورسات غالبا ما يقبلون برواتب أقل بكثير من تلك التي يحصل عليها الصيادلة المسجلين، معتبراً هذا الأمر “تهاوناً من ملاك الصيدليات و مشكلة حقيقية”، وأكد أن “النقابة ماضية في جهودها نحو انهاء هذه الظاهرة تماما و انقاذ مهنة الصيدلة”.

و في إطار خطوات النقابة لمحاربة هذه الظاهرة ناقش ممثلي فرعيات الهيئة النقابية لصيادلة المجتمع في اجتماع مع المجلس القومي للأدوية والسموم القضايا المتعلقة بمهنة الصيدلة ، وقد طالب ممثلي النقابة المجلس بـ“اتخاذ إجراءات حاسمة بخصوص كورسات الصيدلة المهنية و اكدو على ضرورة فرض الرقابة بشأنها”، و رد المجلس بالتأكيد على التنسيق و التعاون المشترك بشأن القضايا المتعلقة بمهنة الصيدلة و على اهمية عقد اجتماعات دورية لمتابعة سير العمل على تلك القضايا.

خطوات كثيرة تقودها عدة جهات مرتبطة بمهنة الصيدلة للتقليل من المخاطر الناجمة عن كورسات الصيدلة الوظيفية، التي باتت تشكل معاناة إضافية للسودانيين، فما من يوم يمر إلا وتسمع قصة جديدة عن صرف دواء خاطئ ضاعف من مصاب شخص مريض، وعلى الرغم من تصاعد هذه المأساة إلا أن  مراكز التدريب التي تقيم كورسات الصيدلة الوظيفية ما زالت تروج لها، والجهات المسؤولة عن تنظيم مهنة الصيدلة لا تلقي بالاً لكل هذه المشكلات.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع